tgoop.com/Houssameldinne/675
Last Update:
إن العلم في القديمِ كان مرتبط بـ الحكمة والأخلاق، حيث ينظر العلماء إلى العلم على أنه وسيلة لتحقيق الخير والصلاح للمجتمع، وكانت القيم الأخلاقيّة جزءاً لا يتجزأ من صورتهم.
في ذلك الوقت، كان يُنظر إلى العالِم على أنه مثالٌ يُحتذى به، ليس فقط بمعرفته، بل أيضاً بأخلاقه وسيرته الحسنة، وهو ما انعكس في الثقافات القديمة والدين حيث كانت الأخلاق والعلم مترابطين.
أما اليوم، ومع تطور العلوم وارتباطها بالصناعة والتكنولوجيا والاقتصاد، أصبحت الأولوية تُعطى للنتائج الملموسة والمنتجات القابلة للتسويق. وفي هذا السياق، يُغفل عن الأخلاق الشخصيّة للعالِم إذا كان ما ينتجه يُحقق أرباحاً أو يُساهم في التقدم التكنولوجي.
طبعًا هذا التوجه أثار جدلاً كبيراً حول الأخلاقيات في العلم، خاصة مع ظهور قضايا مثل التغير المناخي، والهندسة الوراثية، واستخدام الذكاء الاصطناعي...ألخ. ولذلك، نجد دومًا دعوات مستمرة لإعادة التركيز على الأخلاقيات في العلم لضمان أن يُستخدم العلم لخدمة الإنسانية بدلاً من استغلاله لمصالح ضيقة.
في الثقافة الصينية القديمة، خصوصاً في تعاليم كونفوشيوس، كان العالِم أو المثقف يُعرف بـ[ الجِنزِي] أي الشخص النبيل، وهو من يتحلى بفضائل مثل الإخلاص، التواضع، وحب الخير.
والمعرفة عندهم لم تكن غاية في ذاتها، بل وسيلة لتحسين الذات والمجتمع. فـ العالم الحكيم هو من يُكرس علمه لتحقيق التناغم بين البشر والطبيعة. ويُنظر إلى العالم على أنه قدوة أخلاقية، يتجاوز دوره الإنتاج أو الاكتشاف إلى الإرشاد وقيادة المجتمع نحو الفضيلة.
ركزت الطاوية والكونفوشيوسية على أن الحكمة هي التي تمنح الإنسان القدرة على العيش بانسجام مع الكون. والأخلاق كانت شرطاً لتحقيق المعرفة الحقيقية، لأن العلم دون فضيلةٍ يمكن أن يؤدي إلى اضطراب اجتماعي.
كثيرا ما كان العلماء في الحضارة الصينيّة القديمة هم المسؤولون الحكوميون المثقفون، وكانوا يُختارون وفق نظام امتحانات صارم، ولم يكن الذكاء وحده كافياً، بل كان يُشترط أن تكون لديهم شخصيّة أخلاقية عالية وموقفٌ أخلاقي قوي.
وأما في الثقافة الإسلاميّة يعتبرُ العلم عبادةً [حديث النبي (ص) عن طلب العلم] وكان العلم يُطلب لوجه الله ولخدمة المجتمع قبل كلّ شيءٍ، فـ العالم المسلم كان يُعرف بتقواه وأخلاقه، إذ إن العلم بلا أخلاق يُعتبر خطراً. وهذا ما أكد عليه علماء مثل الشيخ الغزالي على أن العلم إذا لم يقترن بالعمل الصالح يمكن أن يؤدي إلى فساد النفسِ والمجتمع. ولهذا نجدُ أن كثيرًا من العلماء المسلمين، مثل الشيخ الرئيس ابن سينا وابن رشد، ابنُ الهيثم وغيرهم؛ جمعوا بين المعرفة العلميّة [ الطب، الفلسفة، الرياضيات... ألخ] والتقوى والالتزام الأخلاقيّ، مما جعلهم قدوة في المجتمعِ.
العلم في الثقافة الإسلاميّة كان يُطلب لتحقيق مقاصد نبيلةٍ، مثل جلب المنفعة ودرء المفسدةِ. والهدف من المعرفة أن تكون وسيلة لتحقيق العدالة والرحمة في المجتمع وهي مهمة الأنبياء،
لهذا فإن العلماء في الإسلام يُعرفون بأنهم ورثة الأنبياء، ما يعني أن العلم يحمل مسؤولية أخلاقية عُظمى. ولا يقتصرُ العلمُ فقط على العلوم والمعارف الدينية مثل الفقه، بل يشمل كل المعارفِ وإن كان أشرفهَا في الإسلام العلوم الدينية. ولذلك كانت سيرتهم- أي العلماء- وأخلاقهم موضع اهتمام كبير.
العلم في الثقافة السائدة اليومُ مختلفٌ عن الثقافات القديمة لكونه أصبح مرتبطًا بشكل كبير بالإنتاج، الصناعة، والتكنولوجيا، وغالبًا ما يركز على الابتكار من أجل الربح أو الهيمنة الاقتصادية والسياسية. فـ الأخلاق ليست دائمًا جزءًا من معايير التقييم. ويُنظر إلى العالِم على أنه مجردُ منتج أكثر من كونه قدوة، ونجاحه يُقاس بعدد الأبحاث أو الاختراعات بغض النظر عن أثرها الأخلاقي.
يتم فصل العلم عن الأخلاق تحت ذريعة الحياديّة العلمية [ العلمويّة] ويُنظر إليه كأداة محايدة، والقرارات الأخلاقية تُترك للسياسيين أو المؤسسات. وهذا ما أدى إلى ظهور مشكلات أخلاقية مثل التجارب الجينية غير المنضبطة، مشاكل المناخ، والتكنولوجيا العسكرية...ألخ حيث يتم استخدام العلم لأغراض تضر البشريّة، وهذا ما شهدناه في حروب العالم الحديث التي تفننت في الفتك بأرواح الملايين، وآثارها الكارثيّة على البيئة.
ومع تغول المادية الرأسمالية جعلت العلم جزءًا من النظام الرأسمالي، حيث تُحدد الأولويات بناءً على المكاسب الماديّة والتجارية، ولهذا نجدُ أن الكثير من الأبحاث العلميّة تُمول من شركات خاصة أو حكومات تسعى لتحقيق مكاسب مادية أو استراتيجية، مع عدم اكتراثها بالمصلحة الإنسانيّة العامة. وهو ما يعكسُ ما يسميه شبنجلر بالروح الفاوستيّة التي تحكم الحضارة الحديثة، حيث غايتها الهيمنة والتوسع.
BY آراءُ أهل الحكمةِ
Share with your friend now:
tgoop.com/Houssameldinne/675