tgoop.com/Twaaq2/1623
Last Update:
••
أن تكون طالب علم في زمن قوقل
• أن تكون طالب علم في زمن قوقل يعني أن تعيش وسط ثورة معلوماتية لا مثيل لها، حيث المعلومة حاضرة على مسافة نقرة، والكتاب أصبح في متناول يدك قبل أن تطلبه، لكن هذه الوفرة ليست نعمة خالصة، بل ساحة فوضى حقيقية؛ المشقة ليست في الوصول إلى المعلومة، بل على انتزاع الحقيقة من بين ركام الأقوال والأوهام.
• أن تكون طالب علم في هذا الزمن يعني أن تواجه سطوة السرعة؛ أن تحارب وهمًا يتلبس كثيرين ممن يظنون أن استعراض المعلومة يكافئ فهمها، وأن تدرك أن طريق العلم ليس سيلًا متدفقًا من "روابط مختصرة"، بل هو جهد مستمر بين أرفف الكتب، ومجالس العلماء، وتحقيق المخطوطات.
• أن تكون طالب علم يعني أن تفهم أن "قوقل" قد قرّب لنا المعلومة، لكنه جعل الحقيقة أكثر بُعدًا. أن تكون طالب علم يعني أن تكون ناقدًا للمعلومة قبل أن تكون جامعًا لها، وصانعًا لفهمك الخاص بدل أن تكون ناقلًا لفهم غيرك، أن تحمل عبء أمانة العلم في عصر ضجّ بكل صوت، وضعف فيه السكون.
• أن تكون طالب علم في هذا الزمن يعني أن تُجاهد نفسك لتترك "العقلية الاستهلاكية" التي تكتفي بالمقتطفات والعناوين، وتتبنى "العقلية البحثية" التي تتعمق في النصوص وتناقشها بعقل ناقد وروح متدبرة، قد تتفق معي أن هذا الزمن، لم تعد المشكلة في الجهل، بل في الوهم الذي يصنعه "نصف العلم" هو ذلك الشعور بأنك أصبحت خبيرًا في موضوعٍ ما لأنك قرأت مقالًا من 300 كلمة على مدونة مجهولة المصدر، ثم تنهار أمام سؤال بسيط: "طيب، كيف؟". فجأةً، تتحول الثقة إلى صمتٍ مُطبق، كأنك أدركت أنك قفزت من قمة جبل دون مظلة، أو مثل صاحبنا الذي قرأ كتاب "كيف تصبح فقيهًا في خمس خطوات"، بينما الحقيقة أن أقرب خطوة لك هي السقوط في قاع الجهل!
• أن تكون طالب علم في زمن قوقل يعني أن تواجه تحديًا مضاعفًا؛ أن تميز بين المعلومة الصحيحة والزيف المتنكر، أن تتجاوز سطحية الإجابات إلى عمق الفهم والتحليل، ولم تعد الكتب وحدها ساحة العلم، بل أصبح عليك أن تكون باحثًا عن الحقيقة وسط زحام التناقضات.
• أن تكون طالب علم في زمن قوقل يعني أن تتساءل أكثر مما تجيب، أن تدرك أن العالم اليوم أغرقنا بالإجابات السطحية، لكنه سلبنا قدرة التساؤل العميق، وأن تدرك أن البحث عن السؤال الصحيح هو الخطوة الأولى نحو الفهم السليم.
• أن تكون طالب علم في زمن قوقل يعني أن تختار المعاناة؛ معاناة قراءة كتاب كامل في زمن الملخصات، ومعاناة السؤال في زمن الإجابات الجاهزة، لكنك تدرك أن هذه المعاناة هي التي تصقل فكرك، وتثبت قدميك، وتجعل علمك يرسخ كالجبال.
• أن تكون طالب علم يعني أن تُعيد للعلم هيبته في زمن انقلبت فيه الموازين، أيّ تعيد الاعتبار لمجالس العلماء، ولصفحات الكتب، وللجلسات الطويلة التي تغوص فيها في مسألة واحدة، في زمن بات فيه كل شيء سريعًا، لكن بلا عمق. بمعنى أن تُدافع عن روح التعلم التقليدية وسط السطوة الرقمية، أن تحافظ على قيمة الكتاب الورقي، وقدسية مجلس العالم، وأثر المناقشات العلمية المتأنية التي تصقل الفكر وتفتح المدارك.
• أن تكون طالب علم يعني أن تختار طريقًا مليئًا بالصبر والتأمل والشوك، لأن العلم ليس في أعداد المراجع التي قرأتها، بل في المعاني التي فقهتها، وفي الأثر الذي تركته، وفي الحقيقة التي تمسكت بها رغم كل زخرف يُقال.
• أن تكون طالب علم في زمن قوقل يعني أن تعيش معركة داخلية بين الإنجاز السريع والصبر الطويل، بين الاجتهاد الذي يثري عقلك وراحة النقرات السريعة التي تُخدّرك بوهم الإنجاز. مما لا أشك فيه أن هذا الزمن يسهل فيه جمع المعلومات، لكن يصعب فيه بناء الفكر، لأن الحقيقة تتطلب أكثر من ذاكرة متخمة. هي تحتاج إلى عقل يوازن، وقلب يستبصر، وروح تدرك أن العلم عبادة قبل أن يكون معلومة.
• أن تطلب العلم اليوم يعني أن تُعيد الاعتبار لمبدأ التأصيل قبل التفصيل، أن تدرك أن الفروع لا قيمة لها إن لم تُبنى على أصول راسخة. أن تعيش مع النصوص الكبرى لا المقتطفات السريعة، والحق إن زمن قوقل علّم الكثيرين أن يحفظوا، لكنه جعل القليلين يفهمون، لأن السرعة قتلت التمهل، والاستعراض أبعد عن التأمل.
• أن تكون طالب علم في زمن قوقل يعني أن تُوازن بين حاجتين متناقضتين: السرعة التي تفرضها التقنية، والتأني الذي يحتاجه العلم. المعلومة قد تصل إليك في ثوانٍ، لكن أثر العلم يحتاج إلى سنوات.
• أن تطلب العلم اليوم يعني أن تحمي وقتك وعقلك من هذا التدفق الهائل للمعلومات. أن تمتلك الشجاعة لتقول: "لا أحتاج هذا"، و"هذا لا يفيدني"، وأن تُمارس فن الانتقاء والاستغناء. أن تقول "لا" يعني أن تُمارس حقك الشرعي في الانسحاب من حفلة ضياع الأوقات الرقمية.
••
BY قناة | توّاق
Share with your friend now:
tgoop.com/Twaaq2/1623