الأصل أن العبد يعدّ جوابه وعذره لموقف الحساب، أما هنا والآن وفي هذا الحساب فلا مجال ولا داعي لكثرة تبرير الموقف أو جلد الذات وجلسات الاعتراف الكهنوتية، من كان عاملا فالله يعلم، ومن كان خاذلا فليصرف وقته لإصلاح موقفه ويستغفر ويترك الأمر لربه، لا أحد هنا بيده أوسمة الصدق ولا أعواد المشانق المعنوية، الكل ساع لتبرئة نفسه في ذلك الموقف الشديد، وقد يكون البعض هنا ألحنَ بالحُجة من بعض، ويوم يُعرَض الناس يظهر العامل الذي تسعر به النار، والمقصر الذي ظنه حسن بربه، والعامل الصادق السابق، والمقصر الغافل اللامبالي، ويفصل ربك بين العباد، أما هنا فلا تنشر أوراقك لأحد، ولا تقرأ كتابك لأحد، وانشغل بتحصيل براءتك، إن الله يدافع عن اللذين آمنوا.
لسنا في عصر سلاطين "إذا عصيت الله فقوّموني" ولا في زمن رعيّة "ما على هذا اخترناك واتبعناك"؛ إذ لم تختر لتشترط، ولم تبايع على عقد يخيب أملك إذا خُولِف، ولا بسطت صفحة يدك على شرط يحزنك أن يُنقض، فنحن جميعا فير عصر استثنائي، أمرنا فيه ليس شورى بيننا، نسدد ونقارب، نكثِّر الخير ونقلل الشر، نعرف ونُنكر، ونبذل الوسع، ولا تزر وازرة وزر أخرى، لا نؤاخَذ بجريرة أحد، خفيرا كان أو أميرا؛ فلا تذهب أنفسكم حسرات، ولا يخب ظنكم إخواني في أحد؛ فمتى كان الظن ليخيب!، ولماذا نُلزم القوم بما لم يُلزموا به أنفسهم، نصبر وننهى عن المنكر ونخالط الناس ونصبر على أذاهم ونحصّل البراءة لنا ولخاصّتنا ومن تطاله يدنا التربوية والقَوَامة، والسلام، سلامٌ نفسي واطمئنان، وسلام لا نبغي القوم الجاهلين، ولا الجاهليين، برك.
الأحمال الثقيلة تخففها الأعمال الجليلة؛ فاستدلَّ على توفيقك لأسباب الفرج بتيسيرك لأبواب التضرع والاجتهاد في العبادات، وكثرة الصلاة على سيد السادات، واتصال التوبة من التقصير والزلات، وهدايتك لسبل الخيرات، وتسخيرك لقضاء الحاجات؛ فإن كان ذلك فقد هُديت الوسائل للرغائب، وألقيَت إليك حبائل تنزّلِ المطالب، وصارت الغمة إلى انتهاء، وأقبلت اليسرى، وألقى الوارد الدلاء، وقيل يا بشرى.
قرأتُ خبر ارتقاء أبي إبراهيم وقد بات عدة ليال طاويا على الجوع، وكنت عند تقليبي للأخبار ثم وقوعي على هذا الخبر أتناول وجبة عشاء أجزم أنها لم تتيسر لأحد من إخواني اليوم، ولا الأمس، وربما هذا العام كلّه؛ فصار طعمها إلى المرارة أقرب؛ لكنه شعور لا يعني تحريم ما أحلّ الله، ولا الامتناع الاختياري عن نعمة الله المتيسِّرة؛ بل تذكيرٌ بأن علي شكرَها بالسعي وإتلاف النفس والجسد في هذا الطريق، حتى أجد لها مخرجا هنا يريح هذا الضمير وهو يتعاطى هذا الكم من اللذائذ والخيرات بينما يبيت الرجال جائعين، وهناك عندما نلقاهم في صعيد واحد فيسألوننا، اللهم إن كانت أجسادنا قد تغذت على نعمك الوفيرة فاجعلها بنيّة التقوِّي على عبادتك واستخدم أجسادنا وصحتنا وأعمارنا وأنفاسنا في خدمة دينك والتعب للتمكين لشريعتك، واكتب لكل عظمٍ فينا حظه من ذلك الحمل، وأدم علينا نعمك واحفظها من الزوال ووفقنا لدوام الشكر والتزام الأدب.
ثم ماذا، ذهب الجائع والشبعان، ومات الصحيح والمريض، وانتقل الغني والفقير، والكبير والصغير، والناس كلهم إلى رحيل، لا يضر الجائع جوع إذا وجد زادا مقدَّما، ولا ينفع الشبعان شبع إذا وجد دارا خربَة، لا ينفع الغني دراهمه إذا ثقلت مغارمه، ولا يضر الفقير قلّة ماله إذا رجحت كفة أعماله، وأي صحة لجسد تترقبه النار لتذيبه، وأي مرض لجسد تشتاق له الجنة لتثيبه، وأي كبير حقّره عمله فصار إلى صَغار، وأي صغير رفعه سعيه وصبره فنعمَ عُقبى الدار، قال رسول الله صى الله عليه وسلّم: "ويؤتَى بأشدِّ المؤمنينَ ضرًّا وبلاءً؛ فيقالُ: اغمِسوهُ غمسةً في الجنَّةِ ، فيُغمَسُ فيها غمسةً؛ فيقالُ لَهُ: أي فلان هل أصابَكَ ضرٌّ قطُّ، أو بلاء؛ فيقولُ: ما أصابَني قطُّ ضرٌّ، ولا بلاء".
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
رجال الأمة الأشاوس، ما أجملهم، ما أطيبهم، أشداء على الكفار، رحماء بينهم، تقبلك الله يا عصفور الجنة؛ إخوانك قد سلكوا طريقك وتبعوا خطاك وعبروا السياج..
في الحديث من رواية عبد الله بن عمر، "من رأى مبتلًى فقال: الحمدُ للهِ الذي عافاني مما ابتلاكَ به، وفضَّلني على كثيرٍ ممن خلق تفضيلًا، لم يُصِبْهُ ذلك البلاء".
تجالس من لا يهتم لأمر الأمة اختيارا لانشغاله بالتوافه، ومن لا يهتم لأمرها جهلا به، ومن لا يهتم لأمرها لخلل في دينه وعقيدته فيشترط في نصرته لإخوانه ويقع فيهم، ثم تنظر لنفسك، ومن أنت، العامي الجويهل، لست على شيء من علم أو عمل؛ لكن الله يختصك بأن تكون في فسطاط الرجال، تذب عنهم الغيبة، وتدعو لهم، وتدفع عنهم، وتخلفهم في أهلهم قدر استطاعتك، وتحدّث نفسَك بموقفهم، وتلومها على تقصيرها في حقهم؛ فالحمد لله الذي وفقني وإياك لذلك بمحض اللطف والرحمة؛ فلا حول ولا قوة إلا به، ولا سداد في الرأي ولا الرمي إلا بتيسيره، فما أعظمها من نعمة، وما أشق وظيفة استبقائها، شُكرا وعملا، والحمد لله الذي عافانا وفضّلنا على كثير ممن خلق تفضيلا.
تجالس من لا يهتم لأمر الأمة اختيارا لانشغاله بالتوافه، ومن لا يهتم لأمرها جهلا به، ومن لا يهتم لأمرها لخلل في دينه وعقيدته فيشترط في نصرته لإخوانه ويقع فيهم، ثم تنظر لنفسك، ومن أنت، العامي الجويهل، لست على شيء من علم أو عمل؛ لكن الله يختصك بأن تكون في فسطاط الرجال، تذب عنهم الغيبة، وتدعو لهم، وتدفع عنهم، وتخلفهم في أهلهم قدر استطاعتك، وتحدّث نفسَك بموقفهم، وتلومها على تقصيرها في حقهم؛ فالحمد لله الذي وفقني وإياك لذلك بمحض اللطف والرحمة؛ فلا حول ولا قوة إلا به، ولا سداد في الرأي ولا الرمي إلا بتيسيره، فما أعظمها من نعمة، وما أشق وظيفة استبقائها، شُكرا وعملا، والحمد لله الذي عافانا وفضّلنا على كثير ممن خلق تفضيلا.
الحمد لله الذي حبب إلينا الآخرة بغزة، وحقّر في نظرنا الدنيا، وهوّن في أعيننا الموت ووطأته، وعظّم في همومنا معناه وصورته؛ فيتخفف العبد، ويعمل لخاتمته، ويتجهز لآخرته، بآلامه وآماله، فليس للآلام كيوم الحساب جبرا وشفاء، ولا للآمال كالجنّة وسيلة وسبيلا.
ما لقيت أحدا عاقلا ذا قلب وديانة بعد الطوفان إلا وكان في كلامه، كُنت وصِرت؛ في عبارات شتى، من أكثرها تكرارا ما تعلّق بالهموم الأرضية، وي كأن الطوفان هزَّ وغسل؛ فسقَطت علائق وتجلّت حقائق؛ فتخففت أرواح، وانجلت بصائر.
ما عاد شيء بعد مصاب إخواننا يستحق أن يُفجع، ولم يبق شيء يُخشى أن يُفقَد لدرجة أن يؤسِف فقده أو يُفزِع، ما لم يكن دينا أو مروءة؛ فكل شيء تقهقر إلى مكانه الذي كان يتجاوزه، أو ارتقى إلى مقامه الذي كان محجوبا عنه بالغفلة، وما أكثر ما تقهقر، وما أقلَّ ما تصدَّر.
الإخوة المغاربة فعلوا الأفاعيل بالصباينة البارحة في هولندا، مارسوا التامغرابيت التي نحب، كما يجب، المقاطع تثلج الصدر؛ لكن أرجو من الأخوات اللاتي يشاركنها كتم الصوت لأنها مليئة بما يستحقه الأنجاس ولا يليق أن يطرق آذانهن العفيفة.
أحرص مؤخرا على السعي في تكريم بعض أئمة بلدتي العاملين الذين أحيوا منابرهم والتزموا مع أمّتهم وثبّتوا الناس وربطوهم بقضيتهم في الجمَع والجماعات، بما أستطيع من أفكار وكتب تثقيفية حول القضية ورسالية الإمام..الخ، وبمناسبة معرض الكتاب هذه الأيام ووجود كتب كثيرة تعنى بالقضية والرسالية أرجو من الإخوة الواردين على المعرض أن يقتني كل واحد منهم مجموعة منها (ولو كتابا واحدا)، بنيّة إهدائها لأكثر إمامٍ يراه ملتزما مع إخواننا، بنية إعانته على التثقف أكثر حول المسألة وما يتعلق بها، وبنية استدامَة نفيرِهم، وتكثير سوادهم، والشد على أيديهم، وليعلموا أن مزمار الحي يُطرِب.
من أدق العبارات المتعلقة بالتربية التي سمعت، المقصد الذي ذكره الشيخ الدويش للتربية بقوله: "تعليم الإنسان إدارةَ ذاتِه".
لم يَحمِني الهمَّ أحسابٌ ولا نَسبٌ
وإنني هاشميٌّ سيِّدٌ قُرَشِي
قد يبسطُ الليلُ أنيابًا لمهجعهِ
والناس تحسَبُه يغفو على فُرُشِ
مارية الرفاعي.
وإنني هاشميٌّ سيِّدٌ قُرَشِي
قد يبسطُ الليلُ أنيابًا لمهجعهِ
والناس تحسَبُه يغفو على فُرُشِ
مارية الرفاعي.
"وَلَتَسۡمَعُنَّ"
يكاد سماعكَ لما لا يرضيك ونعتُكَ بما يؤذيك أن يكونَ ركنا من أركان الطريق تعرف به سلامتَه واستقامتَه، ومن رحمةِ الله بقلبك أن أخبركَ قبلَ أن تخبَرَه بأنه ضريبة واجبَة كتبها على عباده الأحب والأطوع والأتقى قبل غيرهم وأكثرَ من غيرهم، وأن الله يسمع ويرى، وأنه قال سبحانه {وَأُوذُوا۟ فِی سَبِیلِي}، وأنه لو لم يكن من عزاء إلا تلكَ الياء لكفى.
يكاد سماعكَ لما لا يرضيك ونعتُكَ بما يؤذيك أن يكونَ ركنا من أركان الطريق تعرف به سلامتَه واستقامتَه، ومن رحمةِ الله بقلبك أن أخبركَ قبلَ أن تخبَرَه بأنه ضريبة واجبَة كتبها على عباده الأحب والأطوع والأتقى قبل غيرهم وأكثرَ من غيرهم، وأن الله يسمع ويرى، وأنه قال سبحانه {وَأُوذُوا۟ فِی سَبِیلِي}، وأنه لو لم يكن من عزاء إلا تلكَ الياء لكفى.
وداعا أيها الرجل النبيل..
إنا لله وإنا إليه راجعون، فقدنا اليوم نبيلا من نبلاء عصرنا، وشهما شريفا من رجال هذا العصر الذي قلّ رجاله على الحقيقة: عمنا الصابر المحتسب د.إبراهيم أبو أحمد زوج العزيزة أمنا المرابطة المقدسية خديجة خويص ..
نسأل الله له الرحمة والمغفرة ولها وللأهل صبرا واحتسابا فالفقد عظيم والرجل من طراز نادر لا يعوّض، والعزاء أنه كان صالحا قرآنيا مربيا ولقي الله صابرا في أكناف بيت المقدس بعد أن أنفق الكثير من نفسه ونفائسه حفظا له وذودا عنه.
إنا لله وإنا إليه راجعون، فقدنا اليوم نبيلا من نبلاء عصرنا، وشهما شريفا من رجال هذا العصر الذي قلّ رجاله على الحقيقة: عمنا الصابر المحتسب د.إبراهيم أبو أحمد زوج العزيزة أمنا المرابطة المقدسية خديجة خويص ..
نسأل الله له الرحمة والمغفرة ولها وللأهل صبرا واحتسابا فالفقد عظيم والرجل من طراز نادر لا يعوّض، والعزاء أنه كان صالحا قرآنيا مربيا ولقي الله صابرا في أكناف بيت المقدس بعد أن أنفق الكثير من نفسه ونفائسه حفظا له وذودا عنه.
كان الرجال يطوون أقطار الدنيا ويخترقون عباب البحار ويجوبون الفيافي طلبا للمكارم والمعالي ومحامد الدهر؛ فكان الأصل أن يُحَثَّ على تخير الزوجات الصالحات ويبالغ في ذكر فضل ذلك، أكثر من التركيز على معنى الزوج الصالح؛ لعظيم شأن الزوجة وأثرها على رجل من هؤلاء ولكثرة الكُمَّل من الرجال، كأن المرأة لو أشارت بيدها نحو جمع من المجاهيل على صعيد بعيد ما وقعَت إلا على شاعر أو فارس أو طالب ملك أو راحل في طلب حديث أو ذلك جميعا، واليوم بتنا لترجيح الحث على اختيار الزوج الصالح أقرب منا للحال الأول؛ فالفاضلات من النساء كثير والكمَّل من الرجال في نقصان؛ فما عاد يكفي خبط العشواء ولا الإشارة من بعيد؛ بل التمحيص والنظر الفاحص وطلب التوفيق فوق ذلك.
في حلقي كثير من الحديث عن الرجولة ومعانيها إثر هذا الفقد العظيم للعم أحمد أبي إبراهيم؛ لكن في فمي ماء الأحداث الراهنة، وأود لو أستضيف أمنا خديجة لتتحدث وحدها عن تلك المعاني والمروءات العالية، وهو زوج المرأة المقدسية المرابطة المشتبكة معرفيا ونضاليا والأسيرة أحيانا كثيرة والمبعدة وقتا طويلا -إلى الآن- ..الخ؛ لكن ذلك ممتنع الآن؛ فلعلنا نكتب عن الأمر لاحقا، ونستضيفها عندما يتيسر بإذن الله.