Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
- Telegram Web
Telegram Web
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
نقل فيه تكفير الجهمي والمشرك وإن كانوا جاهلين
"حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمُؤَدِّبُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ بَطَّةَ بْنِ إِسْحَاقَ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَدِينِيُّ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، بِمَكَّةَ وَهُوَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ خَادِمِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ وَصَاحِبُهُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَسْلَمَ، يَقُولُ: " زَعَمَتِ الْجَهْمِيَّةُ أَنَّ الْقُرْآنَ ⦗٢٤٥⦘ مَخْلُوقٌ وَقَدْ أَشْرَكُوا فِي ذَلِكَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ أَنَّ لَهُ كَلَامًا فَقَالَ: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: ١٤٤] وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: ١٦٤] فَأَخْبَرَ أَنَّ لَهُ كَلَامًا وَأَنَّهُ كَلَّمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ فِي تَكْلِيمِهِ إِيَّاهُ: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكُ} [طه: ١٢] فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكُ} [طه: ١١] خَلْقٌ وَلَيْسَ بِكَلَامِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ خَلْقًا قَالَ لِمُوسَى: إِنِّي أَنَا رَبُّكُ، فَقَدْ جَعَلَ هَذَا الزَّاعِمُ رَبًّا لِمُوسَى دُونَ اللَّهِ. وَقَوْلُ اللَّهِ أَيْضًا لِمُوسَى فِي تَكْلِيمِهِ: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعَبْدُنِي} [طه: ١٣] فَقَدٍ جَعَلَ هَذَا الزَّاعِمُ إِلَهًا لِمُوسَى غَيْرَ اللَّهِ. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى لِمُوسَى فِي تَكْلِيمِهِ إِيَّاهُ: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: ٣٠] فَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَنَّ هَذَا كَلَامُ اللَّهِ قَوْلُهُ تَكَلَّمَ بِهِ وَاللَّهُ قَالَهُ زَعَمَ أَنَّهُ خَلْقٌ فَقَدْ عَظُمَ شِرْكُهُ وَافْتِرَاؤُهُ عَلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّ خَلْقًا قَالَ لِمُوسَى: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: ٣٠] فَقَدْ جَعَلَ هَذَا الزَّاعِمُ لِلْعَالَمِينَ رَبًّا غَيْرَ اللَّهِ فَأَيُّ شِرْكٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا، فَتَبْقَى الْجَهْمِيَّةُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ بَيْنَ كُفْرَيْنِ اثْنَيْنِ أَنَّ زَعْمًا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى فَقَدْ رَدُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَكَفَرُوا بِهِ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [القصص: ٣٠] خَلْقٌ فَقَدْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ، فَفِي هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ بَيَانٌ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيهَا بَيَانُ شِرْكِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ خَلْقٌ، وَقَوْلُ اللَّهِ خَلْقٌ وَمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَى أَنْبِيَائِهِ خَلْقٌ "
-حلية الأولياء
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
Forwarded from نجيب الكثيري
التخليط بين لفظ (التوسل) و(الاستغاثة):
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه..
أما بعد:

الوسيلة لغة وشرعًا:
لغة
: أصلها (وَسَلَ) والواو والسين واللام، يدل على الرَّغْبة والطَّلَب. يقال وَسَلَ، إذا رَغِب. والواسِل: الراغب إلى الله - عزَّ وجل- وهو في قول لبيد: أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم ... بلى كلُّ ذي دينٍ إلى اللهِ وَاسِلُ([1]).
والوسيلة التوصل إلى الشيء برغبة([2])، وهي في الأَصل ما يُتَوَصَّل به إِلى الشيء ويُتَقَرَّب به([3]).
يقال: وسَّلْتُ إلى ربي وَسِيلةً، أي: عَمِلت عَمَلًا أتقرّب به إليه، وتوسّلتُ إلى فلانٍ بكتابٍ أو قرابة؛ أي: تقرَّبْتُ به إليه([4]).
أي: تَسَبَّبَ إليه بسَبَب، وتقرّبَ إليه بحُرمةِ آصِرةٍ تَعطِفه عليه([5]).
وتوسلت إلى الله بالعمل تقربت([6]).
        وبهذا يكاد يكون إجماع أهل اللغة على أن الوسيلة هي في الأصل ما يتوصّل به إلى الشيء ويتقرّب به([7])؛ وإنما استعيرت لما يتقرب به إلى اللّه – تعالى- من فعل الطاعات([8]).
شرعًا: وهي لا تبعد عن مدلولها اللغوي، إلا إنها استعملت مقيَّدة في النسبة إلى الله وحدة، كما سبق الإشارة إليه، يقول الراغب الأصفهاني: (( وحقيقة الوسيلة إلى الله - تعالى- مراعاة سبيله بالعلم والعبادة وتحري مكارم الشريعة، وهي كالقربة))([9]).
وفي التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35].
فقد أجمع أهل التفسير أن المراد بالوسيلة هنا القربة إلى الله بالعمل بما يرضيه([10]).
قال السمعاني: (( الوسيلة كل ما يتوسل به إلى الله؛ أي: يتقرب))([11]).
وقال القرطبي: (( والوسيلة القربة التي ينبغي أن يطلب بها))([12]). أي: الطاعة التي يُطْلُبُ العبد بها ربه.
وكذا في قوله تعالى: { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: 57].
قال الزجاج: (( يطلبون إلى ربهم الوسيلة، ينظرون أيهم أقرب إليه فيتوسلون به))([13]).
والمحصل: أن حقيقة الوسيلة هي التعبد بما يحبه الله ويرتضيه، وهذا يدل على أنها من الأمور التعبدية التوقيفية، فلا يشرع منها شيء إلا بدليل؛ " لأن باب القربات يُقتصرُ فيه على النصوص، ولا يُتصرّفُ في بأنواع الأقيسة والآراء"([14]).
فمن كان عمله خارجاً عن الشرع، ليس متقيّداً بالشرع فهو مردود([15])، ولهذا تكلم العلماء عن التوسل المشروع بما دل عليه خبر الوحي، وذكروا الممنوع منها لعدم ورود الدليل.
وهذا أصل متفق عليه؛ وهو أن الأصل في العبادات البطلان حتى يقوم دليلُ الأمرِ([16])، ومن اخترع في الدين ما لم يشهد له أصل من أصوله فلا يُلتفت إليه([17]).
 
الاستغاثة لغة وشرعًا:
لغة: من (غوث)، والغين والواو والثاء كلمةٌ واحدة، وهي الغوث من الإغاثة، وهي الإغاثة والنُّصرة عند الشِّدة([18]).
وغَوَّثَ الرجلُ واسْتَغاثَ: صاحَ واغَوْثاه، والاسمُ الغَوْث، والغُواثُ والغَواثُ([19]).
قال الزبيدي: (( وَقد صَرَّح أَئمَّةُ النَّحْوِ بأَنَّ هذا هُوَ أَصْلُه، ثمَّ إِنهم استعمَلُوه بِمَعْنى صَاحَ ونَادَى؛ طَلَباً للغَوْثِ))([20]).
فحقيقة التوجه بها دعاء وطلب وسؤال، لدخول مادة الاستفعال عليها مع اصطحابٍ للشدة ونزول كرب، قال ابن الصائغ (720): (( وإذا نُوْدِيَ مَنَاْدَىً ليخلّص من شدّة، أو يُعين على مشقّة، فنداؤه استغاثة، وهو مُستغاث))([21]).
 
فإذا تقرر ذلك: فإن القبوريين يطلقون التوسل على الاستغاثة بالأموات، فدعاء الأموات والاستغاثة بهم، وسؤالهم قضاء الحاجات، يسمونه توسًلا بالأنبياء والصالحين.
قال ابن تيمية: (ولفظ "التوسل" و "الاستشفاع" ونحوهما دخل فيها من تغيير لغة الرسول وأصحابه، ما أوجب غلط من غلط عليهم في دينهم ولغتهم.
يحقق هذا الأمر أن التوسل به والتوجه به لفظ فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح، فمعناه في لغة الصحابة أن يطلب منه الدعاء والشفاعة، فيكونون متوسلين ومتوجهين بدعائه وشفاعته. ودعاؤه وشفاعته - صلى الله عليه وسلم- من أعظم الوسائل عند الله عزَّ وجلَّ))([22]).
فذكر شيخ الإسلام أن بسبب الاستعمال صار لفظُ التوسُّلِ (مجملًا مشتركًا).
ويقول الألوسي في الردِّ على النبهاني: (( لفظ التوسل صار مشتركًا، فعباد القبور يطلقون التوسل على الاستغاثة بغير الله ودعائه رغبًا ورهبًا، والذبح والنذر والتعظيم بما لم يشرع في حق مخلوق))([23]).
ومما يؤكد أن التوسل في كلام السلف الأول هو طلب الدعاء من الحيِّ ما جاء عن أنس أن عمر بن الخطاب - رضي اللَّه عنه- كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ فَيُسْقَوْنَ([24]).
Forwarded from نجيب الكثيري
فسمَّى طلب الدعاء من الحي الحاضر القادر على الدعاء (توسلًا).
وأما ما جاء في حديث الشفاعة عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، وفيه: « فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ ثُمَّ بِمُوسَى ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم- فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ»([25]).
وفي رواية أبي هريرة: « فَيَقُولُ النَّاسُ أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام»([26]).
فقد سمَّى طلب الدعاء (استغاثة) مراعاة لحالهم؛ حيث كانوا في شدة، فطلب رفعها بفعل مقدور عليه للمخلوق، أو بدعاء وسؤاله الله تعالى أن يرفعها.
وعليه فليس ثم مانع من تسمية (التوسل) بدعاء الحي (استغاثة).
وإنما المانع من تسمية (الاستغاثة) التي حقيقتها الطلب من المخلوق (توسلًا)، يقول ابن تيمية: (( ولم يقل أحد: إن التوسل بنبي؛ هو استغاثة به، بل العامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بأمور كقول أحدهم: أتوسل إليك بحق الشيخ فلان أو بحرمته أو أتوسل إليك باللوح والقلم أو بالكعبة أو غير ذلك مما يقولونه في أدعيتهم، يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور؛ فإن المستغيث بالنبي - صلى الله عليه وسلم- طالب منه وسائل له.
والمتوسل به لا يدعى ولا يطلب منه ولا يسأل، وإنما يطلب به، وكل أحد يفرق بين المدعو والمدعو به))([27]).
ويقول: (( فإن ما نفي عنه وعن غيره من الأنبياء والمؤمنين وهو أنهم لا يطلب منهم بعد الموت شيئًا، ولا يطلب منهم في الغيبة شيئًا لا بلفظ الاستغاثة ولا الاستعاذة ولا غير ذلك، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، حكم ثابت بالنص وإجماع علماء الأمة مع دلالة العقل على ذلك))([28]).
ولهذا أبطل ابن تيمية دعوى القبوريين في استعمالهم لفظ (التوسل) في الاستغاثة بالأموات، فقال في رده على البكري: (( وقوله: "من توسل إلى الله بنبيه في تفريج كربة، أو استغاث به سواء كان ذلك بلفظ الاستغاثة أو التوسل أو غيرهما مما هو في معناهما"
فهذا القول لم يقله أحد من الأمم، بل هو مما اختلقه هذا المفتري، وإلا فلينقل ذلك عن أحد من الناس. وما زلت أتعجب من هذا القول وكيف يقوله عاقل، والفرق واضح بين السؤال بالشخص والاستغاثة به..))([29]).
وهذه فتوى لأبي زرعة العراقي (826) ينص فيها على التفريق بين التوسل، وبين السؤال والطلب من الأموات؛ فيقول: (( سُئلتُ عمن يزور الصالحين من الموتى، فيقول عند قبر الواحد منهم: يا سيدي فلان أنا أستجير بك، أو متوسل بك، أن يحصل لي كذا وكذا)).
فأجاب بعد ذكر مشروعية زيارة القبور بقوله: (( ... ولا امتناع في التوسل بالصالحين، فإنه ورد التوسل بالنبي وبصلحاء أمته، وأما قوله: (أطلب منك أن يحصل لي كذا وكذا) فمنكر، فالطلب إنما هو من الله تعالى، والتوسل إليه بالأعمال الصالحة، أو بأصحابها أحياء وأمواتًا))([30]).
ومعلوم أن لفظ (الاستغاثة) تارة يكون لازمًا، فيُعَدَّى، فيقال: (استغثتُ اللهَ)، وتارة يُعَدَّى بحرف (الباء)، فيقال: (استغثتُ بالله) من الغوث.
قال ابن تيمية: (( فالله في كلا الموضعين مسؤول مطلوب منه.
وإذا قالوا لمخلوق (استغثته واستغثت به) من الغوث، كان المخلوق مسؤولًا مطلوبًا منه، وأما إذا قالوا: (استغثُ به) من الإغاثة، فقد يكون مسؤولًا، وقد لا يكون مسؤولًا))([31]).
والمحصل: أن من ثبت عنه أن استغاث بميت فقد وقع في الشرك، ولا يلتمس له العذر بكونه إنما (توسل) بالميت غير أنَّه سَّمى توسله (استغاثةً)، وبهذه المناسبة يقول السيوطي: ((كان في عصرنا أمير يقال له أزدمر الطويل... وما زلت أتضرع إلى الله تعالى في هلاكه، وألا يوليَهُ على المسلمين، واستغيث بالنبي - صلى الله عليه وسلم- وأسال فيه أرباب الأحوال حتى قتله الله))([32]).
فالأصل أن تجرى هذه اللفظة على ظاهرها، لا سيما إذا صدرت ممن تلبس بالمذهب الصوفي الأشعري، فيحكم على فعله بالشرك، ولا يبرر شرك عباد القبور تحت مصطلح (التوسل)، يقول ابن تيمية: (( فلفظ الاستغاثة في الكتاب والسنة وكلام العرب إنما هو مستعمل بمعنى الطلب من المستغاث به.
 وقول القائل: (استغثت فلانًا، واستغثت به) بمعنى طلبت منه الإغاثة، لا بمعنى توسلت به، فلا يجوز للإنسان الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله))([33]).
وقد استعمل السبكي لهذه المسألة قانون (الكسب) الأشعري وهو ما يعرف بـ(المجاز العقلي، أو الإسناد المجازي)، يقول السبكي: (( والمستغاث به في الحقيقة هو الله - تعالى- والنبي - صلى الله عليه وسلم- واسطه بينه وبين المستغيث، فهو سبحانه مستغاث، والغوث منه خلقًا وإيجادًا، والنبي - صلى الله عليه وسلم- مستغاث، والغوث منه تسباً وكسباً))([34]).
Forwarded from نجيب الكثيري
وهذا الاستدلال استعمله بعض الشيعة في مسألة النذر، يقول الرافضي عبد الله دشتي: (( ... فعبارته الأخيرة: "إلا أن قال يا الله إني نذرت لك...الخ" تنبئك أن المقصد ما دام يرجع إلى أن النذر لله، لا يضر عدم دقته وخطأه في العبارة، فيقول الناذر: نذرت للولي، وإن مثل قوله نذرت لله من الناحية الشكلية، لكنه لا يضر ولا يعد شركًا؛ ما دام قصده ومرجعه إلى: نذرت لله والمصارف للولي، وكأنه في حقيقته من المجاز في الإسناد))([35]).
أي أن من نذر لغير الله، فقال: (نذرتُ للولي أن أذبح له شاة)، فمعناه عندهم، أنه نذر لله، ومصارف النذر للولي.
وهذه الصورة عند السبكي صريحة في أن المراد بـ(التوسل) هو طلب الغوث من النبي - صلى الله عليه وسلم-، باعتباره سببًا وواسطة، وهذا عندهم - بحسب نظرية الكسب- لا يتعلق به الشرك بحال، لأنه ليس فيه إسناد الفعل إلى المخلوق على جهة الحقيقة، (الاستقلال الذاتي).
وهناك (صورة ثانية) عند السبكي في شرعية دعاء الأموات والاستغاثة بهم تحت مصطلح (التوسل): وهي قوله: (( وقد يتوسل بذي الجاه إلى من هو أعلى جاها منه، والاستغاثة: طلب الغوث، والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره، وإن كان أعلى منه، فالتوجه والاستغاثة به - صلى الله عليه وسلم -، وبغيره ليس لها معنى في قلوب المسلمين غير ذلك))([36]).
وهي طلب (الشفاعة) من الميت نبيًّا كان أم صالحًا، وهو المراد بقوله: (والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره)، يعني أن يدعو الله أن يغيث السائل ويقضي حاجته.
وهناك صورة ثالثة: حشرها في سياق كلامه؛ وهي: قوله: (( وقد تكون الاستغاثة بالنبي على وجه آخر، وهو أن يقول: (استغثت الله بالنبي)، كما يقول: (سألت الله بالنبي)، وقد يحذف المفعول به ويقال: استغثت بالنبي بهذا المعنى))([37]).
فقوله: (استغثتُ اللهَ بالنبي) هذه هي مسألة (التوسل). غير أنه جعلها مبررًا للشرك، تحت مسمى الحذف والإيجاز. والمقصود أن المستغيث بالولي، حقيقته أنه (استغاث بالله)، متوسلًا بجاه الولي!
وهذه الصورة تدخل في الصورة الأولى ضرورةً، غير أن الفرق بينهما، أن الأولى متعلقة بـ(المعنى والمقصد)، والثانية متعلقة بــ(اللفظ والعبارة)، والجامع لهما: إسناد الفعل إلى غير الفاعل (مجازًا).
فإذا قال عابد القبر: (يا نبي الله أغثني)! فمعناه:
أحدهما: أنه توجه إلى النبي بطلب الغوث منه تسبُّبًا وكسبًا لكونه واسطةً، وإلا فالحقيقة إنما المستغاث به هو الله تعالى.
والأخرى: أنه توجه إلى الله بطلب الغوث منه حقيقة، متوسلًا بالنبي، غير أنه استعمل الحذف في العبارة، فقال: (يا نبي الله أغثني)، وإلا فهي: (يا الله أغثني بنبيك).
وهذا هو معناه في كلام السبكي السابق: (استغثتُ اللهَ بالنبي)، فيحذف المفعول به ويقال: (استغثتُ بالنبي).
وكل هذا تخليط بين حقيقة (التوسل) و(الاستغاثة)، وتهوين لقضية الشرك بالله، والتبرير لدعاء الأموات وعبادة القبور.
حتى قال ابن تيمية: (( فظنوا أن قول القائل: (استغثت بفلان) كقوله: (سألت بفلان) والمتوسل إلى الله بغائب، أو ميت تارة يقول: (أتوسل إليك بفلان) وتارة يقول: (أسألك بفلان)، فإذا قيل ذلك بلفظ الاستغاثة، فإما أن يقول (أستغيثك بفلان) أو (أستغيث إليك بفلان) ومعلوم أن كلا هذين القولين ليس من كلام العرب.
وأصل الشبهة على هذا التقدير أنهم لم يفرقوا بين (الباء) في "استغثت به" التي يكون المضاف بها مستغاثًا مدعوًا مسؤولًا مطلوبًا منه. وبـ(الاستغاثة المحضة) من الإغاثة التي يكون المضاف بها مطلوبًا به، لا مطلوبًا منه، فإذا قيل: (توسَّلتُ به)، أو (سألتُ به)، أو (توجَّهتُ به)، فهي الاستغاثة، كما تقول كتبت بالقلم، وهم يقولون: أستغيثه واستغثت به من الإغاثة كما يقولون استغثت الله واستغثت به من الغوث))([38]).
ويظهر من هذا التقرير أن شيخ الإسلام يفرق بين الاستغاثة الشركية التي يتوجه بها إلى الميت والتي حقيقتها طلب الغوث منه، والتي يصح التعبير عنها بقولهم: (استغثتُ بالوليِّ، أو استغثتُ الوليَّ).
وبين (التوسُّل بالوليِّ) و(السؤال به) و(التوجُّه به)، فهذا لو سمِّيَ استغاثة فهو في حقيقته إغاثة محضة من جهة اللفظ فقط، ولا تحمل معنى طلب الفعل من الولي وهو الغوث الحقيقي.
ومعلوم أن ما يفعله عبَّاد القبور من دعاء الأموات هو من الشرك الصريح، ولا يفرقون بين هذه العبارات فضلًا عن إدراكهم لمعانيها، وما يفترق بعضها عن بعض.
بل لا يميزون بين الحقائق العامَّة بين ماهيَّة (الاستغاثة بالأموات) وماهيَّة (طلب الشفاعة منهم) في الواقع، فضلًا عن ماهيَّة (التوسل).
وللأسف هناك من يروج لهذه القضية تحت عباءة التحقيق لمسائل العلم، حتى قال بعضهم: (والقول بأن طلب الدعاء من الميت عند قبره ليس شركًا، وإنما هو بدعة منكرة، يقوم على سبعة أصول: الأول: أن طلب الدعاء والشفاعة من المخلوق ليس عبادة في ذاته.
Forwarded from نجيب الكثيري
الثاني: أن طلب الدعاء من الميت لا يتضمن نسبة شيء من خصائص الله إلى الميت.
الثالث: أن عدم سماع الميت لكلام الأحياء، وعدم قدرته على الدعاء لهم، ليس من الأمور المنتفية بالقطع.
الرابع: انتفاء قدرة الميت على طلب الدعاء من الله ليس قطعيًا...))([39]). وهكذا ذكر بقية السبعة التي سماها (أصولًا) تدعيمًا لأصل الشرك عند القبوريين.
فكيف والمسألة نقل فيها (الإجماع على تكفير من سأل الأموات الشفاعة)، يقول الشيخ المجدِّد محمد بن عبد الوهاب في ذكره للنواقض: (( الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم فقد كفر إجماعًا))([40]).
ويقول ابن تيمية: (( فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات: فهو كافر بإجماع المسلمين))([41]).
فــ(الوسائط) في كلام ابن تيمية هي طلب الشفاعة من الأموات يقول: (( وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه ـ كالحجَّاب الذين بين الملك ورعيته ـ بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدى عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم، وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك يسألون الملوك الحوائج للناس، لقربهم منهم، والناس يسألونهم، أدبًا منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك؛ لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج. فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه، فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل))([42]).
وهذا الإجماع الذي ذكره ابن تيمية في كفر من جعل بين وبين الله وسائط يدعوهم، قد نقله عنه ابن مفلح([43]).
واعتبره ابن حجر الهيتمي وأقرَّه فيقول: (( وحاصل عبارة الفروع أن مما يكون كفراً .. ومن ذلك أن يجعل بينه وبين الله تعالى وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم قالوا: إجماعًا))([44]).
وعلى أقلِّ تقدير - مع فساد تقرير هذا المدَّعِي وأصوله السبعة الفاسدة التي بناها عليها- كان المتعين عليه أن يعلِّم عبَّاد القبور والسائلين للأموات التفريق بين (الاستغاثة) فيحذروها، وبين (طلب الشفاعة والدعاء من الأموات) فيحترزوا عن الوقع في الشرك بها!!
 
كتبه/ أبو عاصم نجيب الكثيري
الأحد 28 صفر1446
ــــــــــــ
[1] - معجم مقاييس اللغة لابن فارس (6/110).
[2] - المفردات، للراغب الأصفهاني (ص 523).
[3] - لسان العرب، لابن منظور (11/724)
[4] - كتاب العين، للفراهيدي (7/298)، والمحيط في اللغة، للصاحب ابن عباد (8/377)، وتهذيب اللغة، للأزهري (13/48)، والصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، للجوهري (5/1841)، ولسان العرب، لابن منظور (11/724).
[5] - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (5/185)، ولسان العرب، لابن منظور (11/724)، وتاج العروس (31/75).
[6] - أساس البلاغة، للزمخشري (ص675).
[7] - الكشف والبيان عن تفسير القرآن، للثعلبي (4/59).
[8] - البحر المحيط، لأبي حيان (4/226).
[9] - المفردات، للراغب الأصفهاني (ص 524).
[10] - تفسير مقاتل بن سليمان (1/297)، وجامع البيان للطبري (10/290)، وتفسير السمعاني (2/35)، والكشف والبيان عن تفسير القرآن، للثعلبي (4/59)، والتفسير الوسيط، للواحدي (2/183)، ومعالم التنزيل، للبغوي (3/51)، المحرر الوجيز، لابن عطية (2/283)، والتسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي (1/230).
[11] - تفسير السمعاني (3/251)، معالم التنزيل، للبغوي (3/139).
[12] - الجامع في أحكام القرآن، للقرطبي (6/159).
[13] - معاني القرآن، للفراء (1/48)، ومعاني القرآن وإعرابه، للزجاج (3/246)، وينظر: تفسير السمعاني (3/251)، والبحر المحيط في التفسير، لأبي حيان (7/70).
[14] - تفسير القرآن العظيم، لابن كثير (4/311).
[15] - جامع العلوم والحكم، لابن رجب (1/177).
[16] - إعلام الموقعين، لابن القيم (1/470).
[17] - فتح الباري، لابن حجر (5/357).
[18] - معجم مقاييس اللغة، لابن فارس (4/400).
[19] - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 289) المخصص (1/ 220) لسان العرب، لابن منظور (2/174).
[20] - تاج العروس (5/ 313).
[21] - اللمحة في شرح الملحة، لابن الصائغ (2/619).
[22] - قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة (ص306).
[23] - غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/362).
[24] - صحيح البخاري رقم (1010).
[25] - صحيح البخاري رقم (1475).
[26] - صحيح البخاري رقم (4712).
[27] - مجموع الفتاوى (1/103).
[28] - الرد على البكري تلخيص كتاب الاستغاثة (2/716).
[29] - الرد على البكري تلخيص كتاب الاستغاثة (1/182).
[30] - فتاوى الفقيه ولي الدين أبي زرعه العراقي (ص166-167).
Forwarded from نجيب الكثيري
وأما قوله: (أو بأصحابها أحياء وأمواتًا)، فمقصوده التوسل بذوات الصالحين وبجاههم وهي مسألة خلاف، غير مَعنِيَّةٍ هنا.
[31] - الرد على البكري تلخيص كتاب الاستغاثة (1/184).
[32] - حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة (1/603).
[33] - الرد على البكري تلخيص كتاب الاستغاثة (1/184).
[34] - شفاء السقام، للسبكي (ص176).
[35] - الخلل الوهابي (ص259).
[36] - شفاء السقام (ص173).
[37] - شفاء السقام (ص176).
[38] - الرد على البكري تلخيص كتاب الاستغاثة (1/184).
[39] - المسلك الرشيد، للعميري (2/311-317).
[40] - نواقض الإسلام (ص2).
[41] - مجموع الفتاوى (1/124).
[42] - الواسطة بين الحق والخلق (ص25)، وينظر: مجموع الفتاوى (1/126).
[43] - الفروع وتصحيح الفروع (10/188).
[44] - الإعلام بقواطع الإسلام (ص213).
كتاب الإمامة لأبي يعلى.pdf
98.1 MB
الإمامة للقاضي أبي يعلى
يصور لأول مرة
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
تكفير الشيخ ابن باز - رحمه الله - لسيد قطب
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
الإمام السيوطي
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
سبحان الله نفس السيوطي
2024/10/06 19:14:42
Back to Top
HTML Embed Code: