tgoop.com/GainOver/36362
Last Update:
•| حياةٌ مضاعفة |•
من أسرار السنن الإلهية في الحياة أن المرء لا يُدرك تمام وجوده إلا حين يتجاوز ذاته، والإنسان كلما حبس نفسه داخل حدود ذاته، ضاق عليه العالمُ الذي يعيش فيه، ولو اتسعت آفاقه الجغرافية، وكلما حَبس نفسه داخل أسوار الأنا، فلا يرى سوى حاجاته ولا يسمع إلا صوته. ثم نجد أن الإنسان في انكفائه على ذاته يعيش عُمرًا واحدًا، يغرق في بِركة ضحلة من اهتماماته الذاتية، بينما نهر الحياة يتدفق بجماله من حوله.
نحن نُولدُ حين نشعر بالآخرين، ونكبر حين نُكبرهم في دواخلنا، من ذاق لذّة العطاء، ومن شمَّ عبير التضحية، أدرك أن الأيام تتسعُ أفقًا كلما ضاقت أنانياتنا.
كل إحساسٍ نمنحه للآخرين، وكل دعاءٍ في ظهر الغيب، وكل معونةٍ لا تُطلب، إنما هي استثمارٌ للحياةِ في أرقى صورها. يقول تعالى: “وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرًا وأعظم أجرًا” [المزمل: 20]
أما من وسَّع صدره، ونظر بعين الرحمة إلى الخلق، فقد أدرك المعنى الأسمى للحياة؛ إذ تصبح حياته مضاعفةً حين يعيش لغيره. يُولد شعورٌ جديد لا يُفسَّر إلا في نور قول رسولنا صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”.
حينما تحيا للناس، فإنك لا تستهلك وقتك كما يُخيَّل للبعض؛ بل تستثمره في أعظم مشروعٍ رباني: ترميم القلوب وصناعة الأثر، وهذا المشروع وحده كفيل بأن يملأ حياتك معنىً وروحًا، فتصبح أيامك مشبعة بالعطاء، وساعاتك مثمرة وإن قلَّت، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: “واللهُ في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه”؟
والأعجب أن الإيثار، تلك الفضيلة النبيلة التي ذكرها الله في قوله تعالى: “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” [الحشر: 9]، لا يمنحك فقط إحساسًا بتضخم حياتك بالمعاني، بل يهبك الشعور بأنك جزء من شبكة واسعة من القلوب التي نبضها واحد، وآمالها مشتركة.
إننا نعيش عمرًا واحدًا بحساب الأيام والسنين، لكننا قد نعيش أعمارًا متعددةً بحساب الأثر. كل بسمة أدخلتها على قلب، وكل دمعة جففتها من عين، وكل يد أمسكت بها في لحظة عثرةٍ، تلك هي الأعمار التي نحياها مضاعفةً بين الناس.
وقد تأملتُ كيف أن القلوب التي أُشربت معاني الرحمة والبذل ترى في ذلك عبادةً تتجاوز حدود الدنيا، فإعانة الناس لا تُضاعف إحساسك بحياتك فقط، بل ترتقي بك في ميزان الآخرة، حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس” (رواه الطبراني).
فإن أردتَ لحياتكِ عمرًا أطول من الزمن، وأثرًا لا يُغسله الرحيل، فكنْ للناسِ جُزءًا من أملهم، كن صوتًا في وحدتهم، ويدًا تلتقطهم حين يضعف الطريق.
اللهم اجعلنا ممن إذا مروا على القلوب أحيَوها، وإذا مروا على الأرواح عمَّروها بجميل الأثر، اللهم إنك تحبُّ من يُعطي بلا عِوض، ومن يُحسن بلا انتظار، فاجعلنا من الذين يُعطون بكرمٍ لا ينضب، ويُحسنون بقلوبٍ لا تبخل.
✍️تواق
BY القوة بالله والعون منه🎀
Share with your friend now:
tgoop.com/GainOver/36362