tgoop.com/DrHAKEM/12952
Last Update:
🔹 وقيل بل حذفت الياء هنا للاستغناء عنها لما تقرر من كون المخاطبين وهم المؤمنون عباد الله بلا ريب بإيمانهم وإقرارهم، فلا حاجة لإثباتها في هذا الموطن، بينما أثبتت الياء في آية ﴿يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله﴾[الزمر:٥٣]؛ لأن الخطاب عام لكل إنسان، والمراد فيها أصلا المسرفون وهم غير المؤمنين، الذين لم يدخلوا باختيارهم في عبودية الله وحده، فذكرهم بإضافتهم إليه (عبادي) تذكيرا لهم بأنه ربهم الرحيم بهم، وتوددا وتألفا لهم.
🔹 والذي يظهر -والله أعلم- أن حذفها في المواضع كلها جاء مراعاة للمعنى، وذلك أنها جاءت في سياق الأمر بالتقوى وما يقتضيه من سرعة الاستجابة، فقال: ﴿يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم﴾، وقال: ﴿يا عباد فاتقون﴾، بينما قال في العبادة ﴿يا عبادي .. فإياي فاعبدون﴾، والعبادة تحتاج عملا، وتقتضي قدرة واستطاعة، وتستغرق زمنا، بينما التقوى كف وترك واجتناب للشرك والمعاصي، وكما في الحديث: (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فانتهوا) فورا، إذ لا يحتاج اجتناب المنهيات إلى فعل وزمن وجهد، بل تصميم وعزم، وعدم الفعل المنهي عنه فورا، فناسب حذفها فيما كان النداء فيه يقتضي السرعة والمبادرة.
وكذا حذفها في آية الزخرف ﴿إلا المتقين. يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون﴾ روعي في حذفها معنى سرعة البشارة للمتقين بالنجاة من أهوال يوم القيامة.
🔹 وقد وعد الله المؤمنين المستضعفين بمكة، والمهاجرين إلى الحبشة بالحسنة ﴿للذين أحسنوا﴾ بإيمانهم وصبرهم على ما تعرضوا له من الفتنة في الدين والهجرة في سبيل الله ﴿في هذه الدنيا حسنة﴾، وهي النصر والظهور والاستخلاف الذي وعدهم الله إياه في الدنيا، كما في قوله تعالى: ﴿والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون﴾ [النحل: ٤١].
وهو ما تحقق لهم فعلا، فلم يمض على هجرتهم بضع سنوات حتى بوّأهم الله في الأرض دارا حسنة، فسادوا جزيرة العرب، ثم فارس والروم والأرض كلها!
وكان عمر -رضي الله عنه- إذا أعطى أحدا من المهاجرين عطاءه، قال خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ادخر لك في الآخرة أفضل، ثم قرأ الآية من سورة النحل.
وإذا كانت هذه حسنة الدنيا، فكيف ستكون حسنة الآخرة يوم القيامة!
🔹 ثم رغبهم الله بالهجرة وآنسهم وهون عليهم ما فيها من مشقة على النفس فقال: ﴿وأرض الله واسعة﴾، فالأرض كل الأرض لله وحده، فلا تضيق على المؤمن أبدا، وكما قال الأول:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها
ولكن أخلاق الرجال تضيقُ
فحيث خشي المؤمن الفتنة على نفسه ودينه وعرضه فقد جعل الله الأرض كلها وطنا له، يعبده حيثما رحل وحل ونزل، ولا تقتصر عبادته سبحانه على مكة والبيت الحرام، بل كل الأرض لله، وحيثما توجه المؤمن فثم وجه الله، ثم بشرهم الله كذلك بحسنة الآخرة ﴿إنما يوفى الصابرون﴾ المهاجرون في سبيل الله ثباتا على دينهم ﴿أجرهم بغير حساب﴾ إذ وعدهم الجنة وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فهي فوق الوصف الذي تبلغ عقولهم كنهه وحقيقته، ولهذا فأجرهم لا يحصر بحساب وعد، ولا بوصف ونعت، فهو أجر غير معدود، ولا محدود.
🔹 وكل عبادة فقد كتب الله فيها الحسنة، وعشر أضعافها، إلى سبع مئة ضعف، إلا الصبر فإنه لم يجعل له حسابا محصورا، لأن الصبر عبادة النفس، كل الوقت، بالتسليم لله وأمره، وقضائه وقدره، والرضا به.
🔹 وقد جاء هنا باسم الموصول (الذين أحسنوا)، وبأل الداخلة على الوصف (الصابرون)، ليعم الوعد كل من اتصف بالإحسان والصبر، كما اتصف به المهاجرون الأولون بمكة، فلم يخصهم الله بالحسنة في الدنيا، ولا بالأجر بلا حساب في الآخرة، بل عمهم في الحكم وغيرهم ممن فعل فعلهم.
🔹 وفي خطاب الله للمؤمنين المستضعفين وأمره لهم بالتقوى، ووعدهم بالحسنى، إشارة إلى أن إيثارهم أوطانهم وأهليهم وأموالهم وعشيرتهم على دينهم ينافي حقيقة الإيمان، وهو ما يوجب الاتقاء والاجتناب، ولهذا أوجب الله عليهم جميعا الهجرة بعد ذلك إلى المدينة، بعد أن كانت جائزة مشروعة إلى الحبشة، ونزل قوله تعالى: ﴿إن الذين توفاهم الملآئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولـئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا﴾ [النساء: ٩٧]، ثم نسخ الله وجوب الهجرة بعد فتح مكة، وظهور الإسلام، وبقيت الهجرة مشروعة لكل من خاف على دينه ونفسه.
#تدبر
📎مجموع النظرات
https://tinyurl.com/542d9uef
﹎﹎﹎﹎﹎
@DrHAKEM
BY قناة أ.د. حاكم المطيري
Share with your friend now:
tgoop.com/DrHAKEM/12952