tgoop.com/Out_of_season/411
Last Update:
قدم العهد بالشيء جميل في حد ذاته. أما الحداثة ففيها من القبح ما يحمل النّفس على الاشمئزاز والنفور. كل أفعال الإنسان هي صرخة في وجه الزمان؛ في وجه علّة تفسّخ وانحلال كافة الموجودات. ذاك الزمان الذي يسير بممتطيه وإن لم يسر! كافة الأهواء الطائشة، والنزوات الهوجاء، والأفعال المندفعة، والآراء الفطيرة، وكل ما لم يمتحنه الزمان، ليس أهلًا لأن يُلتفت له: على هذا انعقد اجماع المجتمعات جميعًا. من خلال البديهة - تلك المعرفة التي يجدها الإنسان في نفسه وهو جاهل بعلتها – يسأل الناس عن قدم العهد بالأشياء، فما للزمان من أثر مركوز في نفوسهم. لا عجب في انعقاد الاجماع، وتأطر السلوك، وصقل البديهة، على ألّا يؤبه لقول الشاب كما يؤبه لقول الشيخ، وعلى ألّا يلتفت لفعل الحديث بشيء كما يُلتفت لفعل قديم العهد به، لا عجب في الأثر الذي يبعثه القدم على منزلة الموجودات بين الناس. يضفي القدم جلالًا ومهابًة على الأشياء، وأثر الجميل يتضاعف ما أن نعلم أي منزلة حازها في إمتحان الزمان. كأن في الإنسان ملَكة خاصة بالقدم لا تبررها معطيات الحواس. يظهر لمتأمل صيرورة الوعي أن الوعي منطوٍ على بُعد زماني. ومن الفلاسفة من أقر بأن الوعي نفسي قد أرسي على هاوية الزمان التي لا يسبر لها غور ولا يعرف لها أصل، فنحن لا ندرك الزمان من خلال الإحاطة به، بل ندرك الأشياء من خلال إحاطتها بالزمان. ليس هذا الزمان بوعاء كونيّ صبت فيه الموجودات، وإنما هو هاوية، تظهر من جروف هائرة إن تأملتها وجدتها لا تصلح أساسًا لبنيان يراد له الدوام. تلك الجروف هي مملكة الوجود التي خلقت لمقارعة مملكة الزمان التي لطالما دب ذكرها الرعب في قلوب البشر.
BY Out of Season
Share with your friend now:
tgoop.com/Out_of_season/411