DRHAKEM Telegram 12951
🔹 والقرآن معجز في لفظه ورسمه معا، وكلاهما توقيف من الشارع، فاللفظ أُخذ سماعا من فم رسول الله ﷺ كما سمعه من جبريل، والرسم كتب بين يديه، وبإقراره، وتحت بصره، كما نقش في قلبه، فالقرآن كتاب مسطور في اللوح المحفوظ، قبل أن ينزل منجما مقروءا، ومن تدبر فروق الرسم القرآني؛ وجد أنه لا يرجع إلى ما اعتاده العرب من الكتابة والخط -إذ القاعدة المعهودة تقتضي توحيد رسمه وهم ما لم يحدث- بل كما أن لفظه غير معهود لهم، مع أنه مثل كلامهم، فكذلك رسمه وكتابته، وقد سبق أن أشرت سابقا إلى بعض ذلك في بعض الفتاوى، وهذا النمط منها فقد أثبتت ياء المتكلم في سورة الزمر في موضع، وحذفت في موضع، واختلف في موضع والأشهر حذفها.
فالخط القرآني فريد في جنسه كتابةً ورسما، كما القرآن فريد في جنسه لفظا وكلاما، فلا يشبه كلام العرب المنظوم كالشعر الذي افتنّوا فيه، ولا المنثور كالخطب التي اشتهروا بها، ولهذا كُتب القرآن على وجه خاص؛ لأنه كلام إلهي خاص، بخلاف رسائل النبي ﷺ التي كتبت على النحو المعهود للخط آنذاك.
وتدبر الرسم القرآني كتدبر اللفظ القرآني، فالقرآن نزل كتابا يُقرأ، وكلاما يتلى ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته﴾[ص:٢٩]، ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه﴾[البقرة:٢]، فهو كتاب مقروء قبل أن يكون كلاما متلوا، وأول ما نزل منه على النبي ﷺ الأمر بقراءته ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾[العلق:١]، والقراءة إنما تكون لكتاب.
ولهذا السبب -وهو كون القرآن نزل كتاباً يُقرأ من اللوح المحفوظ ﴿وكتاب مسطور . في رق منشور﴾ [الطور:٢ - ٣]، قبل أن يكون كلاما يحفظ في الصدور- كان النبي ﷺ يأمر كتاب الوحي بكتابته مباشرة بين يديه بعد نزول أي شيء منه عليه ﷺ؛ لأنه نزل ليكون كتابا يُقرأ في السطور، لا كلاما يتلى ويحفظ فقط في الصدور، مما يؤكد أن الرسم القرآني كاللفظ القرآني من حيث الإعجاز والفرادة، وأنه لم يلتزم فيه الخط العربي المعهود، بل التزم فيه بالرسم المسطور في اللوح المحفوظ، وقد ورود رسم لفظ (شيء) أكثر من ٢٠٠ مرة على رسم واحد، إلا في موضع واحد فقط رسم على نحو مختلف تماما ﴿ولا تقولن لشاىء إني فاعل ذلك غدا﴾؛ فلا يتصور أنهم كتبوا لفظ ﴿لشاىء﴾ على هذا النحو المختلف اجتهادا من عند أنفسهم! أو لأنه لم تتقرر عندهم قاعدة للكتابة! بينما كتبوه أكثر من مئتي مرة على طريقة واحدة مما يؤكد تقرر القاعدة عندهم، فعلم يقينا أنه أمر توقيفي لا شأن لهم به، وأنهم إنما كتبوه بين يدي النبي ﷺ على النحو الذي نزل، كما قال تعالى: ﴿إنه لقرآن كريم . في كتاب مكنون﴾[الواقعة:٧٧ - ٧٨]، ﴿بل هو قرآن مجيد . في لوح محفوظ﴾[البروج: ٢١ -٢٢]، فإعجاز القرآن كتابةً ورسمًا، كإعجازه قراءةً ونظمًا.

🔹 والقرآن شأنه كله عظيم، ونبأ عظيم، وبلغ من عظمته أن الله تكفل لرسوله ﷺ بإقرائه إياه وحفظه له وجمعه وبيانه ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه﴾، وكان جبريل ينزل ليدارس النبي ﷺ القرآن في رمضان كل ليلة كما في الصحيحين.

🔹وهناك مراعاة في الرسم والخط للمعاني على خلاف ما تقتضي قواعد النحو والخط -وقد سبق الإشارة إليه في غير هذا الكتاب- كما في قوله تعالى: ﴿ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا﴾[الإسراء:١١] في دعائه فناسب العجلة الحذفُ للواو في يدعو مع عدم وجود ما يقتضي حذفها نحويا.
ومثله: ﴿ويمح الله الباطل﴾[الشورى:٢٤] فيه معنى الإسراع في العقوبة وعدم تأخرها، وسرعة محو الله للباطل، وإحقاقه للحق، وقيل معطوف على ﴿يختمْ على قلبك﴾ ولا يصح، بل هي منقطعة مرفوعة.
وكذا: ﴿يوم يدعُ الداع﴾[القمر:٦] روعي في الحذف معنى فجأة النفخ في الصور، وسرعة الخروج من الأجداث، وتتابع الأحداث على نحو يتناسب معه الحذف خطا، ليستحضر القارئ ما يستحضره السامع من سرعة وقوع الأحداث فيه!
وكذا ﴿فليدع ناديه. سندعُ الزبانية﴾[العلق:١٧ - ١٨] فيه معنى الإسراع بالعقوبة لو دعا ناديه، وقرب العذاب؛ فناسبه حذف الواو مع ما فيه من معنى الجزاء.
فالقرآن كلام الله المعجز في لفظه، ونظمه، ومعناه، ومضمونه، وخطه، ورسمه، وقراءاته، وكل ذلك توقيفي، وتدبر ذلك كله مما أمر الله به ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾[محمد:٢٤]!
وقد وصف الله القرآن بأنه ﴿كتاب أنزلناه إليك﴾[ص:٢٩] وبأنه مسطور وبأنه ﴿آيات الكتاب وقرآن مبين﴾[الحجر:١] وهو كذلك في اللوح المحفوظ فكتابته كقراءته محفوظة مقصودة في الإعجاز والتحدي والتدبر.

🔹 وحذف الياء في (يا عباد) قيل أنه من باب مجاراة العرب في أساليبهم وحذفهم عند النداء الإضافة إلى ياء المتكلم وهو كثير في لغتهم، فأثبتها القرآن خطا تارة، وحذفها تارة، وأثبتها بالإسكان نطقا تارة، وفتحا تارة، وكل ذلك موافقا لأساليب العرب الذين نزل القرآن معجزا لهم.



tgoop.com/DrHAKEM/12951
Create:
Last Update:

🔹 والقرآن معجز في لفظه ورسمه معا، وكلاهما توقيف من الشارع، فاللفظ أُخذ سماعا من فم رسول الله ﷺ كما سمعه من جبريل، والرسم كتب بين يديه، وبإقراره، وتحت بصره، كما نقش في قلبه، فالقرآن كتاب مسطور في اللوح المحفوظ، قبل أن ينزل منجما مقروءا، ومن تدبر فروق الرسم القرآني؛ وجد أنه لا يرجع إلى ما اعتاده العرب من الكتابة والخط -إذ القاعدة المعهودة تقتضي توحيد رسمه وهم ما لم يحدث- بل كما أن لفظه غير معهود لهم، مع أنه مثل كلامهم، فكذلك رسمه وكتابته، وقد سبق أن أشرت سابقا إلى بعض ذلك في بعض الفتاوى، وهذا النمط منها فقد أثبتت ياء المتكلم في سورة الزمر في موضع، وحذفت في موضع، واختلف في موضع والأشهر حذفها.
فالخط القرآني فريد في جنسه كتابةً ورسما، كما القرآن فريد في جنسه لفظا وكلاما، فلا يشبه كلام العرب المنظوم كالشعر الذي افتنّوا فيه، ولا المنثور كالخطب التي اشتهروا بها، ولهذا كُتب القرآن على وجه خاص؛ لأنه كلام إلهي خاص، بخلاف رسائل النبي ﷺ التي كتبت على النحو المعهود للخط آنذاك.
وتدبر الرسم القرآني كتدبر اللفظ القرآني، فالقرآن نزل كتابا يُقرأ، وكلاما يتلى ﴿كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته﴾[ص:٢٩]، ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه﴾[البقرة:٢]، فهو كتاب مقروء قبل أن يكون كلاما متلوا، وأول ما نزل منه على النبي ﷺ الأمر بقراءته ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق﴾[العلق:١]، والقراءة إنما تكون لكتاب.
ولهذا السبب -وهو كون القرآن نزل كتاباً يُقرأ من اللوح المحفوظ ﴿وكتاب مسطور . في رق منشور﴾ [الطور:٢ - ٣]، قبل أن يكون كلاما يحفظ في الصدور- كان النبي ﷺ يأمر كتاب الوحي بكتابته مباشرة بين يديه بعد نزول أي شيء منه عليه ﷺ؛ لأنه نزل ليكون كتابا يُقرأ في السطور، لا كلاما يتلى ويحفظ فقط في الصدور، مما يؤكد أن الرسم القرآني كاللفظ القرآني من حيث الإعجاز والفرادة، وأنه لم يلتزم فيه الخط العربي المعهود، بل التزم فيه بالرسم المسطور في اللوح المحفوظ، وقد ورود رسم لفظ (شيء) أكثر من ٢٠٠ مرة على رسم واحد، إلا في موضع واحد فقط رسم على نحو مختلف تماما ﴿ولا تقولن لشاىء إني فاعل ذلك غدا﴾؛ فلا يتصور أنهم كتبوا لفظ ﴿لشاىء﴾ على هذا النحو المختلف اجتهادا من عند أنفسهم! أو لأنه لم تتقرر عندهم قاعدة للكتابة! بينما كتبوه أكثر من مئتي مرة على طريقة واحدة مما يؤكد تقرر القاعدة عندهم، فعلم يقينا أنه أمر توقيفي لا شأن لهم به، وأنهم إنما كتبوه بين يدي النبي ﷺ على النحو الذي نزل، كما قال تعالى: ﴿إنه لقرآن كريم . في كتاب مكنون﴾[الواقعة:٧٧ - ٧٨]، ﴿بل هو قرآن مجيد . في لوح محفوظ﴾[البروج: ٢١ -٢٢]، فإعجاز القرآن كتابةً ورسمًا، كإعجازه قراءةً ونظمًا.

🔹 والقرآن شأنه كله عظيم، ونبأ عظيم، وبلغ من عظمته أن الله تكفل لرسوله ﷺ بإقرائه إياه وحفظه له وجمعه وبيانه ﴿لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه. ثم إن علينا بيانه﴾، وكان جبريل ينزل ليدارس النبي ﷺ القرآن في رمضان كل ليلة كما في الصحيحين.

🔹وهناك مراعاة في الرسم والخط للمعاني على خلاف ما تقتضي قواعد النحو والخط -وقد سبق الإشارة إليه في غير هذا الكتاب- كما في قوله تعالى: ﴿ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا﴾[الإسراء:١١] في دعائه فناسب العجلة الحذفُ للواو في يدعو مع عدم وجود ما يقتضي حذفها نحويا.
ومثله: ﴿ويمح الله الباطل﴾[الشورى:٢٤] فيه معنى الإسراع في العقوبة وعدم تأخرها، وسرعة محو الله للباطل، وإحقاقه للحق، وقيل معطوف على ﴿يختمْ على قلبك﴾ ولا يصح، بل هي منقطعة مرفوعة.
وكذا: ﴿يوم يدعُ الداع﴾[القمر:٦] روعي في الحذف معنى فجأة النفخ في الصور، وسرعة الخروج من الأجداث، وتتابع الأحداث على نحو يتناسب معه الحذف خطا، ليستحضر القارئ ما يستحضره السامع من سرعة وقوع الأحداث فيه!
وكذا ﴿فليدع ناديه. سندعُ الزبانية﴾[العلق:١٧ - ١٨] فيه معنى الإسراع بالعقوبة لو دعا ناديه، وقرب العذاب؛ فناسبه حذف الواو مع ما فيه من معنى الجزاء.
فالقرآن كلام الله المعجز في لفظه، ونظمه، ومعناه، ومضمونه، وخطه، ورسمه، وقراءاته، وكل ذلك توقيفي، وتدبر ذلك كله مما أمر الله به ﴿أفلا يتدبرون القرآن﴾[محمد:٢٤]!
وقد وصف الله القرآن بأنه ﴿كتاب أنزلناه إليك﴾[ص:٢٩] وبأنه مسطور وبأنه ﴿آيات الكتاب وقرآن مبين﴾[الحجر:١] وهو كذلك في اللوح المحفوظ فكتابته كقراءته محفوظة مقصودة في الإعجاز والتحدي والتدبر.

🔹 وحذف الياء في (يا عباد) قيل أنه من باب مجاراة العرب في أساليبهم وحذفهم عند النداء الإضافة إلى ياء المتكلم وهو كثير في لغتهم، فأثبتها القرآن خطا تارة، وحذفها تارة، وأثبتها بالإسكان نطقا تارة، وفتحا تارة، وكل ذلك موافقا لأساليب العرب الذين نزل القرآن معجزا لهم.

BY قناة أ.د. حاكم المطيري


Share with your friend now:
tgoop.com/DrHAKEM/12951

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Add the logo from your device. Adjust the visible area of your image. Congratulations! Now your Telegram channel has a face Click “Save”.! Administrators 6How to manage your Telegram channel? A new window will come up. Enter your channel name and bio. (See the character limits above.) Click “Create.” To edit your name or bio, click the Menu icon and select “Manage Channel.”
from us


Telegram قناة أ.د. حاكم المطيري
FROM American