Telegram Web
ضمّني ثم أوقفني وقال: لست استثنائيًا إلى حد أني أثبّت أقدامي على شاطئ الكحل، ولست عابرًا إلى حد أني أنحدر مع أول دمعة.

لوّحت من بعيدٍ وقالت: متى كان الوصل فلن أطيق بينًا بعده، ومتى كان البين فلن أستطيع الوصل مرةً أخرى.

صرختُ بهما: توقفا عن اطلاق القرارات وصياغة الشعارات، لن تستطيعا الحب حتى تتحمّلا الورد والشوك معًا، لن تعرفا مكانكما حتى تسكنا في كل منازل القمر، على سجيتكما لن تجدا قرارًا واضحًا بل دربًا درّبته القلوب، وطريقًا تمنح الطريقة إلى استعاراتكما الرائعة.
رجل جاء وذهب - غازي القصيبي
يقايضك الحريق على رمادٍ
‏يعيد لنفسهِ بالسحر خلقا

‏ضممتكِ ثم أوجعني خيالي
‏تشكَّلَ كالفراقِ فكان حقا

‏فلو تبكين كالخنساء صخراً
‏ثقي أن الذي ألقاه أشقى

‏!
- عبداللطيف
على كل حالٍ
لا تلومي مشاعري
خذي حبر أحزاني
ودمعَ دفاتري

وقولي
لقد كان الذوات
جميعها
يقطِّرُها في خفقِ قلبي
وخاطري

وقولي لقد كان الحنان
وكم همى
على قلبيَ المضنى
بماء المحاجرِ

وقولي
برغم المستحيلِ
أحبني
وقد كان حلمي في الحياةِ
وشاعري
طال انتظاري للرحيلِ
فمد لي يا موت غيباً
أو عدواً أجهلُ 


لا ترهق الملكينِ
يا نزقاً
فها كل الصحائف
بالخطايا ترفلُ  


سيكون ما سيكون
دعها إنها مأمورةٌ سلفاً
وأنتَ معطَّلُ

جئنا على الأقدارِ
دون إرادةٍ
وكذا تعللنا
... كذلك نرحلُ
كنجمةٍ تجد جدواك في هداية الحائرين، ولكن المدن المليئة بالضوضاء والمشردين، تطفئ تلك الجذوة، وبرامج الخرائط الالكترونية تجعل الناس تنظر للأسفل لا للأعلى!

أنت تعلم أن التقاويم غير دقيقة، ومع ذلك ترتب حياتك على أساسها غير الدقيق، لعل ذلك اليوم الفائض في السنة الكبيسة يحمل معنىً أو قصيدة!

الصبّاغ قد يصبح قاتلًا مؤجورًا، هكذا تحدثك السينما، لكن الصبّاغ سيبقى بائسًا ملوث الرئتين أشعث.. متسخ اليدين والقدمين وفقيرًا.. لأن الحياة خارج الشمس وليست داخل الشاشة!

النجار قد يكون مسيحًا، هكذا تقول لك الروايات المتعددة، أو يكون رائد أعمال ناجح، لكن استنشاق نشارة الخشب كفيلٌ بأن يجعل السكاكين تتسلل إلى صدرك.. بصمت!

البحّار قد يمسي سندبادًا، هكذا تقول الأساطير، لكن الطريق إلى كراتشي مليء بالمتاهة، والريح تستهدف الأشرعة، والموج أعلى من الأحلام، والغرق قصة قصيرة، يكتبها ملح البحر، وملح الدمع المؤجل!

البستاني يمكن أن يتشبه بسارق أطفال، أو قاطف رؤوس بمقصه العملاق، لكن الزمن والخصوبة، يؤجلان كل شيء حتى يأتي الحصاد، بعد سنة من الكيماويات والمبيدات وأشياء كثيرة قاتله.. لا تحتاج إلى المقص!

الحداد صانع السيوف البارع، خالق بيض الهند والأسل، هكذا يصرُّ التاريخ، بكمٍ من الجماليات لا تراها أبدًا وأنت تمرُّ به بل الحرب حطت أوزارها، والفرسان في القبور، والدمعة سوداء!

أحلامنا التي تتواضع لا تزورنا في النوم، في السرير توجد الكوابيس فقط، الأحلام اتخذت مكانها في غفلتنا التي تولد ونحن منهمكون في روايةٍ رديئة.. اليقظة مثلًا!

في النهاية لا يهم ما تحب، المهم هو من يحبك، هكذا قالت لي الحياة بعد غمزتين وضحكة ساخرة.. ولا يوجد علاج لذلك!
❞ أنا لا أنكر أن الحب له علاقة بالحياة، أقول إنه يجب أن يغزو ويحتل. ليصل إلى النصر يجب أن يكون قد ارتقى إلى مثل هذا الوعي الشعري لذاته، بحيث تذوب كل الصراعات العدائية، والذي يصادفه بالضرورة في النهاية، الذوبان في قلب مجده ❝

- أندريه بريتون
ما حدود الدمعِ؟
لا تسألْ
فكمْ.. قيل لي
دمعي على البحر الطويلْ
!
رحلتِ
على الغيم الذي جئتني بهِ
وأمطرتِ في روحي
وكل ضمائري

رحلتِ
ولمّا نقضِ من وطرِ الهوى
فيا حسرتا من للقلوب الكواسرِ؟!
نحن لا نقتبس كي نحتفي بالجمال دائمًا، بل لأننا نظن أن استخدام أقنعة الآخرين تسهل علينا إمكانية التعبير، ذلك القول الذي نظن أن الأفعال أقوى منه، لكنه يهزمنا في كل مرة..
الجملة والكلمة والحرف، هي المعادلة الأصعب، والأغلى تكلفة، هكذا علمني الشعر في بداية صداقتنا القديمة.
المجاز ليس فعلًا ترفيًا، بل هو فرصتنا الوحيدة لشرح الكلام المختنق في الصدر، بألفاظ تحمل في طياتها كل ذلك الاحتشاد المرهق!
أمِن أجلِ قبرٍ بالملا أنت نائحٌ
على كلّ قبرٍ أو على كلّ هالك

فقال اتبكي كل قبرٍ رأيته
لقبرٍ ثوى بين اللّوى فالدكادكِ

فقلتُ له ان الشجا يبعثُ الشجا
فدعني فهذا كلُّه قبر مالكِ

- متمم بن نويرة
وما ظنتي نجتمع حنا أفترقنا خلاص
‏لو نفتح صدورنا صعبة نلاقي بعض

‏ما عاد لأرواحنا عن الحسايف مناص
‏ياليتنا من مصايب غيرنا نتعض

‏اللي يخاف الرمي بيموت قبل الرصاص
‏وأنا تشافيت يومني عرفت المرض

@aljabaa50
ميترو الرياض
يقول مظفر النواب: "ألاّ أُفهمَ، تنتابني نكهةُ حزن.. لكن أشياءُ كثيرة لا تُفهمُ في هذا الكون.. أن يُتقصدُ عدمُ فهمي، ذلكَ يضعُ في طريقِ عشقيَّ للناسِ حجر"

‏سيظل فعل الاقتباس هو أجمل ما يحدث في الشعر من روعة الاستشهاد بالأبيات وتمثل القصائد في المواقف، وإيراد النصوص في القصص، وتضمينها في الكتابات التاريخية والفلسفية والنفسية..إلخ، وهو كذلك مأزق الشاعر، ورطة الـ "جزء من كل"، فلا تعبر عن ما يريد قوله تمامًا، عند المتلقي المفتون مرونة المجاز الذي يعطيه حرية إسقاط المقولات على ما يريد، ليأخذ المقولة إلى سياقات أخرى، وتتعذر قراءة مقولة الشاعر كاملةً، كأن الشعر كل الشعر كُتبَ ليقول ما يريدهُ المتلقي، وليس ما يريدهُ الشاعر.

‏صرخ جاسم الصحيح في إحدى المرات وقال بكل صراحة: " لا يعرفُ النَّاسُ منِّي غيرَ حنجرةٍ.. يا ليتَهُمْ عَرِفوا ما خلف حنجرتي"، هذا الشعور القاسي يعرفه الشعراء، وبعضهم تصالح مع كونهِ كائن غير مفهوم، وحاول آخرون تبني رد أبي تمام حين سُئل: "لمَ لا تقول ما يُفهَم؟" فأجاب: "ولمَ لا تفهم ما يُقال؟"

‏يحاسب الناس الشعراء على كلماتهم، كمن يحلل قول السكران في سكرهِ، والغاضب في غضبه. كما أن الشاعر في شعره يعيش لحظة تهيّجٍ كبرى، وهذا لا يعني أنه بعد الإفاقة منها سيتبناها، بل قد يناقضها في لحظات أخرى، كدرويش الذي قال "وطني حقيبة"، ثم قال: "وطني ليس حقيبة وأنا لستُ مسافر"، فهو كذلك لا يُقرأ بشكلٍ مُجزأٍ بل قد يكون كما قال أحمد بخيت: "أنا الصوفي والشهوان عشَّاقًا ومعشوقا.. أعيش بقلب قديسٍ ولو حسبوه زنديقا".

‏البيت جزء من مقولة يحاول الشاعر صياغتها في كامل حياته، منذ الولادة حتى الممات يقدم رؤية واحدة ضمن فسيفساء منثورة لابد أن يجمعها القارئ في لوحة واحدة، ولا يمكن أن يُفهم أو يُرى حتى تجتمع.

‏حزن الشاعر في الزمن السردي يزداد في أنه لا يستطيع كتابة نصٍ واحدٍ له بداية ونهاية ويعبر عن فكرةٍ متماسكة، ليس روائيًا أو سينمائيًا، هو أشبه بالمصور الذي يلتقط ما يرى، فيطير الناس فرحًا بإحدى صوره ويتركون بقية "الألبوم" على رف النسيان، لذلك يمارس أحيانًا إحدى تقنيات الدفاع عن النفس، فيُسخّف من النثر عمومًا، ويراه أنه أقل قيمة من الشعر العالي، بل ويتواطأ البعض في إلصاقهِ بالأنبياء وتشبيه كلامه بالنصوص المقدسة، وكعزاءٍ عن عدم فهمهِ يتم إدخاله إلى هذا الحزن النبوي، فيُسمى بـ "المتنبي" حينًا، والقادر على استشراف المستقبل، وصاحب الحدوس في الأشياء، بينما كل ما كان يريدهُ حقًا هو أن يُقرأ، أن يُفهم، أن يُرى!
2025/01/22 05:43:06
Back to Top
HTML Embed Code: