Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
- Telegram Web
Telegram Web
إيّاك أن تغفل عن أن الله عز وجل يصنع بهذه الأقدار المؤلمة؛ نَصر هذه الأُمة.. تَشرّد فيُعيدها، وتنسى فيُذَكِّرها، وتعوَج فيُقيمها!

"وقد مكَرَ الذين من قبلهم فلله المَكْرُ جميعًا يعلمُ ما تكسبُ كُلُّ نفسٍ وسيعلمُ الكفارُ لمن عُقبى الدار"..
قال البقاعي: "حين نأتيهم ضدَّ مُرادهم"!
يظنون أن مَكرهم يَنفعهم، ويغفلون عن أنه في مُحيط مكر الله وتحت قضائه وقدره.
لا يُحرم مشاعر الناس الفطرية إلا مَن تَطرف في البُغض أو المحبة وغالى فيها.
‏لن تجد فاجرًا في الخصومة إلا وهو غالٍ في البُغض أو غالٍ في المحبة.. قلّ أن ينجو من يغلو في البُغض أو المحبة؛ مِن تطرُّف في الذم أو تطرُّف في المدح!

‏البقاعي حين أتى على تفسير قول الله تعالى: "اعدِلوا هو أقربُ للتقوى" عرف العدل تعريفًا عجيبًا قال: "السَّواء من غير مُحاباة نفس"!
‏"المُقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمن".
للشعراوي كلام عجيب في التدافع بين الحق والباطل.. مُلخصه أن التدافع "لو كان فعلًا بين حق لله وباطل حَكم الله بأنه باطل؛ فلا بُدّ أن ينتهي بنُصرة الحق، وغالبًا لا تطول هذه المعركة؛ لأن الحق في ولاية الله.. إنما الذي يطول؛ المعارك بين باطل وباطل، فليس أحدهما أولى بنُصرة الله من الآخر، فيظل كل منهما يطحن في الآخر"!

‏وهذه الخُلاصة على قدر ما تحمل من صدمة للعاجزين؛ تحمل بشارة عظيمة للعاملين، الذين يحملون الحق وحدهم ويُدافعون عنه وحدهم.. بشارة للمجاهدين الثابتين والمُبتلين الصابرين!

‏هذا الكلام نفسه عبر عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بكلمة بليغة، لو أن كلمة واحدة تصف واقعنا لكانت هي: "إنَّا كنا أذلَّ قومٍ فأعزنا اللهُ بالإسلام، فمهما نطلبُ العزةَ بغير ما أعزنا اللهُ به؛ أذلنا الله"!

‏نحن عجزة لأننا في الحقيقة إما نستهين بقوة هذا الدين، أو نستهين بقدرة المتأثرين به إذا كانوا كذلك حقًّا.. فنغفل عن بصائر الإيمان لأننا لا نراها، ونحتقر الناس لأننا لا نَقدر على تحريكهم!

‏نحن نبحث بحثًا حثيثًا عن "التمكين" ونقلق من ألا نُمكّن، ومن أن يتأخر التمكين.. لكن لا نكترث بأهل التمكين، ولا بالغاية من التمكين!.. رغم أن الله عز وجل أخبرنا: "إن الأرضَ للهِ يُورِثُها من يشاءُ من عبادِه والعاقبةُ للمُتقينَ".. فالأرض مُلكه، وإذا كان خَلْقها وبَسْطها يسيرًا عليه؛ فتمكين عباده المؤمنين منها أيسر وأهون!
‏لكنه أخبرنا أن الذي يشاء أن يُورثهم الأرض هم المُتقونَ.. وكما يقول الطاهر بن عاشور: "تمليك الأرض لغيرهم إما عارضٌ، وإما لاستواءِ أهل الأرض في عدم التقوى"!

‏المؤمن يُقاتل بدينه.
لن تجد أبلغ ولا أعجب من مكر الله، إذا أراد الله عز وجل نكايةً بأحد أوقعه في البلاء من حيث لا يشعر!
"أفأمنوا مكرَ الله فلا يأمن مكرَ الله إلا القومُ الخاسرون"
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هلَكَ قومٌ حتى يُعذِروا من أنفُسِهِم"
أي أُقيمت الحُجة عليهم، ولم يبق لهم عذر في ترك العمل بالحق، حتى أن أحدهم لا يجد ما يعذر به نفسه التي بين جنبيه.. قال الطيبي: "فكأنهم أعذَرُوا من يُعاقبُهُم"!
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ما أهوَن الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمرَه"!

اللهم نجِ المُستضعفين من المؤمنين، اللهم استعملنا ولا تستبدلنا.
لا أعلم أكثر بؤسًا من التعامل مع الأحداث والناس؛ بعقلانية ومادية محضة.. واعتبار استحضار الإيمانيات والمُسلّمات الدينية في سياقات الواقع والمُلِمّات الكُبرى؛ دروشة وعاطفة!

رغم أن الدين أساسه الإيمانيات والمشاعر.. وكل الماديات وحسابات الواقع مردّها عند المؤمن لهذه الإيمانيات!

فمقصد من مقاصد الدين الأصيلة؛ استخراج هذه المشاعر من النفس.. وعلى قدر ما يستخرج الدين منها على قدر ما يكون عملها ونصرتها لله عز وجل.. قال ابن القيم: "النفس كمثل رحا تدور بما يُلقى فيها، فإن ألقيت فيها حبًا دارت به، وإن ألقيت فيها حصًا وبعرًا دارت به".
شرُفت باستضافة بودكاست بسط في لقاء عن الشريعة وعودتها وضرورتها الأخلاقية، والفرق بينها وبين القانون في المعنى والتأثير، وأوهام الليبرالية، والدرس الاجتماعي في العلوم الشرعية، وأشياء أخرى..
هذه أول تجربة بودكاست لأخيكم، فعذرًا عن أي تقصير، الله يسترنا وإياكم..
أتمنى أن يكون نافعًا ومفيدًا، رابط الحلقة على منصة بسط:
https://youtu.be/t4tm5huwf8A?si=u72vKSf_MfAMN7nx
"قالوا لن نُؤثرَكَ على ما جاءنا من البيِّناتِ والذي فَطرَنا فاقضِ ما أنت قاضٍ إنما تقضي هذه الحياةَ الدنيا"!
هذه الآية، يمكن أن تفهم من خلالها شيئًا عن أمثال "أبو شجاع جابر"، وكذلك من نموذج "أبو شجاع" قد تُدرك جلال معنى الآية..

ووجه العجب في القصتين.. هو أنفة الإيمان، والثبات العجيب في الموقف، وخلو القلب من رهبة الظلمة؛ رغم السيرة التي ربما "تبدو" لا تؤهلهم لهذه المكانة الإيمانية!

كان الحسن البصري إذا قرأ هذه الآية تعجب، وقال: "سبحان الله، القومُ كفار وهم أشدُّ الكافرين، وثبتَ في قلوبِهم الإيمانُ في طَرفَة عين، فلم يتعاظم عندهم قول: "فاقض ما أنت قاض" في ذات الله تعالى"!

فقد علموا أنه لا سبيل لنجاتهم من بطش الظالم، لكن إقبالهم على الحق كان فوق التصور وثباتهم فيه كان شيئًا من الخيال.. لأن الحقيقة التي ترسخت في قلوبهم أن الدنيا منقطعة والآخرة مستقر.
كلما ضغطتني الأيام أو ضاقت بي الأحوال، صبرتُ نفسي بقول أبي تمام:
ثم انقضت تلكَ السنونُ وأهلُها
فكأنها وكأنهم أحلامُ

مصداق قول الله عز وجل: "ويومَ يحشرهُم كأن لم يلبثوا إلا ساعةً من النهار يتعارفون بينهُم".. فقوله "من نهار" إمعانًا في استقصار الدنيا فساعة الليل في الشعور أطول وأشدّ على النفس، قال البقاعي: "لم تُفدهم تلك الساعةُ أكثر من أن عرفَ فيها بعضهم بعضًا"!

العاقل لا يتعاظم الدنيا إذا نَظر إلى الآخرة، ولا يتعاظم العمر حين يتذكر الموت.. وفي الأثر أن نوحًا عليه السلام - وهو الذي لبث قُرب الألف سنة - قيل له: كيف رأيتَ الدنيا؟، قال: "كدار لها بابان، دخلتُ من أحدهما وخرجتُ من الآخر"!
في الأثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إن الله نظرَ في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته.. ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأوا حسنًا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ"!

إيّاك أن تتخيل أن آدميًّا يكون أعبد أو أتقى أو أورع لله منهم! أو أحب للنبي صلى الله عليه وسلم منهم!
الإسلام.. نصوصه وأحكامه وأوامره ونواهيه، لا يمكن أن تفهمها بعيدًا عن فهم الصحابة وبعيدًا عن مذاهبهم فيها..
ولذلك لا نستغرب عندما نجد العلماء الأُول حين وضعوا العلوم الشرعية الرئيسية وضعوا أخرى فرعية مرتبطة لزومًا بالصحابة، مثل أسباب النزول في التفسير، وأسباب الورود في الحديث، والصحابة في علم الرجال..

لأن نصوص الشريعة ارتبطت بهم، فعليهم نزل القرآن غضًا طريًا، ومن خلالهم صيغت الأوامر والنواهي، عاينوا وقائعها وكانوا موضوعها!
ولذلك من ذكاء علماء الحديث أنهم أول ما اتفقوا؛ اتفقوا على أن كل الصحابة "عدول"؛ أي لا يُقبل فيهم جرح ولا تجهيل ولا طعن بأي مطعن، ولو لم يسم الصحابي! إذ زكاهم الله تعالى ومدحهم بنفسه، فكيف يُقبل فيهم جرح وتعديل؟!

ولذلك لما دخل النسائي بغداد؛ سُئل عن معاوية رضي الله عنه - بغرض الوقيعة فيه - فأجاب إجابة إيمانية متقنة، قال: "إنما الإسلام دار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن أراد الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد الدار"!
لماذا؟!
لأن الصحابة رضوان الله عليهم في مجملهم "بوصلة" فهم الدين..

حب الصحابة من حب النبي صلى الله عليه وسلم، اصطفاهم الله كما اصطفاه وخَصهم بنقل دينه.. وكما خلقه على عينه وخصه بالرسالة؛ خلقهم خلقة مناسبة تمام المناسبة لمراد الله من إرسال رسوله فيهم، فجعل قلوبهم أبر القلوب ونفوسهم أقوى النفوس.. وكما كانوا أصحابه في الدنيا فهم أصحابه في الجنة.
ولذلك استدل بعض المفسرين بقول الله تعالى "الله أعلمُ حيث يجعلُ رسالته" ليس على فضل النبي صلى الله عليه وسلم وخيريته فحسب، بل أيضًا فضل الصحابة وخيريتهم على سائر الخلق.
من رداءة هذا الزمن أن الجُبناء فيه لا يكتفون بجُبنهم، بل يعوضون نَقصهم مرةً بالتعرض للصحابة ومرةً بالطعن في علماء الأُمة!
الشعوب في كل الأُمم تبحث عن رموز، وتصنع الأبطال من الأوهام، وهؤلاء كل همهم النبش في الكتب وفي القصص لتعييب رموز الأُمة وأبطالها؛ ليُداروا خزيهم وخيبتهم في واقعهم.. فلا هم بررة أتقياء ولا هم فجرة أقوياء!

أحد أسوأ آثار أزمنة العجز؛ ظهور هذه النوعية القبيحة من الناس، وأن نُضطر للرد عليهم.. يقيمون معارك باطلة ليصنعوا بطولات زائفة، وصدق فيهم قول جرير:
وكنتَ إذا حَللتَ بدارِ قومٍ
رَحلتَ بِخزيةٍ وتركتَ عارً
إن شاء الله، السبت القادم اللقاء الثالث في مجالس أموال حول: هل الطبيعة أهم أم الإنسان؟: الفرد والأسرة والجماعة كمورد اقتصادي في الإسلام
اللقاءات السابقة من هنا

ولنا لقاء ضمن دورة “أفراس” عبر قناتهم حول قضية فلسطين السبت ٥ / ١٠ في: مركزية الإيمان في فهم واقع القضية والتفاعل معها

وقريبًا نعود لدروس تدبر السيرة النبوية
أسأل الله التيسير والقبول.
من الآيات المُحيّرة في القرآن، والمُرعبة في الوقت نفسه، قول الله تعالى: "إن الخاسرينَ الذين خسِروا أنفُسَهُم"، وتكرر معناها في أكثر من موضع للتعبير عن المعنى الحقيقي لـ الخُسران !
فكأن "النفس" كانت شيئًا ثمينًا سالمًا للإنسان طوعه ملك يديه، لكنه فرط فيها وأضاعها! قال الألوسي: "بتضييع فطرةِ الإسلام وفطرةِ الخير التي هي أصلُ الجِبِلَّة"..
والمعنى أنه أوردها موارد الهلاك لما خالف ما كانت عليه!
وهذا، والله، أبلغ ما قيل عن الثبات في مواقف الحق والعبودية.
يارب سلم.
لا يستطيع أحد أن يقرأ القرآن إلا ويترسخ في نفسه أن "الشرك" ربما يكون أخطر ما يعرض للإنسان، وأن المسلم لا ينبغي أن يأمن على نفسه من مداخله.. لعلنا اليوم نُدرك شيئًا من هذه الحقيقة!

اقرأ مثلًا.. "ويقولونَ هؤلاء شُفعاؤنا عند الله"

لاحظ لفظة "عند الله"، لم يقل "من دون الله" كما في بداية نفس الآية!.. لأن أكثرهم كان يُقر بأن المتصرف هو الله؛ هو الرزاق وهو الشافي وهو الولي وهو النصير، لكنهم أرادوا التقرب لله بما توسموا فيه أنه ينفعهم، غافلين عن أنه لا ينفع نفسه فضلًا عن أن ينفع غيره! فاتخذوه واسطةً مع أن الله تعالى نبهم لذلك تنبيهًا صريحًا واضحًا جازمًا فقال: "وإذا سألكَ عبادي عني فإني قريبٌ أُجيب دعوة الدَّاع إذا دعان"!

هب أن أحد رؤساء الدول الكِبار استدعاك بالاسم وقال لك: يا فلان إذا كان لك حاجة؛ فلا تطلبها من أحد، تعالَ إليّ مباشرةً لن يعترضك أحد.. هل من المتصور أن تتصل بحارس أو موظف أو وزير أو مهما كان، مهما كانت صلتهم به؛ تسألهم أن يطلبوا لك حاجتك من هذا الرئيس؟!
ولله المثل الأعلى..
هل يمكن لعاقل أن يترك سؤال من يعلم أنه ينفعه أو يضره قطعًا؛ لسؤال من يعلم أنهم لا يضرونه ولا ينفعونه قطعًا، على تَوهُّم أنهم ربما يَشفعون له عنده؟!

ما الفرق بين من توسل لله بـ "الصنم" ومن توسل لله بـ "القطب"، في قول الله تعالى: "والذين اتخذوا من دونِه أولياءَ ما نَعبُدُهم إلا ليقرِّبونا إلى الله زُلْفى"؟!
والواقع أن هؤلاء عبدوا الأقطاب، كما عبد أولئك الأصنام؛ أكثر من عبادتهم لله عز وجل!

أحد أهم مركزيات العقيدة في الإسلام؛ إبطال كل واسطة بين العبد والرب.. حسمًا لذريعة الشرك، فقطعت الشريعة أي طريق يتقاطع معه أو يؤدي إليه، إمعانًا في توحيد الله تعالى، لأنه الغاية من الخلق!
وهو أحد وجوه تفسير قول الله: "وما يُؤمنُ أكثرهم بالله إلا وهم مُّشركون"!
فالإخلاص لا يظهر تمام الظهور إلا بخفوت الشرك بكل أشكاله حتى الخفي منها والدقيق مثل الرياء والسمعة..
وعلى قدر وضوح الإخلاص في النفس، وانفجاره في القلب، واستقواء السلوك به؛ على قدر أثره في استجابة دعاء العبد وانفراج همه.. ولذلك ورد في الأثر: أخلص دينك يكفك القليل من العمل!

ومنه تلمس ذكاء ابن تيمية وغيره من الأئمة، الذين قالوا عن بعض الأحوال المشتبهة باتخاذ الوسطاء، كسؤال الأحياء "الدعاء"؛ أنها خلاف الأولى فلا تتخذ عادة، فالأصل أن يتوجه العبد إلى الله مباشرة.. لأن الأصل الترفع عن سؤال الخلق أي مسألة، والاستغناء بالله عز وجل، لأن الافتقار جوهر العبودية، بل الافتقار في ذاته عبادة، فلا ينبغي أن تُصرف كل استطاعة فيه إلا في الله.
رابط اللقاء الثالث من مجالس أموال:
هل الطبيعة أهم أم الإنسان؟: الفرد والأسرة والجماعة كمورد اقتصادي في الإسلام
على اليوتيوب هنا
ونسخة صوتية على الساوندكلاود هنا

وهذا رابط لقاء مجالس الشريعة:
السيرة والسُّنة: صناعة الأُسوة وإمكان الشريعة
على اليوتيوب هنا
ونسخة صوتية على الساوندكلاود هنا

بعد غد إن شاء الله اللقاء الثامن مجالس الشريعة حول: الفطرة: الطابع الفطري للأحكام الشرعية العملية هنا على التلجرام.
أسأل الله التيسير والقبول.
أحد المعاني الجوهرية في الشريعة أن من قَلّت عزّته بالله عز وجل تورط في مهانة العزّة بغيره.. النفس لا تتورط في الذُّلّ والافتقار لبشر إلا إذا انحرفت عن الذُّلّ لله تعالى والافتقار إليه!

لذلك كان من جوامع دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وأرقه: "اللهم اكْفني بحلالكَ عن حَرامِكَ، وأَغْنني بفضلكَ عمن سِواكَ"
بعض الناس يتصور أن هذا الدعاء مجاله هو "الرزق" فقط، بالمعنى المادي الضيق.. وهو وإن تَضمنه بلا شك، لكن عموم ألفاظه يدلّ على أن مجاله أوسع من ذلك بكثير!
فـ "اكْفني" أي بالحلال عن الحرام في كل أشكاله؛ مال، كلمة، خُلق، جُهد.. و "أَغْنني" أي بافتقاري إليك وحدك لا أحد غيرك، لا في دَينٍ ولا عملٍ ولا مظلمةٍ ولا أي سعي أسعى فيه..

كان الإمام أحمد يقول: "أخذنا هذا العالَمَ بالذُّلِّ، فلا ندْفَعُهُ إلا بالذُّلّ".
كان مالك بن دينار يقول: "إن الله يُسلِّط الظالم على الظالم، ثم ينتقمُ من الجميع"
وهذا من كمال عدل الله عز وجل، وعجيب أقداره، إذ يُذيقه مرارة "الظُلم" وعذاب الحوجة إلى من يدفع عنه، ثم ينتقم منه!

لذلك في تفسير قول الله تعالى: "وكذلك نُوَلِّي بعضَ الظالمينَ بعضًا بما كانوا يكسبون".. قال ابن كثير: "نُسلِّط بعضهُم على بعضٍ وننتقمُ من بعضهم ببعض"!
فإن من سُنن الله عز وجل أنه قلما يجتمع الناس في الطِّباع إلا اجتمعوا في المصير.. وقديمًا قيل: "وما ظالمٌ إلا سَيُبلى بظالم"!
في القرآن تعبيرات بليغة عجيبة، على قِصرها لكنها تأسر النفس وتَملِك القلوب، منها قول الله عز وجل: "يُدبِّرُ الأمر"!

تكون أشدّ ما تكون ألمًا بسبب محنة إخوانك، وتسلط المجرمين على المؤمنين، فضلًا عن آلامك الخاصة، فتقرأ قوله تعالى: "يُدبِّرُ الأمر" فكأن بردًا نزل بقلبك.. سبحان الله العظيم، حروف قليلة فيها من المعاني والراحة النفسية ما تعجز كتب عن وصفه!

وما وجدت في تفسير "يُدبِّرُ الأمر" أبدع من قول البقاعي: "تنزيلُ الأمور في مراتبها مع إحكامِ عواقبها".. فكأن المعنى؛ اعمل على ضعفك، وتَحمّل ألمك، وخُذ بالأسباب على قِلتها، وهو "يُدبِّرُ الأمر"، يُتمُ الخير ويُحْكمُ النتائج.
في حديث: "إن بين يدَي الساعة فتنًا كقِطع الليل المُظْلِم.." في رواية أبي موسي رضي الله عنه قال: "تدعُ الحليمَ حيرَانًا"
‏لو أن قولًا واحدًا جامعًا في ترهيب المؤمن من "الفتنة" والجُرأة عليها؛ لكان هذا الحديث للنبي صلى الله عليه وسلم..

‏بعض الناس يتصور أن معنى "الحيرة" هنا؛ التردد بين أمرين، حق وباطل من شدة اختلاطهما ببعض، وليس هذا هو المقصود.. بل المعنى أن أعقل الناس المُتثبت في الأمور؛ لا يقدرُ على دفعها ولا كف شرِّها عنه، فكيف بغيره؟!

‏حتى أن ابن تيمية حين أراد أن يوضح حال هذه الفتن قال: "تُنزل الرجلَ الصاحي منزلة السَّكران"، أي يفعل ما يفعل ويقول ما يقول، فإذا مضت الفتنة لم يدر ماذا قال وماذا فعل!
‏يا رب سلّم.
2024/09/29 03:23:20
Back to Top
HTML Embed Code: