-
سنبدأ بالمصطلح الأوَّل أو الخدعة الأولىٰ تحت مسمَّىٰ التَّداول بعون الله تعالىٰ :

لن أستطيع الإيجاز بشكل جيِّد لذا سأحاول الاختصار فقط؛ فالتَّداول لغة هو انتقال الملكيَّة لشيء ما من شخص إلىٰ آخر، بمقابل ماديٍّ أو ماليٍّ، وصار يذكر كثيرًا في مواقع التَّواصل اليوم، كـ فرصة ذهبيَّة نحو الثَّراء السَّريع دون جهد ولا تعب، ويقصد به تداول الأسهم المجهولة والسَّندات الرَّبويَّة، وغيره.

وتطبيقاته كثيرة لن أذكرها احتياطًا، حيث يظهر لك إعلانها علىٰ لسان رجل يعيش حياة فارهة، من يخته أو قصره أو سيَّارته الفاخرة، ليقول أنَّه وصل إلىٰ هذه الحالة من خلال التَّداول الأثيم، فيسارع فلاسفة العرب لتنظيم دورات في ذلك، رأس مالها ما يجمعونه من الأغبياء إذ تكون المحاضرات تلك باهظة الثَّمن، ويخبرونك بدايةً أنَّك فقير في زمن لا قيمة فيه إلَّا للأغنياء، ثمَّ ينصحونك بترك الدِّراسة والعمل، للعمل معهم علىٰ استغلال المزيد من الأغبياء، بحجَّة أنَّ كثيرًا من أثرياء العالم لم يتعلَّموا في الجامعات كما كنت تريد أن تفعل أنت، ونهايةً تستيقظ - ربَّما بعد سنوات - علىٰ مال محرَّم أو فقر مغرَّم، فلا أنت بوظيفتك الحلال اكتفيت، ولا أنت في طريقك نحو امتلاك الدُّنيا أفلحت، ومع ذلك سيخبرك ذلك المحاضر نفسه أنَّ هذا محتمل وعليك الوقوف علىٰ قدميك مجدَّدًا مرَّة تلو المرَّة إلىٰ أن يكسرهما لك بنصائحه.

أوَّلًا : لا يجوز العمل في تطبيقات التَّداول المشبوهة لأنَّها امتلاك لما لا تعلم ولا ترىٰ إذ أنَّك في الحقيقة تدفع لهم ولا تمتلك شيئًا، وإنَّما يغشُّونك بأرقام وأرباح مكذوبة ثمَّ يأخذون رأس مالك كاملًا.

ثانيًا : إن صحَّ امتلاكك لشيء في تلك التَّطبيقات فهي - بالغالب - سندات الخزائن والمصارف، وهي معاملات تقوم علىٰ الرِّبا بشكل كامل.

ثالثًا : عَمِل الصَّحابة والَّذين هم خير منِّي ومنك عند بعضهم البعض، ولم يطلق أحدهم وصف العبد علىٰ الآخر، ولم يأمرهم رسول الله ﷺ أن يمتلك كلُّ واحد منهم وظيفة ومهنة خاصَّة، إذ أنَّ الله خلق الخلق ليكمَّل بعضهم الآخر، ويتواضعوا لبعضهم البعض.

رابعًا : وأخيرًا قال رسول الله ﷺ : "( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ )"، فنحن المسلمون يجب أن نكون أبعد من يكون عن عبادة الدُّنيا ومالها، والسَّعي للحلال الكثير - دون تعلُّق القلب المذموم - لا ينافي رفض الحرام القليل، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

-
الخدعة الثَّانية أو أكذوبة الثَّراء الأكثر شهرة وهي العملات الرَّقميَّة أو العملات المشفَّرة :

العملات الرَّقميَّة أو (كريبتو-Crypto) وهو لفظ يطلق علىٰ كلِّ عملة افتراضيَّة، ليس لها وجود ماديٌّ ولا تمثِّل دولة أو مصرفًا أو شركة معيَّنة، ولكنَّ الحقيقة في نظرنا أنَّه لفظ يطلق علىٰ كلِّ عملة وهميَّة، مجهولة المصدر، لا ترتبط قيمتها - بالغالب - بأمر محسوس يمكن معاينته أو التَّنبُّؤ بمستقبله.

وأكثر هذه العملات شهرة هي (البِتكُوين-BTC) ثمَّ (إيثيريوم-ETH) إذ يخسر ملايين النَّاس أموالهم فيها سنويًّا بينما يربح الآلاف من النَّاس بعضًا ممَّا خسره أولئك الملايين، لتعود الخسارة المتبقِّية إلىٰ المصدر المجهول صاحب تلك العملات (دول)، وتستمرُّ هذه الدَّورة بشكل غير منتظم ولكنَّه متكرِّر لا ينتهي، ومؤخَّرًا صار هناك عملات جديدة يعرف أصحابها لترويج المزيد والمزيد من تلك الألاعيب، لكن انتهىٰ أمر أغلبهم بين المحاكم والسُّجون كصاحب المنصَّة الأشهر في هذا المجال (FTX).

يحاول بعض العرب اليوم من المشاهير والأغبياء دعوة الشَّباب العرب والمسلمين إلىٰ هذه المهزلة، ويزعمون زورًا أنَّها أسرع طريقة للثَّراء، وأنَّها مستقبل البنوك الحقيقيِّ، وستكون مستقبلًا كأنَّها بساط الرِّيح الطَّائر الخاصِّ بسندباد لمن يستثمر بها اليوم، ويأتونك بمثال أو مثالين من لصوص الغرب الَّذين احتالوا علىٰ الملايين في هذا المجال ليصبحوا ضمن قائمة أثرياء العالم في غضون أشهر كمدير المنصَّة الأكبر في المجال المعروفة باسم (بينانس-Binance) إذ بلغت ثروته أكثر من 90 مليار دولار، علمًا أنَّ شركته لا تصنع شيئًا ولا تقدِّم خدمات ملموسة، إذ أتت ثروته من خسائر المغفِّلين الأغرار في ذلك المجال الأسود لا أكثر، والَّذين لا يتطرَّق لذكرهم أحد ممَّن يدعوك للدُّخول في ذلك المجال الأثيم.

أخيرًا؛ لا يجوز التَّعامل بمال لا تعلم قيمته، ولا يمكن تحديدها، أو تتعرَّض قيمته لذبذبة غير منطقيَّة، إذ هبطت إحدىٰ العملات من سقف 50 ألف دولار إلىٰ 17 ألف دولار، وهذا يثبت أنَّها عملات غير مستقرَّة ولا مرتبطة في المعدنين الثَّمينين الَّذين أنزلهما الله للنَّاس (الذَّهب والفضَّة)، واختصارًا ما دام حال العملات الأثيمة هذه علىٰ حاله، فلا يجوز التَّعامل فيها أو الدَّعوة إليها في حال من الأحوال، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

-
وهم الثَّراء الثَّالث أو فاكهة المال السِّحريَّة باسم التَّسويق الهرمي أو التَّسويق الشَّبكي :

مفهومٌ معقَّدٌ كان ضعيف الانتشار سابقًا إلىٰ أن انتشرت الشَّبكات العنكبوتيَّة (الإنترنت) حول العالم، فصار من أكثر الأساليب انتشارًا في استغلال سذاجة المستخدمين، وكالعادة فهو جوهريًا يقوم علىٰ استغلال ملايين البسطاء من الأغرار في هذا المجال ليصنع السَّابقون فيه ثرواتهم من ظهور أولئك الأغرار، إذ أنَّ مفهوم الهرميَّة مبنيٌّ علىٰ أن تأخذ جزءًا من أرباح من تدعوهم لشبكة التَّسويق تلك وبدوره يأخذ من دعاك إليها جزءًا من أرباحك المستحقَّة سواءً ما تجنيه أنت أو ما يأتيك من خلال من هم في قاعدة هرمك، والسَّخافة أنَّ سلسلة تقسيم الأرباح قد تضمُّ عشرات المتحاصصين، فـ تخيَّل ..

وكالعادة أيضًا يدعوك إليه دجَّالو التَّنمية البشريَّة وغيرهم ويستخدمون عبارتهم المضحكة المملَّة : ( إن لم تكسب المال في نومك فستبقىٰ تركض خلفه في يقظتك )، ويأتونك بمثال أو مثالين ممَّن بنىٰ ثروته في ذلك المجال اللَّعين ويغضُّون طرفهم عن ملايين الأغرار الَّذين خسروا أموالهم فيه، وللأسف فالمغفَّلين لا حصر لهم في هذا العالم ممَّا يضمن لهم الاستمرار لفترة غير معروفة في هذا المسلسل الأثيم.

وغالبًا ما تكون أسماء المنتجات في هذا التَّسويق جديدة علىٰ أسماع النَّاس أو مبالغ في وصفها لتشدَّهم عاطفيًّا، مثل ( شاي التَّنحيف الخطير - زيت البشرة النَّاعمة - بذور نبتة السَّنافر ) وغيره من المنتجات العاديَّة، ولكن تعاد تسميتها لجذب المزيد من الأنظار لهم.

أخيرًا؛ لا يجوز العمل في التَّسويق الهرميِّ لأسباب كثيرة أبرزها : تفرض أغلب تلك الشَّركات عليك أن تشتري منهم شهريًا بقيمة محدَّدة ولو بلغ منصبك فيها ما بلغ، والمبالغة غير المعقولة في أسعار المنتجات بحجَّة اختلافها عن نظيراتها في السُّوق، وغالب من يدخل بماله في تلك الشَّركات يقصد الأرباح الموعودة لا المنتجات المدفوع ثمنها وهذا يدخل باب المقامرة إذ لا يعلم إن كان سيربح مثل المئات القلَّة أو يخسر كما حدث مع الملايين قبله، ناهيك عن أبواب الرِّبا والغرر والاستغلال وتفصيلاتها الَّتي لا يتَّسع المجال لذكرها هنا، وأفتت اللَّجنة الدَّائمة بحرمة التَّسويق المذكور وفي هذا القدر كفاية، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

-
الخدعة الرَّابعة والأخيرة أو وهم الحرِّيَّة الماليَّة الأبسط المعروف باسم كتابة المحتوىٰ :

مصطلح بسيط أخذ بالانتشار سريعًا في السَّنوات الأخيرة باعتباره الطَّريقة الأكثر سهولة للحصول علىٰ دخل بسيط دون بذل جهد معتبر أو رأس مال، ويمكن العمل في ذلك المجال من المنزل بشكل كامل، وعلىٰ عكس المصطلحات الخادعة السَّابقة، فإنَّ كتابة المحتوىٰ أمر مباح يتعلَّق حكمه بما تعلَّقت به الكتابة، ولا يمكن أن يقول أحد بتحريم ذلك لذاته، ولكنَّ التَّنويه الواجب هنا هو الحدُّ من المبالغة في هذا المجال، إذ أنَّ إجادة الكتابة مهارة يُستَحَبُّ إتقانها لكلِّ مسلم ومسلمة، دون أن يُنظَرَ لها علىٰ أنَّها إنجاز أو صنعة رئيسيَّة يمكن الاعتماد عليها في كسب الرِّزق أو مواكبة متطلَّبات الحياة المختلفة، ولا شكَّ أنَّ الكتابة للمواقع أو المدوَّنات المخالفة أو المتضمنَّة للمعاصي يأخذ حكمها من التَّحريم أو الكراهة، ناهيك عن دعوة حركة النَّسويَّة بناتنا للعمل في ذلك دون الإكتراث لما فيه من الاختلاط وإراقة ماء الوجه للفتيات المسلمات بالغالب، وتكون أحيانًا بداية طريق لنزع الحياء من النِّساء، ومحاولة إدخال الكبر إلىٰ قلوبهنَّ أن اعتمدي علىٰ نفسك ولا تنتظري العطف من أب أو أخ أو زوج، ويكأنَّ عطف الرِّجال علىٰ النِّساء ليس واجبًا فرضه الله عليهم من فوق سبع سماوات لضمان عفَّة المرأة وسلامة قلبها، وهذه ذكرىٰ والذِّكرىٰ تنفع المؤمنين.

أخيرًا؛ يجوز العمل في كتابة المحتوىٰ بأجرة يتَّفق عليها الطَّرفان قبل بداية العمل، فإن دخل في ذلك مساعدة أصحاب المعاصي من المواقع والمدوَّنات المخالفة صار حكمها من حكمهم، ولكنَّ النَّصيحة هنا أن لا يظنَّ الأخ أو الأخت أنَّ هذا المجال هو كما يطلق عليه أوَّل أبواب الحرِّيَّة الماليَّة، فهو لا يعدو كونه باب تسلية وتنمية مهارات بسيطة مع استغلال جيِّد لوقت الفراغ من المنزل، واعلموا أنَّ أغلب إن لم يكن جميع المحاضرين والدَّاعين لهذا؛ لو كان يكفيهم أصلًا ويصنع لهم ثروة سريعة كما يقولون ما تركوه وتفرَّغوا لهذه الدَّورات باهظة الثَّمن ومعدومة القيمة، الَّتي تشعر وكأنَّها شقيقة التَّنمية البشريَّة، والمؤمن كيِّس فطن، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

-
نعم قد يَمُوت بعض الباطل بالسُّكُوت عنه، كما قال سيِّدنا عمر الفاروق رضي الله عنه، حيث قال : "( إنَّ لله عبادًا يُمِيتُون الباطل بهجره، ويُحيُون الحقَّ بذكره )"، فإذا انتشر باطلٌ ما ولم نستطع إماتته؛ وَجَب الغضب عليه وعلىٰ أهله، فإنَّه لا خير في مؤمن لا يغضب لحرمات الله، وهذا من أبواب الفقه الَّذي يدور مع تحقيق المصالح واجتناب المفاسد، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

ولا شكَّ أنَّ الإساءة للقرآن وهو دستور المسلمين وكلام ربِّ العالمين بحرقه ونحوه من أوضح الأمثلة علىٰ ذلك، فـ الواجب الأوَّل : هو عدم المساهمة في نشر تلك المشاهد أو التَّعليق عليها في مواقع التَّواصل لعلَّها لا تنتشر ولا يتحقَّق مراد فاعليها الملاعين، فإن حدث وانتشرت صار الواجب : إظهار الغضب المحمود في ذلك، ولا نعني الاكتفاء بمقاطعة تلك الدُّول أو الاحتجاج والحشد ضدَّها في الميادين، بل إنَّ ما يؤرقهم حقًّا ويقضُّ مضاجعهم يقينًا، هو امتثال أخلاق القرآن وأحكامه ورفعه بترتيله والاهتمام بعلومه، وقبل ذلك كلِّه الاعتقاد الصَّحيح لما جاء به، فإنَّ البلاد لم تفتح يومًا للمسلمين إلَّا وهم يتخلَّقون بأخلاق القرآن ويحملون ما فيه من العقيدة الصَّحيحة.

سُوءُ الأخلاقِ والسَّخطُ عند المرضِ والابتلاءِ قادحانِ في الإيمانِ، نافيانِ لكمالهِ، مُنذرانِ بنقضهِ، وكما كانَ اليأسُ من رحمةِ اللهِ بابًا للكفرِ والجحدِ، كانَ السَّخطُ علىٰ أقدارِ اللهِ مدخلَ الشَّيطانِ إلىٰ قلبِ العبدِ، والمؤمن القويُّ يدفعُ ذلكَ دفعًا حَتَّىٰ يكونَ مِمَّن قالَ رسولُ اللهِ ﷺ فيهم : ( عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ؛ إنَّ أمرَهُ كُلَّه خير ).

ثُمَّ قال ﷺ : ( وليسَ ذاكَ لأحدٍ إِلَّا للمؤمنِ ) ثُمَّ ذكرَ رسولُ اللهِ ﷺ العِلَّةَ في ذلك فقال : ( إن أصابتهُ سرَّاءُ شكرَ فكانَ خيرًا له، وإن أصابتهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له ) ولعلَّه يكفي الصَّابرَ أنَّ اللهَ معهَ { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } "البقرة:153".

• بَرقُ بَنِي أمَيَّة (أنس)

-
علىٰ الإنسان أن يخاف أشدَّ الخوف إذا كان يزيد في علمه، ويحضر مجالس العلم، ثُمَّ لا يجد بعد ذلك بركة في عمله وعباداته أو رفعة في أخلاقه، فإنَّ العلم لا يطلب لذات العلم بقدر ما يطلب لنفع صاحبه أوَّلًا وانتفاع النَّاس به ثانيًا، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

قال رسول الله ﷺ : "( من طلب عِلمًا ممَّا يبتغي به وجهَ اللهِ تعالَىٰ ليُصيبَ به عرَضًا من الدُّنيا لم يجِد عَرْفَ الجنَّةِ يومَ القيامةِ )" وعرف الجنَّة : ريحها، وفي رواية ضعيفة : "( مَن طلبَ العلمَ ليجاريَ بِهِ العلماءَ أو ليماريَ بِهِ السُّفَهاءَ ويصرفَ بِهِ وجوهَ النَّاسِ إليهِ أدخلَهُ اللَّهُ النَّارَ )" فالمؤمن يدفع ذلك عنه بمواكبة أخلاقه وأعماله لعلمه ومدارسته، وأخيرًا بإخراج الدُّنيا من قلبه إلىٰ يده.

• بَرقُ بَنِي أُمَيَّة (مُحَمَّد)

-
وفي قرين ذلك قال شيخ الإسلام ابن القيِّم - رحمه الله - في كتابه #الفوائد :

"| من علامات السَّعادة والفلاح أنَّ العبد كُلَّما زِيدَ في علمه زِيدَ في تواضعه ورحمته وخوفه وحذره، وكُلَّما زِيدَ في عمره نقص من حرصه، وكُلَّما زِيدَ في ماله زِيدَ في سخائه وبذله، وكُلَّما زِيدَ في قدره وجاهه زِيدَ في قربه من النَّاس وقضاء حوائجهم والتَّواضع لهم |".

-
لا يصحُّ في تفضيل الأسماء ما يتناقله كثير من النَّاس علىٰ لسان رسول - ﷺ - قولهم : "( خير الأسماء ما عُبِّد وحُمِّد )"، وهذا لا أصل له في كتب السُّنَّة وليس بحديث صحيح ولا ضعيف.

ويُغني عنه ما رواه الإمام #مسلم في صحيحه، أنَّ رسول الله - ﷺ - قال : "( إنَّ أحبَّ أسمائكم إلىٰ الله عبد الله وعبد الرَّحمن )"، وفي رواية لأبي داوود صحَّحها المحدِّث #الألباني : "( تَسَمَّوا بأسماء الأنبياء، وأحبُّ الأسماء إلىٰ الله عبد الله وعبد الرَّحمن، وأصدقها حارث وهَمَّام، وأقبحها حَرب ومُرَّة )".

-
• يطلق لفظ السَّفيه لغةً علىٰ من لا يجيد استخدام المال، ووضعه في مواضعه الصَّحيحة النَّافعة كما في قوله تعالىٰ في سورة #النساء : "{ وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ }" فإنَّ العاقل يحذر السَّفيه لئلَّا يكون من النَّادمين، ومن السُّفهاء من يجب حجزه عن النَّاس لإيقاف ضرره وأذاه، هذا في أمور الدُّنيا ولا شكَّ أنَّ أمور الآخرة أكبر وأعظم ووصف السَّفيه فيها وصف مخيف، ومعناه اصطلاحًا خفَّة العقل والطَّيش ونحوه، كما في حديث رسول الله - ﷺ - عن الخوارج إذ وصفهم بقوله : "( سفهاء الأحلام )" مع أنَّه ذكر قبلها أنَّهم : "( يقولون من خير قول البريَّة )" وفي هذا بيان لتلبيس بعض السُّفهاء أنفسهم بوشاح العلم والقول الحسن لئلَّا تُكشف عورتهم ويفضح الله جهلهم ومكرهم، ولكنَّ الله خير الماكرين سبحانه وتعالىٰ.

• وفي أحدث ما سمعته عن السُّفهاء في هذه الأيَّام، عندما سئل الشَّيخ الموفَّق وليد #السعيدان عن الطَّعن في الشَّيخ #النووي والحافظ #ابن_حجر - رحمهما الله - بتفسيق أو تبديع أو تكفير أحيانًا، فقال الشَّيخ وليد - ثبَّته الله - : "| فهذا والله من الظُّلم الكبير وما عرفناه من علمائنا الَّذين درسنا علىٰ أيديهم وقرأنا كتيهم من لدن عصرين هذين الإمامين إلىٰ عصرنا هذا، لم نعلم أحدًا يتطاول علىٰ الإمام #النووي كتطاول هؤلاء السُّفهاء والثُّلَّة المعاصرة |" وليس القول في ذلك قول #السعيدان وحده، فقد سئل المحدِّث #الألباني عن ذلك فقال : "| هذا كلام المتحمِّسين وليس من علماء المسلمين |" وليس المعاصرون فقط أصحاب هذا الموقف، فقد قال شيخ الإسلام والإمام المتقدِّم #ابن_القيم - رحمه الله - : "| من قواعد الشَّرع والحكمة أيضًا؛ أنَّ من كثرت حسناته وعظمت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر، فإنَّه يُحتَمَل له ما لا يُحتَمَل لغيره، ويُعفَىٰ عنه ما لا يُعفَىٰ عن غيره |" وهذا غيض من فيض أقوال العلماء الرَّاسخين في هذه المسألة، والمؤمن عادل في طبعه لا يساوي بين المسلمين والمجرمين، وفطن في أصله يفرِّق بين السُّفهاء والعلماء، ولا ينخدع بمن سمَّوا أنفسهم طلبة علم هنا وهناك، فكثير منهم كما قال الدَّاعية الموفَّق حسن #الحسيني - ثبَّته الله - : "| ابتلينا بأقوام يظنُّون أنفسهم طلبة علم، وهم مجموعة عصابة، عصابةٌ مهمَّتها فقط الطَّعن في النَّاس، والطَّعن في العلماء السَّابقين واللَّاحقين |" والله المستعان وهو الحافظ من كيد كلِّ فتَّان.

-
وفي قرين ذلك قال #الذهبي - رحمه الله - في سير أعلام النُّبلاء :

"| ولو أنَّ كلَّ من أخطأ في اجتهاده - مع صحَّة إيمانه، وتوخِّيه لاتِّباع الحقِّ - أهدرناه، وبدَّعناه، لقلَّ من يسلم من الأئمَّة معنا، رحم الله الجميع بمنِّه وكرمه |"

فالأدب الأدب مع العلماء، والتَّواضع التَّواضع يا طلَّاب العلم.

-
ليس من النِّفاق؛ صيانة يوم الجمعة عن المعاصي والذُّنوب أكثر من بقيَّة الأيَّام، بل ذلك - بإذن الله - من تعظيم شعائر الله، مع أنَّ الواجب اجتناب الآثام والمهلكات في كلِّ مكان وزمان، لكن من عجز عن ذلك - ونحن كثير - فينبغي له حياءً أن يجاهد نفسه في أزمنة وأمكنة الخير أكثر ممَّا يفعل في غيرها، ويوم الجمعة من الأيَّام العظيمة.

قال رسول الله - ﷺ - في سنن #أبي_داوود : "( إنَّ من أفضل أيَّامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السَّلام، وفيه قُبِضَ، وفيه النَّفخة، وفيه الصَّعقة، فأكثروا عَلَيَّ من الصَّلاة فإنَّ صلاتكم معروضة عَلَيَّ )" وصحَّح الحديث شيخ الإسلام #ابن_القيم والمحدِّث #الألباني، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

• بَرقُ بَنِي أُمَيَّة (مُحَمَّد)

-
وفي التَّعليق علىٰ الحديث المذكور قال #النووي - رحمه الله - :

" قال القاضي عياض : الظَّاهِر أَنَّ هذه الفصائل المعدودة ليست لذكر فضيلته لأَنَّ إخراج آدم وقيام السَّاعَة لا يُعَدُّ فضيلة وَإِنَّمَا هُوَ بيانٌ لما وقع فيه من الأمور العظام وَمَا سَيَقَعُ، لِيَتَأَهَّب العبد فيه بالأعمال الصَّالِحَة لنيل رحمة الله ودفع نِقمَته ".

• اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم علىٰ نبيِّنا مُحَمَّد 🌻

-
" في بعض البلاد اليوم؛ يتمُّ تكريم الأطفال الَّذين يحفظون القرآن في صدورهم، ويرتِّلونه علىٰ ألسنتهم، فإن أرادوا تحكيمه أو العمل به حاربهم قومهم، وربَّما من قام علىٰ أمر تحفيظهم كذلك "

هذه العبارة كثيرٌ ما يردِّدها الخوارج - قاتلهم الله - ومعهم بعض الأحزاب والمبتدعة - هداهم الله - وللأسف الشَّديد فهي صحيحة بنسبة كبيرة، وفي مثل هذا صدق الكذوب، إذ قلَّ اليوم من القائمين علىٰ حلقات القرآن في المساجد من يهتمُّ بأكثر من التَّرتيل والصَّوت الحسن، وما أكثر الحافظين وما أقلَّ العاملين، بل وما أعظم سواد المخالفين من القارئين، وليس هذا إلَّا ضعف فقه وبصيرة لمن ولي ذلك الأمر من المسؤولين، والله أعلم وبه وحده علىٰ الخير نستعين.

قال شيخ الإسلام #ابن_القيم - رحمه الله - في كتابه #زاد_المعاد : "| أهل القرآن هم العالمون به، العاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن ظهر قلب، وأمَّا من يحفظه ولم يفهمه، ولم يعمل بما فيه، فليس من أهله، وإن أقام حروفه إقامة السَّهم |"، وفي هذا رسالة إلىٰ أولياء الأمور من المسلمين أن أدركوا أطفالكم ولا يكن أكبر همِّكم أن يكرَّموا بشهادات من هنا وهناك، فقليل من العاملين أنفع للأمَّة من غثاء لا يعملون ولا يفقهون ولو كانوا حافظين.

-
مساكين أولئك النَّاس؛ الَّذين يقضون نهارهم وربَّما ليلهم في متابعة الأخبار والتَّصريحات السِّياسيَّة، وبعضهم يعلَّق عليها من آماله شيئًا كثيرًا، يقولون بألسنتهم : ( وما النَّصر إلَّا من عند الله )، ثمَّ إذا صرَّح مسؤول أمريكي أو غربي بتصريح سلبي قالوا خسرنا حربنا، وإن هو قال خلاف ذلك فإذا هم يستبشرون، يقولون بألسنتهم خلاف ما تبدي وجوههم وأفعالهم، فحقَّ لهم أن يكونوا في زمرة المساكين - من الجاهلين - الَّذين ما قدروا الله حقَّ قدره، فإنَّه من تعلَّق قلبه بالله لم يفتنه تصريح من هنا وبيان من هناك، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

قال رسول الله - ﷺ - كما في سنن #الترمذي : "( واعلم أنَّ الأمَّة لو اجتمعت علىٰ أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلَّا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا علىٰ أن يضرُّوك بشيء، لم يضرُّوك إلَّا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعَت الأقلام وجفَّت الصُّحف )"، وصحَّحَه المحدِّث #الألباني - رحمه الله - في كتابه صحيح التِّرمذي، ويا بشرىٰ لمن وقر هذا الحديث في قلبه، كم ترتاح روحه وترتفع عن سفاسف الأخبار نفسه.

• بَرقُ بَنِي أُمَيَّة (مُحَمَّد)

-
تأخَّرت سنتين ونصف السَّنة - تقريبًا - عن منشورات وعدت بها سابقًا عن مسميَّات وجماعات نسمع بها اليوم، وربَّما بعضها لم تكن موجودة في الأمس ..

لذلك نبدأ بمنشورات متفرِّقة مختصرة إن شاء الله، وليكن اليوم هو موعد المنشور الأوَّل في ذلك، وبدايةً مع ما يطلق عليهم اليوم عرفًا - لا تأصيلًا - المداخلة أو أتباع الشَّيخ ربيع المدخلي وتوصيفهم الصَّحيح إن شاء الله أنَّهم غلاة الجرح والتَّبديع في هذا الزَّمن ومنهم من بلغ مرتبة الإمام في الطَّعن والغيبة والله المستعان ..

-
• حمل الشَّيخ ربيع المدخلي - قبل عِدَّة عقود - عقيدة صحيحة وشهد له بذلك من العلماء كثير، وزادها حصنًا بعد ذلك إذ حمل منهجًا قويمًا وتأصيلًا رشيدًا، وخطا في طريق السُّنَّة خطوات صحيحات ثابتات، حَتَّىٰ صار إمامًا في بعض أبواب العلم كالحديث وأصوله ونحو ذلك، وثناء العلماء عليه في ذلك أعظم من أن يُنفَىٰ أو يُكذَّب ..

• أهمل الشَّيخ ربيع دعامات حصنه الأوَّل فلم يحمل أخلاق السَّلف الصَّالح في طرحه وتأليفه، ومن مِنَّا لا يدرك أنَّ الأخلاق والأدب هي الأساس الَّتي يُبنَىٰ عليها المنهج الصَّحيح فتعبر عليه العقيدة إلىٰ حيث يجب أن تعبر، فإذا ضَعُفَت الدَّعامات تهاوىٰ الجسر وحقَّ بعد ذلك له أن يسقط ماحيًا أثر صاحبه تحته وكما قيل فالعلم بلا أدب كنار بلا حطب تُوقَد بسهولة ثُمَّ لا يكون لها أثر بعد ذلك ..

• غلا الشَّيخ ربيع في ردوده علىٰ الغلاة وجاوز حدود الرَّدِّ العلمي في ذلك، بعد أن أُعجِبَ بثناء المحدِّث #الألباني عليه، ويكأنَّ ثناء الألباني - رحمه الله - صكٌّ مفتوح المُدَّة والصَّلاحيَّات، وشيئًا فشيئًا أدمن الشَّيخ ربيع - هداه الله - الرَّدَّ علىٰ المخالفين مهملًا وراء ظهره طريق العلم الَّذي كان يزدهر أمامه سهلًا ميسَّرًا ..

• لم يتوقَّف الأمر عند مجاوزة الشَّيخ ربيع لحدوده مع المخالفين فقط، بل زاد ووصل به الغلوُّ إلىٰ الطَّعن بدعاة السَّلفيَّة وعلماء المسلمين وأخيرًا إلىٰ الطَّعن في عقيدة المحدِّث #الألباني - رحمه الله - والَّذي كان يستغلُّ أصلًا ثناءه عليه في الوصول إلىٰ أسماع النَّاس وقلوبهم ..

• انحرفت عقيدة الشَّيخ ربيع بعد انحراف منهجه، الَّذي كان سببه كما ذكرنا؛ عدم تحصينه بأخلاق عظيمة كعظم الحقِّ الَّذي أراد أن يحمله، وأصَّل بعد ذلك - هداه الله - قواعد تبديع جديدة ما أنزل الله بها من سلطان، ليتجرَّأ اعتمادًا علىٰ تأصيلاته هذه رويبضات الزَّمان علىٰ علماء الأمَّة طعنًا وتبديعًا، ليُعرف أصحاب هذا السَّبيل عرفًا باسم #المداخلة أو #المدخلية نسبةً له - هداه الله - والله المستعان ..

• هذا اختصارًا ومع إهمال قواعد الغلوِّ الجامح عندهم في طاعة أولياء الأمور بأساليب منحطَّة وضيعة، كصاحبهم الَّذي أفتىٰ بحرمة الخروج علىٰ وليِّ الأمر ولو كان يزني علىٰ شاشات الفضائيَّات ولمثل هذا يشيب الرَّأس من جهل، وختامًا رسالتي هذه لا تعني أبدًا دفاعي عن بعض الغلاة التَّكفيريين أو حزب الإخوان العاطفيين وصاحبهم "غدًا تطير العصافير" ولكنَّ الغلوَّ لا يحارب بالغلوِّ، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

-
سرعة الغضب ورفع الصَّوت دون حاجة؛ أمران بغيضان مرفوضان في مجالس العقلاء من الرِّجال والنِّساء، والفخر بشيء منهما أو كلاهما ليس من محاسن الأخلاق في شيء، بل هو من صفات أهل اللُّؤم والشَّقاء، أمَّا القول بأنَّ أصحاب الصَّوت الهادئ والرَّدِّ النَّاعم في النِّقاش وغيره، إنَّما حصَّلوا ذلك بقسوة قلوبهم وفظاظة خُلُقهم، فهو تعميم باطل، وردُّه مجملًا أقرب من قبوله مفصَّلًا ..

ومهما تعوَّد الإنسان علىٰ شيء من ذلك الخلق السَّيِّء فهو قادر بإذن الله علىٰ إزالته والتَّخلُّص منه، بالاستمراريَّة والسَّعي الصَّادق، ورأينا ورأىٰ غيرنا من هذَّبه علمه، وقد كان يقال عنه فيما سبق " شخص لا يمكن التَّفاهم معه "، ثمَّ صار اليوم من أكثر النَّاس هدوءًا وتفهَّمًا بفضل الله عليه ثمَّ ترويضه لنفسه بصدق ومجاهدة، ولعلَّه يكفي أصحاب هذا الخُلُق زجرًا قوله تعالىٰ في سورة #لقمان : "{ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }"، وهذا من أساسيَّات ومكارم الأخلاق الَّتي أوصىٰ لقمان ابنه بها، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

-
إصابة الذُّنوب لا تعني النِّهاية، ولو ألحقت الذَّنب بالذَّنب، والمعصية بالمعصية، ما دمت تتوب في كلِّ مرَّة صادقًا مع الله في توبتك، فلا يقتلك إلَّا الاستهانة بها وبالمداومة عليها، أو عدم التَّفكير بها وكأنَّها صارت جزءًا من يومك، لا زال في العمر بقيَّة فاستعن الله ولا تعجز، واستعن بالله ولا تيأس، وإنَّ من الغنيمة من الباردة كما قال العلماء أن تصلح ما هو قادم، فيغفر الله لك ما قد سلف، والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.

قال عون بن عبد الله - رحمه الله - : "| اهتمام العبد بذنبه داع إلىٰ تركه، وندمه عليه مفتاح لتوبته، ولا يزال العبد يهتمُّ بالذَّنب يصيبه، حَتَّىٰ يكون أنفع له من بعض حسناته |" فالحمد لله علىٰ واسع فضله وكرمه، والمحروم من حرمه الله، أعاذنا الله وإيَّاكم.

-
وإنَّ قنوط العبد من رحمة الله ويأسه من توبته؛ جند من جنود الشَّيطان، يرسله - الشَّيطان - علىٰ العبد، فإذا استحكم منه أرسله كيف يشاء حيث شاء، فاحذر جند الشَّيطان، واستعذ بالله منهم، واسأله السَّداد في أمرك، ثمَّ اعزم علىٰ ترك الذَّنب وأنت محسن ظنَّك بالله، فهو الَّذي قال في الحديث القدسي كما في صحيح الإمام #مسلم :

"{ أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، واللهِ للهُ أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالَّته بالفلاة، ومن تقرَّب إليَّ شبرًا، تقرَّبت إليه ذراعًا، ومن تقرَّب إليَّ ذراعًا، تقرَّبت إليه باعًا، وإذا أقبل يمشي، أقبلت إليه أهرول }"

فـ إن علمت أنَّ الله يفرح بتوبتك أكثرَ من أكثرِ فرح يمكنك أن تتخيَّله، فـ هل يا ترىٰ هناك ما يستحقُّ أن تؤجِّل توبتك لأجله بعد ذلك .. والله المستعان وهو أعلىٰ وأعلم.