tgoop.com/AliAbnAbiThalb1/368654
Last Update:
تل الإمام الحسين عليه السلام
فلما تتابع أصحاب الحسين واحداً تلو الآخر يتسابقون إلى الموت، ويحتسبون أنفسهم عند الله تعالى، مقدمين أنفسهم فداء للحسين وآل الحسين، ثم تتابع أهل البيت فكان علي بن الحسين الأكبر أولهم قتلاً في سبيل الله، وتتابع آل عقيل وآل جعفر وإخوة الحسين وأولاد أخيه الحسن حتى قتلوا عن آخرهم، وبقي الحسين وحيداً في أرض المعركة يلتفت يميناً وشمالاً فلا يرى مغيثاً ولا ناصراً، وهو يرى جثث أصحابه وأهل بيته عن يمينه ويساره ومن أمامه وخلفه، قد مزقتهم السيوف والرماح، وينظر إلى النساء ليس معهن من يحميهن أو يدفع عنهن، ويعلم مصيرهن بعده، وفي تلك الأثناء العطش يكاد يفتت كبده، ويضعف جهده، وينهك جسده، وجيش العدو قد ارتفعت معنوياتهم، واستبشروا بخسرانهم.
وجاء دور الأسد فقد قتل الأشبال، وحان وقت الوفاء لأولئك الأبطال.
فتقدم الحسين عارفاً بمصيره، محتسباً لنفسه، ناسياً كل تلك الأمور التي كل واحد منها كاف في ضعفه ووهنه وفشل موقفه، فلم يخضع ولم يتضعضع.
ثم إن الحسين عليه السلام دعا إلى البراز، فلم يزل يقتل كل من خرج إليه من عيون الرجال، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة.
وصار يقاتل قتال اللَّيث عن عرينه، مَن عن شماله وعن يمينه، يغتنم الفرصة، ويطيل الحملة، ويقصر الحركة، فيكافؤهم تارة، ويزحزحوه أخرى، حتى عجب الناس من أمره، وهو يصول عليهم ويجول فيهم، حتى فرقهم وطردهم كما يطرد الأسد قطيع الفريسة، وهم يفرون منه كما تفر الغنم من الذئب.
ثم تقدم شمر بن ذي الجوشن لعنه الله في قبيلة عظيمة فقاتلهم الحسين بأجمعهم وقاتلوه حتى حالوا بينه وبين رحله، فصاح بهم الحسين عليه السلام عة آل سفيان، إن لم يكن بكم دين وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعواناً كما تزعمون.
فناداه شمر لعنه الله: ماذا تقول يا حسين؟
فقال الحسين عليه السلام: أقول أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني، والنساء ليس لكم عليهن جناح، فامنعوا عتاتكم وطغاتكم وجهالكم عن التعرض لحرمي ما دمت حياً.
فقال الشمر: لك ذلك يا ابن فاطمة.
ثم صاح الشمر بأصحابه: إليكم عن حريم الرجل، واقصدوه في نفسه، فلعمري إنه لكفو كريم.
فأقبل نحوه شمر في الرَّجالة، فجعل الحسين يشد عليهم، فينكشفون عنه، وعليه قميص خز، وكان عبد الله بن عمار بن عبد يغوث يقول: والله ما رأيت مثكولاً قط قُتلَ ولدُه وأهلُ بيته وأصحابُه أربط جأشاً منه، ولا أمضى جناناً، ما رأيت قبله ولا بعده مثله، إن كانت الرجال تنكشف عن يمينه وعن يساره انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب.
فجعل عليه السلام يحمل عليهم ويحملون عليه، وهو مع ذلك يطلب شربة ماء، فلم يجد إليها سبيلاً، فكل ما حمل إلى جهة الفرات لشرب حملوا عليه وحالوا بينه وبينه.
فقال شمر بن ذي الجوشن لعنه الله: ويلكم حولوا بينه وبين الماء.
فلما دنا ليشرب، فرماه حصين بن تميم -لعنه الله- بسهم فوقع في فمه، فجعل يتلقى الدم، ويرمي به إلى السماء، ويقول: (اللهم إنك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العتاة الطغاة، احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تذر على الأرض منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً).
ثم حمل عليهم كالليث المغضب، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلا لفحه بسيفه لفحة تلحقه بالأرض، وجعل يقتل فيهم ويجرح، ويطعن ويضرب ولا يبالي، وهم بين راشق ورامي له بالحجارة و السهام، وطاعن له بالرمح، وضارب له بالسيف، من أمامه وخلفه وعن يمينه ويساره، وهو يناجزهم وينتهز فرصة الخلل فيهم، مستعيناً بالله عليهم، متيقناً بما يؤول إليه أمره من الفوز بالشهادة، وعارفاً بعاقبة أمرهم من الخزي والوبال، فصارت الدماء تسيل من كل عرق ومفصل ومنبت شعرة في جسمه فكأنه قربة ماء مخرقة من جميع الجوانب والأنحاء، ولا يكاد يوجد موضع أصبع في جسمه إلا وقد رمي بسهم أو طعن بسيف أو رمح، فأضعفته الجراح، وأنهكته الدماء، والسهام تقصده من كل جانب وناحية، وهو يتلقاها بصدره ونحره وهو يقول: يا أمة السوء بئس ما خلفتم محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في عترته، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إياه، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.
فصاح به الحصين: يا ابن فاطمة وبماذا ينتقم لك منا؟.
قال الحسين عليه السلام: يلقي بأسكم بينكم، ويسفك دماءكم، ثم يصب عليكم العذاب صباً.
ولم يزل يحمل عليهم حتّى أثخنته جراحاته، فوقف ليستريح فرمي بحجر فوقع في جبهته فسالت الدماء على وجهه ولحيته، فرفع ثوبه ليمسح الدم عن وجهه، فرماه أبا الجنوب عبد الرحمن الجعفي بسهم فوقع في جبهته، قلبه، فأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كالميزاب، فوقف بمكانه لا يستطيع أن يحمل.
BY حكم الإمام علي (ع)🔰
Share with your friend now:
tgoop.com/AliAbnAbiThalb1/368654