414
جلسة الصفا
15 ربيع الآخر 1446
18 تشرين الأول 2024
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان:
*أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر*
بسم الله الرحمن الرحيم
نتابع ما بدأناه في الدروس السابقة عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن هذا واجب كل مسلم، كل في حدود علمه واستطاعته .
وتبيَّن لنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو خط الدفاع الحصين عن الدين، وأنه الحارس الأمين الدائم الذي يرقى بالمجتمع ويسد نوافذ الشر والخلل فيه.
وهو من أعظم الأسباب في صلاح المجتمع وسلامته من عقاب الله سبحانه و تعالى واستقامته على الصراط المستقيم.
وهذا الواجب إنما يقوم به من لديه غيرة على دينه وحرص على سلامة مجتمعه من الانحرافات والاختراقات الشيطانية، ليكون في عداد أخيار الأمة، وليدخل في الخيرية التي ذكرها الله تعالى في قوله عز وجل:
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)
ونلاحظ أن الله تعالى قدم في هذه الآية الكريمة قوله: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) على قوله: (وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) إشارة إلى أهمية الأمر بالمعروف وفضيلته، وأنه الدرع والحارس والحافظ للإيمان بالله تعالى، ذلك أنه إذا شاعت الفواحش والمعاصي والمنكرات، ولم يقم أحد بالنهي عنها والتحذير منها، فإن المعاصي بريد الكفر.
روى الإمام أحمد عن دُرَّة بنت أبي لهب رضي الله تعالى عنها، قالت: قام رجل إلى النبي ﷺ وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟، فقال ﷺ:
خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم.
وروى ابن جرير الطبري عن قتادة قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قرأ هذه الآية:
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)
ثم قال:
من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤدِّ شرط الله فيها، ومن لم يتَّصِف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله تعالى بقوله:
(كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
وروى البزار والطبراني من حديث ابن عباس رضي اهله تعالى عنه قال: قيل: يا رسول الله، أتهلك القرية وفيها الصالحون؟!!، قال: نعم، قيل: بم يا رسول الله؟؟، قال: بتهاونهم وسكوتهم عن معاصي الله عز وجل.
قال بلال بن سعد: إن المعصية إن أُخْفِيَت لم تضر إلا صاحبها، فإذا أُعْلِنَت ولم تُغَيَّر أضرَّت بالعامة.
وهذا الواجب الملقى على عاتق كل مسلم إنما ينبغي القيام به بالرفق واللين، أخذاً من قوله تعالى:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
وقوله عز وجل لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون:
(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي أمرت بالرفق واللين في ذلك.
وقد طبق النبي ﷺ في دعوته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر هذا المنهج الرباني في كثير من مواقفه ومشاهده ﷺ.
من ذلك طريقته الحكيمة وأسلوبه الرائع في التعامل مع شباب كانوا يستهزؤون بالأذان ويقلِّدون صوت المؤذن غيظاً وهزءاً، وهذا استهزاء بالدين، وهؤلاء لقيهم النبي ﷺ في طريق عودته إلى المدينة بعد غزوة حنين، فماذا فعل بهم النبي ﷺ ؟، سنجد أن طريقته ﷺ فيها من العجب ما فيها .
وها هو أحد هؤلاء الشباب، وكان أحسنهم صوتاً، وهو أبو محذورة، وكان عمره ست عشرة سنة، يحكي لنا ما الذي جرى لهم مع النبي ﷺ :
فروى الإمام أحمد في المسند وأبو داود والنسائي وغيرهم عن أبي محذورة قال: خرجتُ في عشرة فتيان، فكنا ببعض طريق حنين، فقفل رسول الله ﷺ من حنين، فلقينا رسول الله ﷺ ببعض الطريق وهو أبغض الناس إلينا، فأذَّن مؤذن رسول الله ﷺ للصلاة عند رسول الله، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون (أي متنحون عن طريق رسول الله ﷺ) ، فصرخنا نحكيه، (أي نقلده،) نستهزىء بهم، فسمع رسول الله ﷺ الصوت، فقال: ائتوني بهؤلاء الفتيان، فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه، فقال رسول الله ﷺ: أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع، فأشار القوم كلهم إليَّ، وصدقوا، وفي رواية، قال لهم النبي ﷺ: أذِّنوا، فأذنوا، فكنت أحدهم، فقال النبي ﷺ: نعم هذا الذي سمعت صوته، فأرسلَهم كلهم وحبسني ،
ثم قال لي : قم فأذن بالصلاة، فقمت ولا شيء أكره إليَّ من رسول الله ﷺ ، ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله ﷺ ، وألقى إليَّ رسول الله ﷺ التأذين هو بنفسه، فقال: قل: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، إلى آخر الأذان، قال: ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطاني صرَّةٌ فيها شيء من فضة .
جلسة الصفا
15 ربيع الآخر 1446
18 تشرين الأول 2024
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان:
*أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر*
بسم الله الرحمن الرحيم
نتابع ما بدأناه في الدروس السابقة عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن هذا واجب كل مسلم، كل في حدود علمه واستطاعته .
وتبيَّن لنا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو خط الدفاع الحصين عن الدين، وأنه الحارس الأمين الدائم الذي يرقى بالمجتمع ويسد نوافذ الشر والخلل فيه.
وهو من أعظم الأسباب في صلاح المجتمع وسلامته من عقاب الله سبحانه و تعالى واستقامته على الصراط المستقيم.
وهذا الواجب إنما يقوم به من لديه غيرة على دينه وحرص على سلامة مجتمعه من الانحرافات والاختراقات الشيطانية، ليكون في عداد أخيار الأمة، وليدخل في الخيرية التي ذكرها الله تعالى في قوله عز وجل:
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)
ونلاحظ أن الله تعالى قدم في هذه الآية الكريمة قوله: (تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) على قوله: (وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) إشارة إلى أهمية الأمر بالمعروف وفضيلته، وأنه الدرع والحارس والحافظ للإيمان بالله تعالى، ذلك أنه إذا شاعت الفواحش والمعاصي والمنكرات، ولم يقم أحد بالنهي عنها والتحذير منها، فإن المعاصي بريد الكفر.
روى الإمام أحمد عن دُرَّة بنت أبي لهب رضي الله تعالى عنها، قالت: قام رجل إلى النبي ﷺ وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟، فقال ﷺ:
خير الناس أقرؤهم وأتقاهم لله وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم.
وروى ابن جرير الطبري عن قتادة قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قرأ هذه الآية:
(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)
ثم قال:
من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤدِّ شرط الله فيها، ومن لم يتَّصِف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله تعالى بقوله:
(كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)
وروى البزار والطبراني من حديث ابن عباس رضي اهله تعالى عنه قال: قيل: يا رسول الله، أتهلك القرية وفيها الصالحون؟!!، قال: نعم، قيل: بم يا رسول الله؟؟، قال: بتهاونهم وسكوتهم عن معاصي الله عز وجل.
قال بلال بن سعد: إن المعصية إن أُخْفِيَت لم تضر إلا صاحبها، فإذا أُعْلِنَت ولم تُغَيَّر أضرَّت بالعامة.
وهذا الواجب الملقى على عاتق كل مسلم إنما ينبغي القيام به بالرفق واللين، أخذاً من قوله تعالى:
(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)
وقوله عز وجل لموسى وهارون حين أرسلهما إلى فرعون:
(فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)
إلى غير ذلك من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي أمرت بالرفق واللين في ذلك.
وقد طبق النبي ﷺ في دعوته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر هذا المنهج الرباني في كثير من مواقفه ومشاهده ﷺ.
من ذلك طريقته الحكيمة وأسلوبه الرائع في التعامل مع شباب كانوا يستهزؤون بالأذان ويقلِّدون صوت المؤذن غيظاً وهزءاً، وهذا استهزاء بالدين، وهؤلاء لقيهم النبي ﷺ في طريق عودته إلى المدينة بعد غزوة حنين، فماذا فعل بهم النبي ﷺ ؟، سنجد أن طريقته ﷺ فيها من العجب ما فيها .
وها هو أحد هؤلاء الشباب، وكان أحسنهم صوتاً، وهو أبو محذورة، وكان عمره ست عشرة سنة، يحكي لنا ما الذي جرى لهم مع النبي ﷺ :
فروى الإمام أحمد في المسند وأبو داود والنسائي وغيرهم عن أبي محذورة قال: خرجتُ في عشرة فتيان، فكنا ببعض طريق حنين، فقفل رسول الله ﷺ من حنين، فلقينا رسول الله ﷺ ببعض الطريق وهو أبغض الناس إلينا، فأذَّن مؤذن رسول الله ﷺ للصلاة عند رسول الله، فسمعنا صوت المؤذن ونحن متنكبون (أي متنحون عن طريق رسول الله ﷺ) ، فصرخنا نحكيه، (أي نقلده،) نستهزىء بهم، فسمع رسول الله ﷺ الصوت، فقال: ائتوني بهؤلاء الفتيان، فأرسل إلينا إلى أن وقفنا بين يديه، فقال رسول الله ﷺ: أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع، فأشار القوم كلهم إليَّ، وصدقوا، وفي رواية، قال لهم النبي ﷺ: أذِّنوا، فأذنوا، فكنت أحدهم، فقال النبي ﷺ: نعم هذا الذي سمعت صوته، فأرسلَهم كلهم وحبسني ،
ثم قال لي : قم فأذن بالصلاة، فقمت ولا شيء أكره إليَّ من رسول الله ﷺ ، ولا مما يأمرني به، فقمت بين يدي رسول الله ﷺ ، وألقى إليَّ رسول الله ﷺ التأذين هو بنفسه، فقال: قل: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، إلى آخر الأذان، قال: ثم دعاني حين قضيت التأذين، فأعطاني صرَّةٌ فيها شيء من فضة .
ثم وضع النبي ﷺ يده على ناصية أبي محذورة، ثم أمرَّها على وجهه مرتين ثم على صدره، ثم قال رسول الله ﷺ له : بارك الله فيك، فقلت: يا رسول الله ، مرني بالتأذين بمكة، فقال: قد أمرتك به، وذهب كل شيء كان لرسول الله ﷺ من كراهية، وعاد ذلك محبة لرسول الله ﷺ ، فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله ﷺ بمكة، فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله ﷺ.
وأصبح أبو محذورة رضي الله تعالى عنه منذ ذلك اليوم مؤذن النبي ﷺ بمكة، واشتهر عنه أنه لم يكن يحلق مقدم رأسه، لأن النبي ﷺ مسح على مقدمة رأسه عندما علمه الأذان.
جاء في مسند الإمام أحمد: كان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن رسول الله ﷺ وسلم مسح عليها.
قال الواقدي المتوفى سنة 207 للهجرة: وبقي الأذان في ولده وولد ولده إلى اليوم بمكة .
وقالوا: ظلت ذرية أبي محذورة يؤذون قرابة الثلاث مئة عام بفضل دعاء النبي ﷺ له ولذريته، فقد كانوا أصحاب حنجرة ذهبية ربانية.
وهكذا بالكلام الطيب واللمسة الحانية، امتلك النبي ﷺ قلب أبي محذورة، وقلبه من البغض إلى الحب، وحوَّله من الكفر إلى الإيمان .
وثمة وقائع كثيرة استعمل فيها النبي ﷺ الرفق في النهي عن المنكر.
وعلى هذا النهج الحكيم والرفق واللين مضى أصحاب رسول الله ﷺ والصالحون.
فروى ابن أبي حاتم، فيما نقله ابن كثير في التفسير، بإسناده إلى يزيد بن الأصم، قال:
كان رجل من أهل الشام ذو بأس يفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ففقده عمر، فقال : ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، يُتابع في هذا الشراب، فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب : من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليك، أما بعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله هو، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير.
ثم قال عمر لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يقبل عليه، وأن يتوب الله عليه .
فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرؤه ويردده، ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذَّرني عقوبته، ووعدني أن يغفر لي، فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع، فأحسن النزع، فلما بلغ عمر رضي الله تعالى عنه خبره قال: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم زلَّ زلة فسددوه ووفقوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه.
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وأبو نعيم في "حلية الأولياء" عن حماد بن سلمة قال:
إن صلة بن أشيم مرَّ عليه رجلٌ قد أسبل إزاره، فهمَّ أصحابه أن يأخذوه بشدة، فقال: دعوني أنا أكفيكم، فقال: يا ابن أخي، إن لي إليك حاجة؟، قال وما حاجتك يا عم؟، قال: أحبُّ أن ترفع إزارك، قال نعم وكرامة، فرفع إزاره، فقال لأصحابه: لو أخذتموه بشدة لقال: لا ولا كرامة، وشتمكم.
وهناك قصص أخرى لامجال لذكرها الآن، ولكن يكفي ما ورد في الأثر عن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه و سفيان الثوري وغيرهم أنهم قالوا:
لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه.
وقالوا:
ليكن أمرك بالمعروف بمعروف، ونهيك عن المنكر بغير منكر.
هذا هو المنهج والأسلوب الذي يجب أن ننتهجه جميعاً في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا مفاتيح خير مغاليق شر، إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
و الحمد لله رب العالمين.
وأصبح أبو محذورة رضي الله تعالى عنه منذ ذلك اليوم مؤذن النبي ﷺ بمكة، واشتهر عنه أنه لم يكن يحلق مقدم رأسه، لأن النبي ﷺ مسح على مقدمة رأسه عندما علمه الأذان.
جاء في مسند الإمام أحمد: كان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن رسول الله ﷺ وسلم مسح عليها.
قال الواقدي المتوفى سنة 207 للهجرة: وبقي الأذان في ولده وولد ولده إلى اليوم بمكة .
وقالوا: ظلت ذرية أبي محذورة يؤذون قرابة الثلاث مئة عام بفضل دعاء النبي ﷺ له ولذريته، فقد كانوا أصحاب حنجرة ذهبية ربانية.
وهكذا بالكلام الطيب واللمسة الحانية، امتلك النبي ﷺ قلب أبي محذورة، وقلبه من البغض إلى الحب، وحوَّله من الكفر إلى الإيمان .
وثمة وقائع كثيرة استعمل فيها النبي ﷺ الرفق في النهي عن المنكر.
وعلى هذا النهج الحكيم والرفق واللين مضى أصحاب رسول الله ﷺ والصالحون.
فروى ابن أبي حاتم، فيما نقله ابن كثير في التفسير، بإسناده إلى يزيد بن الأصم، قال:
كان رجل من أهل الشام ذو بأس يفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ففقده عمر، فقال : ما فعل فلان بن فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، يُتابع في هذا الشراب، فدعا عمر كاتبه، فقال: اكتب : من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليك، أما بعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله هو، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير.
ثم قال عمر لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يقبل عليه، وأن يتوب الله عليه .
فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرؤه ويردده، ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذَّرني عقوبته، ووعدني أن يغفر لي، فلم يزل يرددها على نفسه، ثم بكى، ثم نزع، فأحسن النزع، فلما بلغ عمر رضي الله تعالى عنه خبره قال: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم زلَّ زلة فسددوه ووفقوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه.
وروى ابن أبي الدنيا في كتابه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" وأبو نعيم في "حلية الأولياء" عن حماد بن سلمة قال:
إن صلة بن أشيم مرَّ عليه رجلٌ قد أسبل إزاره، فهمَّ أصحابه أن يأخذوه بشدة، فقال: دعوني أنا أكفيكم، فقال: يا ابن أخي، إن لي إليك حاجة؟، قال وما حاجتك يا عم؟، قال: أحبُّ أن ترفع إزارك، قال نعم وكرامة، فرفع إزاره، فقال لأصحابه: لو أخذتموه بشدة لقال: لا ولا كرامة، وشتمكم.
وهناك قصص أخرى لامجال لذكرها الآن، ولكن يكفي ما ورد في الأثر عن سيدنا علي رضي الله تعالى عنه و سفيان الثوري وغيرهم أنهم قالوا:
لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه.
وقالوا:
ليكن أمرك بالمعروف بمعروف، ونهيك عن المنكر بغير منكر.
هذا هو المنهج والأسلوب الذي يجب أن ننتهجه جميعاً في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا مفاتيح خير مغاليق شر، إنه سميع قريب مجيب.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
و الحمد لله رب العالمين.
♥️جلسة الصفا ♥️
22 رجب 1437
29 نيسان 2016
لفضيلة الشيخ♦️
🔸محمد نعيم عرقسوسي🔸
💥 بعنوان
*(7) من كواشف الكبر*
*رفض الإصلاح فيما بينه وبين أخيه*(18)
بسم الله الرحمن الرحيم
لا زلنا نتحدث عن علامات الكبر ونكشف عن الأعراض الدالة على وجود هذا الداء في النفس، وقد أفضنا في الحديث عنه، وذلك نظراً لنتائجه السيئة وعواقبه الوخيمة مما تعرفون، لذلك كان ينبغي حصار هذا الداء من جميع جهاته، وينبغي كشفه من جميع جوانبه، لئلا تعلق بنا صفة من صفاته أو علامة من علاماته.
ونتحدث اليوم عن علامة من علامات الكبر لها أثرٌ في استحكام العداوات واستمرار الخصومات، وهي أن المتكبر يأبى ويرفض أن يُصلح بينه وبين أخيه إذا وقعت بينهما شحناء وعداوات وبغضاء، فالكبر يمنع المتصف به أن يبادر إلى إزالة ما بينه وبين أخيه من اختلاف وتقاطع وتدابر وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها فيما بينهما من المودة والمحبة والتواصل، وقد يكون المتخاصمان المتقاطعان كلاهما متكبر ذو أنفة جاهلية، وكل منهما ينتظر أن يأتي إليه صاحبه صاغراً ويكون هو البادئ في إصلاح الحال فيما بينهما، وقد يدخل الوسطاء ويتدخل المحبون لإصلاح ما بين الأخوين فيكبر رأساهما ويتورَّم أنفاهما ويرفضان، أو يرفض أحدهما القبول بالصلح وإنهاء حالة الخصومة والعداوة.
ولا شكَّ أن هذا هو عين الكبر الذي ذرة منه تمنع من تحققت به من دخول الجنة ابتداءً، هذا هو الكبر الذي يحرم صاحبه من الخيرات العظيمة، ويوقعه في المخاطر الجسيمة، ويجعله بإصراره على الخصومة من جماعة إبليس، والمخاطر التي سنذكرها لكم هي مخاطر مرعبة لهذا الذي يأبى أن يصلح بينه وبين أخيه:
أول خطورة مرعبة ومفزعة هي أن هذا المخاصم المتكبر كما تعلمون، يسمع آيات الله تعالى الآمرة بالإصلاح والمحذرة من التفرق والاختلاف، ويسمع أحاديث رسول الله ﷺ التي تتوعد من يصر على شحنائه وبغضائه، الناس سيقولون هذه الآيات والأحاديث له فلا تلامس إلا ظاهر أذنيه، ولا تجد لها طريقاً إلى قلبه، لأن قلبه مقفل بالكبر ولأن قلبه قسا فلا تليِّنُ الآية قلبه ولا يليِّن الحديث فؤاده.
يقول الناس للمتكبر: إن الله تعالى يقول لك:
*فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ*
يقول لك:
*إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ*
فإذا به يرد عليك شامخاً مصعراً خدَّه: أنا لا أذهب إليه ولا أسلِّم عليه، ولو جاءني لطردته!!!
أرأيتم كيف أن الآيات لم تؤثر فيه، وأنت تقوله له: الله يقول لك ذلك؟، فإذا بإصراره على كبره وعلى البغضاء لا يلتفت إلى هذا الكلام.
المتكبر المخاصم، تقول له: إن رسولك محمد ﷺ يقول لك: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فيقول لك: إن ذنبه لا يغفر، وإن إساءته معي لا تُنسى، وهناك قاعدة الناس يتبعونها أكثر من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، يقولون: (الأسى ما بينتسى).
تقول له: إن رسولك محمداً ﷺ يقول لك: لا تقاطعوا ولا تتدابروا، فيرد عليك: أنت لا تدري ما بيني وبينه، ولو حصل معك مثل ما جرى معي أو نصفه لنسخته من قاموس حياتك.
فالخطورة المرعبة، هي أن المتكبر يأبى أن يمتثل أمر الله تعالى ، ويأبى أن يمتثل أمر النبي ﷺ ولو تُليت عليه الآيات كأنك تقرؤها على حجر، ولو تليت الأحاديث النبوية التي يجب أن يقول على الفور: سمعنا وأطعنا، لكن المتكبر ينطبق عليه كلام الله تعالى في هذه الآية المرعبة:
*يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا*
فكان عاقبته نتيجة تكبره بقوله تعالى:
*فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *
بشِّره ، على سبيل الهزء به، دعه مصراً على ما هو عليه من كبر وطغيان وعنفوان فارغ.
أي خطورة أشد على المتكبر من أن لا ينصاع لأوامر الله تعالى؟؟!!، ولا يستجيب لأوامر النبي عليه الصلاة والسلام؟؟!!، من أجل ماذا؟؟!!.
من أجل أن ينتصر لنفسه وينتقم لشخصه، فهو يقدِّم الانتقام لنفسه على الانقياد لأوامر ربِّه وخالقه، يا لها من خسارة، يا لها من صفقة باطلة بسبب هذه الكبرياء الجوفاء الفارغة.
والخطورة المرعبة الثانية التي يقع فيها المتكبر ويأبى الإصلاح ما بينه وبين أخيه، أن عمله من صلاة وصيام وغير ذلك لا يُرفع إلى الله عز وجل، ولا تناله المغفرة التي تنال عباد الله الصالحين، فروى الإمام مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
*تعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرؤٌ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا*
أليس من الخطورة أن يُحجب الإنسان عن المغفرة ويحجب عمله عن القبول؟؟!!.
الخطورة الثالثة على المتكبر ما قاله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود عن أبي خراش السلمي رضي الله تعالى عنه قالﷺ :
*من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه*
22 رجب 1437
29 نيسان 2016
لفضيلة الشيخ♦️
🔸محمد نعيم عرقسوسي🔸
💥 بعنوان
*(7) من كواشف الكبر*
*رفض الإصلاح فيما بينه وبين أخيه*(18)
بسم الله الرحمن الرحيم
لا زلنا نتحدث عن علامات الكبر ونكشف عن الأعراض الدالة على وجود هذا الداء في النفس، وقد أفضنا في الحديث عنه، وذلك نظراً لنتائجه السيئة وعواقبه الوخيمة مما تعرفون، لذلك كان ينبغي حصار هذا الداء من جميع جهاته، وينبغي كشفه من جميع جوانبه، لئلا تعلق بنا صفة من صفاته أو علامة من علاماته.
ونتحدث اليوم عن علامة من علامات الكبر لها أثرٌ في استحكام العداوات واستمرار الخصومات، وهي أن المتكبر يأبى ويرفض أن يُصلح بينه وبين أخيه إذا وقعت بينهما شحناء وعداوات وبغضاء، فالكبر يمنع المتصف به أن يبادر إلى إزالة ما بينه وبين أخيه من اختلاف وتقاطع وتدابر وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها فيما بينهما من المودة والمحبة والتواصل، وقد يكون المتخاصمان المتقاطعان كلاهما متكبر ذو أنفة جاهلية، وكل منهما ينتظر أن يأتي إليه صاحبه صاغراً ويكون هو البادئ في إصلاح الحال فيما بينهما، وقد يدخل الوسطاء ويتدخل المحبون لإصلاح ما بين الأخوين فيكبر رأساهما ويتورَّم أنفاهما ويرفضان، أو يرفض أحدهما القبول بالصلح وإنهاء حالة الخصومة والعداوة.
ولا شكَّ أن هذا هو عين الكبر الذي ذرة منه تمنع من تحققت به من دخول الجنة ابتداءً، هذا هو الكبر الذي يحرم صاحبه من الخيرات العظيمة، ويوقعه في المخاطر الجسيمة، ويجعله بإصراره على الخصومة من جماعة إبليس، والمخاطر التي سنذكرها لكم هي مخاطر مرعبة لهذا الذي يأبى أن يصلح بينه وبين أخيه:
أول خطورة مرعبة ومفزعة هي أن هذا المخاصم المتكبر كما تعلمون، يسمع آيات الله تعالى الآمرة بالإصلاح والمحذرة من التفرق والاختلاف، ويسمع أحاديث رسول الله ﷺ التي تتوعد من يصر على شحنائه وبغضائه، الناس سيقولون هذه الآيات والأحاديث له فلا تلامس إلا ظاهر أذنيه، ولا تجد لها طريقاً إلى قلبه، لأن قلبه مقفل بالكبر ولأن قلبه قسا فلا تليِّنُ الآية قلبه ولا يليِّن الحديث فؤاده.
يقول الناس للمتكبر: إن الله تعالى يقول لك:
*فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ*
يقول لك:
*إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ*
فإذا به يرد عليك شامخاً مصعراً خدَّه: أنا لا أذهب إليه ولا أسلِّم عليه، ولو جاءني لطردته!!!
أرأيتم كيف أن الآيات لم تؤثر فيه، وأنت تقوله له: الله يقول لك ذلك؟، فإذا بإصراره على كبره وعلى البغضاء لا يلتفت إلى هذا الكلام.
المتكبر المخاصم، تقول له: إن رسولك محمد ﷺ يقول لك: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فيقول لك: إن ذنبه لا يغفر، وإن إساءته معي لا تُنسى، وهناك قاعدة الناس يتبعونها أكثر من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، يقولون: (الأسى ما بينتسى).
تقول له: إن رسولك محمداً ﷺ يقول لك: لا تقاطعوا ولا تتدابروا، فيرد عليك: أنت لا تدري ما بيني وبينه، ولو حصل معك مثل ما جرى معي أو نصفه لنسخته من قاموس حياتك.
فالخطورة المرعبة، هي أن المتكبر يأبى أن يمتثل أمر الله تعالى ، ويأبى أن يمتثل أمر النبي ﷺ ولو تُليت عليه الآيات كأنك تقرؤها على حجر، ولو تليت الأحاديث النبوية التي يجب أن يقول على الفور: سمعنا وأطعنا، لكن المتكبر ينطبق عليه كلام الله تعالى في هذه الآية المرعبة:
*يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا*
فكان عاقبته نتيجة تكبره بقوله تعالى:
*فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ *
بشِّره ، على سبيل الهزء به، دعه مصراً على ما هو عليه من كبر وطغيان وعنفوان فارغ.
أي خطورة أشد على المتكبر من أن لا ينصاع لأوامر الله تعالى؟؟!!، ولا يستجيب لأوامر النبي عليه الصلاة والسلام؟؟!!، من أجل ماذا؟؟!!.
من أجل أن ينتصر لنفسه وينتقم لشخصه، فهو يقدِّم الانتقام لنفسه على الانقياد لأوامر ربِّه وخالقه، يا لها من خسارة، يا لها من صفقة باطلة بسبب هذه الكبرياء الجوفاء الفارغة.
والخطورة المرعبة الثانية التي يقع فيها المتكبر ويأبى الإصلاح ما بينه وبين أخيه، أن عمله من صلاة وصيام وغير ذلك لا يُرفع إلى الله عز وجل، ولا تناله المغفرة التي تنال عباد الله الصالحين، فروى الإمام مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله ﷺ قال:
*تعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئاً، إلا امرؤٌ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا*
أليس من الخطورة أن يُحجب الإنسان عن المغفرة ويحجب عمله عن القبول؟؟!!.
الخطورة الثالثة على المتكبر ما قاله عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود عن أبي خراش السلمي رضي الله تعالى عنه قالﷺ :
*من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه*
والخطورة الرابعة التي حذَّر منها النبي عليه الصلاة والسلام، فيما رواه الإمام أحمد وأبي داود عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال رسول الله ﷺ :
*لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار*
ألا يخشى الذي هجر أخاه وقاطعه أن يموت على هذه الحالة؟؟!!، يعني إذا مات مصراً على الهجر والقطيعة يدخل النار.
ثم الخطورة الخامسة، هذا المتكبر يُحرم من نعمة الله تعالى التي يشمل بها المتحابين المتآخين، فقد قال الله تعالى:
*وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا*
فالمبغض لأخيه المصرُّ على عداوته وقطيعته محرومٌ من نعمة الله تعالى، ومحرومٌ أيضاً من بركة الدعاء الذي علمنا أن نقول في سورة الحشر:
*وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا*
فالمتكبر أراد أن يجعل في قلبه غلاً للذين آمنوا!!، ثم إذا مات وفي قلبه هذا الغل وهذه البغضاء والقطيعة، بُعث يوم القيامة وليس معه هذا القلب السليم الذي عليه مدار النجاة يوم القيامة، أما قال تعالى:
*يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89*(
لذلك جاء في الحديث الذي ذكرناه لكم: *من هجر فوق ثلاث فمات دخل النار*
الخطورة السادسة:
أنه بإصراره على القطيعة خسر أخاً وخسر صديقاً وصاحباً، لأن العاقل لا يحب أن يكثر أعداؤه ومبغضوه، أي شخص فيه ذرة عقل يريد أن يكثر أعداؤه وأن يكثر مبغضوه؟؟!!، ولقد ورد في الأثر الذي قلناه منذ مدة:
*رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس*
لذلك قال أحد الأدباء الحكماء يدعى ابن المعتز:
*إصلاح الصديق أهون من اكتساب غيره*
ثم بعد هذه المخاطر التي ذكرناها لكم، فإن المخاصم المبغض تتعكَّر حياته ويتكدر عيشه كلما ذكر أمامه من يُخاصمه ويهجره ويُقاطعه، وخاصةً إذا مدحه أحد الأشخاص وأثنى عليه، فهو يُشعل في نفسه الحنق والغضب والحقد، لأن ذرة وبذرة الكبر فيه تُثار حينما يُثني أحدٌ على الذي قاطعه وهجره.
قد تكون الخلافات بين المتخاصمين مالية، فيقول لك: بيني وبينه المحاكم، وفي كثير من الحالات إذا دخلت القضية المحاكم استفحل الخلاف واستحكمت العداوة، ويضع كل طرفٍ ثقله ويبدِّل المحامي تلو الآخر ليكون هو الغالب، ويبرز العضلات بين الطرفين وتتمادى الخصومة ويمتد النزاع، وقد يمتد أعواماً فتنتقل العداوة إلى الأولاد وإلى الأسرة، لقد كانت محصورة بين اثنين، ففشت واستطارت حتى صارت بين أسرتين وبين فريقين، لذلك روى عن سيدنا عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه أنه قال:
*ردُّوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث الضغائن بين الناس*
وقد قيل بأن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه كتبها إلى أبو موسى الأشعري عامله على الكوفة، يريد سيدنا عمر أن يصطلح الخصوم دون أن يُرفع أمرهم إلى القضاء، لأن في الصلح فيما بينهم تهدئةً للنفوس وتطييباً للخواطر وطيَّاً لصفحة الخلاف والقطيعة، في حين أن الفصل في القضاء قد يزيد عداوتهما اشتعالاً، وهذا ما نراه بعد أن يفصل القاضي بالقضية، فإذا بالطرفين يزدادان اشتعالاً وعداوةً وبغضاء.
وكثيرٌ من الخصومات للأسف سببها حظ النفس، يقول لك: رآني فلم يُسلِّم عليَّ، أو يقول: دعا فلاناً وفلاناً ولم يدعُني، يقول: أرسل بطاقات دعوة رسمية لغيري وأنا أرسل لي دعوة عادية، أو يقول لك: أخبر في أموره غيري ولم يخبرني، أو يقول: سافر ولم يودعني، أو يقول: دعوته فلم يستجب دعوتي، وكثير من هذه المقولات التي لا يدري فيها هذا المخاصم الظروف والملابسات التي كانت لصاحبه الذي يتكلم عنه، والأصل بين الأصحاب أن يلتمسوا لبعضهم الأعذار حتى ينفوا عن أنفسهم الأكدار.
لذلك ولئلا نقع في هذه المخاطر الشنيعة، ولئلا تنهار العلاقات فيما بيننا فتضعف الأمة ويضعف المجتمع .
أمرنا الله تعالى أن نسارع إلى إصلاح ما بيننا، وأن نردم الهوة بين قلوبنا، أمرنا أن نرأب الصدع، ونعود إلى الجمع والصفاء بدل الفرقة والشحناء، فقال تعالى:
*فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ *
يعني جعل الله تعالى من التقوى إصلاح ما بيننا، بمعنى أن من لا يصلح بينه وبين أخيه فليس متقياً لله عز وجل، وبين لنا ربنا الأعمال التي يرضى عنها الله ويثيب عليها الثواب العظيم، فقال تعالى:
*لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا*
يقول علماء اللغة:
*لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار*
ألا يخشى الذي هجر أخاه وقاطعه أن يموت على هذه الحالة؟؟!!، يعني إذا مات مصراً على الهجر والقطيعة يدخل النار.
ثم الخطورة الخامسة، هذا المتكبر يُحرم من نعمة الله تعالى التي يشمل بها المتحابين المتآخين، فقد قال الله تعالى:
*وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا*
فالمبغض لأخيه المصرُّ على عداوته وقطيعته محرومٌ من نعمة الله تعالى، ومحرومٌ أيضاً من بركة الدعاء الذي علمنا أن نقول في سورة الحشر:
*وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا*
فالمتكبر أراد أن يجعل في قلبه غلاً للذين آمنوا!!، ثم إذا مات وفي قلبه هذا الغل وهذه البغضاء والقطيعة، بُعث يوم القيامة وليس معه هذا القلب السليم الذي عليه مدار النجاة يوم القيامة، أما قال تعالى:
*يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89*(
لذلك جاء في الحديث الذي ذكرناه لكم: *من هجر فوق ثلاث فمات دخل النار*
الخطورة السادسة:
أنه بإصراره على القطيعة خسر أخاً وخسر صديقاً وصاحباً، لأن العاقل لا يحب أن يكثر أعداؤه ومبغضوه، أي شخص فيه ذرة عقل يريد أن يكثر أعداؤه وأن يكثر مبغضوه؟؟!!، ولقد ورد في الأثر الذي قلناه منذ مدة:
*رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد إلى الناس*
لذلك قال أحد الأدباء الحكماء يدعى ابن المعتز:
*إصلاح الصديق أهون من اكتساب غيره*
ثم بعد هذه المخاطر التي ذكرناها لكم، فإن المخاصم المبغض تتعكَّر حياته ويتكدر عيشه كلما ذكر أمامه من يُخاصمه ويهجره ويُقاطعه، وخاصةً إذا مدحه أحد الأشخاص وأثنى عليه، فهو يُشعل في نفسه الحنق والغضب والحقد، لأن ذرة وبذرة الكبر فيه تُثار حينما يُثني أحدٌ على الذي قاطعه وهجره.
قد تكون الخلافات بين المتخاصمين مالية، فيقول لك: بيني وبينه المحاكم، وفي كثير من الحالات إذا دخلت القضية المحاكم استفحل الخلاف واستحكمت العداوة، ويضع كل طرفٍ ثقله ويبدِّل المحامي تلو الآخر ليكون هو الغالب، ويبرز العضلات بين الطرفين وتتمادى الخصومة ويمتد النزاع، وقد يمتد أعواماً فتنتقل العداوة إلى الأولاد وإلى الأسرة، لقد كانت محصورة بين اثنين، ففشت واستطارت حتى صارت بين أسرتين وبين فريقين، لذلك روى عن سيدنا عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه أنه قال:
*ردُّوا الخصوم حتى يصطلحوا، فإن فصل القضاء يورث الضغائن بين الناس*
وقد قيل بأن سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه كتبها إلى أبو موسى الأشعري عامله على الكوفة، يريد سيدنا عمر أن يصطلح الخصوم دون أن يُرفع أمرهم إلى القضاء، لأن في الصلح فيما بينهم تهدئةً للنفوس وتطييباً للخواطر وطيَّاً لصفحة الخلاف والقطيعة، في حين أن الفصل في القضاء قد يزيد عداوتهما اشتعالاً، وهذا ما نراه بعد أن يفصل القاضي بالقضية، فإذا بالطرفين يزدادان اشتعالاً وعداوةً وبغضاء.
وكثيرٌ من الخصومات للأسف سببها حظ النفس، يقول لك: رآني فلم يُسلِّم عليَّ، أو يقول: دعا فلاناً وفلاناً ولم يدعُني، يقول: أرسل بطاقات دعوة رسمية لغيري وأنا أرسل لي دعوة عادية، أو يقول لك: أخبر في أموره غيري ولم يخبرني، أو يقول: سافر ولم يودعني، أو يقول: دعوته فلم يستجب دعوتي، وكثير من هذه المقولات التي لا يدري فيها هذا المخاصم الظروف والملابسات التي كانت لصاحبه الذي يتكلم عنه، والأصل بين الأصحاب أن يلتمسوا لبعضهم الأعذار حتى ينفوا عن أنفسهم الأكدار.
لذلك ولئلا نقع في هذه المخاطر الشنيعة، ولئلا تنهار العلاقات فيما بيننا فتضعف الأمة ويضعف المجتمع .
أمرنا الله تعالى أن نسارع إلى إصلاح ما بيننا، وأن نردم الهوة بين قلوبنا، أمرنا أن نرأب الصدع، ونعود إلى الجمع والصفاء بدل الفرقة والشحناء، فقال تعالى:
*فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ *
يعني جعل الله تعالى من التقوى إصلاح ما بيننا، بمعنى أن من لا يصلح بينه وبين أخيه فليس متقياً لله عز وجل، وبين لنا ربنا الأعمال التي يرضى عنها الله ويثيب عليها الثواب العظيم، فقال تعالى:
*لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا*
يقول علماء اللغة:
إن هذا التنكير *فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا* ، هو للتهويل والتعظيم، يعني أجر لا يعلم مقداره إلا الله سبحانه وتعالى.
ثم أمرنا الله عز وجل بنص الكتاب أن نبادر إلى إصلاح الخلاف والقطيعة إذا حصلت بين الزوجين في الأسرة، كي لا تسقط الأسرة ولا ينهار البيت والأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، فقال تعالى:
*وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا*
اسمعوا إلى هذه الآية إلى هذا اللفظ العظيم، *وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا* ، هنا بمعنى إذا علمتم شقاق بينهما *فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا* ، لم يقل ربُّنا: وأرسلوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، قال *فَابْعَثُوا* ، لأن الإرسال فيه تمهل وتؤدة، فأنت إذا أمرت أحداً بالرفق تقول له: على رسلك وأما ابعثوا، البعث غير الإرسال، فيه شدة وحركة وقوة، أرأيتم إلى هذا الفرق، لأن الأمر لا يحتمل التأخير، كي لا تتفاقم المشكلة فتصبح معضلة لا تنحل إلا بالفراق وانهدام الأسرة، أرأيتم كيف الله أثارنا وحثنا فقال: فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، ومن أجل الأهمية الكبرى للإصلاح بين الناس كان النبي ﷺ يباشر هذا الإصلاح بنفسه، حتى أنه مرة تأخر عن صلاة الجماعة من أجل الإصلاح بين الناس، فقد روى البخاري و مسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ بلغه أن بني عمر بن عوف وهؤلاء في قباء، كان بينهم شر، حصلت بينهما خصومة فخرج رسول الله ﷺ بنفسه في أناس معه، في حديث طويل.
ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام:
*ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والزكاة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة*، قال في رواية الترمذي: *لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين*
يعني العداوات والبغضاء تحلق الدين ولا يبقى من الدين إلا رسمه، صلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، وصيام لا يصد عن الزور والقطيعة إلى آخر ما هنالك.
لذلك الإمام الأوزاعي استفاد من هذا فقال:
*ما خطوة أحب إلى الله من خطوة إصلاح ذات البين*.
وللأهمية الكبرى للإصلاح بين الناس، فقد رخَّص النبي ﷺ بالكذب الذي هو في الأصل من أسوأ الأخلاق ولا يتصف به مؤمن، ولكن إن كان وسيلة للإصلاح فلا حرج فيه، قال عليه الصلاة والسلام:
*ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً*
لذلك أقول لك أخي المؤمن بادر إلى إصلاح ما بينك وبين أخيك، كن سباقاً إلى ذلك، لقد علمت المخاطر على إصرارك، وعلمت أن خطواتك في الإصلاح بينك وبين أخيك من أحب الخطوات إلى الله، فاخلع عنك رداء الكبر، وانزع من قلبك بذرة الكبر، وخلص نفسك منه قبل أن تموت وأنت متكبر.
بادر إلى أخيك قبل أن يسبقك إلى هذا الفضل وإلى هذه الخيرية، فقد قال لك المصطفى ﷺ، فإن كنت تحبه حقاً وتقول: روحي فداه، فنفذ أمره حين قال لك: وخيرهما من يبدأ صاحبه بالسلام، وقال لك في ما رواه أبي داود عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه: *إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام*
أولى الناس بالله يعني أولاهم برحمته ومغفرته وعطاياه.
قد تقول:
لقد بادرت فلم يستجب ولم يقبل!!!.
فأقول لك:
كرر المبادرة، واتخذ أسلوباً حسنا يفتح لك قلب أخيك فأنت الرابح أولاً وآخراً، أهدِ له هدية، أرسل له رسالة على الواتس أب فيها كلامات ندية وألفاظ رقيقة وعبارات جميلة فلا شك أنها ستفتح قلبه، لأن الإنسان كتلة مشاعر وأحاسيس، وبعد ذلك إن لم يتحقق لك ما تريد فأنت قد برأت من الهجران وعملت ما عليك، فقد قال لك المصطفى ﷺ:
*لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمناً قبل ثلاث، فإن مرت فيه ثلاث فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد*(يعني صاحبه) *فقد باء بالإثم وخرج المسلِّم من الهجرة*.
يعني تكون أنت عملت ما عليك وبرأت عند الله سبحانه وتعالى وتخلصت من هذا الداء الخبيث داء الكبر الوبيل.
أحد الشعراء هو محمد بن أيمن الرُّهاوي قال:
*إن المكارم كلها لو حصلت......رجعت بجملتها إلى شيئين*
*تعظيم أمر الله جل جلاله ...والسعي في إصلاح ذات البَيْن*.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر يا رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
ثم أمرنا الله عز وجل بنص الكتاب أن نبادر إلى إصلاح الخلاف والقطيعة إذا حصلت بين الزوجين في الأسرة، كي لا تسقط الأسرة ولا ينهار البيت والأسرة هي اللبنة الأساسية في المجتمع، فقال تعالى:
*وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا*
اسمعوا إلى هذه الآية إلى هذا اللفظ العظيم، *وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا* ، هنا بمعنى إذا علمتم شقاق بينهما *فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا* ، لم يقل ربُّنا: وأرسلوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، قال *فَابْعَثُوا* ، لأن الإرسال فيه تمهل وتؤدة، فأنت إذا أمرت أحداً بالرفق تقول له: على رسلك وأما ابعثوا، البعث غير الإرسال، فيه شدة وحركة وقوة، أرأيتم إلى هذا الفرق، لأن الأمر لا يحتمل التأخير، كي لا تتفاقم المشكلة فتصبح معضلة لا تنحل إلا بالفراق وانهدام الأسرة، أرأيتم كيف الله أثارنا وحثنا فقال: فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، ومن أجل الأهمية الكبرى للإصلاح بين الناس كان النبي ﷺ يباشر هذا الإصلاح بنفسه، حتى أنه مرة تأخر عن صلاة الجماعة من أجل الإصلاح بين الناس، فقد روى البخاري و مسلم عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ بلغه أن بني عمر بن عوف وهؤلاء في قباء، كان بينهم شر، حصلت بينهما خصومة فخرج رسول الله ﷺ بنفسه في أناس معه، في حديث طويل.
ومن هنا قال عليه الصلاة والسلام:
*ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والزكاة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة*، قال في رواية الترمذي: *لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين*
يعني العداوات والبغضاء تحلق الدين ولا يبقى من الدين إلا رسمه، صلاة لا تنهى عن الفحشاء والمنكر، وصيام لا يصد عن الزور والقطيعة إلى آخر ما هنالك.
لذلك الإمام الأوزاعي استفاد من هذا فقال:
*ما خطوة أحب إلى الله من خطوة إصلاح ذات البين*.
وللأهمية الكبرى للإصلاح بين الناس، فقد رخَّص النبي ﷺ بالكذب الذي هو في الأصل من أسوأ الأخلاق ولا يتصف به مؤمن، ولكن إن كان وسيلة للإصلاح فلا حرج فيه، قال عليه الصلاة والسلام:
*ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً*
لذلك أقول لك أخي المؤمن بادر إلى إصلاح ما بينك وبين أخيك، كن سباقاً إلى ذلك، لقد علمت المخاطر على إصرارك، وعلمت أن خطواتك في الإصلاح بينك وبين أخيك من أحب الخطوات إلى الله، فاخلع عنك رداء الكبر، وانزع من قلبك بذرة الكبر، وخلص نفسك منه قبل أن تموت وأنت متكبر.
بادر إلى أخيك قبل أن يسبقك إلى هذا الفضل وإلى هذه الخيرية، فقد قال لك المصطفى ﷺ، فإن كنت تحبه حقاً وتقول: روحي فداه، فنفذ أمره حين قال لك: وخيرهما من يبدأ صاحبه بالسلام، وقال لك في ما رواه أبي داود عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه: *إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام*
أولى الناس بالله يعني أولاهم برحمته ومغفرته وعطاياه.
قد تقول:
لقد بادرت فلم يستجب ولم يقبل!!!.
فأقول لك:
كرر المبادرة، واتخذ أسلوباً حسنا يفتح لك قلب أخيك فأنت الرابح أولاً وآخراً، أهدِ له هدية، أرسل له رسالة على الواتس أب فيها كلامات ندية وألفاظ رقيقة وعبارات جميلة فلا شك أنها ستفتح قلبه، لأن الإنسان كتلة مشاعر وأحاسيس، وبعد ذلك إن لم يتحقق لك ما تريد فأنت قد برأت من الهجران وعملت ما عليك، فقد قال لك المصطفى ﷺ:
*لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمناً قبل ثلاث، فإن مرت فيه ثلاث فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد*(يعني صاحبه) *فقد باء بالإثم وخرج المسلِّم من الهجرة*.
يعني تكون أنت عملت ما عليك وبرأت عند الله سبحانه وتعالى وتخلصت من هذا الداء الخبيث داء الكبر الوبيل.
أحد الشعراء هو محمد بن أيمن الرُّهاوي قال:
*إن المكارم كلها لو حصلت......رجعت بجملتها إلى شيئين*
*تعظيم أمر الله جل جلاله ...والسعي في إصلاح ذات البَيْن*.
اللهم اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر يا رب العالمين.
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
♥️جلسة الصفا ♥️
6 شعبان 1437
13 أيار 2016
لفضيلة الشيخ♦️
🔸محمد نعيم عرقسوسي🔸
💥 بعنوان
*(8) من كواشف الكبر*
* المراء* (19)
بسم الله الرحمن الرحيم
المراء: طعنك في كلام الغير بإظهار خلل فيه، بغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيَّتِك عليه، فالهدف منه هو التأكيد لخصمك بأنه هو على خطأ وأنت على الصواب، لذلك المماري يستمر في الأخذ والرد ويجادل ويناقش من أجل أن يثبت أنه هو الصواب وغيره على خطأ قطعاً.
ولا شك أن هذا المرض مرض المراء مرض مدمِّر، وابتلي به كثير من المسلمين ولذلك كان هو السبب لاتساع الخلاف بين المتجادلين واشتعال الأحقاد وإثارة العداوات، وهذا دأب كثير من الناس في جلساتهم في سهراتهم في منتدياتهم في أحاديثهم، تراهم يتجادلون ويتمارون في كل صغيرة وكبيرة لا لجلب مصلحة ولا لدرء مفسدة ولا بهدف الوصول إلى الحق أو الأخذ به، ولكن رغبة في اللدد والخصومة والتشفِّي من الطرف الآخر، وهذا المراء في الحقيقة مزَّق شمل الأمة، وفكَّك أواصر المجتمع وجعل الناس فرقاً وشيعاً وأحزاباً، صار بين يمين ويسار، وشمال وجنوب ومتطرف ومتشدد، ووسط ويمين وسط إلى آخر هذه التصنيفات التي نعلمها، وكان الذي يُزكيها ويقويها هذا المراء بين الناس بقصد الغلبة.
فلما كان هذا المراء مجلبة للعداوة ومدعاة للتعصب للرأي بشكل شديد وقبيح ، ومطيَّة لاتباع الهوى قال الرسولﷺ في الحديث الذي رواه الإمام البخاري وغيره عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، قال عليه الصلاة والسلام:
*إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصِم*
أي الشديد الخصومة والمماحكة والجدال بالباطل، ويقول علماء اللغة: كلمة الألد مأخوذة من لديدي الوادي وهما جانباه، لأن المجادل كلما احتجَّ عليه بحجة أخذ في جانب آخر، هذا الذي يريد أن يخاصم ويجادل ويماري، لا بقصد إظهار الحق، فقط بقصد الظهور والغلبة، لذلك كان من أبغض الرجال إلى الله تعالى، لأن الله عز وجل يحب من ينشر الحب بين المسلمين ويبغض كل من ينشر العداوة ويهيِّج العداوة بين الأمة.
واللديد في الخصومة هو مثل الشيطان الذي يوقع بين الناس في العداوة والبغضاء ويهيج الأحقاد بين الناس، قال تعالى:
*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ*
لذلك جاء هذا التحذير من النبي عليه السلام من الجدال بالباطل، روى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي وغيرهم عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ﷺقال:
*من خاصم في باطل وهو يعلم، لم يزل في سخط الله وهو يعلم حتى ينزع*
أيرضى الإنسان أن يقع في سخط الله من أجل أن يزهو بنفسه وهو يجادل في أمر باطل، إلا بسبب شهوة الغلبة والإفحام، وهذا الحديث يحذرك بأن تجادل بأمر من أجل أن تثبت ذاتك وليس لإظهار الحق.
وهذا الحديث يشمل المحامي الذي يدافع عن قضية يعلم أنها باطلة ويعلم أن صاحبها ليس على حق، وأنه ظالمٌ ومبطلٌ وغاصبٌ لحقوق الآخرين وحقوق من يخاصمهم، فأخذاً من هذا الحديث نوجه نصيحة للإخوة المحامين لكي لا يقعوا في سخط الله عز وجل، وهي يجب على المحامي أن يعرف أن المدعي الذي وكله على حق، وليس باطلاً، فإن عرف أن موكله مبطل وظالم فلا يجوز له أن يدافع عنه، ولا يرضى بتوكيله له، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى قال:
*وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ*
والله عز وجل قال في سورة النساء:
*وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا*
خصيم: يعني مدافع ومنتصر لهم، إياك أن تكون مدافعاً عن الخائنين أو الظالمين أو المبطلين، لا تدافع عنهم ولو كانت القضية ستكسبك الملايين من الأموال.
وفي رواية لابن عمر:
*من أعان على خصومة بغير حق، فهو مستظل في سخط الله حتى يترك*
وفي رواية:
*من أعان على خصومة لا يدري على حق أم باطل، فهو في سخط الله عز وجل*
قد يقول لك، لم أكن أعلم أنه حق أم باطل، فمعنى ذلك لا ينبغي أيضاً أن تستلم قضية إلا إذا كان صاحبها على حق.
وهناك رواية لابن عباس رضي الله تعالى عنه:
قال رسول الله ﷺ:
*من أعان باطلاً ليدحض بباطله حقاً، فقد برأت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله*
إذن ربنا عز وجل يريد أن لا يتجادل الناس بالباطل وألا يتخاصموا عنه وألا يدافعوا عنه، فالإنسان المماري المجادل بالباطل سواء عن نفسه أو عن غيره،كما قال عليه الصلاة والسلام لم يزل في سخط الله حتى يترك وينزع وينتهي من هذه القضية الخطيرة.
هل يخفف عن الإنسان سخط الله تعالى له زهوَّه بنفسه؟؟؟!
ما هذا الوهم الذي يعيش فيه..!!.
وهناك أمر آخر، وهو أن الجدال بالباطل يوصل على أمر خطير، فنحن نقرأ في سورة الفاتحة:
*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ*
6 شعبان 1437
13 أيار 2016
لفضيلة الشيخ♦️
🔸محمد نعيم عرقسوسي🔸
💥 بعنوان
*(8) من كواشف الكبر*
* المراء* (19)
بسم الله الرحمن الرحيم
المراء: طعنك في كلام الغير بإظهار خلل فيه، بغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيَّتِك عليه، فالهدف منه هو التأكيد لخصمك بأنه هو على خطأ وأنت على الصواب، لذلك المماري يستمر في الأخذ والرد ويجادل ويناقش من أجل أن يثبت أنه هو الصواب وغيره على خطأ قطعاً.
ولا شك أن هذا المرض مرض المراء مرض مدمِّر، وابتلي به كثير من المسلمين ولذلك كان هو السبب لاتساع الخلاف بين المتجادلين واشتعال الأحقاد وإثارة العداوات، وهذا دأب كثير من الناس في جلساتهم في سهراتهم في منتدياتهم في أحاديثهم، تراهم يتجادلون ويتمارون في كل صغيرة وكبيرة لا لجلب مصلحة ولا لدرء مفسدة ولا بهدف الوصول إلى الحق أو الأخذ به، ولكن رغبة في اللدد والخصومة والتشفِّي من الطرف الآخر، وهذا المراء في الحقيقة مزَّق شمل الأمة، وفكَّك أواصر المجتمع وجعل الناس فرقاً وشيعاً وأحزاباً، صار بين يمين ويسار، وشمال وجنوب ومتطرف ومتشدد، ووسط ويمين وسط إلى آخر هذه التصنيفات التي نعلمها، وكان الذي يُزكيها ويقويها هذا المراء بين الناس بقصد الغلبة.
فلما كان هذا المراء مجلبة للعداوة ومدعاة للتعصب للرأي بشكل شديد وقبيح ، ومطيَّة لاتباع الهوى قال الرسولﷺ في الحديث الذي رواه الإمام البخاري وغيره عن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها، قال عليه الصلاة والسلام:
*إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصِم*
أي الشديد الخصومة والمماحكة والجدال بالباطل، ويقول علماء اللغة: كلمة الألد مأخوذة من لديدي الوادي وهما جانباه، لأن المجادل كلما احتجَّ عليه بحجة أخذ في جانب آخر، هذا الذي يريد أن يخاصم ويجادل ويماري، لا بقصد إظهار الحق، فقط بقصد الظهور والغلبة، لذلك كان من أبغض الرجال إلى الله تعالى، لأن الله عز وجل يحب من ينشر الحب بين المسلمين ويبغض كل من ينشر العداوة ويهيِّج العداوة بين الأمة.
واللديد في الخصومة هو مثل الشيطان الذي يوقع بين الناس في العداوة والبغضاء ويهيج الأحقاد بين الناس، قال تعالى:
*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ*
لذلك جاء هذا التحذير من النبي عليه السلام من الجدال بالباطل، روى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم والبيهقي وغيرهم عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ﷺقال:
*من خاصم في باطل وهو يعلم، لم يزل في سخط الله وهو يعلم حتى ينزع*
أيرضى الإنسان أن يقع في سخط الله من أجل أن يزهو بنفسه وهو يجادل في أمر باطل، إلا بسبب شهوة الغلبة والإفحام، وهذا الحديث يحذرك بأن تجادل بأمر من أجل أن تثبت ذاتك وليس لإظهار الحق.
وهذا الحديث يشمل المحامي الذي يدافع عن قضية يعلم أنها باطلة ويعلم أن صاحبها ليس على حق، وأنه ظالمٌ ومبطلٌ وغاصبٌ لحقوق الآخرين وحقوق من يخاصمهم، فأخذاً من هذا الحديث نوجه نصيحة للإخوة المحامين لكي لا يقعوا في سخط الله عز وجل، وهي يجب على المحامي أن يعرف أن المدعي الذي وكله على حق، وليس باطلاً، فإن عرف أن موكله مبطل وظالم فلا يجوز له أن يدافع عنه، ولا يرضى بتوكيله له، لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى قال:
*وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ*
والله عز وجل قال في سورة النساء:
*وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا*
خصيم: يعني مدافع ومنتصر لهم، إياك أن تكون مدافعاً عن الخائنين أو الظالمين أو المبطلين، لا تدافع عنهم ولو كانت القضية ستكسبك الملايين من الأموال.
وفي رواية لابن عمر:
*من أعان على خصومة بغير حق، فهو مستظل في سخط الله حتى يترك*
وفي رواية:
*من أعان على خصومة لا يدري على حق أم باطل، فهو في سخط الله عز وجل*
قد يقول لك، لم أكن أعلم أنه حق أم باطل، فمعنى ذلك لا ينبغي أيضاً أن تستلم قضية إلا إذا كان صاحبها على حق.
وهناك رواية لابن عباس رضي الله تعالى عنه:
قال رسول الله ﷺ:
*من أعان باطلاً ليدحض بباطله حقاً، فقد برأت منه ذمة الله تعالى وذمة رسوله*
إذن ربنا عز وجل يريد أن لا يتجادل الناس بالباطل وألا يتخاصموا عنه وألا يدافعوا عنه، فالإنسان المماري المجادل بالباطل سواء عن نفسه أو عن غيره،كما قال عليه الصلاة والسلام لم يزل في سخط الله حتى يترك وينزع وينتهي من هذه القضية الخطيرة.
هل يخفف عن الإنسان سخط الله تعالى له زهوَّه بنفسه؟؟؟!
ما هذا الوهم الذي يعيش فيه..!!.
وهناك أمر آخر، وهو أن الجدال بالباطل يوصل على أمر خطير، فنحن نقرأ في سورة الفاتحة:
*صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ*
فقد بيّن النبي ﷺ أن الاستمرار في الجدال بالباطل يوصل إلى الضلالة، فقد روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، قال رسول الله ﷺ:
*ما ضل قومٌ بعد هدىً كانوا عليه، إلا أوتوا الجدل*
وتلا رسول الله ﷺ قول الله تعالى:
*مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ*
خصمون: يعني يجادلون بالباطل.
شرح ابن القيم رحمه الله تعالى كيف يوصل الجدل إلى الضلالة فقال:
*من نصر هواه فسد عليه عقله و رأيه، لأنه قد خان الله في عقله فأفسده عليه*.
ولقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام كثيراً من الناس الذين يقرؤون ويطالعون ويتثقفون، ليس من أجل القراءة أو الثقافة أو المطالعة إنما بقصد إظهار نفسه بأنه يستطيع أن يجادل ويماري ويحاور ويناقش ويظهر على أقرانه، نقول لهم اسمعوا هذا الحديث الذي رواه الترمذي عن النبي ﷺ:
*من طلب العلم ليُجاري به العلماء، أو ليُماري به السفهاء، أو يصرف وجوه الناس إليه، أدخله الله النار*
فأصل تعلمك ومعرفتك ينبغي أن تكون بقصد رضى الله تعالى، فهذا الجدل أوصل إلى الضلالة كما قال عليه الصلاة والسلام، سوى ما ينجم عن هذا الجدال من خصومات وعداوات.
قيل لعبد الله بن الحسن: ما تقول في المراء؟؟، قال:
*يفسد الصداقة القديمة ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن يكون دريئة للمغالبة والمغالبة أمثل أسباب القطيعة*.
وقال أيضاً:
*المراء رائد الغضب فأخشى الله عقلاً يأتيك بالغضب*.
فإذا أغضبت صاحبك، حينئذٍ كرهك وأنت تكرهه فحصلت هذه القطيعة.
أرأيتم إلى هذا المساوئ للمراء؟؟؟!، من أجل هذا، النبي عليه الصلاة والسلام رغَّبنا أن نتركه جملة وتفصيلاً فقال في الحديث الذي رواه أبي داود عن أبي أمامة:
*أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو محقا*
زعيم: كفيل.
ولو كان الحق معك، توقف عن الجدال والمراء حتى تغلق أبواب الشر وتسد منافذ الشيطان، وتحفظ النفوس من شر العداوة والبغضاء، وتحفظ نفسك من الوقوع في داء الكبر وحب الظهور والغلبة.
لذلك مدح النبي ﷺ أحد الصحابة وهو السائب بن أبي السائب رضي الله عنه وكان يشارك النبي عليه الصلاة والسلام قبل الإسلام في التجارة، فلما كان يوم فتح مكة جاءه السائب، فقال له النبي ﷺ :
*مرحباً بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري*
لا يوجد نفاق في قلبه، ولا يريد أن ينتصر بالباطل على الحق.
لذلك الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم أخذوا هذه المعاني ورسخوها حتى تبقى دائماً في أذهاننا، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
*كفى بك ظالما أن لا تزال مخاصماً، وكفى بك آثماً أن لا تزال ممارياً*
لذلك قال سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه:
*إذا أحببت رجلاً فلا تماره*
وقال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه:
*ذروا المراء فإنه لا تؤمن فتنته*
فتنته على المماري أولاً، وفتنته بين الناس ثانياً.
وقال بلال بن سعد:
* إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا معجبًا برأيه، فقد تمت خسارته.*
ويقولون أن الحسن البصري سمع قوماً يتجادلون، فقال:
*هؤلاء ملُّوا العبادة وخفَّ عليهم القول والجدل وقلًّ ورعهم فتجادلوا*
.
جاء إليه رجل فقال له: يا أبا سعيد تعال أخاصمك في الدِّين، فقال له: أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه.
وقال مسلم بن يسار:
*إيَّاكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلَّته*.
حتى العالم حين يدخل في المماراة يكون في ساعة الجهل التي يريد بها الشيطان أن يزلَّه من خلال هذه المماراة.
وقال أحد المحدثين الكبار التابعين، عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
*ما ماريت أخي أبداً لأني إن ماريته إما أن أكذبه وإما أن أغضبه*.
وقال الإمام الشافعي:
*المراء في العلم يُقسِّي القلوب ويورث الضغائن*.
إذن العلماء والصحابة والسلف كلهم اجتمعوا على خطورة وقبح وسوء نتائج المراء، ويكفي أن النبي ﷺ قال:
*إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم*
عند الناس يقولون عنه: ما شاء الله إنه صاحب حجة، ما هذه الحجة التي تكون بالباطل؟؟؟!!، لا قيمة لها على الإطلاق.
لذلك العلماء حذروا من الوقوع في فخِّ المراء، وخاصة قالوا مع أهل الأهواء، فالحديث معهم هواء لا قيمة له ولا تصل معهم إلى حقيقة.
قال أبو بكر الآجُرِّي وهو من كبار العلماء في كتاب "الشريعة" :
لو قال قائل:
رجلٌ علَّمه الله عز وجل علماً، فجاءه رجلٌ يسأله مسألة في الدين ينازعه و يخاصمه، يسمونه العلماء من أهل الأهواء، ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة ويرد عليه قوله؟؟، قال له: هذا الذي نُهينا عنه وهو الذي حذَّرناه من تقدم من أئمة المسلمين، فقال له القائل: إذن فماذا تصنع؟، فقال له: إن كان يسألك مسألة مسترشدٍ إلى طريق الحق لا مناظرة، فأرشده من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك فقط، فهذا الذي كرهه العلماء، فلا تناظره واحذره على دينك.
*ما ضل قومٌ بعد هدىً كانوا عليه، إلا أوتوا الجدل*
وتلا رسول الله ﷺ قول الله تعالى:
*مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ*
خصمون: يعني يجادلون بالباطل.
شرح ابن القيم رحمه الله تعالى كيف يوصل الجدل إلى الضلالة فقال:
*من نصر هواه فسد عليه عقله و رأيه، لأنه قد خان الله في عقله فأفسده عليه*.
ولقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام كثيراً من الناس الذين يقرؤون ويطالعون ويتثقفون، ليس من أجل القراءة أو الثقافة أو المطالعة إنما بقصد إظهار نفسه بأنه يستطيع أن يجادل ويماري ويحاور ويناقش ويظهر على أقرانه، نقول لهم اسمعوا هذا الحديث الذي رواه الترمذي عن النبي ﷺ:
*من طلب العلم ليُجاري به العلماء، أو ليُماري به السفهاء، أو يصرف وجوه الناس إليه، أدخله الله النار*
فأصل تعلمك ومعرفتك ينبغي أن تكون بقصد رضى الله تعالى، فهذا الجدل أوصل إلى الضلالة كما قال عليه الصلاة والسلام، سوى ما ينجم عن هذا الجدال من خصومات وعداوات.
قيل لعبد الله بن الحسن: ما تقول في المراء؟؟، قال:
*يفسد الصداقة القديمة ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن يكون دريئة للمغالبة والمغالبة أمثل أسباب القطيعة*.
وقال أيضاً:
*المراء رائد الغضب فأخشى الله عقلاً يأتيك بالغضب*.
فإذا أغضبت صاحبك، حينئذٍ كرهك وأنت تكرهه فحصلت هذه القطيعة.
أرأيتم إلى هذا المساوئ للمراء؟؟؟!، من أجل هذا، النبي عليه الصلاة والسلام رغَّبنا أن نتركه جملة وتفصيلاً فقال في الحديث الذي رواه أبي داود عن أبي أمامة:
*أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو محقا*
زعيم: كفيل.
ولو كان الحق معك، توقف عن الجدال والمراء حتى تغلق أبواب الشر وتسد منافذ الشيطان، وتحفظ النفوس من شر العداوة والبغضاء، وتحفظ نفسك من الوقوع في داء الكبر وحب الظهور والغلبة.
لذلك مدح النبي ﷺ أحد الصحابة وهو السائب بن أبي السائب رضي الله عنه وكان يشارك النبي عليه الصلاة والسلام قبل الإسلام في التجارة، فلما كان يوم فتح مكة جاءه السائب، فقال له النبي ﷺ :
*مرحباً بأخي وشريكي، كان لا يداري ولا يماري*
لا يوجد نفاق في قلبه، ولا يريد أن ينتصر بالباطل على الحق.
لذلك الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم أخذوا هذه المعاني ورسخوها حتى تبقى دائماً في أذهاننا، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
*كفى بك ظالما أن لا تزال مخاصماً، وكفى بك آثماً أن لا تزال ممارياً*
لذلك قال سيدنا معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه:
*إذا أحببت رجلاً فلا تماره*
وقال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه:
*ذروا المراء فإنه لا تؤمن فتنته*
فتنته على المماري أولاً، وفتنته بين الناس ثانياً.
وقال بلال بن سعد:
* إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا معجبًا برأيه، فقد تمت خسارته.*
ويقولون أن الحسن البصري سمع قوماً يتجادلون، فقال:
*هؤلاء ملُّوا العبادة وخفَّ عليهم القول والجدل وقلًّ ورعهم فتجادلوا*
.
جاء إليه رجل فقال له: يا أبا سعيد تعال أخاصمك في الدِّين، فقال له: أما أنا فقد أبصرت ديني، فإن كنت أضللت دينك فالتمسه.
وقال مسلم بن يسار:
*إيَّاكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلَّته*.
حتى العالم حين يدخل في المماراة يكون في ساعة الجهل التي يريد بها الشيطان أن يزلَّه من خلال هذه المماراة.
وقال أحد المحدثين الكبار التابعين، عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
*ما ماريت أخي أبداً لأني إن ماريته إما أن أكذبه وإما أن أغضبه*.
وقال الإمام الشافعي:
*المراء في العلم يُقسِّي القلوب ويورث الضغائن*.
إذن العلماء والصحابة والسلف كلهم اجتمعوا على خطورة وقبح وسوء نتائج المراء، ويكفي أن النبي ﷺ قال:
*إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم*
عند الناس يقولون عنه: ما شاء الله إنه صاحب حجة، ما هذه الحجة التي تكون بالباطل؟؟؟!!، لا قيمة لها على الإطلاق.
لذلك العلماء حذروا من الوقوع في فخِّ المراء، وخاصة قالوا مع أهل الأهواء، فالحديث معهم هواء لا قيمة له ولا تصل معهم إلى حقيقة.
قال أبو بكر الآجُرِّي وهو من كبار العلماء في كتاب "الشريعة" :
لو قال قائل:
رجلٌ علَّمه الله عز وجل علماً، فجاءه رجلٌ يسأله مسألة في الدين ينازعه و يخاصمه، يسمونه العلماء من أهل الأهواء، ترى له أن يناظره حتى تثبت عليه الحجة ويرد عليه قوله؟؟، قال له: هذا الذي نُهينا عنه وهو الذي حذَّرناه من تقدم من أئمة المسلمين، فقال له القائل: إذن فماذا تصنع؟، فقال له: إن كان يسألك مسألة مسترشدٍ إلى طريق الحق لا مناظرة، فأرشده من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وإن كان يريد مناظرتك ومجادلتك فقط، فهذا الذي كرهه العلماء، فلا تناظره واحذره على دينك.
وروى الأجري كذلك عن معن بن عيسى وهو لقي الإمام مالك بن مالك إمام دار الهجرة، قال: انصرف الإمام مالك بن أنس يوماً من المجلس فلحقه رجل من أهل الأهواء(لديه تخبيص بالعقائد والأفكار) فقال له: يا إمام، اسمع مني شيئاً أكلمك به وأحاجُّك وأخبرك برأيي، فقال له الإمام مالك: فإن غلبتني؟، قال: إن غلبتك اتبعتني، قال: فإن جاء رجل آخر فغلبنا؟!!، قال: نتبعه، فقال الإمام مالك: يا عبد الله، بعث الله محمداً بدينٍ واحد، وأراك تنتقل من دين إلى دين.
فالقضية إذن ليست قضية غلبة، وقضية حب للنقاش والمراء بلا فائدة، هذا أمر خطير جداً، لذلك النبي ﷺ قال:
*أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا*
المراء قطعاً هو شر، لذلك العلماء إذا وقعوا في المناظرة وخافوا أن توصلهم إلى شر المراء رجعوا فوراً.
يقول الإمام بن حزم:
ناظرت رجلاً من أصحابنا فظهرت عليه في النقاش، وانفض المجلس على أني الظاهر عليه، فلما أتيت منزلي حاكى في نفسي شيء، فرجعت إلى الكتب فوجدت برهاناً صحيحاً يبيِّن بطلان قولي وصحة قول خصمي، وكان معي أحد أصحابنا ممن شهد المجلس، فعلمت على المكان من الكتاب، فقال له صاحبه: ما تريد؟!، قال: أريد حمل الكتاب وعرضه على فلان وإعلامه أنه هو المحق وأنا هو المبطل، وأنِّي راجعٌ إلى قوله، فقال له: و تسمح نفسك بهذا؟!، قال: نعم، ولو أمكنني ذلك في وقتي هذا ما أخرته إلى الغد وإنما أظهرت التراجع الآن أمامه.
إذن كانوا يخافون على أنفسهم،لأن المرائي لم يزل في سخط الله، فالذي ينظر إلى النتائج وإلى العواقب وأنه أبغض الرجال إلى الله يتوقف عنه، فالمراء هراء، والمراء يوصل إلى الباطل وإلى البلاء وهو عرض من أعراض الكبر الذي قال فيه النبي ﷺ:
*لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر*
اللهم نجنا من جميع الكبر من جميع أعراضه وأمراضه وأوصافه وعلاماته يا رب العالمين لنلقاك بقلب سليم، * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)*
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم*
فالقضية إذن ليست قضية غلبة، وقضية حب للنقاش والمراء بلا فائدة، هذا أمر خطير جداً، لذلك النبي ﷺ قال:
*أنا زعيم ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا*
المراء قطعاً هو شر، لذلك العلماء إذا وقعوا في المناظرة وخافوا أن توصلهم إلى شر المراء رجعوا فوراً.
يقول الإمام بن حزم:
ناظرت رجلاً من أصحابنا فظهرت عليه في النقاش، وانفض المجلس على أني الظاهر عليه، فلما أتيت منزلي حاكى في نفسي شيء، فرجعت إلى الكتب فوجدت برهاناً صحيحاً يبيِّن بطلان قولي وصحة قول خصمي، وكان معي أحد أصحابنا ممن شهد المجلس، فعلمت على المكان من الكتاب، فقال له صاحبه: ما تريد؟!، قال: أريد حمل الكتاب وعرضه على فلان وإعلامه أنه هو المحق وأنا هو المبطل، وأنِّي راجعٌ إلى قوله، فقال له: و تسمح نفسك بهذا؟!، قال: نعم، ولو أمكنني ذلك في وقتي هذا ما أخرته إلى الغد وإنما أظهرت التراجع الآن أمامه.
إذن كانوا يخافون على أنفسهم،لأن المرائي لم يزل في سخط الله، فالذي ينظر إلى النتائج وإلى العواقب وأنه أبغض الرجال إلى الله يتوقف عنه، فالمراء هراء، والمراء يوصل إلى الباطل وإلى البلاء وهو عرض من أعراض الكبر الذي قال فيه النبي ﷺ:
*لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر*
اللهم نجنا من جميع الكبر من جميع أعراضه وأمراضه وأوصافه وعلاماته يا رب العالمين لنلقاك بقلب سليم، * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)*
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم*
جلسة الصفا
13 شعبان 1437
20 أيار 2016
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان
*(8-2) من كواشف الكبر*
* الدفاع عن الباطل* (20)
بسم الله الرحمن الرحيم
مرَّ معنا في الدرس الماضي أن من الكبر أن يجادل الإنسان في الباطل ليدحض الحق ويحرص على أن تكون له الغلبة ولو بغير حق، وهذا الأمر بيَّنه الله تعالى في محكم تنزيله فقال عز وجل:
*إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ*
إذن، هذا نص صريح بأن الذي يجادل في الباطل هو بسبب الكبر.
وكما مرَّ معنا ما يجره هذا الجدال في الباطل من عداوات وخصومات وتفرقة بين أفراد الأمة وإلى آخر ما هنالك، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
*إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم*
أي الشديد الخصومة والمماحكة والجدال بالباطل، و كلمة الألد مأخوذة من لديدي الوادي وهما جانباه.
إذن أصل الكبر هو رفض الحق، ومرَّ معنا حديث النبي عليه الصلاة والسلام:
*من خاصم في باطل وهو يعلم، لم يزل في سخط الله وهو يعلم حتى ينزع*
ينزع: يترك.
هذا الحديث يشمل كل من يدافع عن المبطل المفسد ، يدافع عنه بحمية وعصبية، فيدخل فيه الأب الذي يدافع عن ابنه المذنب، ويبرر سوء فعله وسوء صنيعه، فيدخل في خصومة مع الجيران ومع أصحابه من أجل أن يدافع عن ولده السيء.
ويشمل هذا الحديث الأم التي تدافع عن ولدها حيث تكون العاطفة هي التي تتحكم بها، فتدافع عن ولدها دفاعاً أعمى لأنه ولدها ولا تعود إلى الحق والإنصاف، والله تعالى أمرنا دائماً أن نقف عند الحق، قال تعالى: *وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى* ، فلا يجوز لك أن تنصر قريبك بالباطل لأنه قريبك، ولا يجوز أن يدافع الأخ عن أخيه بالباطل، أو الشريك عن شريكه، أو المدير عن موظفه، وغير ذلك من الصور التي يقع فيها مثل هذا الخوض والجدال والدفاع عن المبطل بحمية أو عصبية أو مصلحة مادية تكون هي وراء هذا الأمر.
وحين قلنا أن هذا الحديث يشمل المحامي كذلك، لا نقصد أن الأمر محصورٌ فيه، ولكن ذكرناه لأنه أكثر الناس تعرضاً لهذا الأمر، لأن الناس يوكلونه في الدفاع عنهم، أصلاً، أصل مهنته هو الدفاع عن موكليه، والناس فيهم البر وفيهم الفاجر، فيهم الصالح وفيهم الطالح، ومهنة المحاماة أصلها البحث عن العدل لإحقاق الحق وإبطال الباطل، فإذا عكس الأمر، يكون الإنسان قد وقع في الخطر الشديد، لذلك جاء تحذير النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث لئلا ينحرف أحد عن الصواب و لئلا يحيد عن سبيل الحق والعدل والذي به صلاح الأمة وصلاح العباد وصلاح البلاد.
طبعاً يدخل فيه كذلك شاهد الزور، الذي يشهد زوراً وبهتاناً فيكون عوناً للمبطل على باطله، ويدخل أيضاً في هذا الحديث المسيء على إساءته والمفسد على فساده، والمبطل على باطله.
ويدخل فيه الذي يتوسط بجاهه ومنزلته لتبرئة مفسدٍ حقاً أو مسيء، والنبي ﷺ قال:
*لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها*
فلم يُجز النبي عليه الصلاة والسلام لأحد أن يتوسط لمن كان مبطلاً حقاً
لذلك إذا أعطاك الله جاه أو منزلة، إياك أن تتوسط لمجرم أو مسيء، فبهذا الحديث يحذر النبي عليه الصلاة والسلام على نطاق واسع كيلا يكون أحد منا عوناً لمبطل على باطله بأي صورة من الصور، والله ذكر عن سيدنا موسى عليه السلام:
*قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ*
بما أنعمت عليَّ من علم وقوة معرفة ، لن أكون معيناً للمجرمين.
فإذا أنعم الله تعالى عليك بالجاه والمنزلة فإيَّاك أن تكون ظهيراً ومعيناً للمجرمين.
ولمَّا كانت هذه القضية في غاية الأهمية، الله تعالى حذر منها في كتابه، وهذه الحادثة هي سبب نزول الآيات التي سنذكرهاـ خلاصة القصة أن ثلاثة أشخاص من بني أبيرق سرقوا دقيقاً ودرعاً من بيت جيرانهم، جارهم اسمه رفاعة بن زيد، ويروى أنهم طلبوا من النبي ﷺ أن يدافع عنهم، فنزلت الآيات من الله عز وجل لأن الأمر على غاية الأهمية ولأن أهم شيء في الحياة إحقاق الحق، فنزلت هذه الآيات
نبرئ اليهودي وتفضح أمر هؤلاء وتطلع النبي عليه الصلاة والسلام على حقيقة الأمر، قال الله تعالى:
*إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا،وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا،وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا*
13 شعبان 1437
20 أيار 2016
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان
*(8-2) من كواشف الكبر*
* الدفاع عن الباطل* (20)
بسم الله الرحمن الرحيم
مرَّ معنا في الدرس الماضي أن من الكبر أن يجادل الإنسان في الباطل ليدحض الحق ويحرص على أن تكون له الغلبة ولو بغير حق، وهذا الأمر بيَّنه الله تعالى في محكم تنزيله فقال عز وجل:
*إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ*
إذن، هذا نص صريح بأن الذي يجادل في الباطل هو بسبب الكبر.
وكما مرَّ معنا ما يجره هذا الجدال في الباطل من عداوات وخصومات وتفرقة بين أفراد الأمة وإلى آخر ما هنالك، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام:
*إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم*
أي الشديد الخصومة والمماحكة والجدال بالباطل، و كلمة الألد مأخوذة من لديدي الوادي وهما جانباه.
إذن أصل الكبر هو رفض الحق، ومرَّ معنا حديث النبي عليه الصلاة والسلام:
*من خاصم في باطل وهو يعلم، لم يزل في سخط الله وهو يعلم حتى ينزع*
ينزع: يترك.
هذا الحديث يشمل كل من يدافع عن المبطل المفسد ، يدافع عنه بحمية وعصبية، فيدخل فيه الأب الذي يدافع عن ابنه المذنب، ويبرر سوء فعله وسوء صنيعه، فيدخل في خصومة مع الجيران ومع أصحابه من أجل أن يدافع عن ولده السيء.
ويشمل هذا الحديث الأم التي تدافع عن ولدها حيث تكون العاطفة هي التي تتحكم بها، فتدافع عن ولدها دفاعاً أعمى لأنه ولدها ولا تعود إلى الحق والإنصاف، والله تعالى أمرنا دائماً أن نقف عند الحق، قال تعالى: *وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى* ، فلا يجوز لك أن تنصر قريبك بالباطل لأنه قريبك، ولا يجوز أن يدافع الأخ عن أخيه بالباطل، أو الشريك عن شريكه، أو المدير عن موظفه، وغير ذلك من الصور التي يقع فيها مثل هذا الخوض والجدال والدفاع عن المبطل بحمية أو عصبية أو مصلحة مادية تكون هي وراء هذا الأمر.
وحين قلنا أن هذا الحديث يشمل المحامي كذلك، لا نقصد أن الأمر محصورٌ فيه، ولكن ذكرناه لأنه أكثر الناس تعرضاً لهذا الأمر، لأن الناس يوكلونه في الدفاع عنهم، أصلاً، أصل مهنته هو الدفاع عن موكليه، والناس فيهم البر وفيهم الفاجر، فيهم الصالح وفيهم الطالح، ومهنة المحاماة أصلها البحث عن العدل لإحقاق الحق وإبطال الباطل، فإذا عكس الأمر، يكون الإنسان قد وقع في الخطر الشديد، لذلك جاء تحذير النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث لئلا ينحرف أحد عن الصواب و لئلا يحيد عن سبيل الحق والعدل والذي به صلاح الأمة وصلاح العباد وصلاح البلاد.
طبعاً يدخل فيه كذلك شاهد الزور، الذي يشهد زوراً وبهتاناً فيكون عوناً للمبطل على باطله، ويدخل أيضاً في هذا الحديث المسيء على إساءته والمفسد على فساده، والمبطل على باطله.
ويدخل فيه الذي يتوسط بجاهه ومنزلته لتبرئة مفسدٍ حقاً أو مسيء، والنبي ﷺ قال:
*لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها*
فلم يُجز النبي عليه الصلاة والسلام لأحد أن يتوسط لمن كان مبطلاً حقاً
لذلك إذا أعطاك الله جاه أو منزلة، إياك أن تتوسط لمجرم أو مسيء، فبهذا الحديث يحذر النبي عليه الصلاة والسلام على نطاق واسع كيلا يكون أحد منا عوناً لمبطل على باطله بأي صورة من الصور، والله ذكر عن سيدنا موسى عليه السلام:
*قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ*
بما أنعمت عليَّ من علم وقوة معرفة ، لن أكون معيناً للمجرمين.
فإذا أنعم الله تعالى عليك بالجاه والمنزلة فإيَّاك أن تكون ظهيراً ومعيناً للمجرمين.
ولمَّا كانت هذه القضية في غاية الأهمية، الله تعالى حذر منها في كتابه، وهذه الحادثة هي سبب نزول الآيات التي سنذكرهاـ خلاصة القصة أن ثلاثة أشخاص من بني أبيرق سرقوا دقيقاً ودرعاً من بيت جيرانهم، جارهم اسمه رفاعة بن زيد، ويروى أنهم طلبوا من النبي ﷺ أن يدافع عنهم، فنزلت الآيات من الله عز وجل لأن الأمر على غاية الأهمية ولأن أهم شيء في الحياة إحقاق الحق، فنزلت هذه الآيات
نبرئ اليهودي وتفضح أمر هؤلاء وتطلع النبي عليه الصلاة والسلام على حقيقة الأمر، قال الله تعالى:
*إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا،وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا،وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا*
الآن الخطاب هو للنبي ﷺ ، مع أنه لن يكون مدافعاً عن الخائنين، ولكن وجه الخطاب له، لأن الأمر عندما يكون على غاية الأهمية والخطورة يوجه الخطاب للنبي ﷺ ويكون المُراد أمته،
يقول الإمام الشوكاني في تفسيره:
قوله تعالى: (وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) ، دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم بأنه محق.
فكل من يدافع عن آخر ولا يعلم أنه محق يدخل في هذه الآية الخطيرة، ثم أن ربنا أكد هذا المعنى ورسخه فقال: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ) ، يختانون(يخونون)، ولكن جاء الفعل بهذه الصيغة يختان لوصف المبالغة في الخيانة، وقول الله تعالى: ولا تجادل، المخاطب هو كل من يسمع هذه الآية، وكل من يقرأ هذه الآية الخطاب له، وليُنفِّرك الله تعالى من أن تدافع عن إنسان سيء ومؤذٍ قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا)
معنى ذاك أنت تدافع عن من لا يحبه الله تعالى، هذه الآية تجعل الإنسان لا يدافع عن من يبغضه الله تعالى، فإن دافع إنسان عن مبطل صار مثله وشريكه وسرى إليه بغض الله سبحانه و تعالى له، ثم أن ربنا عز وجل قال لكي يظهر العواقب ويظهر النتائج القبيحة لمن ناصر الباطل:
*هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا*
معنى الآية: أي إن استطعتم الآن في الدنيا أن تخدعوا ضعاف العقول.
الذي يحرص على المال، من أجل المال يسيء إلى إنسان مظلوم؟؟!!، ولقد حذرنا النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه وأبو داود في سننه وغيرهم عن سيدنا المستورد بن شداد رضي الله تعالى عنه قال عليه الصلاة والسلام:
*من أكل برجلٍ مسلم أكلة، فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن كُسيَ برجلٍ مسلم ثوباً، فإن الله يكسوه مثله من جهنم*
أي إن أوقع الإنسان المظلوم وشهد عليه زوراً وبهتاناً، فسينال هذه العقوبة الشديدة في جهنم.
فالأصل في المسلم أن يحرص على الحق ويقول كلمة العدل، قال تعالى:
*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا*
فلا تشهد بالباطل من أجل قريبك أو جارك أو صديقك، لأنك بذلك تكون خالفت أهم مقاصد شريعة الإسلام وهي الحرص على الحق والحرص على العدل.
لذلك، الذي يخشى الله سبحانه و تعالى لا يمكن أن يغرَّه متاعٌ في الدنيا قليل، ولا أموال الدنيا كلها، والذي يخشى الوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة، لا يجادل عن نفسه حتى بالباطل ويعترف بالحق إن كان هو مسيء ومفسد، ويقول: أنا أخطأت ووقعت في هذا الأمر، وقد فعل هذا وكان حريصاً جداً أن لا يقع في غضب الله تعالى وسخط الله هو سيدنا كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه، في قصة تخلفه في غزوة تبوك، حيث تخلف عن الغزوة، لما رجع النبي عليه الصلاة والسلام من غزوة تبوك جاءه المنافقون يقدمون أعذارهم، فكان يقبل علانيتهم ويترك سرائرهم إلى الله سبحانه وتعالى، ثم جاء كعب بن مالك وجلس بين يدي رسول الله ﷺ ، قال: يا رسول الله، والله لو قعدت بين يدي ملك من ملوك الأرض لقدرت أن أخرج من سخطه إني أوتيت جدلاً، ولكن أخاف إن حدثتك حديث كذب ترضى به عني ليوشكنَّ الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليَّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي من عذر ، والله ما كنت قط أقوى، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال النبي ﷺ : أما هذا فقد صدق، وهذا إشارة بأن الذين كانوا قبله قد كذبوا، فبصدقه أنزل الله تعالى توبته، ونزلت التوبة كذلك قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، قال تعالى:
*وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ*
الإنسان يعرف حقيقة نفسه، قد يعتذر ويجادل ولكنه يعرف في حقيقة نفسه أنه مبطل، قال الله عز وجل:
*بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ*
فهو يتمحَّل الأعذار حتى يقنع من حوله بأنه ليس مخطئاً ولا ابنه مخطئاً، ولكنه بقرارة نفسه يعلم إن كان مخطئاً أو كان مسيئاَ أو مؤذياً أو مفسداً، وسيفضحه الله تعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة، يعني إن انطلى الأمر على الناس في الدنيا، فالدنيا زائلة، ولكن يوم تبلى السرائر وتظهر الحقائق لا يستطيع أحد أن يخاصم ولا أن يجادل بالباطل لأنه في ذلك اليوم يُفضح الناس على رؤوس الخلائق.
يقول الإمام الشوكاني في تفسيره:
قوله تعالى: (وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا) ، دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم بأنه محق.
فكل من يدافع عن آخر ولا يعلم أنه محق يدخل في هذه الآية الخطيرة، ثم أن ربنا أكد هذا المعنى ورسخه فقال: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ) ، يختانون(يخونون)، ولكن جاء الفعل بهذه الصيغة يختان لوصف المبالغة في الخيانة، وقول الله تعالى: ولا تجادل، المخاطب هو كل من يسمع هذه الآية، وكل من يقرأ هذه الآية الخطاب له، وليُنفِّرك الله تعالى من أن تدافع عن إنسان سيء ومؤذٍ قال تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا)
معنى ذاك أنت تدافع عن من لا يحبه الله تعالى، هذه الآية تجعل الإنسان لا يدافع عن من يبغضه الله تعالى، فإن دافع إنسان عن مبطل صار مثله وشريكه وسرى إليه بغض الله سبحانه و تعالى له، ثم أن ربنا عز وجل قال لكي يظهر العواقب ويظهر النتائج القبيحة لمن ناصر الباطل:
*هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا*
معنى الآية: أي إن استطعتم الآن في الدنيا أن تخدعوا ضعاف العقول.
الذي يحرص على المال، من أجل المال يسيء إلى إنسان مظلوم؟؟!!، ولقد حذرنا النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري في صحيحه وأبو داود في سننه وغيرهم عن سيدنا المستورد بن شداد رضي الله تعالى عنه قال عليه الصلاة والسلام:
*من أكل برجلٍ مسلم أكلة، فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن كُسيَ برجلٍ مسلم ثوباً، فإن الله يكسوه مثله من جهنم*
أي إن أوقع الإنسان المظلوم وشهد عليه زوراً وبهتاناً، فسينال هذه العقوبة الشديدة في جهنم.
فالأصل في المسلم أن يحرص على الحق ويقول كلمة العدل، قال تعالى:
*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا*
فلا تشهد بالباطل من أجل قريبك أو جارك أو صديقك، لأنك بذلك تكون خالفت أهم مقاصد شريعة الإسلام وهي الحرص على الحق والحرص على العدل.
لذلك، الذي يخشى الله سبحانه و تعالى لا يمكن أن يغرَّه متاعٌ في الدنيا قليل، ولا أموال الدنيا كلها، والذي يخشى الوقوف بين يدي الله تعالى يوم القيامة، لا يجادل عن نفسه حتى بالباطل ويعترف بالحق إن كان هو مسيء ومفسد، ويقول: أنا أخطأت ووقعت في هذا الأمر، وقد فعل هذا وكان حريصاً جداً أن لا يقع في غضب الله تعالى وسخط الله هو سيدنا كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه، في قصة تخلفه في غزوة تبوك، حيث تخلف عن الغزوة، لما رجع النبي عليه الصلاة والسلام من غزوة تبوك جاءه المنافقون يقدمون أعذارهم، فكان يقبل علانيتهم ويترك سرائرهم إلى الله سبحانه وتعالى، ثم جاء كعب بن مالك وجلس بين يدي رسول الله ﷺ ، قال: يا رسول الله، والله لو قعدت بين يدي ملك من ملوك الأرض لقدرت أن أخرج من سخطه إني أوتيت جدلاً، ولكن أخاف إن حدثتك حديث كذب ترضى به عني ليوشكنَّ الله أن يسخطك عليَّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليَّ فيه، إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي من عذر ، والله ما كنت قط أقوى، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك، فقال النبي ﷺ : أما هذا فقد صدق، وهذا إشارة بأن الذين كانوا قبله قد كذبوا، فبصدقه أنزل الله تعالى توبته، ونزلت التوبة كذلك قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة، قال تعالى:
*وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ*
الإنسان يعرف حقيقة نفسه، قد يعتذر ويجادل ولكنه يعرف في حقيقة نفسه أنه مبطل، قال الله عز وجل:
*بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ*
فهو يتمحَّل الأعذار حتى يقنع من حوله بأنه ليس مخطئاً ولا ابنه مخطئاً، ولكنه بقرارة نفسه يعلم إن كان مخطئاً أو كان مسيئاَ أو مؤذياً أو مفسداً، وسيفضحه الله تعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة، يعني إن انطلى الأمر على الناس في الدنيا، فالدنيا زائلة، ولكن يوم تبلى السرائر وتظهر الحقائق لا يستطيع أحد أن يخاصم ولا أن يجادل بالباطل لأنه في ذلك اليوم يُفضح الناس على رؤوس الخلائق.
لذلك علينا أن لا نجادل بالباطل، وعلينا أن نسأل الله تعالى أن يعيذنا من هذا ونسأل الله تعالى أن يكفينا هذا، أصلاً سيُقال للإنسان يوم القيامة: *كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا*
ومن الخصومات بالباطل هو قضية ليلة النصف من شعبان، هذه الليلة التي ستأتي غداً(السبت ليلة الأحد)، وهذه الليلة في الحقيقة واردٌ فيها أحاديث عدة من جملتها حديث معاذ بن جبل، وحديث أبي موسى الأشعري، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وحديث السيدة عائشة، وغير هؤلاء الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، خلاصتها:
*يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن*.
وفي رواية: قال عليه الصلاة والسلام:
*فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخِّر أهل الحقد كما هم*.
يقول علماء الحديث: جميع أحاديث ليلة النصف من شعبان، كل حديث منها إسناده ضعيف، ولكن مجموع هذه الأحاديث تقوي بعضها بعضاً فيصحُّ أن ليلة النصف من شعبان لها فضل، وهذا يعني أن الإنسان إذا أراد أن تناله رحمة الله تعالى ومغفرته في هذه الليلة يجب أن يطهر قلبه من الشحناء، ويجب أن يطهر قلبه من الغلِّ والحقد بالتوبة إلى الله تعالى.
ويقول العلماء: *يطلع الله إلى خلقه* ، هذا اطلاع خاص بالمغفرة والرحمة، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، فالله تعالى مع جميع خلقه كما قال: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) ، ولكن هنا مع الذين اتقوا، معية خاصة، ولكن هذه المغفرة والرحمة لن تنال من كان قلبه مشحوناً بالعداوة والبغضاء، والمشاحن هو المباغض والمخاصم والمقاطع والحاقد والحاسد، وهذه الشحناء أيضاً تحرم صاحبها من أن يرفع عمله كل أسبوع، كما قال عليه الصلاة والسلام:
*تعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا*.
لذلك علينا أن نسامح كل من أساء إلينا حتى تنالنا الرحمة والمغفرة في ليلة النصف من شعبان وهذه الليلة هي محطة قبل شهر رمضان.
وفي بعض الروايات:
*إن الله لا ينظر إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى قاطع رحم ولا إلى مسبل(متكبر) ولا إلى عاقٍّ والديه ولا إلى مدمن خمر*
وقد قال عليه الصلاة والسلام: *من لقي الله وهو مدمن خمر لقيه كعابد وثن*
فالله سبحانه وتعالى أراد لنا أن نتحلل من كل ظلم، سواء ظلم الإنسان لنفسه بالشرك والكبر وشرب الخمر، أو ظلمه للعباد عن طريق قطع الرحم وعقوق الوالدين والتباغض والشحناء والعداوات بين الناس.
اللهم بلِّغنا رمضان بقلوب سليمة ونقية من الغل والبغي والإثم والحسد يا رب العالمين
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم*
ومن الخصومات بالباطل هو قضية ليلة النصف من شعبان، هذه الليلة التي ستأتي غداً(السبت ليلة الأحد)، وهذه الليلة في الحقيقة واردٌ فيها أحاديث عدة من جملتها حديث معاذ بن جبل، وحديث أبي موسى الأشعري، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وحديث السيدة عائشة، وغير هؤلاء الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، خلاصتها:
*يطلع الله إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن*.
وفي رواية: قال عليه الصلاة والسلام:
*فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويؤخِّر أهل الحقد كما هم*.
يقول علماء الحديث: جميع أحاديث ليلة النصف من شعبان، كل حديث منها إسناده ضعيف، ولكن مجموع هذه الأحاديث تقوي بعضها بعضاً فيصحُّ أن ليلة النصف من شعبان لها فضل، وهذا يعني أن الإنسان إذا أراد أن تناله رحمة الله تعالى ومغفرته في هذه الليلة يجب أن يطهر قلبه من الشحناء، ويجب أن يطهر قلبه من الغلِّ والحقد بالتوبة إلى الله تعالى.
ويقول العلماء: *يطلع الله إلى خلقه* ، هذا اطلاع خاص بالمغفرة والرحمة، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، فالله تعالى مع جميع خلقه كما قال: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) ، ولكن هنا مع الذين اتقوا، معية خاصة، ولكن هذه المغفرة والرحمة لن تنال من كان قلبه مشحوناً بالعداوة والبغضاء، والمشاحن هو المباغض والمخاصم والمقاطع والحاقد والحاسد، وهذه الشحناء أيضاً تحرم صاحبها من أن يرفع عمله كل أسبوع، كما قال عليه الصلاة والسلام:
*تعرض الأعمال على الله كل اثنين وخميس، فيغفر الله لكل مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا*.
لذلك علينا أن نسامح كل من أساء إلينا حتى تنالنا الرحمة والمغفرة في ليلة النصف من شعبان وهذه الليلة هي محطة قبل شهر رمضان.
وفي بعض الروايات:
*إن الله لا ينظر إلى مشرك ولا إلى مشاحن ولا إلى قاطع رحم ولا إلى مسبل(متكبر) ولا إلى عاقٍّ والديه ولا إلى مدمن خمر*
وقد قال عليه الصلاة والسلام: *من لقي الله وهو مدمن خمر لقيه كعابد وثن*
فالله سبحانه وتعالى أراد لنا أن نتحلل من كل ظلم، سواء ظلم الإنسان لنفسه بالشرك والكبر وشرب الخمر، أو ظلمه للعباد عن طريق قطع الرحم وعقوق الوالدين والتباغض والشحناء والعداوات بين الناس.
اللهم بلِّغنا رمضان بقلوب سليمة ونقية من الغل والبغي والإثم والحسد يا رب العالمين
والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم*