tgoop.com/yahiaaldailami/7883
Last Update:
«مجموع كتب ورسائل الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني»
[الحكمة في تكرار الآيات]
فإن سأل سائل مسترشد أو قال متعنت ملحد: أخبروني لم كرر الله القرآن وردده؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: إنما بينه بذلك ووكده، وذلك دليل على رحمته للعباد، ولذلك كرره وردد النهي عن الفساد وأكثر في الترديد للوعد والوعيد، والميعاد، وكرر عليهم أخبار الأمم الماضين ليحذروا مثل ما نزل بالكافرين وكرر أخبار عباده المقلدين، ليبشر أولياءه المقتدين، وليعلموا أنهم عند الله منصورون وأنهم في الدنيا والآخرة مأجورون، وأنه قد يجب لهم من النصر ما يجب لأشكالهم، فإن مثلهم كمثل الماضين من أمثالهم، وان حكمهم عند الله وحالهم مثل حالهم، وإذا أردت أن تعلم بمنزلتك عند الله أحكم الحاكمين، فانظر إلى أشباهك في القرآن في الأولين، فإن حكمك عند الله حكمهم، وسبيلك بأيقن اليقين سبيلهم، ولهذا السبب أخبر وذكر وردد في الأخبار لهذا السر الذي ذكرناه في الأخيار والأشرار، مثل ترديده لأخبار موسي عليه السلام ومن تبعه من الأبرار وترديده لخبر فرعون اللعين ومن تبعه من الأشرار، فأخبر بنجاة الطاهر الكريم، التقي، ونصر الله على الكافر الفاجر اللعين الأثيم الغوي، ليعلم من كان من شكل موسى أنه سيرحم كما رحم الله شبيهه وينصر كما نصر الله مثيله؛ لأن القياس فيهما سواء لا يخفى على أهله، ولا يستنبطه جاهل أبدي بجهله.
ألا ترى أنما وجب في الحكم على واحد وجب على من كان مثله وعمل عمله، وفعل فعله، فليبشر من تبعنا بالنجاة والثواب العظيم، ويبشر من عادانا بالهلاك والعذاب الأليم، فعلى هذا القياس يكون اخبار الكتاب لا ينكر ذلك أحد من ذوي الألباب، وما على الحكيم إن كرر وعده ووعيده، وأكثر تثبيته من الكتاب وترديده، وأحكم على العباد حججه وتوكيده.
فهذا - وأيم الله - أدل الدلائل على فضله ورحمته، وأوكد لبيانه وأعظم لحجته، والرحيم الشفيق، ربما قال لحبيبه الله الله ثم الله الله في الحذر والاحتراس، فلا يكون في ذلك عيب عند أحد من الناس، بل التوكيد عندهم والتحذير حسن جميل وخلق من أخلاق الحكماء نبيلٌ، ومن سأل من الملحدين الكفرة الجاحدين.
فقال: أليس قد زعمتم أن الكتاب يؤكد بعضه بعضاً وقد وجدناه في بعض الأمور متناقضاً مثل قوله في الأنصار حين أثروا على أنفسهم وأنزلوا الخصاصة بهم وبعيالهم: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٩}[الحشر: ٩]، وذم في كتابه الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ثم رجع يأمر نبيه بالبخل، وقد نهى عنه فقال: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ٢٦ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ٢٧}[الإسراء: ٢٦ - ٢٧] ثم قال: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[النساء: ٥] ثم وصف عباده الصالحين بصفات من لا مروة له من التاجرين فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ٦٧}[الفرقان: ٦٧].
فدل بهذا القول على تجارتهم ثم قال رسوله الذي أرسل إلى عباده «إني لعنت الإمام يتجر في رعيته»، فمرة يمدح التبذير ويقول: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٣٨}[الروم: ٣٨] ومرة يقول: إنهم إخوان الشياطين، ومرة يمدح التاجرين، ومرة يلعنهم.
قيل له ولا قوة إلا بالله أحكم الحاكمين: ليس يتناقض قول أرحم الراحمين ولا يختلف كتاب رب العالمين، وإنما اختلف عندك، لجهلك للتأويل وقلة معرفتك الله الواحد الجليل، وضعف تمييزك لعجائب التمييز، وتفسير ذلك عند أهله أحسن التفسير، وسنبين ما سألت عنه من قول رب العالمين، ونفرق بعون الله بين السخاء والتبدير.
أما قوله عز وجل في الأنصار {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ٩}[لحشر: ٩] فإن الله عز وجل لم يكلفهم ذلك لعلمه بضعف العباد، ولم يأمرهم بالبخل والدناءة والفساد بل أمرهم سبحانه بالإنفاق ونهاهم عن البخل والشح والنفاق، ولم يرد منهم الذي فعلوا ولم ينههم، فلما فعلوه لوجه الله مدحهم ولم يرد منهم أن يهينوا أنفسهم وعيالهم فقال سبحانه رحمة لعباده وتخفيفاً عنهم: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ٦٧}[الفرقان: ٦٧] يريد أنهم غير معاقبين، وأنهم إذا توسطوا في النفقة غير معذبين، فماذا على الله إن مدح الصابرين إذا كانوا لغيرهم على أنفسهم مؤثرين، وماذا عليه إذا خفف عن عباده ما يستثقلون وكلفهم من النفقة قدر ما يطيقون.
BY مكتب العلامة يحيى بن حسين الديلمي
Share with your friend now:
tgoop.com/yahiaaldailami/7883