tgoop.com/DrHAKEM/13277
Last Update:
ما زلنا في #نظرات_قرآنية في #سورة_هود، والتي جاءت البشارات والرؤى الصادقة قبل الشروع فيها، بحدوث الفتوحات أثناء تفسيرها، والتي تحقق أولها بتحرير حلب وحماة وحمص ودمشق، ثم بتحرير غزة، وسيتوج النصر قبل الفراغ منها بإذن الله بفتح الفتوح، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله..
قال تعالى عن نوح عليه السلام مخاطبا قومه:
﴿وَيا قَومِ لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مالًا إِن أَجرِيَ إِلّا عَلَى اللَّهِ وَما أَنا بِطارِدِ الَّذينَ آمَنوا إِنَّهُم مُلاقو رَبِّهِم وَلكِنّي أَراكُم قَومًا تَجهَلونَ وَيا قَومِ مَن يَنصُرُني مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُهُم أَفَلا تَذَكَّرونَ وَلا أَقولُ لَكُم عِندي خَزائِنُ اللَّهِ وَلا أَعلَمُ الغَيبَ وَلا أَقولُ إِنّي مَلَكٌ وَلا أَقولُ لِلَّذينَ تَزدَري أَعيُنُكُم لَن يُؤتِيَهُمُ اللَّهُ خَيرًا اللَّهُ أَعلَمُ بِما في أَنفُسِهِم إِنّي إِذًا لَمِنَ الظّالِمينَ ﴾ [هود: ٢٩-٣١]
🔸 كما بينت السورة فيما سبق أثر الطغيان الاجتماعي، وأنه كان سبب رفض الملأ من قوم نوح عليه السلام لدعوته، فقالوا: ﴿وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا﴾[هود:٢٧]، ذكرت هنا أثر المال وحبه على نفوسهم، حتى صدهم عن الإيمان بالله، واتباع رسوله، وشدة أثر طغيان الحياة المادية على النفس البشرية، وأنهما من أسباب رفض المجتمعات الجاهلية -منذ ظهورها- لدعوة الرسل، والامتناع عن اتباعهم، وقد أدرك ذلك نوح عليه السلام، وهو أول رسول بعثه الله في الأمم، فقال: ﴿ويا قوم لا أسألكم عليه﴾ يعني على عمله ودعوته إياهم إلى الإيمان بالله، وتوحيده، وعبادته وحده لا شريك له، ولا يريد منهم عليه ﴿مالا﴾، فهم يستبعدون أن يكون نوح في دعوته إياهم، واشتغاله بها كل وقته ليلا ونهارا، كما قال الله عنه في سورة نوح: ﴿إني دعوت قومي ليلا ونهارا﴾[نوح:٥]، يعظهم، ويذكرهم، وينذرهم، يفعل ذلك كله لا يريد منهم جزاءً ولا شكورا، وبلا ثمن ولا جزاء يرجو نوح حصوله عليه باتباعهم إياه، من مال يصيبه منهم، فبين لهم أن ما يرجوه هو الثواب من الله ﴿إن أجري إلا على الله﴾ وحده، فلا أرجو شيئا منكم، إلا هدايتكم، وجزائي إنما هو على الله يوم القيامة، وكل عمل أخروي ديني لا يقبل إلا بهذا الشرط، وهو الإخلاص لله فيه، فلا يكون للعامل قصدٌ غيره، وإلا حبط عمله؛ ولهذا منع كثير من الأئمة أخذ الأجرة على الأعمال الدينية المتعدية بنفعها للخلق، كالأذان للصلوات، وتعليم القرآن، وإنما أجاز بعضهم أخذ الرزق عليها من بيت المال، لا على أنه أجرة عليها مقابل عمله، بل إعانة له، ليتفرغ للقيام به لمصلحة المسلمين، ويبقى عمله له، وأجره على الله.
🔸 وقال: ﴿وما أنا بطارد الذين آمنوا﴾ وهو أحد شروط الملأ من قوم نوح لاتباعه، حيث بلغ بهم طغيانهم الاجتماعي ازدراء نوح؛ لأنه اتبعه الأرذلون من الفقراء والضعفاء، وهو ما يمنعهم من اتباعه حتى يطردهم، كما قالوا: ﴿أنؤمن لك واتبعك الأرذلون﴾[الشعراء:١١١]، وعلل نوح امتناعه عن طردهم هنا بقوله: ﴿إنهم ملاقو ربهم﴾، وقال أيضا: ﴿وما علمي بما كانوا يعملون. إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون. وما أنا بطارد المؤمنين﴾[الشعراء:١١٢- ١١٤]، فالله الذي يحكم ويفصل بينكم وبينهم، وهو الذي هداهم إلى دينه بفضله، وصرفكم عن باب رحمته بعدله، فأمرهم ليس إلي ولا إليكم، بل إلى الله وحده الذي فضلهم بالإيمان عليكم، فهداهم وأضلكم، وآواهم وصرفكم، واصطفاهم وترككم، واجتباهم ونبذكم، فلا أستطيع منعهم لجلبكم، ولا طردهم لأجلكم!
ولقاء المستضعفين المؤمنين بربهم ﴿ملاقو ربهم﴾ يكون في الدنيا بالعبادة، والصلوات، والدعاء، حيث يناجون ربهم، وقد جاء في الصحيح أن العبد إذا قام يصلي: (فإن الله قِبل وجهه)، وفي الحديث الصحيح أيضا: (فإذا صليتم، فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته، ما لم يلتفت).
فلا يجرؤ نوح على منعهم وطردهم، وهم يصلون ويناجون الله، وفي كنفه، ومعيته، وحضرته، ولقائه.
ويكون اللقاء كذلك يوم القيامة، وهو أكثر ما ورد في القرآن، وعليه يحمل في هذه الآية، كما قال تعالى: ﴿الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم﴾[البقرة:٤٦]، ﴿واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه﴾[البقرة:٢٢٣]، ﴿قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله﴾[البقرة:٢٤٩]، ﴿إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه﴾[الانشقاق:٦].
فلم يقتصر طغيان الملأ من قوم نوح -كما هو حال كل مجتمع جاهلي- وبغيهم على المستضعفين بطردهم ونبذهم من حياتهم الاجتماعية، ونظرتهم إليهم نظرة دونية دنيوية شيطانية، بل بلغ الحال بهم أنهم يريدون طردهم حتى من دائرة الدين واتباع الرسول، ومن رحمة الله، ومن الآخرة!
وهي ظاهرة تفسر حال النفس البشرية حين تنخلع من الفطرة السماوية الإنسانية، إلى النزعة الأرضية الأنانية، فيتحول بسببها الإنسان إلى شيطان مدفوع إلي كل شر، ممنوع عن كل خير.
BY قناة أ.د. حاكم المطيري
Share with your friend now:
tgoop.com/DrHAKEM/13277