Telegram Web
‏( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ )
‏لمّا استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم.
‏مبارك عليكم رمضان، شهر الخير والرضوان، سألت الله به ثمره فأعطاني الحديقة والبستان.
❤️
- يتساءل "دانييل ديماركيه" في كتابه كافكا والفتيات عن الأسباب الدينية التي حصرت علاقة فرانزكافكا بالنساء في أطار تبادل الرسائل فقط !
تساءل ولكنه لم يتوقف طويلاً عند هذه النقطة ولم يجد مايمكّنه من الأجابة على ذلك.


- يقول: في كل مرة التقى فيها «كافكا» ب«فتاة جديدة» انتهى الأمر ب«انتصار الكتابة» على «متعة السعادة». ومن خلال كل «لقاء» مع امرأة كان «يخرج» كتابا.


- رواية المحاكمة كانت بعد علاقته مع الفتاة الألمانية فيليبس ...
‏"الحب والفن هما الشيء نفسه؛ إنها عملية رؤية نفسك في أشياء ليست أنت."
‏- تشاك كلوسترمان
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
الأدب حِليةٌ وزينةٌ للمعرفة، أياً كان نوع تلك المعرفة، فهو يكسبها رونقاً بهياً، ويبث فيها أثراً من آثار الروح، حتى تحُسَّ فيها حياةً من حياة ذلك الإنسان الذي يعالجها ويُعبِّر عنها..
والأدب -كما لا يخفى- يُكسب المرءَ تجويدَ أسلوبه في الإبانة عن نفسه، وتحسين نظرته إلى الحياة، وهو أقرب التخصصات من الجميع، وأطوعها لِأَنْ يكون رديفاً لأيِّ تخصص آخر، فما أجمل أن يكون الطبيب أديباً، والمهندس أديبا، والعالِم أديبا، بل ما أقرب الأدب من رجل الشارع، وحارس العمارة، والبنّاء، وربة المنزل وغير ذلك من أفراد المجتمع.. وما أحسنَ أن يقتربوا هم من الأدب ليُحسِنوا حكاية قصتهم، وليبلغوا أرقى مراقي البيان في التعبير عن النفس الإنسانية في شتى ميادينها ومشاربها..
وأزعم أن الأدب إنما يَغنى ويَثرى بمقدار ما تَرفده تجارب الحياة من خارجه، ولا يُفقِره شيءٌ مثلُ أن يدور حول نفسه، ويؤول به الأمر إلى صَنعة لفظية، وبهرجٍ خالٍ من المعاني التي تتدفَّق بها هذه الحياة، ويصبح وِعاءً يرُوعُك منظرُه وجودةُ صنعته، فإذا نظرتَ فيما يحمله لم تجد إلا الهواء!
ولا تسُحُّ ملَكةُ الأديب بأغنى وأحلى آياتِ البيان حتى ينغمس في تجارب الحياة، ويعانيها، ويذوق مراراتها، ويتيه في تفاصيلها، فإنه حينئذ يكون: "كعودٍ زاده الإحراقُ طِيبا"، ويستحيل ذلك الإحراقُ إشراقاً في روحه، ومن ثَمَّ في أدبه وبيانه
تقول أمي إذا ألبستُها ثوبَ المديح، وأخذتْها نشوةُ الفخر، حتى لكأنها تخال الأرض تتهتك من تحت قدميها:

- إذا جبت بنت، سمّها على اسمي.

لكني أعود أمازحها قائلاً:

- وإذا جبتي انتي ولد، سمّيه على اسمي.

فتقول:

- خلاص، جبت وسمّيت. باقي أنت يا ولد فلانة، ورّني شطارتك.

يحلو لي مشاكستها بقولي لها إن الأمهات اللاتي يلدن مثلها انتهين، وإني باق لها ما دام الأمر كذلك. تدعو لي، ولكنها لا تنسى أن تشعر بما انطوى عليه ردّي من ثناء، فأراها ترتفع رويدا رويدا، وأسعى سريعا لتغيير الموضوع لكي تبقى أمي بجانبي، في غرفتي، وأنا أتناول شيئا من صنيعها. أمي تريد من ربي أن يمتد بها العمر قليلاً، فقط إلى أن ترى أحفادها مني. يا ربّ حقق لأمي ما تريد.
الكفار يحتفلون بالكريسمس، وأنا أحتفل بصداعي وأسمع نباح الكلاب من البيوتات الخربة التي تطل عليها نافذتي الصغيرة المرتفعة ولذلك لا أستطيع النظر منها إلا بمساعدة الكرسي ذو الأرجل الثلاثة. تذكرين عندما كنتِ تخبريني أن الأطباء في العيادات الخاصة لا يصلون لأجل مرضاهم وكنت لا أصدقك، اليوم كان الطبيب يدعوا علي أو بدا لي الأمر كذلك بعد أن أخبرته أن الدواء الذي وصفه لي لا ينفع لصداعي. لست أقول هذا لتشفقي علي لكن أحاول أن أبحث عن مقدمة جيدة لأنها ليست المرة الأولى التي أفكر أن أكتب لك فيها، كتبت لك مرة رسالة بعد طردي من العمل، لم أكن حزيناً على أي حال لقد كان عملاً مزعجاً للغاية ولا أستطيع تحمل فكرة أن أنام متأخراً واستيقظ لأجل هذا العمل اللعين. وتعرفين أن مزاجيّ مثلي يمل من الأشياء المحببة كيف بعمل بغيض كأن يكون الإنسان إحصائي في مكتب صغير يملأه الذباب. كل ما أفعله هو تحويل الناس إلا أرقام. كم شخصاً مات هذا الشهر ؟ عشرة يريدون مني أن أكتبها دون أن أهتم لأي شيء آخر. كيف هي حال أم الرجل الثاني سمعت أنها لم تتحمل خبر وفاته ؟ ولماذا نهتم لشيء مثل هذا، المهم أن ندون أبنها كرقم في سجل الوفيات. الجيد أنهم طردوني لأجل عمل إنساني قمت به، في آخر يونيو كان علي أن أًعد الإحصائية الشهرية. كان لدينا ما يقارب أربع حالات وفاة لم أعد أتذكر على وجه الدقة فتحت دفتر إحصاء الوفيات وبدأت في تدوين الحالات. بدأت في الحالة الأولى الاسم كاملاً وكان هذا ممنوع تماماً يجب أن تكتب رقم فقط وتذكر إن كان ذكراً أو أنثى و كم أمضى من سنوات عمره. بعد أن اطلع على هذا الأمر رئيس القسم وجه لي إنذار وأنه أمر غير مقبول أبداً، عندما كررتها في الشهر الذي يليه تم الاستغناء عني بعدما اشتد النقاش حول هذا الموضوع مع رئيس القسم. كتبت عن هذا في رسالة مفصلة لكن لم أرسلها لكِ.

- أفكر في الانتقال لشقة صغيرة أو ربما استأجر غرفة واحدة في أي بناية قديمة قريبة من البحر. لا أستطيع دفع قيمة إيجار شقتي الحالية ومساحتها كبيرة لا أستفيد منها فمنذ فترة طويلة لم يزرني أحد سوى العامل الأسمر القصير ‘‘ اوميش ‘‘ تعرفين أحب أن أكون دائما أكثر إنسانية وأعتقد أن علاقتي بعامل مثل أوميش تجعلني كذلك، بدأت أتحدث معه بعد أن أصبح يوصل لي الجريدة كل يوم، صحيح أني لا أقرؤها لكن أحببت أن يطرق باب شقتي أحد ما وأظنه أحب تبغي. شاركني التدخين وشرب الشاي أكثر من مرة وكانت لغته العربية جيدة حدثني كثيراً عن أحداث سياسية لا أفهمها وعن الفقر وعمال المصانع في بلاده وعن تجار المخدرات وعن بيع الأطفال، بالأمس شعرت أنه يحاول دعوتي لدين جديد كان يتحدث عن الشيوعية وعن أشياء كثيرة لا أفهمها تعرفين لا أهتم بالسياسة وكل ما أعرفه عن السياسة أن نشرة الأخبار تعرض في التاسعة مساءاً، بعد أن دخنّا سوياً انصرف وبدأت ابحث في النت عن الشيوعية ظهرت لي صور جرافيتي معبرة -ربما إن وجدت الوقت أرسلت لك بعضها في رسالة لاحقة- تذكرت عبارة كنت قد قرأتها على بيت قديم يبعد أمتار قليلة عن مدخل العمارة التي أسكنها مكتوبة بخط أسود جميل ‘‘كائن يشبه انحيازاته ‘‘ ضحكت عندما تخيلت أن أوميش كتبها

- قبل أن أنسى كتبت لك قصيدة لكن لم استطع أن أخرج من أولها:
سارا، وجف الوادي إلا من صدى صوتك
حزينك
ثم لا أدري لم أستطع أن أكمل، أردت أن أقول أنك تشبهين رائحة الطين لكن لم أعرف. ربما بالغت عندما قلت أنها قصيدة حسناً كتبت لك بيت واحد. كنت أحب أن أرسل لك هذه القصيدة لو أكملتها، لذلك ولاشياء أخرى متأكد أنك تعرفينها كتبت لك هذه الرسالة المملة. سنة سعيدة لكِ سارا، وربما أعود لأرسل لك رسائل أخرى بعد أن أجد عمل جيد أو أحصل على مساعدة.

مُنفصم
الذي يتمنى حدوث أمور سعيدة لك.
2/1/2012
الفراق لم يعد مؤلماً. يا للأشياء كيف تصير مع الوقت خيالات هشّة وأعراض مؤكدة للوحشة.
كنت طوال الوقت أفكر بهذا، ووجدتني بغير تخطيط أتجه إلى عتمة الغرفة وأقلب -في خوف - مسألة التبلد على ناصية الأربعين، وكدت أتصل بأحد الأصدقاء وقد سبقني قبل سنتين إلى الأربعين فأسأله إن كان قد مر بهذه الفضيحة، وإلا مَن المسؤول عن تكلّس إحساسي بالفراق ؟
أذكر أمي عندما تضع سلتها الفارغة على رأسها وتذهب إلى السوق -أذكر - أنني كنت أغرس عيني طويلا في قامتها، وتهجم نحو رأسي أفكار لها رؤوس بخوذ سوداء، وأرعى أشجار ثوبها وهي تغادر حتى تختفي، عندئذ يعصف بي شعور من اليتم المؤثث بالعطب، أشعر أنني مريض وواهن لا شفاء لي إلا بعودتها، وأرى البيت تلفه ظلال أبعد في الكثافة، لا تعود إشراقتي وإشراقة الأشياء من حولي إلا حين تعود وأتحسس جسدها وأشم أشجار ثوبها لأعرف أنها أمي ولم يستبدلها أحد. عندما لملمت أغراضك بالأمس كنت أراقبك- يا حبيبتي- وأنا أدخن أمام شاشة التلفاز، فقط أنت نسيتي الحقيبة الصغيرة المخصصة للمحفظة والجوال، وأنا ذكرتك بها، قلت لك إن هذه الحقيبة تحتوي أغراضك المهمة لا تنسيها، وأنت تنبهت وقبضت يدك على رقبة الحقيبة بحزم، كنت أتكلم معك كأنك ذاهبة في رحلة، هل حقا صار الفراق سيسيولوجيا أخوية ؟ لم يخطر ببالي القول: تريثي أيتها المرأة التي قبل يومين احتسيت قهوتي بمعيتها على شرفات بحر ومدينة أثرية ومتحف، وإنها ساعة شيطان وكذا، صفقت الباب، وأنا حسبت أن الريح صفقته أكثر، ثم راقبتني: كنت بكامل طولي وعرضي أحدّق في خشب الباب القديم وتعبث اصابع يدي بأصابع يدي الأخرى، وشعور يلح فقط بسيجارة أخرى، وأنا عائد إلى الممر كنت أنتظر أي انفعال، استجديت أي انفعال ورجوت دموعي أو صرخاتي أو حتى فكرة الانطواء في غرفة المخزن والامتناع عن الطعام والشراب، الشعور بطعم الدموع المالح على طرف اللسان، تذكرك ثم معاودة البكاء، كل شيء من هذا لم يحدث، نمت طويلاً، نمت وحلمت بأنني أتسبح أنا ووالدي في البحر الأبيض المتوسط، كان يزيل الشوائب العالقة على سطح الماء، كانت شوائب اعتيادية على كل حال، جثمان وردة ذابلة ووبقايا خسّة وأعواد، يقول: تعال نتسابق، وعد واحد اثنين.. ثم صحوت وأنا ألهث من التعب، حاولت العودة للنوم كنت أريد أن أرى النتيجة من سيسبق أنا أم أبي، ولكنني تعبت و وحاولت الولوج من جديد إلى الحلم دون أن أشعر بأي بلل.
ثم وضعت غلاية القهوة على النار، وعدت للغرفة لإحضار القداحة، القداحة التي تعرفينها ودائماً نضيعها، ورحت وراء البيت، أتأمل السماء الملبدة بالغيوم، وأكمام الريحان التي طلعت دون أن أزرعها وامتدت من حديقة الجيران، أرتشف قهوتي، وأنا أفكر أن الحياة "من أجل العيش" وحساب أنني عشت الأيام التي خلت كلها عدّا ونقدا تكبدني خسائر، خسائر متلاحقة لا يمكن لي أن أحتمل تكرارها أكثر.
يقول تولستوي: نحن لسنا بحاجة إلى الأدباء الذين « يتفرجون » على الحياة أو الذين يتعالون على مشكلاتها وآلامها وعذاب الناس فيها. بل نحن بحاجة إلى أدباء يساهمون في بناء العالم وتخفيف عذاب الانسان.

لذلك في صوره الأدبية، يكتب مكسيم غوركي يقول: في سنين المجاعة الكبيرة التي حاقت بروسيا في تلك الأثناء هب كل من الكاتب العظيم ليو تولستوي، وتشخوف، وكورلينكو لإغاثة المحتاجين والجوعى الذين يموتون في الطرقات، وقتها لم أكن قد أصبحت كاتباً بعد، كنت مجرد جائع متشرد على الطرقات، لقد أصبت بنوبة يأس قاتلة، فحاولت الانتحار كي أضع حداً لهذة الحياة، لكن الرصاصة لم تصب القلب، بل أصابت الرئة، وقُدِّر لي أن يعيش.

الصورة: ليو تولستوي، مكسيم غوركي، وأنطون تشيخوف، المعلمون الكبار, صورة تعود إلى حوالي سنة 1900.
أغلق الباب وقال لي .

في عينيك شيء غامض هل أنت مسكون بوجع قديم ؟ بذاكرة مغدورة ؟ بتاريخ حي ؟ يجعل منك تثأر من نفسك ومن العالم على هذا النحو القاسي أنت منفى بالنسبة لي ورقعة محروقة وغابة بكر ، لا أدري لماذا أكرهك وأشفق عليك في آن ، ثم لماذا أحس بأنك تفضحني تفككني تبعثرني كلما اقتربت منك ؟ لماذا عندما تلتقي العيون بيننا أحس أنها تشرع في مبارزة عنيفة كوقع الحديد على الحديد ؟ ما الذي يجعل نظرتك تُصلصل كجرس الموت ؟ ألهذا أنت تُديم النظر إلى التراب وإلى اللا شيء ؟ ما الذي يجعل حضورك مُرهباً ومهدّماً أيضاً ؟ أنت إنسان مريض وأنا أعلن هنا أنني أكرهك هل تسمع ؟ أنا أكرهك وسوف لن أنصت لك فلو سمعت لك لربما خسرت يقيني في مواجهتك فأنت تملك حيلة القول وتملك ما به تجعل الآخر ينساق إليك أيها المراوغ الذي يُتقن كيف يستدرج ، لقد أخرجتك من عالمي وألحدت بك لقد لعنتك .


صفق الباب وخرج ، وأنا كنت أفكر بعصف ذهني متسارع وأمسك بجبهتي ماذا لو كان العالم مقلوباً ؟ ماذا لو كان العالم مقلوباً ؟ وأحسست أن الصدى يردد .
08/10/2024

مثل كل ميلاد يجيء، كل مخاوفي تتشكل على هيئة جملة : يا خوفي ما يذكرني أحد . ومثل ما قلت لنفسي التي أتهمتني بأني أكبر الموضوع : أنت لا تشعر بأنك وحيد أو محظوظ إلا في يوم ميلادك. وإن كنت أشعر بالوحدة بسبب عُطب الذاكرة الجزئي الذي يلازمني حاليًا ، ومن أجل صداقاتي التي لم تعد متينة كفاية . فجزء مني محظوظ بكم .
دائماً في كل عائلة يكون أحد أفرادها علامة فارقة ، متى عرفت أن مُنفصم علامة فارقة بين أفراد عائلته ؟

كان يتوسط مجلس أبيه الستيني المليىء بالوقار والكل يعلم صعوبة اضحاك من في سنهم حد القهقهة ، الولد مُنفصم الخرافة كان الوحيد الذي يجبر المجلس طولاً وعرضاً على الإنصات والضحك .. رغم أن الحديث كان جماعياً لكن مُنفصم كان العلامة الفارقة والوحيد الذي لا يمل .

بالمناسبة هو وهابي جداً و واقعياً أمتع عشرة أضعاف من شخصيته على النت ، و على ضمانتي هو الذي تستطيع أن تقذف به في أي مضمار وتراهن على نجاحه .
أكتوبر شهر الخير والبركة ، شهر الصراع الخفي بين قوى الخير والشر الذي أنتصرتُ فيه للمساكين الضعفاء الأرامل الأيتام والذين يعيشون قصص حب خفية ، أنا الطاقة الخفية التي يشعر بها الناس بعد مواسم طويلة من إنكساراتهم ، والأخبار المفرحة التي يتلقونها في خضم أحزانهم ، أنا الشمعة الوحيدة التي أَضيئت في سبيل عدم لعن الظلام ، أنا النور المتسرب عبر خط طويل من السواد نحو قرنية الذين حرموا من نعمة البصر ، أنا سكون المساجد وخشوع المصلين ، أنا العصفور الأحدب الذي أطلقه محمد الماغوط في كتاباته أنا أرجوحته التي بحث عنها طوال حياته ورزق بها وهو مسجى بعد موته ، أنا ظل الشجر ورائحة البحر ، أنا الأصداف المرمية ، وسر المحيط الكبير الذي أبتلعه في صدري ، أنا نصف الحياة وأنتي نصفها الآخر ..عيد ميلادي الحقيقي ياعزيزتي هو نمو صوتك على أُذنيّ ، وتسربه مثل رائحة الفراولة ، حينما تهمسين ببطئ شديد وخجل لا يليق إلا بك دون نساء العالمين ، وكأنك تحرثين الحروف تحرثينها مثل أرض المزارع الذي يدعو الله في الليل من أجل أن تنمو سنابله وتحيا أرضه ..مُنفصم عيد ميلاد سعيد ، بهذه الكلمات تنهمرين مثل أثرجة رائحتها طيبة وطعمها طيب ، شفتيك تزفران بالحروف بحثاً عن فراغ أكبر في الهواء لتنطلق فيه ، الفراغ الكبير الذي لا يسع الطيور التي تطلقينها للحرية للحياة ، ألم أخبرك مسبقاً بأن لثغتك حينما تنطقين بالحروف تحول شفتيك إلى أصابع بيانو ؟
بيانو وليست أورج ، لأن البيانو كلاسيك جداً ونحتاج للعزف عليه أن نكون في مزاج صاف ، نعزف عليه جالسين على كرسي خشبي فخم ومنجد بقطيفة حرير تشبه ملمسك كثيراً ، على الرغم من وهابيتي التي تلعن الإحتفال بأعياد الميلاد إلا أنني من أجلك أوقدت شمعة وصنعت كيكة ، وأسدلت الستارة على الشباك ، وجلست وحيداً برفقة صوتك وروحك التي ترافقني دوماً ، وآمنت بأن حبك لا يصنع أعياد ميلاد فقط ، بل يصنع حياة سعيدة تصلح لأن تكون رواية أو فلم سينمائي يناسب الفتيات الحالمات ، ويبكي الناس وهم يشاهدونه في دور العرض .. عيد ميلادي الحقيقي هو حين صنعك الله فرحةً في حياتي وتحولتي إلى قوس قزح كبير يلونها،

كل عام وأنا بحبك أنعم
أتوشح السهر, والأحاديث المفبركة,
أتوغل في زخم الأعمال, والمقاهي المكتظة بذات الوجوه البائسة,
أقرأ الصحف التي إعتادت أن تتراكم على عتبة الباب.
أتنصل بقدر الإمكان من اللحظات الفارغة, الهادئة
التي تدفعكِ طوعًا لتستحوذي على النصف المتبقي من عقلي,
فأنتهي بممارسة الصداع لا أكثر.

تمرغين ذاكرتي المأفونة بوجهكِ الوسيم وعيناكِ المخمليتان. أمشي بخطواتٍ كهلة, مطأطئ الرأس, لأرتطم بحائط غير موجود, وعامود إنارة غير موجود, وينهضني عجوزٌ أغبر غير موجود, أتذكّر تجاعيد يده كما أتذكّر وجه أمّي. أقف, في مكانٍ قصيّ. مغترب, ورائحة قميصي ملبدة بالسجائر, شعري أشعث, وعيناي الإضاءة المنكسرة على حوض السباحة. و"الوقت" ينفذ. ووجهي مليء بالصفعات, "الوقت" يتساقط. كأوراق شجرة الساكورا. "الوقت" يجري. كطوفانٍ لا يلجم. "الوقت" يتمزق. كغيوم تشرين.. وليس هنالك "وقت" لأستعيد ملامحي التي بددها طول النظر لساعة الحائط. وفي كل مرة أظن أن الأيام سوف تبلسم جروحي التي أكل عليها الدهر وشرب, إلا أنني أجدني أشتد تهاويًا عن قبل, كما هبّة ريح شاردة بلا ضفاف, مخطئة يا قطّتي الحلوة, مخطئة يا حبيبتي الشقيّة حين تأخذينني على محمل أقل ذكاء مما ينبغي, أنا أعلم جيدًا أن الطريق المفضي إليكِ مفخخ, وأسلكه بكامل حذاقتي. أعلم أن يديكِ لن تمدّ إلي إلا الشوك, وأتلقمه, مختارًا ومرغمًا..
أستيقظ كل مساء مفعمًا برائحة الموت, وتربت على رأسي كف الألم, تدسين العلقم تحت وسادتي, والوجع في طعامي, لم كل هذا أيتها الشقيّة؟ هل تظنين أنني قد أنساكِ...؟ هل تظنين أنني قد أناضل, وأهذي حين أعبر الشارع الذي عبرناه معًا, وتصدمني شاحنة غير موجودة. أو أعبر طريق المقبرة الضيّق, وأبكي أمام قبرٍ خاوٍ. ويتقطّع قلبي.. كوتر قيتارٍ معطوب. هل تظنين أنني سأتنازل عنكِ بهذه البساطة؟ كيف أنساكِ يا حبيبتي الشقيّة؟ أيّ فكرة عقيمة قد تقود إلى هذا اللا منطق؟ أي عقلٍ ثمل قد يلفظ هذه الفكرة؟ وربّ هذا الليل الذي يأكل من صبري, وربّ هذا الفرح الذي يستمر بالإضمحلال, والله. صورتكِ مصقولة في عيني كما ترغبين. وأتلفت خلايا دماغي من فرط التفكير بكِ, وأعلم أن هذا التفكير سيمرضني. ورفيقي يظن أنني لُكت من حبّكِ ما يكفي ليهترئ فكّي, وأنني تحدثت عنكِ حتى لم يبق لي بالُ ليضمّه. تدلقين الذكريات المرّة على رأسي المعصوب, وأستطيع إستظهار كل الكلام الذي جادت به شفتيكِ يومًا. بتت مأفونًا, الذارع المبتورة للجميع أنا يا حبيبتي, بعد أن كنت الطفل المغرور المدلل, أصبحت كرة متشابكة من الأحاديث العقيمة والأرق, ولا يحدث أن يهدهدني أحدٌ لأنام.
**
غادرتي.. فقط هكذا. تركتيني للخواء. تركتيني لأتقيّأ الفرح. أتعثر في طريقي, أبتسم إبتسامة صفراء أمقتها. وأعتصر حلقي لأجدني أسعل الضحك المستهلك من أفواه المارّة, أشرب القهوة المرّة وأبصقها على قارعة التقمص الزائفة, يزحف إلي التبلد بمهل. ليجعلني أشد البلادة كما الحائط الذي أتكئ عليه, علّمتني كيف أن أطأ على قلبي, قلبي الذي يرفض كل شيءٍ إلا حبّك الذي فاض به حتى تساقط عن جوانبه.
أنا آسف, وحزين. أنا الآن وحيد أكثر من أي وقتٍ مضى. ولا زلت أحاول المصالحة مع هذه الحياة, وأفشل فشلًا ذريعًا في كل مرة.. لا زال في رحم حلقي بكاء عمره سنتين, والحديث المرّ الذي لم يتسنى لي قوله لكِ يتشرنق حول عنقي. يخنقني يا حبيبتي. يخنقني يا وجع قلبي.. ما أشعر به, لا يمكنني أن أصيغه. فقط أفتقدك, أفتقدكِ أيتها الزهرة الشائكة التي إقتلعتني من صدر النعيم لتشهق قلبي وتزفره في صحراء قاحلة.
ملتصقة بجبروتٍ في الذاكرة. أراكِ في البيت.. حينما أكون يائسًا, ومرهقًا. ويتسرب من فمي طعم الأصدقاء. عندما أشعل حطب المدخنة, في الكتاب الذي بين يديّ, والأرفف المليئة بالغبار. عندما أدير المسجّل, ليخرج منه صوتكِ متحشرجًا ويندس تحت المنضدة. في ترسبات كوب القهوة الخامس, في شجرة السنديان القابعة أمام منزلي. في إبتسامات العابرين, ونظراتهم المؤرقة. في خطواتي المتثاقلة الى المنزل, في عواميد الإنارة المشوشة, في إنعكاس المرآة الشاحب. في بعثرة مكتبي, وقهوتي الباردة, وعطري الصاخب, وصوت الكمان. في الشتاء, في الفصول الأربعة الذابلة, التي لا تلقين عليها أو عليّ التحيّة!
أعلم أن الكتابة إليكِ لا تجدي. وأن قلمي ينزف لشيءٍ لا يعلم ماهيته, وأعلم أكثر. أنني أصبحت على شفا حفرة من التوحد, والإنتماء إلى حياة قاحلة بعد أن كنت قاب قوسين أو أدنى من الغرق في محيط الحبّ العذب. إذًا.. فأنتِ تخبرينني بطريقتك أن الموت محتم, في كلا الحالتين! وأن عينيكِ ستتأبّطني لا محالة, وتلقي بي عاريًا فوق منكب الليل. تقتاتني الوحشة, وأعين البائسين.
لستُ أكتب إليكِ حتى يعلم الآخرين معضلتي, فهم سيذرفون دموعًا على قصتنا, ستجف, وسينسونني, وسينسونك, وسينسون عينيكِ المحرّم علي المكوث فيها. أما أنا. لا أنسى! ولا أستطيع إلا أن أصيغ هذا اللا نسيان إلى حروف بتسريحة الموتى. وأعصر بكفيَّ رأسي المكتظ حتى ينساب وجهكِ الوسيم المؤذي منه قطرة قطرة. مليء بكِ أكثر من أي وقتٍ مضى, مليء بالتفاصيل الصغيرة. ويكفي رحيلك. كوصب لتتشبع وسادتي بماء عينيّ المالح, يكفيني رحيلك لأشعر بمرارة الحياة أكملها. نعم, لا أنكر وقوفي بإتزان دون الحاجة إلى عكاز أو عينيكِ. لا أنكر الضحك وكتفي الممتد لرؤوس المهمومين. لا أنكر حقن حلقي بالصمت حتى لا يندثر حبّكِ أمام العالمين, لكنّي يا حبيبتي مكفهرّ. وزجرت الدموع حتى أصبحت أحسها تنهش أحشائي, أحاول الوقوف شامخًا أمام خطواتكِ المنتظمة, وتكتيكات قدومكِ المهندمة, المصرّة على إعادتك بصورة أكثر إبتكارًا كل مرة. أتوشح الوجع بلحاف مطرز بالدمقس, تتفننين حتّى في وجعي, ولكنني أحبّك. ولا أعرف ماذا أكون, إن لم أكن أحبّك.
أحبّكِ كثيرًا. وبينما أنتِ غارقة في سنّ لسانكِ ليصبح أكثر حدّة, وأشد وقعًا علي. أنا منهمك في التنقيب عن ذاتي المهملة, تارة في البقعة المنكفئة من المقهى وتارة في ضفائر النساء, وأخبركِ بطريقتي أنني راضٍ بكل الأوجاع المتعلقة بكِ. بينما أنفث وجهكِ بعيدًا بالسجائر وأكواب الحزن الفارغة. أما ما أكتبه إليكِ فليست إلا رسائل مصيرها أن تتعفن في أحد أدراج مكتبي, صدقيني لا أحاول مراوغة هذا العذاب اللذيذ. بل لا أشعر بالراحة إلا حين تنصهرين كالحديد في جلدي, وتسلخين قلبي, وأحسّك كما أحس النيران المندلعة. في تجويف معدتي.. أتعرفين هذه المعادلة الصعبة؟ وكيف للمرء أن يعتاد على شيء "يدمنه" وهو مدرك تمامًا أنه يضره؟ أنا أعلم أنكِ مضرة. مضرة يا حبيبتي, تدهسينني بلا هوادة.. تفتكين بي بقدر ما أحبّك, ولكِ أن تتخيلي هذا القدر.. تجرفينني بعيدًا عن صحتي,إتزاني,عملي,والراحة, والأكسجين. تحدثين خرقًا في البيئة, تقلبين الطبيعة حولي رأسًا على عقب. تطربينني بصوتكِ المحلّى بالكعك والفطائر اللذيذة. وأنتِ تعلمين أنني مصاب بالسّكر. آه يا صوتك. أين تخبئين صوتكِ اللذيذ عنّي؟ من يا ترى ينتشي بنعومة هذا اللسان الحادّ ؟ أنتِ ذات الإنتحار البطيء الذي لا ينفكون عن التحدث عنه, لكنني والله أحبّك. وأحبّ كوني ملعونًا. محاطًا بطيوفك, حتّى بتت أخاف من جروحي أن تندمل, ومن عيني أن تشيخ عن البكاء. أمارس الحزن بتقليدية, ولا أريد أن يتغيّر ذلك. أحبّكِ حد الموت. وأسلككِ بقدميَّ العاريتان يا طريق الموت المجمّل بأزهار اللوتس المضمخة بالفرح, ولا أريد منكِ أبدًا أبدً أن تحبيني –بهذا القدر- فالحبّ يا صغيرتي ممرض, والحمى التي أهلكتني الأيام الفائتة, أخاف عليكِ منها. والوجع الذي تلقّمينني إياه كل ليلة, لم يخلق للسانكِ الحاد العذب. ولا يعنيني أبدًا كوني النقطة على طرف دائرتك. ما يعنيني هو: أنني أحبّك. وأسلككِ رافعًا رايتي الحمراء, الملطخة بدمي. أسلككِ يا طريق الجحيم المحاط بالملائكة التي تبتسم لي بحفاوة. وأؤمن بأن العظماء لا يموتون في دواخلنا بهدوء أبدًا. وأنتِ: كنتِ في كفّة.. والعظمة.. في كفّة أخرى.
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
كيف قلبك!!
يا من يعلم كيف يصفّف الحزن كما يليق بطفل البراري منزوع الحياة. حزني مكركب، قلبي إنتعلته الأحقاد، ولم أعد أفهم جيدًا. يا الله. ألهم عبدك المغلوب على أمره، فقد أضلّ الطريق.
يا إله المفتورين. عبدك يسقط. الطفل الذي أراد أن يصلح العطب في ابتسامة أمه، تراه الآن منكبًّا على قلبه. يا قاضي الأمور، عبدك سريع التلف.
يا من يبصر الأمور كما هي عليه. الطفل الذي أوى طائرًا مكسور الجناح بعينيه. لم يعد يبصر شيئًا. يا معيد الآفلين، الطفل الذي كان يصفّف الحيوات في القلوب الجدباء. قَحِل.
يا من يعلم كيف يقسّم الأوجاع. ويرتّب الأتراح. ماذا على عبدك الضعيف أن يفعل بالتي هي أشد وأفتك؟ تلك التي تنزل دمعة عنيدة في الوقت والمكان الخطأ، وتأبى أن تغسل صدره المكلوم في الوقت والمكان المناسب.
يا من يبصر النتوءات في الجرح العفن الذي أرى ولا يرون.
ورائحة الموت التي لا أعرف ولا يعرفون.
الأحمق الذي لا يعرف في أيّ وادٍ أضاع إيمانه بنفسه. تراه الآن في فوضى عارمة.. وكأن الحياة تعوّض سنينها العجاف التي قضتها في لملمة شعثه.
يا من يحيي القلوب وهي رميم. سامح عبدك المهمّش. سامح عبدك الذي يرجو أيّامك ويشتم الساعة التي أضاع فيها الحزن طريقه وانسلّ الى قلب أمه.
ويا الله. سامح الطفل الذي لا زال يكتب الى سندباده البعيد بذات الشغف.

-1-

يا صديق الأيام الممطرة. وقباب السماء السوداء، والخبز وكؤوس النبيذ
يا صديق كل الغرباء، وغريب كل الأصدقاء. يا غالب الضعف ومشذّب قتامة الهواء.

- كيف ريف النمسا.. وجدّتك. وكوخ الشجرة؟ أمازلت تخاف المعاطف السوداء والرسائل الطويلة؟ ألم تجد وطنًا تولّي وجهك شطره بعد؟
أمازالت ترهبك كآبة المنظر وسوء المنقلب. داخل روحك؟
هل بكيت ولو لمرة أشيائنا العزيزة التي إنتعلها الهرم؟ كم عامًا بلغ حزنك البكر؟
كيف رحلتك للتنقيب عن الآخر – الآخر الذي بداخلك- ؟ هل تغسل مياه البندقية ثياب شقائك؟ هل تحن إلى أمّك, كلما عبرتك رائحة الخبز المدججة بعطف الأمهات في دهاليز تركيا؟
.. هل وجدت الشيء الواحد الذي تفتقر إليه؟
أخبرني: كيف قلبك؟.

يا صاحب الحزن الأزرق, والخطيئة المباحة. يا رهبة المنعطف الذي لا يسلكه أحد, وصمت اللحظة التي لا ترضى إلا بالكلام

أفتقدك. ولا أعلم كيف لذكرياتنا أن تأتِ بهذه الحبكة الأنيقة.
لكنّي أعلم كيف للحزن أن يجعلنا أكثر وسامة. وكيف لأصابع الموت المدبّبة, أن تفقأ الأصدقاء كفقاعات صابون

يا نسختي الأكثر تشويهًا, بدايتي الأقل شفقة. ونهايتي منزوعة التراجيدية.
أفتقدك. وأفتقد نزعتنا الحامية لإنكار هذا الشبه. أحاديثنا المصبوغة بالسخرية والتهكم, ضحكنا الهستيري في وجه الأوجاع التي يعلم كلانا أن الآخر مضغها جيدًا قبل أن يبصقها على شاكلة ضحكة هازئة نمتهنها حين تكون الصدمات أشد ترسّبًا من أن يغسلها البكاء

يا صاحب النظرات الضائعة في الهواء, واللمعة الغريبة التي لا يليها بكاء. أخبرني: لم الوداع الباهت؟

وداعك الأخير يرتطم بوجهي, يتكسّر أمام عيني, وداعك يومض ويخبو.
وداعك الذي تحاول تلطيفه كل عبارات العطف المعلّبة, وإبتلاع حرقته كل الأعين التي ترى هول وزري
وداعك –اللعين- الذي رسم بيني وبين الحقيقة مسافات تتمدّد لتخبرني بكل فجاجة أني أضعف وأقل حيلة من أن أتحمل فجيعتها.

-2-
لست ناسكًا, لا أحس بتسع أعشار أحزان الأصدقاء, لا أدّعي الإهتمام. ولا أتكبّد عناء تلطيف الأحقاد التي لا تستطيع بدورها أن تزداد غلظة وبشاعة.

يحدث أن أضحك في جنازة, وأبكي كطفلٍ في زفاف.
يحدث أن أضحك حين يجب علي التهاوي كالقصبة, التشظي الى آلافٍ من الحمم البركانية.
أضحك –وحيدًا هذه المرة- وفي حلقي مئة شوكة بريّة, والعديد من الفوهات مصوّبة نحو صدغي

يحدث أن أستمع بشغفٍ للعديد من القصص التراجيدية, بآهاتها المتفاوتة. وقاصّيها متلهفي الشفقة
وأنتهي بأن أستهين بأعظمها وأعزي أتفهها بأسى صادق

ورغم تبسّمي وعبوسي وإكفهراري ودهشتي إلا أن وجهي لا يقول شيئًا.
ولا أعرف كيف أفك تلبّس هذه البلادة المدغومة بي ككرات الزغب في كنزة الكشمير. كالبروفين في الموسيقى, والوحدة.
ولدي يارفيقي غصّة لا تضمحل مهما حاولت أن أسعلها أو أبتلعها لأنام

لست ناسكًا, لكنّي لم أكن فاجرًا ولا متهتكًا. لم أكن يومًا بذلك السوء لأستحق هذا الخواء.
وربّ الظلم الذي قد يموت الأول منا في قتال. لم أكسر قلب أحدهم لأستحق أن أبصر قلبي مفتّتًا في صدري, هشيمًا تذروه الرياح

لست غامضًا ولا عصيًّا على الفهم. لست كهلًا إقتربت حكمته إلى خرف الموت ولا عاشقًا منسيًّا ولا مكبًّا لخيبات الشعراء المكررة.
في الحقيقة. لست شيئًا. ولا أحاول أن أكون شيئًا. لست أكثر من كوني عدّة تراكمات من ذاكرة غير شرعية لقلب مراوغ, لست أيًّا من الأدوار التي أظهر بها عادة لأستر هرمي المبكّر
لست سوى الأبله الذي لا يستطيع ربط ربطة عنقه, الذي يتذكّر بالنيابة عن المفتورين والمكلومين الذين اختاروا بتر الذاكرة عوضًا عن صلبها على جبينهم, ولا أعلم.
توريقات
كيف قلبك!! يا من يعلم كيف يصفّف الحزن كما يليق بطفل البراري منزوع الحياة. حزني مكركب، قلبي إنتعلته الأحقاد، ولم أعد أفهم جيدًا. يا الله. ألهم عبدك المغلوب على أمره، فقد أضلّ الطريق. يا إله المفتورين. عبدك يسقط. الطفل الذي أراد أن يصلح العطب في ابتسامة أمه،…
-3-

- لماذا أكتب؟ لماذا أرشق ظهر الغياب الصلب بالحروف البالية؟

لأني أحس الآن أكثر من أي وقتٍ مضى, أن الحياة قصيرة, أن هذه الحياة قصيرة جدًا على أن لا أكتب. قصيرة على أن أدع الكبرياء يكبح حديثي الذي خرج ممتطيًا صهوة قبحه الخالص

لأني خائف. أحدّق في طريقي المتروس بالزجاج المسحوق. وكتائب القلق تتكالب فوق رأسي بطريقة مفجعة, أقف بين ركام التساؤلات صامدًا كالبارودة, صامدًا كالذاكرة التي لم يعوّذني من وعثاءها أحد

لأني خائف من كوني أمضيت العامين المنصرمين أحلم, أتجلد, أتقشف, وأتهاوى ثم أسقط واقفًا على قصة ليست حقيقية. وترديدي طوال العامين اللذين مرّو بسرعة النصل من عمري "هذا أجمل من أن يكون حقيقة" لا يغني ولا يسمن من خيبة.

لأني خائف. وأريد أن أراها, ألمسها, أتأكد لآخر مرة أن حضنها الذي أجوعه في كل مرة ينهش الخواء جوفي موجود وحقيقيّ. حقيقيّ وأسئلتي.. تطن كالسياط من فمي. حقيقيّ كغياب رفيقي الأحمق, والموت.. والكتابة

المعضلة الآن أني لا أستطيع التذكر ولا الإجابة على أسئلة نفسي الملحاحة, إني خائف. وأشعر أن ضباب هذه المدينة تراكم على وجهها. وأن ضحكتها اليانعة, أصبحت كهلة, متجعدة.
غنائها المبتور, يستفز جشعي. إني خائف, ويستفزني الخوف بلا مبرر. شحوبها الجميل يستفزني. أطرافها الزرقاء تستفزني, وفستانها الأبيض الفضفاض يستفزني

إني خائف. وضائع بين الإحتمالات. كلها تضخّم خوفي.. أشعر بي أتقزّم أمام التساؤلات، تحوم حولي كالفراش المبثوث. وأفقد كل شيء.. إلا شحّ الأجوبة

كنت أعلم أنها حين تكون ماضٍ ستكون موجعة – الى حد ما- لكنّي لم أتوقع أبدًا, أبدًا. أن تحيلني الى مادة شديدة الهشاشة, قابلة للطرق والسحب والانصهار

وأضحك. لأني لا أريد من هذا العالم أن يذرف دمعتين بائستين علي. لأني أنفث حياتي المقفرة -وفي الحقيقة- لا أعلم هل أنفثها أنا أم هي التي تنفثني. لأني بهذه الصورة البسيطة الموحشة: أحتاجك. لا لتدرأي خوفي, ولا لتربتي على قلبي المهرهر, بل.. لتضحكِ معي.

-4-

وان تسأليني عمّا يحزنني؟ لا شيء. لا شيء يحزنني. والمثير للسخرية أني ماعدت أشعر بالحزن, قلبي نضج على أن يحسّ بالأشياء كما يجب أن تُحسّ, وهذه تعد نعمة ونقمة. ولست أدري, أي الكفتين أرجح

لا شيء يحزنني, لا شيء يحزنني غير هذا الحزن الآتِ من العدم, الحزن الذي لا يجيب على أسئلتي, الحزن.. من نفسي

لا شيء يحزنني غير الحزن الذي يلعب أربعة وعشرين جولة شطرنج في رأسي, ولم تأتِ ضحكتكِ العالية لتقول لجيوش أحزاني الاسبارطيين "كش ملك"

يا صديقة الجمال القاسي, وأناشيد الموت والشتلات البيضاء. يا صديقة الأحمق الذي لم يرتطم الا.. بالأحمق!
أنا الاستاتيكي الذي لم يجرب ديناميكية الحياة بعد. ولا ينقصني الا طفل الخامسة كثير التلعثم, طفل الابتسامات المبتورة, الطفل المتغطرس الذي يتجول بمقلتين مليئتين بالدموع, الدموع التي تأكل قلبه بنهم. الدموع التي لا يراها أحد

لست أدري أين أنتِ. حسنًا, لست أدري بالأصل ما إن كنتِ ستتعرّفين على رائحتي المنبعثة من هذا الركام الأزرق قبل أن تمزقه خوفًا على عصفور قلبك.
قد تكون وفّقتِ في استبدالي بأحمق أقل سذاجة لتبادلينه الحبكات الدرامية, والأحاديث منزوعة التمنّع والتجمّل. لكنّي بهذا الإستسلام الموحش: لا أهتم. ولا أناضل يقيني وجزمي أنك لم تكوني فصّ الملح الذي ذاب, بل لازلتِ تجرين في عروقي بالصورة الكثيفة التي يجب

ورغم إهتمامي الذي يزداد ضآلة بما يختبئ خلف هذه الحياة, إلا أنني متأكد من شيء واحد: لا شيء أشد وجعًا من الإعتياد.
تكوينات صوتيّة من غبار العابرين
‏هَدل الحمام، وطارت العصافير تزف نبأ سقوط هذه العائلة المشؤومة، لقد تحررت سوريا الحرّة، رفرف أيها العلم الأخضر من عَلياء سوريا شامخًا أبيًا رفيعًا منيعًا، فصل لن ينسى من تاريخ أقدم عاصمة في الوجود، تاريخ لن ينساه المسلمين حتى آخر الدهر.

صباح الخير يا دمشق ، صباح الخير يا شام
‏لم يرتبط عندي الوقت المتأخر من الليل بالسهر، على العكس، أشعر أنه وقت للاختلاس ، ‏الصباح نية اليوم، بينما يبدو الليل وكأنه الضمير ، ‏غالباً لا أكتب في النهار لأني مشغول بملاحقة الضوء يغذي الحقل في صدري، وفي الليل أكتب خلسة لأني أتلمس الدروب وأنا أركض على أطراف التوجس.
‏أنا فلاح في الأصل، طارئ على المدن.
‏شكل الحياة بعد الغروب تماماً، حساسية المشاعر في وقت متأخر من الليل، الخطوات على رؤوس الأصابع حذر المساس بقلب في الطريق، جميعها تنتهي مع وصول الفجر، وعند الـ 8:35 صباحاً بحسب توقيت هذا الكلام، كنا نضحك جميعاً على كل ما حدث ليلة البارحة.
‏الليل والظلام: بالنسبة للحياة مجرد عصابة.
‏والسهر: حارس أمن.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
اسمعوا حنيّة صوت طلال في هالأغنية..
شقد حنيّة هالوجه، أصابعه النحيلة، وعوده الذي يحتضنه وكانه ملاذه الأخير فيبكي به.. ظلم الحبيب، وقسوته! يطأطأ رأسه، وهو يغنّي.. يقرر أن يبدو الامر عادياً، فيرفع عيناه سريعاً، ثم لا يلبث، أن يشيح بهما إلى الأسفل.. لكي لا تفضح عيناه، ان الأمر أكبر من أغنية.
ولكن صوته متورّط، وفضّاح .. وخصوصاً حينما يفلت احساسه بـآخر: واحنا بنتعاهد، وحلفلي بعنيّا .. هيّا عيوني رخاص، لما قسي عليا.
2025/02/03 05:54:37
Back to Top
HTML Embed Code: