tgoop.com/DrHAKEM/12960
Last Update:
🔹 وقد خصّ الله عباده المنيبين التائبين العائدين إليه بالبشارة ﴿لهم البشرى﴾ وحدهم لا لغيرهم، وتعريف البشرى هنا أفاد أنها البشرى التي تحقق فيها معنى البشارة على أكمل وجه، وأتم وصف، حتى كأنها وحدها البشرى، ولا بشرى سواها، وهي بشرى عامة شاملة ﴿لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾[يونس:٦٤]، ففي الدنيا جنة للمؤمنين قبل جنة الآخرة، فمن البشرى: الرؤيا الطيبة حالا ومشاهدة بالذكر الحسن الجميل بين المؤمنين (تلك عاجل بشرى المؤمن)، فالرؤيا الصادقة مناما كالرؤيا الطيبة يقظة كما في الصحيح: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات. الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له).
ومن البشرى: الأجر الحسن الكبير من ربهم ﴿ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا﴾ [الإسراء:٩] و﴿أجرا حسنا . ماكثين فيه أبدا﴾ [الكهف:٢ - ٣]، والمغفرة للذنوب والستر للعيوب والتجاوز عن السيئات ﴿من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم﴾ [يس:١١]، وولاية الله للمؤمنين في الدنيا والآخرة ﴿وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة﴾ [فصلت:٣٠ - ٣١].
فلا تزال البشرى تسرهم منذ دخول الإيمان في قلوبهم حتى يدخلوا جنة ربهم ﴿فبشر عباد﴾ بها، فهم المخصوصون وحدهم بالبشرى، وهي الحياة الطيبة لهم في الدنيا بالاستخلاف في الأرض، والظهور على الأمم، والنصر على العدو، والفوز بالجنة في الآخرة، وذلك أنهم وحدهم عباد الله الذين أخلصوا له الدين، فاستحقوا هذا الفضل العظيم.
🔹 ثم ذكر أبرز صفاتهم وأنهم ﴿الذين يستمعون القول﴾ وهو كلام الله والوحي الذي جاء به رسوله ﷺ، وكذا كل ما أوحى به الله قبله إلى جميع رسله، ﴿فيتبعون أحسنه﴾ وهو القرآن الذي جعله الله ناسخا لكل وحي، ومهيمنا على كل كتاب سماوي سابق، كما قال تعالى في السورة نفسها ﴿الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني﴾.
فجعل سبب فلاحهم وفوزهم في حسن الاستماع لكلام الله ورسوله، وحسن الاتباع له، إذ لا يتحقق الاهتداء إلى الحق والخير إلا بهما، فمن لم يستمع لما جاءت به الرسل، أو من استمع، ولم يتبع، فقد حيل بينه وبين الهداية وأسبابها.
🔹 وفي هذه الآية بشارة للنجاشي ملك الحبشة الذي آوى المهاجرين الأولين، وآمن حين عرض عليه جعفر بن أبي طالب الإسلام، وقرأ عليه سورة مريم، فقال: (إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة)، فاتبع أحسن ما أنزل الله على رسله، وكذا فيها دعوة لقومه إلى توحيد الله واتباع رسوله الخاتم محمد ﷺ، والقرآن الذي أنزله الله عليه، وهو أحسن حديث، وأعظم كتاب، وأكمل وحي، فإذا كانوا قد آمنوا بعيسى وكتابه الإنجيل، فقد جاءهم الرسول الذي بشر به عيسى، بالقرآن الذي هو أحسن كلام الله وأعظمه، كما في الحديث: (وإن خير الكلام كلام الله).
وكما قال تعالى في السورة نفسها ﴿واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم﴾ والمراد بالأحسن هو القرآن والإسلام فهما أكمل كتبه وشرائعه وأحبها إليه.
وكل ما أنزله الله هو الأحسن، وكله بالغ غاية الحسن فكما لله الأسماء الحسنى فله كذلك الحكم الأحسن، والكلام لأكمل، فكله حق وعدل وصدق.
🔹 وفي قوله تعالى: ﴿فيتبعون أحسنه﴾ إخبار عنهم يراد منه الأمر لهم، بخلاف ﴿واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم﴾ فهو أمر مباشر باتباع الأحسن بحسب حال كل مكلف، فالحسن في حال، قد يكون أحسن في حال، فيتفاوت الأمر به بين حسن وأحسن، بحسب تفاوت أحوال المحسنين.
🔹وفي ﴿فيتبعون أحسنه﴾ و ﴿واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم﴾ الأمر بالأخذ بالأكمل مما خير الله عباده به من الشرائع كتفضيل العفو على القصاص.
ويستفاد منهما أهمية معرفة درجات الواجبات لتقديم الأوجب والأحسن، ومعرفة درجات المستحبات لتقديم الأحب منها لله.
🔹 ثم جاء الثناء عليهم ﴿أولئك الذين هداهم الله﴾ للإيمان به، وإخلاص الدين له، واتباع رسوله ﷺ، ﴿وأولئك هم أولو الألباب﴾ الذين أدركوا بعقولهم التي وهبها الله لهم وجوب توحيده وعبادته وطاعته وحده لا شريك له، فهم وحدهم الذين خصهم الله بهدايته، وهم وحدهم أولو الألباب والعقول، دون غيرهم ممن كفروا وأعرضوا وأشركوا، فشهدوا على أنفسهم بأنه لا عقول لهم، إذ العقل يقضي ضرورة بأن لهذا الوجود خالقا، وأنه إله واحد لا شريك له في الخلق والملك، وأنه وحده الذي يجب عبادته وطاعته، فمن صرف شيئا منها لغير الله، فقد أزرى بنفسه وعقله.
🔹 وهنا جعلت الآية التوفيق للهداية من الله سبحانه، فهو الذي شرع سبيلها، وأوحى بها، ودل عليها، ووفق إليها، وجعل المحل القابل لها من عباده: أولي القلوب السليمة، والعقول الحكيمة، والفطرة المستقيمة، بينما يصرف عنها المتكبرين المتجبرين من الطغاة وأتباعهم؛ كما قال تعالى: ﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين﴾[الأعراف:١٤٦].
BY قناة أ.د. حاكم المطيري
Share with your friend now:
tgoop.com/DrHAKEM/12960