MARTYREBRAHIMHADI Telegram 105
مؤاساةً ليحيى ؛

نظر عباس إلى ساعة حائط المسجد.
كان عقرب الثواني يدور مسرعًا لتتحرّك عقارب الساعة إلى الأمام.
تقدم حسين من عباس وقال: "يعني أنّه لن يأتي؟".

عاود عبّاس النظر بطرف عينه إلى الساعة: "لا زال الوقت مبكرًا حتّى موعد الأذان".

بعدها ذهب باتّجاه صندوق السجدات. وبينما هو يضع السجدات على الأرض بانتظام، كان جل تفكيره بيحيى الذي أخلف.

سأل حسين: "أَلم يعدنا بالأمس أنّه سيأتي كل ليلة إلى المسجد؟"
تمتم عباس: "بلى!".

دخل خادم المسجد، فابتسم لرؤية الشبّان قائلًا: "دور من منكم اليوم؟".

أشار حسين إلى عباس وقال: "إنّ صوته في الأصل خُلق للأذان".

فتح خادم المسجد قفل الخزانة وقال: "بارك الله فيك".

وهذه المرة كانت نظرات حسين هي التي تلاحق عقارب الثواني.
وبينما كان خادم المسجد يهيئ الميكرفون. سأل حسين:
"أتريد أن نذهب وراءه؟".

نهض عباس وذهب لوضع السجدات الإضافية في مكانها.
كان يودّ قبول اقتراح حسين.
ذهب حسين باتّجاه الميكرفون،
وضغط على زرّ التشغيل:

"واحد، اثنان، ثلاثة... تجربة".

فجأةً، خطرت على بال عباس فكرة. ذهب مسرعًا باتّجاه الميكرفون.
تراجع حسين إلى الخلف وراح ينظر إلى عباس متعجّبًا.

"انتباه انتباه, إنّه وقت صلاة المغرب والعشاء، فليأت السيّد يحيى صولتي إلى المسجد".

ضحك حسين. لم يكن يفهم ما قام به عباس. سأل مرتضى الذي دخل في التوّ:
"ماذا يجري هنا؟".

غيّر حسين ملامح وجهه وقال:
"قرّرنا أن نفتعل مشكلة".

وصل خادم المسجد، منحني الظهر، واضعًا يده على ظهره:
"سمعت أصواتًا من الميكرفون وأنا في الزقاق، ما الأمر؟".

سرعان ما أجابه حسين وقال:
"لقد تعطّل الميكرفون، فأصلحه عباس بسرعة البرق".

دخل المصلون واحدًا تلو الآخر.
لم يمضِ وقت طويل حتى امتلأت الصفوف للصلاة. نظر عباس مرة أخيرة إلى باب المسجد. فرك حسين كلتا يديه الواحدة بالأخرى، ونظر نظرة شقاوة. ففهم عباس قصده. كانت تلك إشارةً بينهما، أي "إنّ الشخص لا ينفع للصداقة".

بعد الصلاة، اتّخذ حسين ومرتضى موقف المدافع عن الحقّ, قال حسين: "أفهمت الآن، أنّه لا ينبغي الوثوق بكلامه؟".

لم يكن عباس ليتصوّر أنّ يحيى إنسانٌ كاذب مخلٌّ بالوعد. بعد ذهاب حسين ومرتضى، انصرف هو أيضًا إلى منزله.
في الطريق كان يفكر في نفسه معاتبًا يحيى:
"ينبغي أن أقول له إنّه إنسان مخل بالوعد".

مع هذه الأفكار رجع من منتصف الطريق.
طرق باب منزل يحيى، لكنّه عاد وندم. تراجع خطوات إلى الخلف،
فجاءت خطوته متأخّرة.
فتحت امرأة عجوز الباب وسألته:
"ماذا تريد؟".

أجابها عبّاس بارتباك: "أريد يحيى".

فتحت العجوز الطريق أمام عباس وقالت بحزن: "أدخل، فحال يحيى غير جيّدة".

دخل عباس، وأشارت العجوز إلى الغرفة الوحيدة في الفناء وقالت:
"أدخل يا بنيّ، فليس لدينا مصباح جيّد في منزلنا، سأذهب وأحضر فانوسًا".

دخل عباس الغرفة. كانت باردة، وقد فرشت أرضها ببساط بال.
وعلى البساط، كان يحيى نائمًا، يتصبّب عرق ويئن.
لم يستطع عباس حبس دموعه. دخلت العجوز الغرفة بمصباح، خنقتها العبرة وقالت:
"ارتفعت حرارته منذ فترة ما بعد الظهر، لا أعلم ماذا أفعل؟".

سألها عباس: "أين أبوه؟".

تأوهت العجوز وقالت: "ألا تعلم أنّ حادث سير وقع لوالديه فتوفيا في الأثر؟ يحيى ابن أخي.
مسكين، ليس له في هذه الدنيا أحد غيري".

كانت المرأة العجوز تتكلّم، لكنّ عباسا لم يكن يسمع شيئًا من شدّة الندم.

قارب الوقت منتصف الليل، وإذ بيحيى يفتح عينيه.
وحينما لاح له وجه عباس، ارتسمت على شفتيه الذابلتين ابتسامة.
كان صوته ضعيفًا، يكاد لا يُسمع: "سامحني، لقد أخلفت بوعدي".

ومن جديد اختنق عباس بعبرته، فراحت كتفاه تهتزّان من شدّة البكاء:
"بل أنت سامحني، لقد أسرعت في الحكم عليك".

ومن ثم أخذ رأسه المحموم وضمّه إلى صدره. تبسّمت المرأة العجوز، أصلحت مقنعها وقالت: "الحمد لله، لقد تحسّنت حالته".

تلك الليلة، عاد عباس إلى البيت متأخّرًا، وأخبر أهله بما جرى. عندما أوى الجميع إلى فراشهم، قام على مهل، جمع فراشه مؤاساةً ليحيى، ونام على الأرض الباردة. على امتداد تلك السنوات ولياليها، لم يذكر أحدهم أنّه رأى عباسا نائمًا على فراش.



tgoop.com/Martyrebrahimhadi/105
Create:
Last Update:

مؤاساةً ليحيى ؛

نظر عباس إلى ساعة حائط المسجد.
كان عقرب الثواني يدور مسرعًا لتتحرّك عقارب الساعة إلى الأمام.
تقدم حسين من عباس وقال: "يعني أنّه لن يأتي؟".

عاود عبّاس النظر بطرف عينه إلى الساعة: "لا زال الوقت مبكرًا حتّى موعد الأذان".

بعدها ذهب باتّجاه صندوق السجدات. وبينما هو يضع السجدات على الأرض بانتظام، كان جل تفكيره بيحيى الذي أخلف.

سأل حسين: "أَلم يعدنا بالأمس أنّه سيأتي كل ليلة إلى المسجد؟"
تمتم عباس: "بلى!".

دخل خادم المسجد، فابتسم لرؤية الشبّان قائلًا: "دور من منكم اليوم؟".

أشار حسين إلى عباس وقال: "إنّ صوته في الأصل خُلق للأذان".

فتح خادم المسجد قفل الخزانة وقال: "بارك الله فيك".

وهذه المرة كانت نظرات حسين هي التي تلاحق عقارب الثواني.
وبينما كان خادم المسجد يهيئ الميكرفون. سأل حسين:
"أتريد أن نذهب وراءه؟".

نهض عباس وذهب لوضع السجدات الإضافية في مكانها.
كان يودّ قبول اقتراح حسين.
ذهب حسين باتّجاه الميكرفون،
وضغط على زرّ التشغيل:

"واحد، اثنان، ثلاثة... تجربة".

فجأةً، خطرت على بال عباس فكرة. ذهب مسرعًا باتّجاه الميكرفون.
تراجع حسين إلى الخلف وراح ينظر إلى عباس متعجّبًا.

"انتباه انتباه, إنّه وقت صلاة المغرب والعشاء، فليأت السيّد يحيى صولتي إلى المسجد".

ضحك حسين. لم يكن يفهم ما قام به عباس. سأل مرتضى الذي دخل في التوّ:
"ماذا يجري هنا؟".

غيّر حسين ملامح وجهه وقال:
"قرّرنا أن نفتعل مشكلة".

وصل خادم المسجد، منحني الظهر، واضعًا يده على ظهره:
"سمعت أصواتًا من الميكرفون وأنا في الزقاق، ما الأمر؟".

سرعان ما أجابه حسين وقال:
"لقد تعطّل الميكرفون، فأصلحه عباس بسرعة البرق".

دخل المصلون واحدًا تلو الآخر.
لم يمضِ وقت طويل حتى امتلأت الصفوف للصلاة. نظر عباس مرة أخيرة إلى باب المسجد. فرك حسين كلتا يديه الواحدة بالأخرى، ونظر نظرة شقاوة. ففهم عباس قصده. كانت تلك إشارةً بينهما، أي "إنّ الشخص لا ينفع للصداقة".

بعد الصلاة، اتّخذ حسين ومرتضى موقف المدافع عن الحقّ, قال حسين: "أفهمت الآن، أنّه لا ينبغي الوثوق بكلامه؟".

لم يكن عباس ليتصوّر أنّ يحيى إنسانٌ كاذب مخلٌّ بالوعد. بعد ذهاب حسين ومرتضى، انصرف هو أيضًا إلى منزله.
في الطريق كان يفكر في نفسه معاتبًا يحيى:
"ينبغي أن أقول له إنّه إنسان مخل بالوعد".

مع هذه الأفكار رجع من منتصف الطريق.
طرق باب منزل يحيى، لكنّه عاد وندم. تراجع خطوات إلى الخلف،
فجاءت خطوته متأخّرة.
فتحت امرأة عجوز الباب وسألته:
"ماذا تريد؟".

أجابها عبّاس بارتباك: "أريد يحيى".

فتحت العجوز الطريق أمام عباس وقالت بحزن: "أدخل، فحال يحيى غير جيّدة".

دخل عباس، وأشارت العجوز إلى الغرفة الوحيدة في الفناء وقالت:
"أدخل يا بنيّ، فليس لدينا مصباح جيّد في منزلنا، سأذهب وأحضر فانوسًا".

دخل عباس الغرفة. كانت باردة، وقد فرشت أرضها ببساط بال.
وعلى البساط، كان يحيى نائمًا، يتصبّب عرق ويئن.
لم يستطع عباس حبس دموعه. دخلت العجوز الغرفة بمصباح، خنقتها العبرة وقالت:
"ارتفعت حرارته منذ فترة ما بعد الظهر، لا أعلم ماذا أفعل؟".

سألها عباس: "أين أبوه؟".

تأوهت العجوز وقالت: "ألا تعلم أنّ حادث سير وقع لوالديه فتوفيا في الأثر؟ يحيى ابن أخي.
مسكين، ليس له في هذه الدنيا أحد غيري".

كانت المرأة العجوز تتكلّم، لكنّ عباسا لم يكن يسمع شيئًا من شدّة الندم.

قارب الوقت منتصف الليل، وإذ بيحيى يفتح عينيه.
وحينما لاح له وجه عباس، ارتسمت على شفتيه الذابلتين ابتسامة.
كان صوته ضعيفًا، يكاد لا يُسمع: "سامحني، لقد أخلفت بوعدي".

ومن جديد اختنق عباس بعبرته، فراحت كتفاه تهتزّان من شدّة البكاء:
"بل أنت سامحني، لقد أسرعت في الحكم عليك".

ومن ثم أخذ رأسه المحموم وضمّه إلى صدره. تبسّمت المرأة العجوز، أصلحت مقنعها وقالت: "الحمد لله، لقد تحسّنت حالته".

تلك الليلة، عاد عباس إلى البيت متأخّرًا، وأخبر أهله بما جرى. عندما أوى الجميع إلى فراشهم، قام على مهل، جمع فراشه مؤاساةً ليحيى، ونام على الأرض الباردة. على امتداد تلك السنوات ولياليها، لم يذكر أحدهم أنّه رأى عباسا نائمًا على فراش.

BY سلامٌ على إبراهيم ♡


Share with your friend now:
tgoop.com/Martyrebrahimhadi/105

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

So far, more than a dozen different members have contributed to the group, posting voice notes of themselves screaming, yelling, groaning, and wailing in various pitches and rhythms. The public channel had more than 109,000 subscribers, Judge Hui said. Ng had the power to remove or amend the messages in the channel, but he “allowed them to exist.” Although some crypto traders have moved toward screaming as a coping mechanism, several mental health experts call this therapy a pseudoscience. The crypto community finds its way to engage in one or the other way and share its feelings with other fellow members. The group also hosted discussions on committing arson, Judge Hui said, including setting roadblocks on fire, hurling petrol bombs at police stations and teaching people to make such weapons. The conversation linked to arson went on for two to three months, Hui said. Content is editable within two days of publishing
from us


Telegram سلامٌ على إبراهيم ♡
FROM American