حرب غزة.. يوميات ومشاهدات [50]
(العبادة في الحرب)
سألني غير واحد من إخواننا وأصحابنا عما يجدونه في الحرب من الفتور في العبادة، وضعف الهمة عن أدائها. ويَشكُون من تشتت القلب، وتبلبُل الخاطر، وتوارُد المصائب، وأن هذا يحول بينهم وبين الخشوع والسكينة وحضور القلب.
فماذا يصنع من هذه حاله؟ وبماذا يُنصح؟
المتقرِّر ابتداء أن أوقات العافية والسلامة أعونُ على العبادة والطاعة وحضور القلب من أوقات الشدائد والفتن والمصائب؛ وذلك أن الناس في الغالب يحصل لهم في تلك الأوقات من الهم والحَزَن، وتتبع الأخبار ومجاراة الأحداث، والسعي الشديد في مصالح أنفسهم وأهليهم= ما يعوقهم ويُذهلهم ويورِّثهم غفلة عن كثير من أمر دينهم؛ ولهذا جاء في الشريعة الترغيبُ في العبادة في هذه الأوقات والحثُّ عليها وبيان عِظم أجرها، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ). والهرج: القتل.
ولهذا نظائر، منها: ما جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) [أخرجه النسائي واللفظ له، وأحمد. وإسناده حسن إن شاء الله].
ومنها: ما أخرجه البخاري من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا يقول: (سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ -يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ- رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ).
وتتبع ذلك الحافظُ ابن رجب في "لطائف المعارف" -في سياق حديثه عن وظائف شهر شعبان- أحسن تتبع، وساق في الباب جملة حسنة من النصوص والآثار، فليُنظَر.
وهذا الترغيب من الشارع إنما هو لحث النفوس وسوقها إلى الطاعة في مثل هذه الأوقات التي يغفُل فيها أكثر الناس، فيحتاج المرء فيها إلى المجاهدة والمصابرة، وهنا يتمايز الناس ويتفاضلون.
ويعجبني في هذا السياق تنبيهُ إمامنا النووي في "الأذكار (ص249)- كتاب أذكار المرض والموت وما يتعلق بهما" على هذا المعنى، إذ قال فيما يستحب أن يكون عليه من أَيِس من حياته: "ويستحب أن يكون متعاهدا نفسَه بقراءة آيات من القرآن العزيز في الرجاء، ويقرؤها بصوت رقيق، أو يقرؤها له غيره وهو يستمع، وكذلك يستقرئ أحاديث الرجاء وحكاياتِ الصالحين وآثارَهم عند الموت، وأن يكون خيره متزايدا، ويحافظ على الصلوات واجتناب النجاسات وغير ذلك من وظائف الدين، ويصبر على مشقة ذلك، وليحذر من التساهل في ذلك؛ فإن من أقبح القبائح أن يكون آخرَ عهده من الدنيا -التي هي مزرعة الآخرة- التفريطُ فيما وجب عليه أو نُدب إليه.
وينبغي له ألَّا يَقبل قول من يخذِّله عن شيء مما ذكرناه؛ فإن هذا مما يُبتلَى به، وفاعل ذلك هو الصديق الجاهل العدو الخفي، فلا يَقبل تخذيله، وليجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال".
وهذا وثيق الصلة بما نحن فيه؛ مِن جهة أن المرض من جملة المصائب التي تنزل بالعبد، وأكثر الناس لا يقومون فيه بحق الله على الوجه الذي ينبغي؛ متعللين بالضعف والعجز، ومستحضرين أحاديث الرخص، وينسَون أن المرء قد يُختم له ويلقى الله في مرضه هذا؛ فلا ينبغي له التقصير والتفريط، والترخص إلا بما شرعه الله تعالى، وأكثر الناس لا يلتزمون هذا.
وأعرف في الحرب من يترخص بالتيمم عن الحدثَين والجمع بين الصلوات من غير سبب يبيح له ذلك، وإنما يستند فيه إلى هوى نفسه، أو فتوى من لا يُؤتمَن.
وأعرف كذلك من لم يفارق القرآنَ غالب وقته (حقيقة لا مبالغة)، ومن صام أكثر أيام الحرب على ما فيها من الشدة واللأواء، والموفِّق الله.
واعلم أخي الحبيب أن من أعظم أسباب تفريج الكربات عبادةَ الله والإنابة إليه، وقاموس الوحي زاخر بالدلالة على هذا والإشارة إليه.
فاحذر من التساهل والتفريط، وجاهد نفسك وغالبها تَنْقَد لك، واستعن بالله يُعِنك. والشيطان يصعِّب عليك الأمر ويهوِّله، وما هو إلا أن تعزِم وتخطو أول خَطوة حتى تألفه نفسُك وتعتاده وتأنس به.
والحديث هنا عن النوافل من قيام وتلاوة وذكر ودعاء ونحو ذلك لا عن الفرائض والواجبات، فهذه لا يُتصور تركها، وإنما يقع التقصير في إتمامها.
وكثير من الناس عند ذكر العبادة لا يتبادر إلى ذهنه إلا عباداتِ الجوارح، وهذا لعمر الله من الجهل والحرمان، فإن عبادة القلب أعظم وأجل، وعليها عند الله المعوَّل.
(العبادة في الحرب)
سألني غير واحد من إخواننا وأصحابنا عما يجدونه في الحرب من الفتور في العبادة، وضعف الهمة عن أدائها. ويَشكُون من تشتت القلب، وتبلبُل الخاطر، وتوارُد المصائب، وأن هذا يحول بينهم وبين الخشوع والسكينة وحضور القلب.
فماذا يصنع من هذه حاله؟ وبماذا يُنصح؟
المتقرِّر ابتداء أن أوقات العافية والسلامة أعونُ على العبادة والطاعة وحضور القلب من أوقات الشدائد والفتن والمصائب؛ وذلك أن الناس في الغالب يحصل لهم في تلك الأوقات من الهم والحَزَن، وتتبع الأخبار ومجاراة الأحداث، والسعي الشديد في مصالح أنفسهم وأهليهم= ما يعوقهم ويُذهلهم ويورِّثهم غفلة عن كثير من أمر دينهم؛ ولهذا جاء في الشريعة الترغيبُ في العبادة في هذه الأوقات والحثُّ عليها وبيان عِظم أجرها، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ). والهرج: القتل.
ولهذا نظائر، منها: ما جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) [أخرجه النسائي واللفظ له، وأحمد. وإسناده حسن إن شاء الله].
ومنها: ما أخرجه البخاري من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا يقول: (سُبْحَانَ اللَّهِ، مَاذَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الفِتَنِ، مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ -يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ لِكَيْ يُصَلِّينَ- رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ).
وتتبع ذلك الحافظُ ابن رجب في "لطائف المعارف" -في سياق حديثه عن وظائف شهر شعبان- أحسن تتبع، وساق في الباب جملة حسنة من النصوص والآثار، فليُنظَر.
وهذا الترغيب من الشارع إنما هو لحث النفوس وسوقها إلى الطاعة في مثل هذه الأوقات التي يغفُل فيها أكثر الناس، فيحتاج المرء فيها إلى المجاهدة والمصابرة، وهنا يتمايز الناس ويتفاضلون.
ويعجبني في هذا السياق تنبيهُ إمامنا النووي في "الأذكار (ص249)- كتاب أذكار المرض والموت وما يتعلق بهما" على هذا المعنى، إذ قال فيما يستحب أن يكون عليه من أَيِس من حياته: "ويستحب أن يكون متعاهدا نفسَه بقراءة آيات من القرآن العزيز في الرجاء، ويقرؤها بصوت رقيق، أو يقرؤها له غيره وهو يستمع، وكذلك يستقرئ أحاديث الرجاء وحكاياتِ الصالحين وآثارَهم عند الموت، وأن يكون خيره متزايدا، ويحافظ على الصلوات واجتناب النجاسات وغير ذلك من وظائف الدين، ويصبر على مشقة ذلك، وليحذر من التساهل في ذلك؛ فإن من أقبح القبائح أن يكون آخرَ عهده من الدنيا -التي هي مزرعة الآخرة- التفريطُ فيما وجب عليه أو نُدب إليه.
وينبغي له ألَّا يَقبل قول من يخذِّله عن شيء مما ذكرناه؛ فإن هذا مما يُبتلَى به، وفاعل ذلك هو الصديق الجاهل العدو الخفي، فلا يَقبل تخذيله، وليجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال".
وهذا وثيق الصلة بما نحن فيه؛ مِن جهة أن المرض من جملة المصائب التي تنزل بالعبد، وأكثر الناس لا يقومون فيه بحق الله على الوجه الذي ينبغي؛ متعللين بالضعف والعجز، ومستحضرين أحاديث الرخص، وينسَون أن المرء قد يُختم له ويلقى الله في مرضه هذا؛ فلا ينبغي له التقصير والتفريط، والترخص إلا بما شرعه الله تعالى، وأكثر الناس لا يلتزمون هذا.
وأعرف في الحرب من يترخص بالتيمم عن الحدثَين والجمع بين الصلوات من غير سبب يبيح له ذلك، وإنما يستند فيه إلى هوى نفسه، أو فتوى من لا يُؤتمَن.
وأعرف كذلك من لم يفارق القرآنَ غالب وقته (حقيقة لا مبالغة)، ومن صام أكثر أيام الحرب على ما فيها من الشدة واللأواء، والموفِّق الله.
واعلم أخي الحبيب أن من أعظم أسباب تفريج الكربات عبادةَ الله والإنابة إليه، وقاموس الوحي زاخر بالدلالة على هذا والإشارة إليه.
فاحذر من التساهل والتفريط، وجاهد نفسك وغالبها تَنْقَد لك، واستعن بالله يُعِنك. والشيطان يصعِّب عليك الأمر ويهوِّله، وما هو إلا أن تعزِم وتخطو أول خَطوة حتى تألفه نفسُك وتعتاده وتأنس به.
والحديث هنا عن النوافل من قيام وتلاوة وذكر ودعاء ونحو ذلك لا عن الفرائض والواجبات، فهذه لا يُتصور تركها، وإنما يقع التقصير في إتمامها.
وكثير من الناس عند ذكر العبادة لا يتبادر إلى ذهنه إلا عباداتِ الجوارح، وهذا لعمر الله من الجهل والحرمان، فإن عبادة القلب أعظم وأجل، وعليها عند الله المعوَّل.
فألزِم قلبك يا عبد الله الصبر والرضا والتسليم والإنابة والتوكل وحسن الظن بربك، فهذه أصول العبادات المتعينة عليك في هذه الحال التي أنت فيها، والله يتولانا وإياك.
بسام بن خليل الصفدي
الاثنين 13 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
بسام بن خليل الصفدي
الاثنين 13 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
Telegram
بسام بن خليل الصفدي
قناة تشتمل على دروس وشروحات وفوائد ومقالات ومنشورات وملخصات.
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
من مقروءاتي في الحرب [26-27]
("مشروع العمر" و"صناعة التغيير الشخصي" لمشعل الفَلَاحي)
من الحقول العلمية والمعرفية التي كثرت الكتابة فيها وإقبال الناس عليها بأَخَرة: كتب التنمية البشرية وتطوير الذات، وكثير منها مترجَم عن الغرب، ومحشوٌّ بأفكاره ومفاهيمه المصادمة للدين والعقل والحياة.
والكتب العربية المصنفة في هذا الباب غالبها مكرور غَثٌّ قليل الفائدة.
وقد اشتغل طائفة من أهل العلم والاستقامة بهذا الباب، وسدُّوا فيه ثغرة، وأثرَوا المكتبة بتصانيفَ نافعةٍ مهتدية بالشريعة، ومزمومة بأزمَّة الوحي، ليس فيها ما في غيرها من العبث بالعقول، والارتزاق بالمعرفة.
والشيخ مشعل الفَلَاحي من مشاهير المعتنِين بهذا الحقل والمصنفين فيه، وكتبه من أحسن الكتب وأنفعها؛ لما فيها من الخير والنفع والتأسيس على الوحي، والبعد عن العبث والتكلُّف.
والخيط الناظم لها: بناء الإنسان واستنهاض همته، وشَحنه بالمعاني والمفاهيم الإيمانية والتربوية والإيجابية؛ ليكون صالحا بنَّاءًا في نفسه ومجتمعه وأمته.
وأهم كتبه في الباب ستة: ثلاثة نظرية، وثلاثة عملية.
أما النظرية فهي: "ابدأ كتابة حياتك"، و"صناعة التغيير الشخصي"، و"كيف تبني عاداتك الإيجابية".
وأما العملية فهي: "مشروع العمر"، و"التركيز"، و"معالم التخطيط الشخصي".
وله كتب أخرى تحوم حول هذه المعاني وتؤسس لها، لكن هذه أصولها.
وأهم الستة: الأول والثاني والرابع. وأهمها على الإطلاق: الرابع "مشروع العمر".
والسؤال الآن: من المخاطَب والمستهدَف بهذه الكتب ونحوها؟
أو بمعنى آخر: هل يخسر طالب العلم بترك مطالعتها والاستفادة منها؟ وهل يؤثر ذلك على مشروعه البنائي والتحصيلي؟
والجواب: أن الناس ليسوا على درجة واحدة في التقاط المعاني المبثوثة في هذه الكتب من نصوص الوحي وتصانيف أئمة الشريعة والأدب، فمن لم يكن له أُنسٌ بعلوم الشريعة يحتاج هذه الكتب ويستفيد كثيرا من قراءتها ومطالعتها، وتصحح له كثيرا من المفاهيم والتصورات.
أما الطالب الجادُّ المنوَّر بالوحي والعلم فحاجته إليها ليست كحاجة غيره، وهو واقف على ما وقف عليه مصنفوها وربما زاد عليهم في بعض ذلك.
ويبقى التنبيه إلى أن من تفرغ لهذا الباب وصنَّف فيه وبحث ودرَّس وناقش= لا شك واقف على أمور لا تتهيأ لغيره، ويظهر له من مكامن الخلل ما لا يظهر لغيره.
وقد استجد للناس اليوم من الأحوال والأوضاع ما لم يُعرف عند أسلافهم، فتعين التنبيه على بعض المشكلات الناتجة عن هذه الأوضاع.
وحتى لا يبقى الكلام في الإطار النظري فإني أضرب لك مثالا تنتفع به إن شاء الله.
كثير من طلبة العلم اليوم يعانون من مشكلة ضعف التركيز (بمعناه الواسع)، وأنا أعرف عددا من النابهين لا ينقصهم ذكاء ولا جَلَد، لكنهم مشتَّتون، لا يكاد الواحد منهم يقبل على شيء حتى يصرفه عنه مائة صارف، وبعضهم يعلم هذا من نفسه لكنه لا يسعى في علاجها، وبعضهم لا يرى أصلا أنه في مشكلة، فأنَّى لهؤلاء أن يفلحوا؟
ولو أن أحدهم أخذ كتابا يعالج مشكلته وقرأه بجد لخطا خطوة على طريق العلاج.
والحاصل: أني أنصح طالب العلم بمطالعة هذه الكتب والانتفاع بما فيها مما قد يحتاج إليه، وهي سهلة ميسرة يقرأ الواحدَ منها في يوم أو بعض يوم.
من كل فنٍّ خذ ولا تجهل به
فالحرُّ مطَّلعٌ على الأسرار
بسام بن خليل الصفدي
الثلاثاء 14 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
("مشروع العمر" و"صناعة التغيير الشخصي" لمشعل الفَلَاحي)
من الحقول العلمية والمعرفية التي كثرت الكتابة فيها وإقبال الناس عليها بأَخَرة: كتب التنمية البشرية وتطوير الذات، وكثير منها مترجَم عن الغرب، ومحشوٌّ بأفكاره ومفاهيمه المصادمة للدين والعقل والحياة.
والكتب العربية المصنفة في هذا الباب غالبها مكرور غَثٌّ قليل الفائدة.
وقد اشتغل طائفة من أهل العلم والاستقامة بهذا الباب، وسدُّوا فيه ثغرة، وأثرَوا المكتبة بتصانيفَ نافعةٍ مهتدية بالشريعة، ومزمومة بأزمَّة الوحي، ليس فيها ما في غيرها من العبث بالعقول، والارتزاق بالمعرفة.
والشيخ مشعل الفَلَاحي من مشاهير المعتنِين بهذا الحقل والمصنفين فيه، وكتبه من أحسن الكتب وأنفعها؛ لما فيها من الخير والنفع والتأسيس على الوحي، والبعد عن العبث والتكلُّف.
والخيط الناظم لها: بناء الإنسان واستنهاض همته، وشَحنه بالمعاني والمفاهيم الإيمانية والتربوية والإيجابية؛ ليكون صالحا بنَّاءًا في نفسه ومجتمعه وأمته.
وأهم كتبه في الباب ستة: ثلاثة نظرية، وثلاثة عملية.
أما النظرية فهي: "ابدأ كتابة حياتك"، و"صناعة التغيير الشخصي"، و"كيف تبني عاداتك الإيجابية".
وأما العملية فهي: "مشروع العمر"، و"التركيز"، و"معالم التخطيط الشخصي".
وله كتب أخرى تحوم حول هذه المعاني وتؤسس لها، لكن هذه أصولها.
وأهم الستة: الأول والثاني والرابع. وأهمها على الإطلاق: الرابع "مشروع العمر".
والسؤال الآن: من المخاطَب والمستهدَف بهذه الكتب ونحوها؟
أو بمعنى آخر: هل يخسر طالب العلم بترك مطالعتها والاستفادة منها؟ وهل يؤثر ذلك على مشروعه البنائي والتحصيلي؟
والجواب: أن الناس ليسوا على درجة واحدة في التقاط المعاني المبثوثة في هذه الكتب من نصوص الوحي وتصانيف أئمة الشريعة والأدب، فمن لم يكن له أُنسٌ بعلوم الشريعة يحتاج هذه الكتب ويستفيد كثيرا من قراءتها ومطالعتها، وتصحح له كثيرا من المفاهيم والتصورات.
أما الطالب الجادُّ المنوَّر بالوحي والعلم فحاجته إليها ليست كحاجة غيره، وهو واقف على ما وقف عليه مصنفوها وربما زاد عليهم في بعض ذلك.
ويبقى التنبيه إلى أن من تفرغ لهذا الباب وصنَّف فيه وبحث ودرَّس وناقش= لا شك واقف على أمور لا تتهيأ لغيره، ويظهر له من مكامن الخلل ما لا يظهر لغيره.
وقد استجد للناس اليوم من الأحوال والأوضاع ما لم يُعرف عند أسلافهم، فتعين التنبيه على بعض المشكلات الناتجة عن هذه الأوضاع.
وحتى لا يبقى الكلام في الإطار النظري فإني أضرب لك مثالا تنتفع به إن شاء الله.
كثير من طلبة العلم اليوم يعانون من مشكلة ضعف التركيز (بمعناه الواسع)، وأنا أعرف عددا من النابهين لا ينقصهم ذكاء ولا جَلَد، لكنهم مشتَّتون، لا يكاد الواحد منهم يقبل على شيء حتى يصرفه عنه مائة صارف، وبعضهم يعلم هذا من نفسه لكنه لا يسعى في علاجها، وبعضهم لا يرى أصلا أنه في مشكلة، فأنَّى لهؤلاء أن يفلحوا؟
ولو أن أحدهم أخذ كتابا يعالج مشكلته وقرأه بجد لخطا خطوة على طريق العلاج.
والحاصل: أني أنصح طالب العلم بمطالعة هذه الكتب والانتفاع بما فيها مما قد يحتاج إليه، وهي سهلة ميسرة يقرأ الواحدَ منها في يوم أو بعض يوم.
من كل فنٍّ خذ ولا تجهل به
فالحرُّ مطَّلعٌ على الأسرار
بسام بن خليل الصفدي
الثلاثاء 14 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
Telegram
بسام بن خليل الصفدي
قناة تشتمل على دروس وشروحات وفوائد ومقالات ومنشورات وملخصات.
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
من مقروءاتي في الحرب (28-30)
("محمد الطاهر ابن عاشور علَّامة الفقه وأصوله والتفسير وعلومه"
لإياد بن خالد الطبَّاع
و"جُغرافيُّ الجزيرة العربية ومؤرخها ونسَّابتها" لأحمد العَلَاونة
و" خيرُ الدين الزِّرِكْلي المؤرخ الأديب الشاعر" لأحمد العَلَاونة)
من السلاسل العلمية التي صدرت قديما عن دار القلم- دمشق: سلسلة (مِن أعلام المسلمين)، ترجموا فيها لجماعة من الأعلام في القديم والحديث، وإن كان الغالب على السلسلة الترجمةَ للمتقدمين والمتأخرين، وبنسبة أقل للمعاصرين. ثم صدرت سلسلة ثانية عن الدار نفسها خاصة بالمعاصرين، وُسِمت بــ (علماء ومفكرون معاصرون.. لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم)، وهي سلسلة نافعة تناولوا فيها من كان له إسهام في العلم أو الدعوة أو الأدب أو الفكر، وخصُّوها بالمعاصرين كما هو ظاهر من عنوانها، واستكتبوا في كل ترجمة من كانت له صلةُ قرابة أو تَلْمذة أو معرفة بالمترجَم غالبا، فجاءت تراجمَ مجوَّدةً نافعة متوسطة بين الطول والقصر. والذي وقفت عليه منها أربعون ترجمة، ولست أدري هل وصلوها بعد ذلك أم وقفت عند هذا الحد.
وكتب التراجم والسير نافعة جدا لطالب العلم، لا يستغني عن النظر فيها والاستفادة منها في مسيرته في العلم والمعرفة والحياة.
والمكتبة زاخرة بمئات بل بألوف الكتب في هذا الباب، والناس يختلفون في قراءتها ومطالعتها بحسَب أوقاتهم وميولهم وتخصصاتهم.
وإن كانت لي من نصيحة فإني أنصح طالب العلم ومن كانت له همة في المطالعة بقراءة ثلاثة كتب هي من أهم ما صنفه الناس في هذه الفن.
الأول: "الإصابة في تراجم الصحابة" للحافظ ابن حجر العسقلاني، وهو أوسع وأجل كتاب في تراجم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي، ترجم فيه لأعلام أهل الإسلام من القرن الأول إلى 660هـ، بخلاف صنيعه في "تاريخ الإسلام" فإنه مده إلى الى نهاية المائة السابعة.
والثالث: "الأعلام" للعلَّامة الزِّرِكْلي، ترجم فيه لمشاهير الأعلام الذين يتردد ذكرهم ويكثر السؤال عنهم في كل عصر على اختلاف مللهم وطوائفهم وعلومهم، و"هو خير كتاب أُلِّف في بابه، بل هو خيرُ ما كتب كاتبٌ في تراجم الرجال والنساء في هذا العصر" [الطَّنَاحي].
فهذه الكتب الثلاثة ينبغي لطالب العلم أن يحرص كل الحرص على قراءتها، لا قراءة التنقير والتفتيش، بل قراءة الجرد. ومن عجَز عن ذلك فلا أقل من قراءة مختصراتها، ولا أعلم لـــ"الأعلام" مختصرا.
وتراجم المعاصرين وسيرهم (الذاتية والغَيْريَّة) كثيرة جدا يصعب تتبعها. والوصية للقارئ وطالب العلم أن يحرص على تراجم من كان لهم أثر ظاهر في العلم والدعوة والفكر والحضارة والجهاد، فالاستفادة من تراجم هؤلاء أكثر من غيرهم، والقراءة فيها تزيد المرء علما وخبرة وتجربة في ميادين العلم والحياة، ثم بعد ذلك يتوسع القارئ بحسب ميله وتخصصه وبلده ومذهبه.
ولا يخفى أن الاقتصار على كتب التراجم والسير لا يبني ولا يؤسس طالب العلم، فهي كتب رافدة مقوِّية، لا بانية مؤسِّسة.
وهذه التراجم التي بين يديك لثلاثة من علماء عصرنا، كانت لهم إسهامات ظاهرة في فنون العلم، تُشرف منها على سيرهم وأخبارهم وعلومهم وتصانيفهم، جزى الله مصنفوها عنا خير الجزاء، ونفعنا وإياك بما نقرأ، ورزقنا الإخلاص، وحسن الفهم، وصواب العمل، وجميل الستر، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 15 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
("محمد الطاهر ابن عاشور علَّامة الفقه وأصوله والتفسير وعلومه"
لإياد بن خالد الطبَّاع
و"جُغرافيُّ الجزيرة العربية ومؤرخها ونسَّابتها" لأحمد العَلَاونة
و" خيرُ الدين الزِّرِكْلي المؤرخ الأديب الشاعر" لأحمد العَلَاونة)
من السلاسل العلمية التي صدرت قديما عن دار القلم- دمشق: سلسلة (مِن أعلام المسلمين)، ترجموا فيها لجماعة من الأعلام في القديم والحديث، وإن كان الغالب على السلسلة الترجمةَ للمتقدمين والمتأخرين، وبنسبة أقل للمعاصرين. ثم صدرت سلسلة ثانية عن الدار نفسها خاصة بالمعاصرين، وُسِمت بــ (علماء ومفكرون معاصرون.. لمحات من حياتهم وتعريف بمؤلفاتهم)، وهي سلسلة نافعة تناولوا فيها من كان له إسهام في العلم أو الدعوة أو الأدب أو الفكر، وخصُّوها بالمعاصرين كما هو ظاهر من عنوانها، واستكتبوا في كل ترجمة من كانت له صلةُ قرابة أو تَلْمذة أو معرفة بالمترجَم غالبا، فجاءت تراجمَ مجوَّدةً نافعة متوسطة بين الطول والقصر. والذي وقفت عليه منها أربعون ترجمة، ولست أدري هل وصلوها بعد ذلك أم وقفت عند هذا الحد.
وكتب التراجم والسير نافعة جدا لطالب العلم، لا يستغني عن النظر فيها والاستفادة منها في مسيرته في العلم والمعرفة والحياة.
والمكتبة زاخرة بمئات بل بألوف الكتب في هذا الباب، والناس يختلفون في قراءتها ومطالعتها بحسَب أوقاتهم وميولهم وتخصصاتهم.
وإن كانت لي من نصيحة فإني أنصح طالب العلم ومن كانت له همة في المطالعة بقراءة ثلاثة كتب هي من أهم ما صنفه الناس في هذه الفن.
الأول: "الإصابة في تراجم الصحابة" للحافظ ابن حجر العسقلاني، وهو أوسع وأجل كتاب في تراجم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي، ترجم فيه لأعلام أهل الإسلام من القرن الأول إلى 660هـ، بخلاف صنيعه في "تاريخ الإسلام" فإنه مده إلى الى نهاية المائة السابعة.
والثالث: "الأعلام" للعلَّامة الزِّرِكْلي، ترجم فيه لمشاهير الأعلام الذين يتردد ذكرهم ويكثر السؤال عنهم في كل عصر على اختلاف مللهم وطوائفهم وعلومهم، و"هو خير كتاب أُلِّف في بابه، بل هو خيرُ ما كتب كاتبٌ في تراجم الرجال والنساء في هذا العصر" [الطَّنَاحي].
فهذه الكتب الثلاثة ينبغي لطالب العلم أن يحرص كل الحرص على قراءتها، لا قراءة التنقير والتفتيش، بل قراءة الجرد. ومن عجَز عن ذلك فلا أقل من قراءة مختصراتها، ولا أعلم لـــ"الأعلام" مختصرا.
وتراجم المعاصرين وسيرهم (الذاتية والغَيْريَّة) كثيرة جدا يصعب تتبعها. والوصية للقارئ وطالب العلم أن يحرص على تراجم من كان لهم أثر ظاهر في العلم والدعوة والفكر والحضارة والجهاد، فالاستفادة من تراجم هؤلاء أكثر من غيرهم، والقراءة فيها تزيد المرء علما وخبرة وتجربة في ميادين العلم والحياة، ثم بعد ذلك يتوسع القارئ بحسب ميله وتخصصه وبلده ومذهبه.
ولا يخفى أن الاقتصار على كتب التراجم والسير لا يبني ولا يؤسس طالب العلم، فهي كتب رافدة مقوِّية، لا بانية مؤسِّسة.
وهذه التراجم التي بين يديك لثلاثة من علماء عصرنا، كانت لهم إسهامات ظاهرة في فنون العلم، تُشرف منها على سيرهم وأخبارهم وعلومهم وتصانيفهم، جزى الله مصنفوها عنا خير الجزاء، ونفعنا وإياك بما نقرأ، ورزقنا الإخلاص، وحسن الفهم، وصواب العمل، وجميل الستر، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 15 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
Telegram
بسام بن خليل الصفدي
قناة تشتمل على دروس وشروحات وفوائد ومقالات ومنشورات وملخصات.
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
أهلنا وإخواننا وأحبابنا في غزة العزة..
حمدا لله على سلامتكم
ونسأل الله أن يتمم فرحتنا بالفرج والعزة والتمكين
خذوا حذركم
ما زلنا تحت القصف والنار
ذهب الكثير وبقي القليل إن شاء الله
تقبل الله صبركم وثباتكم وأعانكم فيما تستقبلون من أيامكم
اللهم املأ قلوبنا إيمانا وصبرا ورضا وثباتا ويقينا
اللهم لا حول ولا قوة لنا إلا بك
ولا غنى لنا طرفة عين عن رحمتك
إلهنا وسيدنا ومولانا وغاية رغبتنا
تمم لنا فرحتنا وأسبغ علينا سترك وعافيتك
اللهم آمين آمين
وفي النفس كلام نرجئه إلى حينه إن شاء الله
حمدا لله على سلامتكم
ونسأل الله أن يتمم فرحتنا بالفرج والعزة والتمكين
خذوا حذركم
ما زلنا تحت القصف والنار
ذهب الكثير وبقي القليل إن شاء الله
تقبل الله صبركم وثباتكم وأعانكم فيما تستقبلون من أيامكم
اللهم املأ قلوبنا إيمانا وصبرا ورضا وثباتا ويقينا
اللهم لا حول ولا قوة لنا إلا بك
ولا غنى لنا طرفة عين عن رحمتك
إلهنا وسيدنا ومولانا وغاية رغبتنا
تمم لنا فرحتنا وأسبغ علينا سترك وعافيتك
اللهم آمين آمين
وفي النفس كلام نرجئه إلى حينه إن شاء الله
حرب غزة.. يوميات ومشاهدات [51]
(خُذُوا العفو)
تنبيه: هذه المقالة كتبتها ونحن نتسمَّع أخبار الهدنة، ثم طويتها لعدم مناسبتها في ذاك الوقت، وها هي اليوم بين يديك.
"قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل أن يُداري الناسَ مداراةَ الرجل السابح في الماء الجاري. ومن ذهب إلى عِشرة الناس من حيث هو كدَّر على نفسه عَيشَه، ولم تَصْفُ له مودتهم؛ لأن وداد الناس لا يُستجلب إلا بمساعدتهم على مَا هم عليه إلا أن يكون مَأْثما، فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة.
والبشر قد ركِّب فيهم أهواءٌ مختلفة وطبائع متباينة، فكما يشق عليك تركُ ما جُبلتَ عليه فكذلك يشق على غيرك مجانبةُ مثله، فليس إلى صَفْو ودادهم سبيلٌ إلا بمعاشرتهم من حيث هم، والإغضاءِ عن مخالفتهم في الأوقات" [روضة العقلاء (ص209)].
من وجوه البلاء والمعاناة في الحرب (على صورتها القائمة في بلادنا) ما يقع بين الناس من الخلاف والشقاق. والخلاف حاصل في الحروب وغيرها، لكنه فيها أكثر وأشد؛ وذلك أن الناس يجتمعون ويتكدسون في أماكن ضيقة، في البيوت والمخيمات والمراكز ونحوها.
وأين وُجد الاجتماع وجد الخلاف والنزاع، فالإنسان بطبعه يشق عليه تركُ هواه وعاداته وخِلاله، ويريد حمل الناس على رُكِّب فيه من ذلك، فإذا كان الجميع أو الأكثرون على هذا الوصف لم يكن إلى الوداد والوفاق من سبيل، وهذا معنى كلام ابن حِبَّانَ أعلاه، وهو كلامٌ غائص في أعماق النفس يجدر بالعاقل أن يُطيل تأمُّلُه.
ومن تجلِّيات ذلك في فقه السلف رضي الله عنهم: ما جاء عن ربيعة قال: "المروءة في السفر: بذل الزاد، وقلة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله عز وجل". [لطائف المعارف (ص407)]، فذَكر قلة الخلاف هنا للمعنى الذي ذكرناه من طول الصحبة والاجتماع الحاصل في السفر.
ومن شواهد الوحي العظيمة في هذا المعنى قوله تعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم في أجمع آية في مكارم الأخلاق: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].
والمعنى: خذ ما عفا وتيسَّر من أخلاق الناس ولا تشدد عليهم.
وهذا كما ترى يشمل كل وقت، وهو في حال الخصومة والخلاف آكد كما هو ظاهر.
ومن قواعد المعاشرة العظيمة التي تتابع الأفاضل من أهل العلم والأدب على الحث عليها والوَصاة بها: أن تعاشر الناس بالخير والبذل والإحسان مع الإغضاء عما يكون منهم من الأذى والمكروه، وعدم توقع المكافأة وردِّ الجميل. ولا يطيب العيشُ إلا بذلك.
ولست أَرثي أحدا رِثائي من جلس يراقب الناس: فلان زرته ولم يزُرني، وفلان رأى رسالتي ولم يرد عليَّ، وفلان لم يعزِّني، وفلان لم يبارك لي، وخامس وسادس... في سلسلة لا تنتهي من تصنيم النفوس وتقديسها.
ولله ما أحسن قول الإمام العارف الرباني ابن تيمية فيما ينقله عنه تلميذه ابن القيم في "المدارج" (2/198): "العارف لا يرى له على أحد حقا، ولا يشهد له على غيره فضلا؛ فلذلك لا يعاتِب ولا يطالِب ولا يضارِب".
وهذه منزلة لا تتطاول إليها رقابُ أكثر الخلق.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 15 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
(خُذُوا العفو)
تنبيه: هذه المقالة كتبتها ونحن نتسمَّع أخبار الهدنة، ثم طويتها لعدم مناسبتها في ذاك الوقت، وها هي اليوم بين يديك.
"قال أبو حاتم رضي الله عنه: الواجب على العاقل أن يُداري الناسَ مداراةَ الرجل السابح في الماء الجاري. ومن ذهب إلى عِشرة الناس من حيث هو كدَّر على نفسه عَيشَه، ولم تَصْفُ له مودتهم؛ لأن وداد الناس لا يُستجلب إلا بمساعدتهم على مَا هم عليه إلا أن يكون مَأْثما، فإذا كانت حالة معصية فلا سمع ولا طاعة.
والبشر قد ركِّب فيهم أهواءٌ مختلفة وطبائع متباينة، فكما يشق عليك تركُ ما جُبلتَ عليه فكذلك يشق على غيرك مجانبةُ مثله، فليس إلى صَفْو ودادهم سبيلٌ إلا بمعاشرتهم من حيث هم، والإغضاءِ عن مخالفتهم في الأوقات" [روضة العقلاء (ص209)].
من وجوه البلاء والمعاناة في الحرب (على صورتها القائمة في بلادنا) ما يقع بين الناس من الخلاف والشقاق. والخلاف حاصل في الحروب وغيرها، لكنه فيها أكثر وأشد؛ وذلك أن الناس يجتمعون ويتكدسون في أماكن ضيقة، في البيوت والمخيمات والمراكز ونحوها.
وأين وُجد الاجتماع وجد الخلاف والنزاع، فالإنسان بطبعه يشق عليه تركُ هواه وعاداته وخِلاله، ويريد حمل الناس على رُكِّب فيه من ذلك، فإذا كان الجميع أو الأكثرون على هذا الوصف لم يكن إلى الوداد والوفاق من سبيل، وهذا معنى كلام ابن حِبَّانَ أعلاه، وهو كلامٌ غائص في أعماق النفس يجدر بالعاقل أن يُطيل تأمُّلُه.
ومن تجلِّيات ذلك في فقه السلف رضي الله عنهم: ما جاء عن ربيعة قال: "المروءة في السفر: بذل الزاد، وقلة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله عز وجل". [لطائف المعارف (ص407)]، فذَكر قلة الخلاف هنا للمعنى الذي ذكرناه من طول الصحبة والاجتماع الحاصل في السفر.
ومن شواهد الوحي العظيمة في هذا المعنى قوله تعالى يأمر نبيه صلى الله عليه وسلم في أجمع آية في مكارم الأخلاق: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].
والمعنى: خذ ما عفا وتيسَّر من أخلاق الناس ولا تشدد عليهم.
وهذا كما ترى يشمل كل وقت، وهو في حال الخصومة والخلاف آكد كما هو ظاهر.
ومن قواعد المعاشرة العظيمة التي تتابع الأفاضل من أهل العلم والأدب على الحث عليها والوَصاة بها: أن تعاشر الناس بالخير والبذل والإحسان مع الإغضاء عما يكون منهم من الأذى والمكروه، وعدم توقع المكافأة وردِّ الجميل. ولا يطيب العيشُ إلا بذلك.
ولست أَرثي أحدا رِثائي من جلس يراقب الناس: فلان زرته ولم يزُرني، وفلان رأى رسالتي ولم يرد عليَّ، وفلان لم يعزِّني، وفلان لم يبارك لي، وخامس وسادس... في سلسلة لا تنتهي من تصنيم النفوس وتقديسها.
ولله ما أحسن قول الإمام العارف الرباني ابن تيمية فيما ينقله عنه تلميذه ابن القيم في "المدارج" (2/198): "العارف لا يرى له على أحد حقا، ولا يشهد له على غيره فضلا؛ فلذلك لا يعاتِب ولا يطالِب ولا يضارِب".
وهذه منزلة لا تتطاول إليها رقابُ أكثر الخلق.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، اللهم آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 15 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
Telegram
بسام بن خليل الصفدي
قناة تشتمل على دروس وشروحات وفوائد ومقالات ومنشورات وملخصات.
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
الحمد لله
الحمد لله
الحمد لله
اللهم لك الحمد كله
ولك الشكر كله
وإليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره.
لك الحمد يا ربنا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
أظهرت أمننا وأعززت جندنا وكبتَّ عدونا وجمعت فُرقتنا.
هذا يوم من أيام الله..
ساعةُ الفرج بعد طول البلاء وشدة اللأولاء.
وساعةُ الفرح بعد ورغم مرارة الآلام والأحزان.
شكر الله كلَّ من كانت له يد في نصرة هذه الثلة الصابرة المراغِمة لأعداء الله.
شكر الله لكم يا أهل الإيمان والواجب والنصرة.
شكر الله لكم وجزاكم نصرة بنصرة وتفريجا بتفريج.
أما أنتم أيها الأسود الأبطال فإن اليوم يومكم والعز عزكم
لله دماء سكبتموها
وأرواح بذلتموها
وديار هجرتموها
سلام عليكم أيها الصناديد الغطاريف الأماجد..
سلام على من قضى وسلام على من ينتظر..
لله جهادكم وثباتكم وعزماتكم
تقبلكم الله ورحمكم ورضي عنكم، ومتعكم بالنعيم المقيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
الحمد لله
الحمد لله
اللهم لك الحمد كله
ولك الشكر كله
وإليك يرجع الأمر كله، علانيته وسره.
لك الحمد يا ربنا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
أظهرت أمننا وأعززت جندنا وكبتَّ عدونا وجمعت فُرقتنا.
هذا يوم من أيام الله..
ساعةُ الفرج بعد طول البلاء وشدة اللأولاء.
وساعةُ الفرح بعد ورغم مرارة الآلام والأحزان.
شكر الله كلَّ من كانت له يد في نصرة هذه الثلة الصابرة المراغِمة لأعداء الله.
شكر الله لكم يا أهل الإيمان والواجب والنصرة.
شكر الله لكم وجزاكم نصرة بنصرة وتفريجا بتفريج.
أما أنتم أيها الأسود الأبطال فإن اليوم يومكم والعز عزكم
لله دماء سكبتموها
وأرواح بذلتموها
وديار هجرتموها
سلام عليكم أيها الصناديد الغطاريف الأماجد..
سلام على من قضى وسلام على من ينتظر..
لله جهادكم وثباتكم وعزماتكم
تقبلكم الله ورحمكم ورضي عنكم، ومتعكم بالنعيم المقيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
Forwarded from قناة || خباب بن مروان الحمد
لقد سلبتي منّا يا غزّة أفراحنا، وقد خجلت أنفُسنا من أحوالكم، وعشنا أصعب أيام حياتنا - شهِدَ الله - قهراً وهماً وحزناً مدار سنة ونصف، منعنا فيه عن أنفسنا كثيراً من لذاذات الدنيا، واحتقرنا كلّ آلامنا، وقمعنا كثيراً من أفراحنا، شعوراً بكم...
ما كلّت ألسنتنا عن الدعاء والقنوت لكم، كنّا في حِمم القذائف، نعيش هموم الليالي الطوال، نشعر أنّ لحومنا تُقرَض، وأنفسنا تزهق، وأرواحنا تقعقع، بكيناكم كثيراً وبكينا على أنفسنا كثيراً...
ومع حمم قذائف الإجرام الصهويني في الليل وشدّة الأهوال فإن لم تناموا كثيراً من أيامكم شَهِدَ الله أننا لم ننم معكم..
اليوم نسمع عن خبر الهدنة؛ الذي نسأل الله أن يجعله خيراً لكم، فرحٌ ممزوجٌ بألم، وسعادة تحفُّها أحزان الكروب التي عشتموها.
الحمد لله الذي أطفأ نار الحرب عنكم..
الحمد لله الذي أبقاكم وأبقى ذراريكم..
الحمد لله الذي حقن دماءكم..
فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين.
ما كلّت ألسنتنا عن الدعاء والقنوت لكم، كنّا في حِمم القذائف، نعيش هموم الليالي الطوال، نشعر أنّ لحومنا تُقرَض، وأنفسنا تزهق، وأرواحنا تقعقع، بكيناكم كثيراً وبكينا على أنفسنا كثيراً...
ومع حمم قذائف الإجرام الصهويني في الليل وشدّة الأهوال فإن لم تناموا كثيراً من أيامكم شَهِدَ الله أننا لم ننم معكم..
اليوم نسمع عن خبر الهدنة؛ الذي نسأل الله أن يجعله خيراً لكم، فرحٌ ممزوجٌ بألم، وسعادة تحفُّها أحزان الكروب التي عشتموها.
الحمد لله الذي أطفأ نار الحرب عنكم..
الحمد لله الذي أبقاكم وأبقى ذراريكم..
الحمد لله الذي حقن دماءكم..
فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله ربّ العالمين.
حرب غزة يوميات ومشاهدات [52]
(ماذا بعد الحرب)
المصيبة إذا طالت واشتدت يضعُف أملُ المرء عادة في انكشافها وزوالها، ولا مصيبة أشدُّ مما كان الناس فيه من خمسة عشر شهرا.
لا أنسى الأيام الأولى من الحرب وكيف كنا نواسي أنفسنا ونمنِّيها بالفرج، لكنَّ لأقدار الله آجالا تنتهي إليها، والله لا يعجل بعجلة عبادة. فمضى فينا قدر الله، ومضت الحرب إلى أجلها حتى أذن الله بالفرج في وقت خيَّم اليأس فيه على القلوب، وهكذا ألطاف الله تأتي الناس من حيث لا يحتسبون.
إخواني الأحبة، هذه جملة من الرسائل والوصايا والمعالم أكتبها لنفسي ولمن تصله من أهلي وإخواني راجيا المولى الكريم فيها النفع والسداد والإخلاص.
1- أخي الحبيب، أول شيء يجب أن يَعْمُر قلبَك وتتغرغر به روحُك: الرضا عن ربك ومولاك؛ فإنه سبحانه لا يبتليك ليعذبك، وإنما ليؤدبك أو يرفعك. ولا خيرة لك في التسخط؛ فإن ميثاق العبودية والإيمان أن ترضى وتصبر، فهنيئا لمن حطت رحالُه في هذه المنازل.
كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: "لقد تركَتْني هؤلاء الدعواتُ وما لي في شيء من الأمور كلها أرَبٌ إلا في مواقع قدر الله، وكان كثيرا ما يدعو بها: اللهم رضِّني بقضائك، وبارك لي في أقدارك، حتى لا أحبَّ تعجيلَ شيء أخرتَه، ولا تأخيرَ شيء عجلتَه".
ومَن يجعلِ الرحمنُ في قلبه الرضا يكن في طيِّبٍ من العيش واسعِ
2- يا أهل غزة حكومة وأفرادا وجماعات، واجب الوقت اليومَ المواساةُ والتراحم والتعاطف، وهي من مقتضيات الإيمان، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة: 71].
"وعلى قدر الإيمان تكون المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمَ الناس مواساة لأصحابه، فلأتباعه من المواساة بحسَب اتِّباعهم له" [الفوائد (ص250) لابن القيم، مع تصرف يسير].
ولا خير فيمن لم تحركه هذه الشدائدُ لنجدة أهله وإغاثتهم وعونهم، مسؤولا كان أو تاجرا أو بائعا أو صاحب عقار أو غير ذلك.
3- ويا أهل الإسلام في كل أرض، قد رأيتم ما نزل بإخوانكم، وكيف رماهم عدوهم الكافر عن قوس واحدة، وتكالبت عليهم أمم الشرق والغرب؛ فكونوا لهم سندا وعونا وغوثا.
إن أهل غزة اليوم إنما يقاتلون عن أمة الإسلام؛ فعزُّهم عزها، ونصرهم نصرها. ولئن انكسر الناس وذَلُّوا على هذه الأرض لينكسرُنَّ على كل أرض.
فالله الله في فلسطين وأهلها، فلئن بذلتم الأموال فإن الناس هنا بذلوا الأرواح والدماء ثابتين على أرضهم ودينهم. وما بنا جحود ولا نُكران، فإن أمتنا أمة كريمة معطاءة كانت ولم تزل وفية لفلسطين وقضيتها وأهلها.
4- شكر الله كل من كانت له يد في نصرة هذه الثلة الصابرة المراغِمة لأعداء الله تعالى، شكر الله لكم يا أهل الإيمان والمروءة والواجب، وجزاكم نصرة بنصرة وتفريجا بتفريج.
يا شعوب أمتنا الميمونة المباركة، يا وفود الخير والعطاء، يا أهل الجود والإحسان، يا أهل العلم والرأي، يا من وقفتم مواقف الحق والصدق، جزاكم الله عنا خيرا، لا نملك لكم أكثر من ذلك.
وأنتم يا قوافل الأبطال من المجاهدين والصحفيين والأطباء والـمُسعفين، يا من أقدمتم والناس يفرون، وثبتم والناس يجبنون، جدتم بأرواحكم ودمائكم في زمن عزَّ فيه البذل والجود، فلله صنائعكم، وعلى الله أجوركم.
5- مشاهد الألم في هذه الحرب كثيرة قاسية، لكنْ أشدها قسوة ومرارة مشهد خِذلان الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، وهو فصل طويل مُخز في تاريخ أمتنا لا يَسَعه سطر ولا سطران. وقد علمتنا الحروب السالفة أن هذه الأنظمة لا يعوَّل عليها، ولا يرتجى منها موقف ولا مروءة ولا نصرة حقيقية يحسب لها العدو حسابا.
سوَّد الله وجوهكم أيها الطغاة، أيتها الأنظمة الخائنة الغادرة، كان يسعكم -على مذهبكم- السكوتُ والحياد، لكن أبى طائفة منكم إلا أن يكونوا مع عدونا، في صفه وعُدوته، يُمِدونه بالمال والعتاد، ويتمنَّون نصره وعلوه. أرغم الله معاطسكم، وأخزاكم في الدنيا قبل الآخرة.
6- يا طلبة العلم والدعاة، ها هي المساجد (أقصد ما بقي منها) والمصليات شرعت تفتح أبوابها بعد طول غياب وانقطاع، لقد طال علينا وعلى الناس الأمد، فقوموا لله ولدينكم، فإن الأمانة في أعناقكم ثقيلة. علموا الناس وفقهوهم وثبتوهم وعظوهم وعلقوا قلوبهم بالله.
بُثُّوا الأمل، وانشروا الخير، وأعينوا المحتاج، وواسُوا المصاب، وخذوا بيد الضعفة والمساكين.
كونوا أوفياء لدينكم وأهلكم وبلادكم.
7- إلى الحكومة واللجان المنبثقة عنها في غزة: الآن بدأ دوركم، اتقوا الله في عباد الله، الناس فقدت كل شيء، وما بي أن أخبركم بما أنتم أعلم به مني ومن غيري.
إن من أهم ما تقومون به اليوم بعد نشر الأمن القيامَ على مصالح الناس ومعايشهم من طعام وشراب ولباس وسكن ووقود وغاز وطاقة وغير ذلك مما الناس بأمس الحاجة إليه.
(ماذا بعد الحرب)
المصيبة إذا طالت واشتدت يضعُف أملُ المرء عادة في انكشافها وزوالها، ولا مصيبة أشدُّ مما كان الناس فيه من خمسة عشر شهرا.
لا أنسى الأيام الأولى من الحرب وكيف كنا نواسي أنفسنا ونمنِّيها بالفرج، لكنَّ لأقدار الله آجالا تنتهي إليها، والله لا يعجل بعجلة عبادة. فمضى فينا قدر الله، ومضت الحرب إلى أجلها حتى أذن الله بالفرج في وقت خيَّم اليأس فيه على القلوب، وهكذا ألطاف الله تأتي الناس من حيث لا يحتسبون.
إخواني الأحبة، هذه جملة من الرسائل والوصايا والمعالم أكتبها لنفسي ولمن تصله من أهلي وإخواني راجيا المولى الكريم فيها النفع والسداد والإخلاص.
1- أخي الحبيب، أول شيء يجب أن يَعْمُر قلبَك وتتغرغر به روحُك: الرضا عن ربك ومولاك؛ فإنه سبحانه لا يبتليك ليعذبك، وإنما ليؤدبك أو يرفعك. ولا خيرة لك في التسخط؛ فإن ميثاق العبودية والإيمان أن ترضى وتصبر، فهنيئا لمن حطت رحالُه في هذه المنازل.
كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: "لقد تركَتْني هؤلاء الدعواتُ وما لي في شيء من الأمور كلها أرَبٌ إلا في مواقع قدر الله، وكان كثيرا ما يدعو بها: اللهم رضِّني بقضائك، وبارك لي في أقدارك، حتى لا أحبَّ تعجيلَ شيء أخرتَه، ولا تأخيرَ شيء عجلتَه".
ومَن يجعلِ الرحمنُ في قلبه الرضا يكن في طيِّبٍ من العيش واسعِ
2- يا أهل غزة حكومة وأفرادا وجماعات، واجب الوقت اليومَ المواساةُ والتراحم والتعاطف، وهي من مقتضيات الإيمان، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) [التوبة: 71].
"وعلى قدر الإيمان تكون المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمَ الناس مواساة لأصحابه، فلأتباعه من المواساة بحسَب اتِّباعهم له" [الفوائد (ص250) لابن القيم، مع تصرف يسير].
ولا خير فيمن لم تحركه هذه الشدائدُ لنجدة أهله وإغاثتهم وعونهم، مسؤولا كان أو تاجرا أو بائعا أو صاحب عقار أو غير ذلك.
3- ويا أهل الإسلام في كل أرض، قد رأيتم ما نزل بإخوانكم، وكيف رماهم عدوهم الكافر عن قوس واحدة، وتكالبت عليهم أمم الشرق والغرب؛ فكونوا لهم سندا وعونا وغوثا.
إن أهل غزة اليوم إنما يقاتلون عن أمة الإسلام؛ فعزُّهم عزها، ونصرهم نصرها. ولئن انكسر الناس وذَلُّوا على هذه الأرض لينكسرُنَّ على كل أرض.
فالله الله في فلسطين وأهلها، فلئن بذلتم الأموال فإن الناس هنا بذلوا الأرواح والدماء ثابتين على أرضهم ودينهم. وما بنا جحود ولا نُكران، فإن أمتنا أمة كريمة معطاءة كانت ولم تزل وفية لفلسطين وقضيتها وأهلها.
4- شكر الله كل من كانت له يد في نصرة هذه الثلة الصابرة المراغِمة لأعداء الله تعالى، شكر الله لكم يا أهل الإيمان والمروءة والواجب، وجزاكم نصرة بنصرة وتفريجا بتفريج.
يا شعوب أمتنا الميمونة المباركة، يا وفود الخير والعطاء، يا أهل الجود والإحسان، يا أهل العلم والرأي، يا من وقفتم مواقف الحق والصدق، جزاكم الله عنا خيرا، لا نملك لكم أكثر من ذلك.
وأنتم يا قوافل الأبطال من المجاهدين والصحفيين والأطباء والـمُسعفين، يا من أقدمتم والناس يفرون، وثبتم والناس يجبنون، جدتم بأرواحكم ودمائكم في زمن عزَّ فيه البذل والجود، فلله صنائعكم، وعلى الله أجوركم.
5- مشاهد الألم في هذه الحرب كثيرة قاسية، لكنْ أشدها قسوة ومرارة مشهد خِذلان الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية، وهو فصل طويل مُخز في تاريخ أمتنا لا يَسَعه سطر ولا سطران. وقد علمتنا الحروب السالفة أن هذه الأنظمة لا يعوَّل عليها، ولا يرتجى منها موقف ولا مروءة ولا نصرة حقيقية يحسب لها العدو حسابا.
سوَّد الله وجوهكم أيها الطغاة، أيتها الأنظمة الخائنة الغادرة، كان يسعكم -على مذهبكم- السكوتُ والحياد، لكن أبى طائفة منكم إلا أن يكونوا مع عدونا، في صفه وعُدوته، يُمِدونه بالمال والعتاد، ويتمنَّون نصره وعلوه. أرغم الله معاطسكم، وأخزاكم في الدنيا قبل الآخرة.
6- يا طلبة العلم والدعاة، ها هي المساجد (أقصد ما بقي منها) والمصليات شرعت تفتح أبوابها بعد طول غياب وانقطاع، لقد طال علينا وعلى الناس الأمد، فقوموا لله ولدينكم، فإن الأمانة في أعناقكم ثقيلة. علموا الناس وفقهوهم وثبتوهم وعظوهم وعلقوا قلوبهم بالله.
بُثُّوا الأمل، وانشروا الخير، وأعينوا المحتاج، وواسُوا المصاب، وخذوا بيد الضعفة والمساكين.
كونوا أوفياء لدينكم وأهلكم وبلادكم.
7- إلى الحكومة واللجان المنبثقة عنها في غزة: الآن بدأ دوركم، اتقوا الله في عباد الله، الناس فقدت كل شيء، وما بي أن أخبركم بما أنتم أعلم به مني ومن غيري.
إن من أهم ما تقومون به اليوم بعد نشر الأمن القيامَ على مصالح الناس ومعايشهم من طعام وشراب ولباس وسكن ووقود وغاز وطاقة وغير ذلك مما الناس بأمس الحاجة إليه.
وخذوا الناس بالرحمة والرفق واللين، وسيروا فيهم بالعدل والشرع من غير محاباة لأحد؛ فإنكم والله عنهم لمسؤولون.
8- إن ما حصل من حفظ الله لنا، ودَحْر عدونا، وثبات أهلنا ومجاهدينا، وخروج أسرانا نعمة عظيمة تستوجب شكر الله وحمده.
وأعظم الشكر وأتمه القيام على أمر الله ودينه وشرعه، ولا خيرة لنا في ذلك حكومة وأفرادا، كلٌّ بما يستطيع حتى يكون الدين كله لله.
9- بعيدا عن جدلية النصر والهزيمة التي كثر كلام الناس فيها، وبعيدا عن جدلية بدايات هذه المعركة واتخاذ قرارها وموازناتها التي كثر الكلام فيها كذلك= فإن ما حدث -رغم مشاهد القتل والجراح والدمار- من ثبات المجاهدين وصمودهم واستبسالهم وإثخانهم في أعداء الله وقتالهم في ظروف شبه مستحيلة، مع الفارق العظيم في العدد والعُدة والعتاد، ومع تكالب أمم الكفر والطغيان، ومع شدة الحصار واللَّأواء= لا شك أنه إعزاز لدين الله، ونصر لهذه الفئة المجاهدة التي سطرت بدمائها صحائف المجد والخلود، وهو في المقابل هزيمة منكرة لأعداء الله، نسأل الله أن تكون بداية سقوطهم وتتبيرِ علوهم.
10- لا أحد يعلو على النقد والنصح والتوجيه، لا حماس ولا القسام ولا أي عامل لدين الله. وسيكثر كلام الناس والمنتقدين.
والنصيحة لإخواننا أن يتقبلوا ذلك ولا تضيق به صدورهم، فالناصح المحب خير من الغاش المداهن، وإنما أنتم بأهلكم وإخوانكم.
والنصيحة لمن ينتقد أن يتحرى العدل والإنصاف والرفق ما استطاع، وأن يتخير الألفاظ والعبارات، ويتكلم بعلم وتجرد.
وفق الله الجميع لمرضاته، وأعاننا فيما نستقبل من أيامنا، وأسبغ علينا ستره، ونشر عافيته، ونصر دينه وجنده وعباده المؤمنين، اللهم آمين آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 22 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
8- إن ما حصل من حفظ الله لنا، ودَحْر عدونا، وثبات أهلنا ومجاهدينا، وخروج أسرانا نعمة عظيمة تستوجب شكر الله وحمده.
وأعظم الشكر وأتمه القيام على أمر الله ودينه وشرعه، ولا خيرة لنا في ذلك حكومة وأفرادا، كلٌّ بما يستطيع حتى يكون الدين كله لله.
9- بعيدا عن جدلية النصر والهزيمة التي كثر كلام الناس فيها، وبعيدا عن جدلية بدايات هذه المعركة واتخاذ قرارها وموازناتها التي كثر الكلام فيها كذلك= فإن ما حدث -رغم مشاهد القتل والجراح والدمار- من ثبات المجاهدين وصمودهم واستبسالهم وإثخانهم في أعداء الله وقتالهم في ظروف شبه مستحيلة، مع الفارق العظيم في العدد والعُدة والعتاد، ومع تكالب أمم الكفر والطغيان، ومع شدة الحصار واللَّأواء= لا شك أنه إعزاز لدين الله، ونصر لهذه الفئة المجاهدة التي سطرت بدمائها صحائف المجد والخلود، وهو في المقابل هزيمة منكرة لأعداء الله، نسأل الله أن تكون بداية سقوطهم وتتبيرِ علوهم.
10- لا أحد يعلو على النقد والنصح والتوجيه، لا حماس ولا القسام ولا أي عامل لدين الله. وسيكثر كلام الناس والمنتقدين.
والنصيحة لإخواننا أن يتقبلوا ذلك ولا تضيق به صدورهم، فالناصح المحب خير من الغاش المداهن، وإنما أنتم بأهلكم وإخوانكم.
والنصيحة لمن ينتقد أن يتحرى العدل والإنصاف والرفق ما استطاع، وأن يتخير الألفاظ والعبارات، ويتكلم بعلم وتجرد.
وفق الله الجميع لمرضاته، وأعاننا فيما نستقبل من أيامنا، وأسبغ علينا ستره، ونشر عافيته، ونصر دينه وجنده وعباده المؤمنين، اللهم آمين آمين.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 22 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
Telegram
بسام بن خليل الصفدي
قناة تشتمل على دروس وشروحات وفوائد ومقالات ومنشورات وملخصات.
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
تفاريق في العلم والكتب والتراجم
(الحلقة الثانية)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه جمل متفرقة في العلم والكتب والتراجم نشرتُ غالبها في أوقات متفرقة، ثم بدا لي أن أجمعها وأعيد النظر فيها لعل الله ينفع بها، وقد سبق نشرُ الحلقة الأولى، وهذه الثانية، ومن الله أستمد العون والتوفيق.
15- نقل الإمام الذهبي في "السير" (8/81-82) عن القاضي عياض قال: "أَلَّف في مناقب مالك جماعةٌ، منهم: القاضي أبو عبد الله التُّستَري المالكي، له في ذلك ثلاث مجلَّدات [على تأنيث مجلدة]، وأبو الحسن بن فِهْر المصري، وجعفر بن محمد الفِريابي القاضي، وأبو بشر الدُّولابي الحافظ، والزبير بن بَكَّار، وأبو عُلَاثة محمد بن أبي غسان، وابن حَبيب، وأبو محمد بن الجارود، وأحمد بن رِشْدين، وأبو عمرو الـمُغامي، والحسن بن إسماعيل الضَرَّاب، وأبو الحسن بن مُنتاب، وأبو إسحاق بن شعبان، وأبو بكر أحمد بن محمد اليَقطيني، والحافظ أبو نصر بن الجبَّان، وأبو بكر بن رَوْزَبة الدمشقي، والقاضي أبو عبد الله الزِّنكاني، وأبو الحسن بن عبيد الله الزبيري، وأبو بكر أحمد بن مروان الدِّينَوري، والقاضي أبو بكر الأبْهَري، والقاضي أبو الفضل القُشيري، وأبو بكر بن اللَّبَّاد، وأبو محمد بن أبي زيد، والحافظ أبو عبد الله الحاكم، وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي، وأبو عمر الطَّلَمَنْكي، وأبو عمر بن حزم الصَّدَفي، وأبو عمر بن عبد البر، والقاضي أبو محمد بن نصر، وابن الإمام التُّطَيلي، وابن حارث القروي، والقاضي أبو الوليد الباجي، وأبو مروان بن أَصبَغ".
قلت: نقل الذهبي هذا عن القاضي عياض في "ترتيب المدارك" (1/8-12 ط الأوقاف المغربية) مع تصرف يسير، والقاضي لم يستوعب، ثم إنه صنف بعده جماعة أيضا في مناقب هذا الإمام الجليل.
ولا أعلم أحدا من الأئمة صُنِّف في مناقبه ما صُنِّف في مناقب مالك، وقُل مثل هذا في موطَّئه؛ فإنه من أكثر كتب السنة خدمة وشروحا، والكتب التي اعتنت به لعلها تقرب من مائتي كتاب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
16- ونقل الذهبي في "السير" (17/120) عن أبي الفرج ابن الجوزي قال: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الرَّاوندي، وأبو حَيَّانَ التوحيدي، وأبو العلاء المعرِّي. وأشدهم على الإسلام أبو حيان؛ لأنهما صَرَّحا، وهو مَجْمَج ولم يصرح.
قلت: هذه الكلمة اشتَهرت عن ابن الجوزي، وقد نقلها عن أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي، وعنه نقلها الذهبي وغيره.
وابن الرَّاوندي لا يُشَك في زندقته وإلحاده، وأما أبو حيان وأبو العلاء فلا يبلغ أمرُهما هذا الذي ذكره ابن الجوزي.
وتفصيل الكلام في هذا يضيق عنه المقام، لكني أُحيلك في أبي حيان إلى السُّبكي في "طبقات الشافعية" (5/286)، ومجلس مطوَّل للشيخ الأديب عبد الرحمن قائد، فصَّل فيه القول، وشفى وكفى، والمجلس بُثَّ على اليوتيوب في الخامس والعشرين من شهر شعبان لعام ألف وأربع مائة وواحد وأربعين ضمن (مجالس الأدب) المفيدة الممتعة. وأما أبو العلاء فقد فصَّلت فيه القولَ عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) في كتابها "مع أبي العلاء في رحلة حياته" فانظره فإنه نافع.
17- العلَّامة (مِيْرَك) ممن يَكثر النقلُ عنه في شروح الحديث المتأخرة، وترجمته ليست مبذولةً في كتب التراجم، وهذه ترجمة مختصرة منقولة عن "البضاعة المزجاة لمن يطالع المرقاة شرح المشكاة" للعلامة الجِشْتي، بواسطة الشيخ محمد عوامة في مقدمة تحقيقه على "حاشية الباجوري على الشمائل- ط المنهاج" (ص6-7):
ميرك: كلمة فارسية، معناها: الأمير الصغير، والكاف آخر الكلمة عندهم للتصغير.
وهو الأمير نسيم الدين محمد بن الأمير جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي، من علماء القرن العاشر.
ووالده جمال الدين عطاء الله توفي سنة (926هـ)، وهو صاحب كتاب "روضة الأحباب في سيرة النبي والآل والأصحاب"، كبير في عدة مجلدات، لكن دُسَّ فيه ما ليس منه.
18- ابن عَلَّان المكي الشافعي يُكثر النقل في "الفتوحات المكية على الأذكار النواوية" عن الهَرَوي في "الحرز".
والهروي هذا: هو الـمُلَّا عليٌّ القاري المكي.
وكتابه: "الحرز الثمين للحصن الحصين"، شرح فيه كتاب ابن الجَزَري "الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين" في الأدعية والأذكار، وهو من كتب الأذكار المشهورة المهمة.
ولابن الجزري عليه شرح أسماه "مِفتاح الحصن الحصين"، وله عليه اختصاران كذلك، وهما: "جُنة الحصن الحصين"، و"عُدة الحصن الحصين". وهذا الأخير هو الذي شرحه الإمام الشوكاني في كتابه النفيس "تحفة الذاكرين".
19- عن عبد الرحمن بن مصعب قال: سمعت سفيان بن سعيد الثوري يقول: "لو كنت لا أعلم كان أقلَّ لحزني".
(الحلقة الثانية)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه جمل متفرقة في العلم والكتب والتراجم نشرتُ غالبها في أوقات متفرقة، ثم بدا لي أن أجمعها وأعيد النظر فيها لعل الله ينفع بها، وقد سبق نشرُ الحلقة الأولى، وهذه الثانية، ومن الله أستمد العون والتوفيق.
15- نقل الإمام الذهبي في "السير" (8/81-82) عن القاضي عياض قال: "أَلَّف في مناقب مالك جماعةٌ، منهم: القاضي أبو عبد الله التُّستَري المالكي، له في ذلك ثلاث مجلَّدات [على تأنيث مجلدة]، وأبو الحسن بن فِهْر المصري، وجعفر بن محمد الفِريابي القاضي، وأبو بشر الدُّولابي الحافظ، والزبير بن بَكَّار، وأبو عُلَاثة محمد بن أبي غسان، وابن حَبيب، وأبو محمد بن الجارود، وأحمد بن رِشْدين، وأبو عمرو الـمُغامي، والحسن بن إسماعيل الضَرَّاب، وأبو الحسن بن مُنتاب، وأبو إسحاق بن شعبان، وأبو بكر أحمد بن محمد اليَقطيني، والحافظ أبو نصر بن الجبَّان، وأبو بكر بن رَوْزَبة الدمشقي، والقاضي أبو عبد الله الزِّنكاني، وأبو الحسن بن عبيد الله الزبيري، وأبو بكر أحمد بن مروان الدِّينَوري، والقاضي أبو بكر الأبْهَري، والقاضي أبو الفضل القُشيري، وأبو بكر بن اللَّبَّاد، وأبو محمد بن أبي زيد، والحافظ أبو عبد الله الحاكم، وأبو ذر عبد بن أحمد الهروي، وأبو عمر الطَّلَمَنْكي، وأبو عمر بن حزم الصَّدَفي، وأبو عمر بن عبد البر، والقاضي أبو محمد بن نصر، وابن الإمام التُّطَيلي، وابن حارث القروي، والقاضي أبو الوليد الباجي، وأبو مروان بن أَصبَغ".
قلت: نقل الذهبي هذا عن القاضي عياض في "ترتيب المدارك" (1/8-12 ط الأوقاف المغربية) مع تصرف يسير، والقاضي لم يستوعب، ثم إنه صنف بعده جماعة أيضا في مناقب هذا الإمام الجليل.
ولا أعلم أحدا من الأئمة صُنِّف في مناقبه ما صُنِّف في مناقب مالك، وقُل مثل هذا في موطَّئه؛ فإنه من أكثر كتب السنة خدمة وشروحا، والكتب التي اعتنت به لعلها تقرب من مائتي كتاب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
16- ونقل الذهبي في "السير" (17/120) عن أبي الفرج ابن الجوزي قال: زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الرَّاوندي، وأبو حَيَّانَ التوحيدي، وأبو العلاء المعرِّي. وأشدهم على الإسلام أبو حيان؛ لأنهما صَرَّحا، وهو مَجْمَج ولم يصرح.
قلت: هذه الكلمة اشتَهرت عن ابن الجوزي، وقد نقلها عن أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي، وعنه نقلها الذهبي وغيره.
وابن الرَّاوندي لا يُشَك في زندقته وإلحاده، وأما أبو حيان وأبو العلاء فلا يبلغ أمرُهما هذا الذي ذكره ابن الجوزي.
وتفصيل الكلام في هذا يضيق عنه المقام، لكني أُحيلك في أبي حيان إلى السُّبكي في "طبقات الشافعية" (5/286)، ومجلس مطوَّل للشيخ الأديب عبد الرحمن قائد، فصَّل فيه القول، وشفى وكفى، والمجلس بُثَّ على اليوتيوب في الخامس والعشرين من شهر شعبان لعام ألف وأربع مائة وواحد وأربعين ضمن (مجالس الأدب) المفيدة الممتعة. وأما أبو العلاء فقد فصَّلت فيه القولَ عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) في كتابها "مع أبي العلاء في رحلة حياته" فانظره فإنه نافع.
17- العلَّامة (مِيْرَك) ممن يَكثر النقلُ عنه في شروح الحديث المتأخرة، وترجمته ليست مبذولةً في كتب التراجم، وهذه ترجمة مختصرة منقولة عن "البضاعة المزجاة لمن يطالع المرقاة شرح المشكاة" للعلامة الجِشْتي، بواسطة الشيخ محمد عوامة في مقدمة تحقيقه على "حاشية الباجوري على الشمائل- ط المنهاج" (ص6-7):
ميرك: كلمة فارسية، معناها: الأمير الصغير، والكاف آخر الكلمة عندهم للتصغير.
وهو الأمير نسيم الدين محمد بن الأمير جمال الدين عطاء الله بن فضل الله الشيرازي، من علماء القرن العاشر.
ووالده جمال الدين عطاء الله توفي سنة (926هـ)، وهو صاحب كتاب "روضة الأحباب في سيرة النبي والآل والأصحاب"، كبير في عدة مجلدات، لكن دُسَّ فيه ما ليس منه.
18- ابن عَلَّان المكي الشافعي يُكثر النقل في "الفتوحات المكية على الأذكار النواوية" عن الهَرَوي في "الحرز".
والهروي هذا: هو الـمُلَّا عليٌّ القاري المكي.
وكتابه: "الحرز الثمين للحصن الحصين"، شرح فيه كتاب ابن الجَزَري "الحصن الحصين من كلام سيد المرسلين" في الأدعية والأذكار، وهو من كتب الأذكار المشهورة المهمة.
ولابن الجزري عليه شرح أسماه "مِفتاح الحصن الحصين"، وله عليه اختصاران كذلك، وهما: "جُنة الحصن الحصين"، و"عُدة الحصن الحصين". وهذا الأخير هو الذي شرحه الإمام الشوكاني في كتابه النفيس "تحفة الذاكرين".
19- عن عبد الرحمن بن مصعب قال: سمعت سفيان بن سعيد الثوري يقول: "لو كنت لا أعلم كان أقلَّ لحزني".
قلت: هذا المنقول عن سفيان جاء نحوُه عن جماعة من السلف.
ومعناه فيما يظهر: أن المرء كلما استكثر من العلم استكثر من حجج الله تعالى عليه، وعظُمت عليه التبِعة، وثقلت الأمانة، مع ما يصاحب ذلك من طلب الرتب العالية، والمنازل الشريف في العلم والعمل؛ فلا يزال معذبا. هذا مع ما يجده من سكينة وانشراح صدر بما هو فيه. وقد أشار ابن الجوزي رحمه الله في إلى هذا المعنى في مواضع متفرقة من "صيد الخاطر".
20- أشار ابن حجر في "الإصابة" (8/412) في ترجمة عِلْباءَ الأَسْدِي إلى تصحيف في اسمه وقع لأبي أحمدَ العسكري، وتتابع عليه جماعة. وعقَّب عليه بقوله: "والعجب من العسكري حيث صنف في التصحيف كتابين أكثر فيهما التشنيع على المحدثين وعلى الأدباء، ثم يقع في هذا التصحيف، نسأل الله التوفيق".
قلت: الكتابان هما: "تصحيفات المحدثين"، و"شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف". والعسكري هذا هو: أبو أحمد الحسن بن عبد الله (ت382)، وله مصنف في الصحابة، وثمة عسكريٌّ ثانٍ له أيضا مصنف في الصحابة، وهو: أبو الحسن علي بن سعيد (ت305)، والحافظ ينقل عنهما جميعا -وإن كان النقل عن أبي أحمد أكثر-، وأحيانا يبيِّن، وأحيانا يُبْهم، والغالب عند الإبهام أنه يريد أبا أحمد، والله أعلم.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 22 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
ومعناه فيما يظهر: أن المرء كلما استكثر من العلم استكثر من حجج الله تعالى عليه، وعظُمت عليه التبِعة، وثقلت الأمانة، مع ما يصاحب ذلك من طلب الرتب العالية، والمنازل الشريف في العلم والعمل؛ فلا يزال معذبا. هذا مع ما يجده من سكينة وانشراح صدر بما هو فيه. وقد أشار ابن الجوزي رحمه الله في إلى هذا المعنى في مواضع متفرقة من "صيد الخاطر".
20- أشار ابن حجر في "الإصابة" (8/412) في ترجمة عِلْباءَ الأَسْدِي إلى تصحيف في اسمه وقع لأبي أحمدَ العسكري، وتتابع عليه جماعة. وعقَّب عليه بقوله: "والعجب من العسكري حيث صنف في التصحيف كتابين أكثر فيهما التشنيع على المحدثين وعلى الأدباء، ثم يقع في هذا التصحيف، نسأل الله التوفيق".
قلت: الكتابان هما: "تصحيفات المحدثين"، و"شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف". والعسكري هذا هو: أبو أحمد الحسن بن عبد الله (ت382)، وله مصنف في الصحابة، وثمة عسكريٌّ ثانٍ له أيضا مصنف في الصحابة، وهو: أبو الحسن علي بن سعيد (ت305)، والحافظ ينقل عنهما جميعا -وإن كان النقل عن أبي أحمد أكثر-، وأحيانا يبيِّن، وأحيانا يُبْهم، والغالب عند الإبهام أنه يريد أبا أحمد، والله أعلم.
بسام بن خليل الصفدي
الأربعاء 22 رجب 1446
https://www.tgoop.com/DBasam
Telegram
بسام بن خليل الصفدي
قناة تشتمل على دروس وشروحات وفوائد ومقالات ومنشورات وملخصات.
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
هل يجوز الجمع بين الصلوات والتخلف عن صلاة الجمعة والجماعة في الوقت الحالي بعد الاعلان عن وقف اطلاق النار في غزة؟
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن صلاة الجمعة من الشعائر العظيمة التي جاء في تعظيمها ما لم يأت في غيرها، وخُصَّت بما لم يُخصَّ به غيرُها، وشُدِّد في تركها ما لم يُشدَّد في ترك غيرها من الصلوات المفروضات، والأدلة على ذلك متكاثرة من نصوص الكتاب والسنة.
وقد كانت الفتوى من بداية الحرب وتسلُّط أعداء الله اليهود على المساجد والمصلين= على الترخيص في التخلف عنها؛ للعذر القائم، ولأن الشريعة ما جاءت بما يُحْرج العباد ويضيِّق عليهم.
ثم منَّ الله بالفرج علينا في غزة بعد الضيق والخوف، وشرعت المساجد والمصلَّيات تفتح أبوابها بحمد الله بعد انقطاع كثير منها، وهي إنما بُنيت أصالة من أجل إقامة شعائر الله، وأعظمها وأجلها: الصلاة، وأعظمها: الجمعة.
فاحرصوا يا عباد على شهود الصلوات، واعلموا أنه لا عذر لأحد اليوم في التخلف عن الجمعة، فإنها فريضة من فرائض الله تعالى لا يسع المكلَّف التخلفُ عنها.
أما الجمع بين الصلوات فقد أفتى به بعض أهل العلم بسبب الخوف المعتبر، واليوم ذهب الخوف بفضل الله، فلا يجوز الجمع لهذا السبب الآن، ويجوز لغيره، كالمطر والمرض وغيرهما بالشروط المعتبرة شرعا، والله أعلم.
نسأل الله أن ينشر على بلادنا الأمن والسكينة، ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، اللهم آمين.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن صلاة الجمعة من الشعائر العظيمة التي جاء في تعظيمها ما لم يأت في غيرها، وخُصَّت بما لم يُخصَّ به غيرُها، وشُدِّد في تركها ما لم يُشدَّد في ترك غيرها من الصلوات المفروضات، والأدلة على ذلك متكاثرة من نصوص الكتاب والسنة.
وقد كانت الفتوى من بداية الحرب وتسلُّط أعداء الله اليهود على المساجد والمصلين= على الترخيص في التخلف عنها؛ للعذر القائم، ولأن الشريعة ما جاءت بما يُحْرج العباد ويضيِّق عليهم.
ثم منَّ الله بالفرج علينا في غزة بعد الضيق والخوف، وشرعت المساجد والمصلَّيات تفتح أبوابها بحمد الله بعد انقطاع كثير منها، وهي إنما بُنيت أصالة من أجل إقامة شعائر الله، وأعظمها وأجلها: الصلاة، وأعظمها: الجمعة.
فاحرصوا يا عباد على شهود الصلوات، واعلموا أنه لا عذر لأحد اليوم في التخلف عن الجمعة، فإنها فريضة من فرائض الله تعالى لا يسع المكلَّف التخلفُ عنها.
أما الجمع بين الصلوات فقد أفتى به بعض أهل العلم بسبب الخوف المعتبر، واليوم ذهب الخوف بفضل الله، فلا يجوز الجمع لهذا السبب الآن، ويجوز لغيره، كالمطر والمرض وغيرهما بالشروط المعتبرة شرعا، والله أعلم.
نسأل الله أن ينشر على بلادنا الأمن والسكينة، ويعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، اللهم آمين.
من مقروءاتي في الحرب [31-35]
("دانَشْمَنْد" وأخواتها: "الحَدَقي"، و"الشَّيباني"، و"حَجَر الأرض"، و"في ضيافة كتائب القَذَّافي"
لأحمد فال الدِّين)
أحمد فال "راوٍ من صحراء الملثَّمين، يحترف الصحافة ويهوى الأدب، ومهتم بتاريخ الأفكار"، عرفتُه من برنامج (أسمار وأفكار)، وهو من أثرى البرامج الثقافية والمعرفية التي تستحق المتابعة، ولنا إليه عودة إن شاء الله.
بدأ الكاتب مشوراره بــ "ضيافة الكتائب- 2011"، وهي مذكرات روائية عن قصة اختطاف فريق الجزيرة (أحمد فال وصاحبيه) أثناء تسللهم إلى ليبيا عبر الحدود التونسية لتغطية أحداث الثورة الليبية سنة 2011.
تسبح بك الرواية في عالم السجون وأقبية التحقيق القذَّافية في سرد ممتع ولغة أنيقة آسرة.
والكلام عن الأنظمة شيء والكلام عن نظام القذافي شيء آخر مختلف تماما. كل شيء هنا استثنائي.
شدَّني فيها حديث الكاتب عن مقابلته مع شبكة الجزيرة حين تقدم للوظيفة، وكان في اللجنة الأستاذان وضاح خنفر وعارف حِجَّاوي، وجرى فيها حديث ونقاش ثريٌّ عن المتنبي وشاعريته.
أمَّا "الحَدَقي- 2018" فهي رواية تاريخية عن فاتق النثر العربي، أبي عثمان الجاحظ. وللكاتب به تعلُّقٌ وأُنس.
فكرة الرواية تدور حول تقديم سيرة الجاحظ في عمل روائي؛ ذلك أن الكتابات عن أبي عثمان كثيرة، وتقديم سيرته في قالب روائي يحييها في أوساط لا جلد لها على قراءة الكتب.
تتنقل بك الرواية بين خِصاص البصرة وشوارع الدوحة؛ إذ يتقاسمها شخصان: الجاحظ البصري، ومحمد القَرَوي (المدقق اللغوي في قناة العُروبة، وهو شخصية متخيَّلة).
وفي الرواية مدخل تاريخي مهم عن العصر العباسي الأول الذي جرت فيه الأحداث، وفيها طرف من أخبار الخليل والعَلَّاف والنَّظَّام وابن هارون، ومناظرات المعتزلة، ونوادر البخلاء، وأسرار النفوس، وفلسفة العشق والجمال.
و(الحَدَقي) مأخوذة من حدقة العين، وهو لقب غير مشهور للجاحظ، وفي وصفه بذلك قصة طريفة تجدها في تضاعيف الرواية.
ثم جاءت "الشيباني- 2019"، وهي رواية متخيَّلة تدور أحداثها بين صحراء موريتانيا، وأحياء الدوحة حيث يعمل أحمد في قناة الجزيرة.
في الرواية لمحات عن تاريخ موريتانيا والحياة العلمية والاجتماعية فيها، ويتخلل ذلك حديث ضافٍ عن المحاظر هناك، واحاتِ العلم في ربوع الصحراء، وطبيعة الدراسة والتدريس والحياة في تلك الربوع.
وفيها محاورات ومناقشات عن المكتبة والتصوف والسياسة والحضارة والاستبداد بطريقة قصصية في غاية الإمتاع.
ثم أمتعنا الكاتب بــ "حجر الأرض.. صراع الحُماة والغُزاة في أفغانستان- 2021".
كتابة تاريخية مَلْحمية قدمها في قالب قصصي روائي بديع لا ترفع عينيك عنه حتى تأتي على آخره.
جال الكاتب جولة تاريخية عابرة عن أرض البطولات، ثم انصب حديثه عن الفترة التي وُلدت فيها حركة طالبان وقادها الـمُلَّا عمر، مرورا بأحداث سبتمبر وتداعياتها وتآمر الطغاة على أفغانستان، وانتهاء برجوع طالبان إلى كابل بعد عشرين سنة من الصبر والجهاد والتضحيات الجسام والأيام الغر المحجَّلات في تاريخ أمتنا.
أما (حجر الأرض) فهي كلمة وَصف بها أحدُ قادة الدولة العباسية أبا مسلم الخُراساني، باني دولة بني العباس، "ذا الشأن العجيب والنبأ الغريب". استعار الكاتب هذا الوصف للقائد المجاهد الملا عمر الذي يدور حوله هذا العمل، وذكر فصولا يُخْضَع لها في سيرته وجهاده وشجاعته وزهده.
هذه الصفحات مُتْرعة بالحديث عن الأمجاد والبطولات والعزة والثبات والتضحيات، وهل كانت جبال الهندكوش إلا محضنا لأولئك؟!
وآخر ما أتحفنا به الكاتب الروائي المبدع "دانَشْمَنْد- 2023" التي صدرت بعد شهرين من بدء الحرب على غزة، ولم يُتح لي الوقوف علها إلا قبل شهرين تقريبا.
"دانشمند" رواية عن شخصية جدلية آسرة في تاريخنا وتراثنا، وهو الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله.
عرض الجاحظ وأبي حامد وأضرابهما بطريقة أدبية روائية عمل عظيم فريد شيق ممتع مفيد. والرواية اليوم ديوان العصر كما يقولون.
الجهد المبذول في الرواية ظاهر لا تخطئه صفحة من صفحاتها، فقد جرد الكاتب تراث الغزالي كلَّه وكثيرا مما يتصل به ليستخرج لك هذه السردية المتشابكة المتناغمة عن عصر يشبه هذا العصر الذي نحن فيه، من جهة الاختلاف السياسي والمذهبي، وضعف الأمة وتفرقها وغزوها من الصليبيين، ومكر الحشاشين والباطنيين الزنادقة بأهل الإسلام.
فهي رواية تستنطق حاضرنا وواقعنا الذي نعيش.
وفيها من أخبار الناس، وأحوال البلدان، وجميل المباحثات العقلية والكلامية والفلسفية المتسقة مع طبيعة الرواية= ما تطرب له النفوس.
وفيها فصول ممتعة من أخبار الوزير الكبير نظام الـمُلك باني المدارس العلمية في حواضر الإسلام التي كان لها أثر عظيم في نهضة الأمة وحضارتها.
("دانَشْمَنْد" وأخواتها: "الحَدَقي"، و"الشَّيباني"، و"حَجَر الأرض"، و"في ضيافة كتائب القَذَّافي"
لأحمد فال الدِّين)
أحمد فال "راوٍ من صحراء الملثَّمين، يحترف الصحافة ويهوى الأدب، ومهتم بتاريخ الأفكار"، عرفتُه من برنامج (أسمار وأفكار)، وهو من أثرى البرامج الثقافية والمعرفية التي تستحق المتابعة، ولنا إليه عودة إن شاء الله.
بدأ الكاتب مشوراره بــ "ضيافة الكتائب- 2011"، وهي مذكرات روائية عن قصة اختطاف فريق الجزيرة (أحمد فال وصاحبيه) أثناء تسللهم إلى ليبيا عبر الحدود التونسية لتغطية أحداث الثورة الليبية سنة 2011.
تسبح بك الرواية في عالم السجون وأقبية التحقيق القذَّافية في سرد ممتع ولغة أنيقة آسرة.
والكلام عن الأنظمة شيء والكلام عن نظام القذافي شيء آخر مختلف تماما. كل شيء هنا استثنائي.
شدَّني فيها حديث الكاتب عن مقابلته مع شبكة الجزيرة حين تقدم للوظيفة، وكان في اللجنة الأستاذان وضاح خنفر وعارف حِجَّاوي، وجرى فيها حديث ونقاش ثريٌّ عن المتنبي وشاعريته.
أمَّا "الحَدَقي- 2018" فهي رواية تاريخية عن فاتق النثر العربي، أبي عثمان الجاحظ. وللكاتب به تعلُّقٌ وأُنس.
فكرة الرواية تدور حول تقديم سيرة الجاحظ في عمل روائي؛ ذلك أن الكتابات عن أبي عثمان كثيرة، وتقديم سيرته في قالب روائي يحييها في أوساط لا جلد لها على قراءة الكتب.
تتنقل بك الرواية بين خِصاص البصرة وشوارع الدوحة؛ إذ يتقاسمها شخصان: الجاحظ البصري، ومحمد القَرَوي (المدقق اللغوي في قناة العُروبة، وهو شخصية متخيَّلة).
وفي الرواية مدخل تاريخي مهم عن العصر العباسي الأول الذي جرت فيه الأحداث، وفيها طرف من أخبار الخليل والعَلَّاف والنَّظَّام وابن هارون، ومناظرات المعتزلة، ونوادر البخلاء، وأسرار النفوس، وفلسفة العشق والجمال.
و(الحَدَقي) مأخوذة من حدقة العين، وهو لقب غير مشهور للجاحظ، وفي وصفه بذلك قصة طريفة تجدها في تضاعيف الرواية.
ثم جاءت "الشيباني- 2019"، وهي رواية متخيَّلة تدور أحداثها بين صحراء موريتانيا، وأحياء الدوحة حيث يعمل أحمد في قناة الجزيرة.
في الرواية لمحات عن تاريخ موريتانيا والحياة العلمية والاجتماعية فيها، ويتخلل ذلك حديث ضافٍ عن المحاظر هناك، واحاتِ العلم في ربوع الصحراء، وطبيعة الدراسة والتدريس والحياة في تلك الربوع.
وفيها محاورات ومناقشات عن المكتبة والتصوف والسياسة والحضارة والاستبداد بطريقة قصصية في غاية الإمتاع.
ثم أمتعنا الكاتب بــ "حجر الأرض.. صراع الحُماة والغُزاة في أفغانستان- 2021".
كتابة تاريخية مَلْحمية قدمها في قالب قصصي روائي بديع لا ترفع عينيك عنه حتى تأتي على آخره.
جال الكاتب جولة تاريخية عابرة عن أرض البطولات، ثم انصب حديثه عن الفترة التي وُلدت فيها حركة طالبان وقادها الـمُلَّا عمر، مرورا بأحداث سبتمبر وتداعياتها وتآمر الطغاة على أفغانستان، وانتهاء برجوع طالبان إلى كابل بعد عشرين سنة من الصبر والجهاد والتضحيات الجسام والأيام الغر المحجَّلات في تاريخ أمتنا.
أما (حجر الأرض) فهي كلمة وَصف بها أحدُ قادة الدولة العباسية أبا مسلم الخُراساني، باني دولة بني العباس، "ذا الشأن العجيب والنبأ الغريب". استعار الكاتب هذا الوصف للقائد المجاهد الملا عمر الذي يدور حوله هذا العمل، وذكر فصولا يُخْضَع لها في سيرته وجهاده وشجاعته وزهده.
هذه الصفحات مُتْرعة بالحديث عن الأمجاد والبطولات والعزة والثبات والتضحيات، وهل كانت جبال الهندكوش إلا محضنا لأولئك؟!
وآخر ما أتحفنا به الكاتب الروائي المبدع "دانَشْمَنْد- 2023" التي صدرت بعد شهرين من بدء الحرب على غزة، ولم يُتح لي الوقوف علها إلا قبل شهرين تقريبا.
"دانشمند" رواية عن شخصية جدلية آسرة في تاريخنا وتراثنا، وهو الإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله.
عرض الجاحظ وأبي حامد وأضرابهما بطريقة أدبية روائية عمل عظيم فريد شيق ممتع مفيد. والرواية اليوم ديوان العصر كما يقولون.
الجهد المبذول في الرواية ظاهر لا تخطئه صفحة من صفحاتها، فقد جرد الكاتب تراث الغزالي كلَّه وكثيرا مما يتصل به ليستخرج لك هذه السردية المتشابكة المتناغمة عن عصر يشبه هذا العصر الذي نحن فيه، من جهة الاختلاف السياسي والمذهبي، وضعف الأمة وتفرقها وغزوها من الصليبيين، ومكر الحشاشين والباطنيين الزنادقة بأهل الإسلام.
فهي رواية تستنطق حاضرنا وواقعنا الذي نعيش.
وفيها من أخبار الناس، وأحوال البلدان، وجميل المباحثات العقلية والكلامية والفلسفية المتسقة مع طبيعة الرواية= ما تطرب له النفوس.
وفيها فصول ممتعة من أخبار الوزير الكبير نظام الـمُلك باني المدارس العلمية في حواضر الإسلام التي كان لها أثر عظيم في نهضة الأمة وحضارتها.
و(دانشمند) لقبٌ كان يلقب به الغزالي في صغره، ويعني بالفارسية: الأستاذ الكبير الماهر. فاستعاره الكاتب عنوانا لروايته، وهو لعَمري من ضُروب الإبداع.
وهذا آخر الكلام على هذه الروايات، وقد آثرت الاختصار وعدم التطويل خشيىة الإملال، وأعتذر عما قد يقع من إخلال؛ فإني أكتب عنها من رؤوس أقلام بعد شهور من قراءة أكثرها. وهي روايات اجتمع فيها جمال اللغة، وروعة الخيال، وحبكة السرد، وتلك أركان الرواية.
أتمنى لكم قراءة مفيدة ممتعة.
بسام بن خليل الصفدي
الجمعة 24 رجب
https://www.tgoop.com/DBasam
وهذا آخر الكلام على هذه الروايات، وقد آثرت الاختصار وعدم التطويل خشيىة الإملال، وأعتذر عما قد يقع من إخلال؛ فإني أكتب عنها من رؤوس أقلام بعد شهور من قراءة أكثرها. وهي روايات اجتمع فيها جمال اللغة، وروعة الخيال، وحبكة السرد، وتلك أركان الرواية.
أتمنى لكم قراءة مفيدة ممتعة.
بسام بن خليل الصفدي
الجمعة 24 رجب
https://www.tgoop.com/DBasam
Telegram
بسام بن خليل الصفدي
قناة تشتمل على دروس وشروحات وفوائد ومقالات ومنشورات وملخصات.
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot
وتجدون في هذا البوت غالب السلاسل والشروح العلمية 👇https://www.tgoop.com/drosdrBbot