DRHAKEM Telegram 13292
#نظرات_قرآنية في #سورة_هود


- ﴿قالوا يا نوحُ قَد جادَلتَنا فَأَكثَرتَ جِدالَنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ ۝ قالَ إِنَّما يَأتيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شاءَ وَما أَنتُم بِمُعجِزينَ ۝ وَلا يَنفَعُكُم نُصحي إِن أَرَدتُ أَن أَنصَحَ لَكُم إِن كانَ اللَّهُ يُريدُ أَن يُغوِيَكُم هُوَ رَبُّكُم وَإِلَيهِ تُرجَعونَ ۝ أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل إِنِ افتَرَيتُهُ فَعَلَيَّ إِجرامي وَأَنا بَريءٌ مِمّا تُجرِمونَ ۝ وَأوحِيَ إِلى نوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤمِنَ مِن قَومِكَ إِلّا مَن قَد آمَنَ فَلا تَبتَئِس بِما كانوا يَفعَلونَ ۝ وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا وَلا تُخاطِبني فِي الَّذينَ ظَلَموا إِنَّهُم مُغرَقونَ﴾ [هود: ٣٢-٣٧]

🔸 لم يستطع قوم نوح نقض الحجة بالحجة، فعدّوا دعوته لهم، وجوابه عن شبهتهم، وما اشترطوه عليه من طرد المؤمنين المستضعفين جدلا منه لهم، وأنه قد أطال فيه بزعمهم، فلم يستطيعوا مجاراته، ولا إبطال حجته؛ فاشترطوا عليه ليثبت صدقه وأنه رسول من عند الله، أن يأتيهم بالعذاب الأليم الذي توعدهم به! فلم يتركوا لأنفسهم باب نظر وتوبة وعودة، وكان العقل يقضي بأن يقولوا إن كنت صادقا فأرنا آية، فقالوا بدلا من ذلك: ‏﴿فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين﴾ استخفافا منهم به، وبدعوته، واستبعادا أن يكون نبيا من عند الله، وقد قال لهم قبل ذلك: ﴿إني لكم نذير مبين﴾[هود:٢٥]، وقال: ﴿إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم﴾[هود:٢٦]، فاستعجلوا وقوع العذاب الأليم، وكانوا في سعة من أمرهم قبل ذلك، فقد لبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاما، فجعلوا من وقوع العذاب بهم إن تحقق فعلا دليلا على صدق نوح، وشهدوا على أنفسهم بذلك، فصار ما اشترطوه دليلا على صدقه، فلما وقع ثبت صدق نوح، ووقع أعظم حدث في تاريخ البشرية، وهو الطوفان العظيم، الذي تكاد تحتفظ به الذاكرة التاريخية الإنسانية، وإن لم تحط بحقيقة أحداثها، ‏﴿ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا﴾[هود:٤٩].

🔸 وقد كان جواب نوح دليلا على كمال عقله، وصدق نبوته ورسالته، حيث قال:‏ ‏﴿إنما يأتيكم به الله إن شاء﴾ فرد الأمر إلى الله ومشيئته وحده سبحانه، وليس إليه، فهو بشر رسول وما عليه إلا البلاغ المبين،‏ ‏﴿وما أنتم بمعجزين﴾ ولا ممتنعين عما أراد الله إيقاعه بكم من العذاب، فالإعجاز: الامتناع، وهو قدرة الإنسان على السبق والفوت حال الفرار من عدوه، كما في قولهم: ‏﴿لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا﴾[الجن:١٢].

🔸 ثم بين لهم نوح أثر دعوته ونصحه لهم، ‏وأنه لا يتجاوز في البلاغ والنصح قدر الله فيهم، وإن كان رسولا من أولي العزم: ‏﴿ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم﴾، فقابل نوح بين إرادته الهداية لهم، كما يريده الله منهم شرعا حين بعثه رسولا إليهم ليدعوهم إلى الإيمان، وإرادة الله الغواية لهم قدرا وكونا، فالله جل جلاله الحاكم شرعا بالأمر والنهي، والحاكم قدرا بالرشاد والغي، وقدرة العبد على الاختيار بين أن يفعل أو لا يفعل في الحكم الشرعي، لا تخرجه عما قدره الله وقضاه عليه في الحكم القدري، فالله يريد من عباده الإيمان والطاعة والعبادة، ولم يجبرهم عليها، وترك لهم حرية الاختيار، ويسر لكل فريق ما اختاره، ‏﴿ولو شاء الله ما فعلوه﴾[الأنعام:١٣٧]، ‏﴿ولو شاء ربك ما فعلوه﴾[الأنعام:١١٢]، فهم لا يخرجون فيما اختاروه وفوضه إليهم، عن قدرته عليهم، وقضائه فيهم،‏ ‏﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾[الإنسان:٣٠]، فأثبت لهم مشيئة واختيارا، لا يخرجون بهما عما شاءه الله لهم ربوبية واقتدارا.

🔸 والنصح في الآية جاء أولا بمعنى الوعظ والتذكير: ‏﴿ولا ينفعكم نصحي﴾ ووعظي، ثم جاء بمعنى الهداية في قوله‏: ‏﴿إن أردت أن أنصح لكم﴾ وأهديكم، إذ الغاية من الوعظ والنصح قولا، تحقق الهداية للمنصوح فعلا، فليس هناك شرطان في الآية كما توهمه بعض أهل التفسير وحاولوا الإجابة عنه بتكلف، بل العبارة شرط مؤخر: ‏﴿إن كان الله يريد أن يغويكم﴾ ويضلكم ويعذبكم، ‏وجواب الشرط: ﴿لا ينفعكم نصحي﴾ ووعظي، ‏﴿إن أردت أن أنصح لكم﴾ وأخلص في النصيحة لتحقيق الهداية لكم.

🔸 وقد عدى نصح الأولى بنفسها؛ لأنها بمعنى وعظ وذكّر، وهو يتعدى بنفسه: وعظه وذكره، بينما عدى نصح الثانية باللام ‏﴿أنصح لكم﴾؛ لأنها بمعنى أخلص له النصيحة في القيام بها على أكمل وجه وأتمه قولا وفعلا، بما يحقق الغاية منها وهو هداية المنصوح له، كما في حديث: (الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله..) فعداها باللام لأنها بمعنى الإخلاص لله بالطاعة، ولكتابه بالعمل به، ولرسوله بالاتباع.

🔸 وعلل نوح إثبات القضاء والقدر الإلهي، بقوله: ‏﴿هو ربكم﴾ فلا تخرجون في كل ما تأتون وتذرون مما قضاه الله وقدره عليكم، فالرب هو الملك والسيد الذي له على عباده الربوبية كلها، ‏﴿وإليه ترجعون﴾ فمنه البداية خلقا وإيجادا وإمدادا، ‏﴿هو ربكم﴾ وإليه المنتهى وفاة وحسابا وعقابا، ‏﴿وأن إلى ربك المنتهى﴾[النجم:٤٢] ‏ ‏﴿إن إلى ربك الرجعى﴾[العلق:٨].



tgoop.com/DrHAKEM/13292
Create:
Last Update:

#نظرات_قرآنية في #سورة_هود


- ﴿قالوا يا نوحُ قَد جادَلتَنا فَأَكثَرتَ جِدالَنا فَأتِنا بِما تَعِدُنا إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقينَ ۝ قالَ إِنَّما يَأتيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شاءَ وَما أَنتُم بِمُعجِزينَ ۝ وَلا يَنفَعُكُم نُصحي إِن أَرَدتُ أَن أَنصَحَ لَكُم إِن كانَ اللَّهُ يُريدُ أَن يُغوِيَكُم هُوَ رَبُّكُم وَإِلَيهِ تُرجَعونَ ۝ أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل إِنِ افتَرَيتُهُ فَعَلَيَّ إِجرامي وَأَنا بَريءٌ مِمّا تُجرِمونَ ۝ وَأوحِيَ إِلى نوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤمِنَ مِن قَومِكَ إِلّا مَن قَد آمَنَ فَلا تَبتَئِس بِما كانوا يَفعَلونَ ۝ وَاصنَعِ الفُلكَ بِأَعيُنِنا وَوَحيِنا وَلا تُخاطِبني فِي الَّذينَ ظَلَموا إِنَّهُم مُغرَقونَ﴾ [هود: ٣٢-٣٧]

🔸 لم يستطع قوم نوح نقض الحجة بالحجة، فعدّوا دعوته لهم، وجوابه عن شبهتهم، وما اشترطوه عليه من طرد المؤمنين المستضعفين جدلا منه لهم، وأنه قد أطال فيه بزعمهم، فلم يستطيعوا مجاراته، ولا إبطال حجته؛ فاشترطوا عليه ليثبت صدقه وأنه رسول من عند الله، أن يأتيهم بالعذاب الأليم الذي توعدهم به! فلم يتركوا لأنفسهم باب نظر وتوبة وعودة، وكان العقل يقضي بأن يقولوا إن كنت صادقا فأرنا آية، فقالوا بدلا من ذلك: ‏﴿فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين﴾ استخفافا منهم به، وبدعوته، واستبعادا أن يكون نبيا من عند الله، وقد قال لهم قبل ذلك: ﴿إني لكم نذير مبين﴾[هود:٢٥]، وقال: ﴿إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم﴾[هود:٢٦]، فاستعجلوا وقوع العذاب الأليم، وكانوا في سعة من أمرهم قبل ذلك، فقد لبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاما، فجعلوا من وقوع العذاب بهم إن تحقق فعلا دليلا على صدق نوح، وشهدوا على أنفسهم بذلك، فصار ما اشترطوه دليلا على صدقه، فلما وقع ثبت صدق نوح، ووقع أعظم حدث في تاريخ البشرية، وهو الطوفان العظيم، الذي تكاد تحتفظ به الذاكرة التاريخية الإنسانية، وإن لم تحط بحقيقة أحداثها، ‏﴿ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا﴾[هود:٤٩].

🔸 وقد كان جواب نوح دليلا على كمال عقله، وصدق نبوته ورسالته، حيث قال:‏ ‏﴿إنما يأتيكم به الله إن شاء﴾ فرد الأمر إلى الله ومشيئته وحده سبحانه، وليس إليه، فهو بشر رسول وما عليه إلا البلاغ المبين،‏ ‏﴿وما أنتم بمعجزين﴾ ولا ممتنعين عما أراد الله إيقاعه بكم من العذاب، فالإعجاز: الامتناع، وهو قدرة الإنسان على السبق والفوت حال الفرار من عدوه، كما في قولهم: ‏﴿لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا﴾[الجن:١٢].

🔸 ثم بين لهم نوح أثر دعوته ونصحه لهم، ‏وأنه لا يتجاوز في البلاغ والنصح قدر الله فيهم، وإن كان رسولا من أولي العزم: ‏﴿ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم﴾، فقابل نوح بين إرادته الهداية لهم، كما يريده الله منهم شرعا حين بعثه رسولا إليهم ليدعوهم إلى الإيمان، وإرادة الله الغواية لهم قدرا وكونا، فالله جل جلاله الحاكم شرعا بالأمر والنهي، والحاكم قدرا بالرشاد والغي، وقدرة العبد على الاختيار بين أن يفعل أو لا يفعل في الحكم الشرعي، لا تخرجه عما قدره الله وقضاه عليه في الحكم القدري، فالله يريد من عباده الإيمان والطاعة والعبادة، ولم يجبرهم عليها، وترك لهم حرية الاختيار، ويسر لكل فريق ما اختاره، ‏﴿ولو شاء الله ما فعلوه﴾[الأنعام:١٣٧]، ‏﴿ولو شاء ربك ما فعلوه﴾[الأنعام:١١٢]، فهم لا يخرجون فيما اختاروه وفوضه إليهم، عن قدرته عليهم، وقضائه فيهم،‏ ‏﴿وما تشاءون إلا أن يشاء الله﴾[الإنسان:٣٠]، فأثبت لهم مشيئة واختيارا، لا يخرجون بهما عما شاءه الله لهم ربوبية واقتدارا.

🔸 والنصح في الآية جاء أولا بمعنى الوعظ والتذكير: ‏﴿ولا ينفعكم نصحي﴾ ووعظي، ثم جاء بمعنى الهداية في قوله‏: ‏﴿إن أردت أن أنصح لكم﴾ وأهديكم، إذ الغاية من الوعظ والنصح قولا، تحقق الهداية للمنصوح فعلا، فليس هناك شرطان في الآية كما توهمه بعض أهل التفسير وحاولوا الإجابة عنه بتكلف، بل العبارة شرط مؤخر: ‏﴿إن كان الله يريد أن يغويكم﴾ ويضلكم ويعذبكم، ‏وجواب الشرط: ﴿لا ينفعكم نصحي﴾ ووعظي، ‏﴿إن أردت أن أنصح لكم﴾ وأخلص في النصيحة لتحقيق الهداية لكم.

🔸 وقد عدى نصح الأولى بنفسها؛ لأنها بمعنى وعظ وذكّر، وهو يتعدى بنفسه: وعظه وذكره، بينما عدى نصح الثانية باللام ‏﴿أنصح لكم﴾؛ لأنها بمعنى أخلص له النصيحة في القيام بها على أكمل وجه وأتمه قولا وفعلا، بما يحقق الغاية منها وهو هداية المنصوح له، كما في حديث: (الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله..) فعداها باللام لأنها بمعنى الإخلاص لله بالطاعة، ولكتابه بالعمل به، ولرسوله بالاتباع.

🔸 وعلل نوح إثبات القضاء والقدر الإلهي، بقوله: ‏﴿هو ربكم﴾ فلا تخرجون في كل ما تأتون وتذرون مما قضاه الله وقدره عليكم، فالرب هو الملك والسيد الذي له على عباده الربوبية كلها، ‏﴿وإليه ترجعون﴾ فمنه البداية خلقا وإيجادا وإمدادا، ‏﴿هو ربكم﴾ وإليه المنتهى وفاة وحسابا وعقابا، ‏﴿وأن إلى ربك المنتهى﴾[النجم:٤٢] ‏ ‏﴿إن إلى ربك الرجعى﴾[العلق:٨].

BY قناة أ.د. حاكم المطيري


Share with your friend now:
tgoop.com/DrHAKEM/13292

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Select: Settings – Manage Channel – Administrators – Add administrator. From your list of subscribers, select the correct user. A new window will appear on the screen. Check the rights you’re willing to give to your administrator. It’s yet another bloodbath on Satoshi Street. As of press time, Bitcoin (BTC) and the broader cryptocurrency market have corrected another 10 percent amid a massive sell-off. Ethereum (EHT) is down a staggering 15 percent moving close to $1,000, down more than 42 percent on the weekly chart. fire bomb molotov November 18 Dylan Hollingsworth yau ma tei Telegram iOS app: In the “Chats” tab, click the new message icon in the right upper corner. Select “New Channel.” As five out of seven counts were serious, Hui sentenced Ng to six years and six months in jail.
from us


Telegram قناة أ.د. حاكم المطيري
FROM American