إنني أفقد معنى الإنتماء، هذا المعنى البسيط والمعقد في آن واحد

- تتزايد رغبتي في الهروب من الحياة و من جميع ما يحيطني من سخافات في هذا العالم، أن أهرب بعيداً راكضاً نحو الهاوية..
وأتراجع عند حافتها ألتقط أنفاسي واغير مساري وأستمر راكضاً إلى عالمٌ مغاير، إلى اللاشيء أو اللاوجُود. ، وربما للسماء.

"بي الآن رغبة عارمة لِغلق كُل ما تبقى من نوافذي والنوم داخِل سكينةً بلا نهاية، وعندما أستفيق تكون ذاكرتي مساحة من الضوء"

لستُ حزيناً .
‏لا أعاني من حدوث موقف مؤسف، لم يحدث شيء، لم يفعل أحدهم شيئاً حتى.
‏لكن توجد كَدمة بمنتصفِ قلبي تؤلمني، أشعرُ بها و لا تجعلني أشعرُ بشيءٍ غيرها، تأخذني مني، تجعلني أمارس الإنطفاء، لكنني لا أبكي و لستُ حزيناً .. أنا فقط مُنطفئ .

- يؤسفني أن عدد أصدقائي قليل ولا أملك العديد من الأشخاص حولي، تقهرني فكرة الجلوس وحدي في مكاني المفضّل والاستمتاع بملاذ الحياة دون أن تتشبث بي يدٌّ صبورة..

أحزن حين أحصد إنجازاتٍ عدة دون أن يشاركني فيها قلبٌ يتمنى لي المزيد..

ترعبني الحياة حين تقسو علي ولا أجد مخبئا واحدًا في قلب أحدهم
أن تُصبح وحيدًا لا عناق ، أمرٌ قاسٍ جدًا.

تلقي الحياة جثث القلق في طمأنينتي .

وتحتسي كوباً من النور المتبقي مني .

كل إنتحار أينما حصل وبأي طريقة هو رسالة موجعة، بأن شخص ما لم يعد يحتمل ألمه !

لم أعد بحاجة سوى لرصاصة الرحمة .

"لا أُجيد فتح الأحاديث مع الأصدقاء رغم اهتمامي في العديد من الأمور، لا أجِد شيئاً أقوله رغم أنني حين أجلس لوحدي أجد في نفسي مواضيعاً كثيرةً لا تنتهي أودّ قولها لهم، وحين أجتمع معهم أصمت وأستمع، وإن تحدثت فذلك يكون في مواضيعهم فقط، دائماً بداخلي مُزدحم ولا أعرف كيف أخفّف."

أريد أن اسافر الى كل بلدان العالم ، اتجول في ازقتها وامشي على رمال بحارها ، أتحدث مع المشردين ليلاً واكون منهم ، ادخل المساجد والكنائس والملاهي و الحانات و احتسي النبيذ ، لا لشيء ، فقط لأنسى كل شيء .
أحلم أن أنسى .

هُنا لا شيءَ يُشبِهني، لا النّاس ولا المَكان ولا الفِكرة

"إنني من جهتي أسير في طريقي هادئاً أظل في ركني ولا أريد أن أعرف شيئاً عن الآخرين"

‏كيف لي أن أشرح لك بأني متعب من الطريق والناس والأحلام وحذري وترددي وقلة الحيلة ومتعب أيضاً من الغد وهو لم يأتي بعد ومن أمس وهو منتهي ومن الأيام والوعود والصبر وطولة البال ومن التعقل والتأني والغضب من دون أن تشعر بأنني أبالغ .

مخيفة فكرة أن تنطفئ بعد أن كنت تشع نورًا ، أن تصمت بعد أن كنت كثير الكلام ، أن تتحول من شخص مفعمًا بالإيجابية إلى شخص يملئ الحزن كل كيانه ، مرعبة فكرة أن ينتهي حماسك وشغفك وتقل طاقتك وتمضي هكذا بلا شيء ، ترى أنك بالفعل إستهلكت نفسك كليًا ، تكلمت كثيرًا ، شرحت أكثر ، بررت بما يكفي ، ثم تأتي عليك لحظة وترى أن طاقتك قد نفذت ، فتتوقف عن الكلام وتبتعد عن الناس ، وتذهب لأقرب مكان لك وتجلس مكتفياً بنفسك.

وإني أشعر حقاً في هذه الأيام الأخيرة بأنني مريض ، مهدوم النفس ، غريب الأطوار إن صحّ التعبير .."

" الفراش صديق عظيم عندما تُهزم .."

الهدوء و البرود اللي صايب قلبي مرعب !

- سأقول لك شيئاً في غاية الغرابة :

هل تعرف رُغم كل الذين أحبونني وأحببتهم ، كنتُ أنا دائماً الطرف الأكثر حباً لهم ، أقصد أن ورغم قدرتي الضعيفة على التعبير لكنني أُقدم أشياء صادقة ، أُقدم أشياء رُبما لا يعرفون قيمتها إلا بعد نهاية علاقتنا ، هم رائعون في البداية كالجميع ، كلهم رائعون في البدايات ، الوَنس ، الأمان ، الردود الطيبة والشغف ، أما عني فكنت دائماً أبحث عن ما هو بعد هذةِ الخطوة ، تمنيت لو أنني التقيت بشخص لا يمل مني ، شخص يُجيد التعبير عن مشاعره أفضل مني ، بالكلمات ، بالأفعال ، بالأشياء البسيطة التي أحبها ، فقط البدايات رائعة في كل شيء ، لكن الوقت يُبّرد مشاعرهم ، الوقت يكشف أن إقترابهم مني كان بدافع الفضول أو مُجرد نوبات إحتياج فتعثروا بي لأعوضهم عن الفراغات التي يشعرون بها ، لم يحدث يوماً و وجدت من تغير لأجلي ، من حاول وضحى ليبقى بجانبي ، لم يتشبث بي أحد كما ينبغي ، لم يُشعرني أحد أنني الأهم في حياته ، لم يتحمّلني أحد كما أتحمل أنا ، دائماً أنا الطرف الأقوى الذي ينبغي عليه أن يبقى قوياً طوال الوقت ، لم أجد من أستطيع الإنهيار أمامه في أوقات ضعفي ، لم أجد من يُفكر طوال الوقت في سعادتي كما أُفكر أنا في سعادته ، كان حُبهم عادياً ، لا يختلف كثيراً عما أسمع قصصه وأقرأ عنه ، كان حُبهم أقل من العادي ، حتى آمنت أنني السبب في هذهِ العادية ، حتى آمنت أن الحب الذي أبحث عنه لا يخرج عن خيالي وأفكاري ، ربما أحببني الكثير لكن بالتأكيد لم يُحبنني أحد أكثر مما أحببته .

لا شئ يُعجبني، أريدُ أن أبكي.

- محمود درويش .