tgoop.com/Ghamaamh/452
Last Update:
من أبرز المَواضع القُرآنية التي يتجلّى فيها آثار اسم الله الحكيم؛ حكمته من خلق آدم، حين قال تعالى: ﴿وإذ قال ربُّك للملائكةِ إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفةً قالوا أتجعلُ فيها من يُفسِدُ فيها ويسفكُ الدِّماءَ ونحنُ نُسبِّحُ بِحمدكَ ونُقدِّس لكَ قال إنّي أعلمُ ما لا تعلمون وعلَّم آدمَ الأسماءَ كلَّها ثمَّ عرَضَهم على الملائكةِ فقالَ أنبئُوني بأسماءِ هؤلاءِ إن كنتُم صادقين قالوا سُبحانكَ لا علمَ لنا إلا ما علَّمتنا إنّك أنتَ العليمُ الحَكيم﴾
ومعلومٌ أنّ الملائكة حين أخبرهم الله عن خلق آدم؛ استنكروا في بداية الأمر، وتعجّبوا كيف يخلق الله من الخليفة من يعصيَه، وقالوا بصيغة الاستفهام: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدِّماء)، وفي استنكارهم مَفاد؛ أنّهم لا علم لهم إلا ما علّمهم الله، إذ أنّهم لو علِموا الحكمة من خلق آدم؛ من عمارة الأرض إصلاحًا وتعبّدا واستخلافًا لمن يأتي بعده؛ لما أظهروا التعجُّب والسّؤال!
ومن حكمة الله التي تتجلّى في إخباره تعالى لملائكته خلق آدم؛ ما قاله أبي حيّان في تفسيره، فمن حكمته: "إرادة الله أن يُطلع الملائكة على ما في نفس إبليس من الكِبر، وأن يُظهر ما سبَق عليه في علمه"، ومن حكمته ما قاله ابن عبَّاس: "أن يبلوَ طاعة الملائكة، أو أن يُظهر عجزهم عن الإحاطة بعلمه، أو أن يُظهر علوّ قدر آدم في العِلم، أو يعلّمنا الأدب معه وامتثال الأمر عقلنا معناه أو لم نعقله".
ومن تجلّيات اسم الله الحكيم في تلك الآيات؛ أنّه خلق آدم عليه السلام ونفخ فيه من روحه لعمارة الأرض إصلاحًا وتعبّدا، والحكيم من معانيها؛ الذي يضع الأشياء في مواضعها من غير أن يدخل تدبيره خللٌ ولا زلل، ومن حكمته في إخباره للملائكة عن خلق آدم دروس وعبر يُستفاد منها؛ أهمّية الاستسلام للأوامر الإلهيّة والأقدار وإن بدا للمؤمن جهله بعواقب الأمر، إذ أنّ هذه الآيات تزيد من استسلام العبد لربّه وحُكمه الذي يُجريه في أقداره الكونية والشرعية.
ويُستفاد من هذه الآية؛ أنّ العبد قد يعتريه من بعض الأقدار أو بعض التّكاليف الشرعية تساؤلاتٌ وشكوك، وقد يغيب عن ذهنه الحكمة من هذا التكليف وهذا القدر، ولكنّ المؤمن إذا تضلّع قلبه فقهًا من معنى اسم الله العليم الحكيم؛ استسلم انقيادًا لعلم ربّه وحكمته، ولم تعُد لديه مُنازعة تجول في خلجات نفسه، بل استسلامٌ يقوده لمعنى الثقة بأمر الله وما يُجريه عليه في مملكته.
ويُستفاد منها؛ أنّ الاستسلام لأحكام الله يقود العبد لمراتب عالية من مراتب الإيمان، فالملائكة حين أيقنوا شرف علم آدم واختصاصه لهذه المنزلة؛ أعلنوا بذلك شهادتهم بعلم الله الكافي وحكمته المُحيطة في أرجائه، في آية تُدوى في المحاريب إلى قيام السّاعة: ﴿سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾
ومن شأن الاعتراف بحكمة الله وعلمه؛ ترك منازعة الأقدار، وترك مُزاحمتها بالشّكوك والأسئلة، فالله تعالى حكيمٌ يضع الأمور في مكانها من غير أن يُخالط تدبيره خللٌ ولا زلل، فكم في هذه الآية من عِبَر، لو تأمَّلها المؤمن حقّ التأمُّل، وراعى هداياتها، حتمًا سيجد بها ذوقًا وحلاوةً لمعنى التّسليم الشّرعي، والذي لا يأتي حتى يعرف العبد ربّه بأسمائهِ وصفاته.
BY غمـامة
Share with your friend now:
tgoop.com/Ghamaamh/452