ALONGING Telegram 5053
"أمتلك قاعدة لطيفة للعيش عندما تفسد خططي وترتبك تحضيراتي لأي حدث
أسميها
«قاعدة جولييت بينوشيه»
نسبة لحادثة روتها المُمثلة الفرنسية عن مرة تصوير خالفت فيها سيناريو المشهد ووضعت يدها على مقبض الباب، لم يفترض بها أن تفعل ذلك، عندها نهرها المُخرج وأخبرها أن تلتزم بالنص.
___
واجهت جولييت المخرج وأخبرته ما تعلمته من مُعلميها كياروستامي وكيشلوفسكي:
«السير الصارم وفق الخطة الموضوعة مسبقًا، يقتل مُعجزات صغيرة، مُمكنات صغيرة، لا يراها المرء إلا في موضع الإختبار ولحظة التمثيل ذاتها»

لم يفهم المخرج أبدًا ما تعنيه جولييت بتلك الفلسفة والشعرية المُفرطة حول مشهد خالفت فيه سيناريو مكتوب
___
أحيانًا عليك أن تدع خارج مُربع الإستعداد والتحكم في أي شيء، مساحة صغيرة من العفوية والحدس، مساحة تُفصح عبرها الحياة عن هداياها، عن مكنون لا تستعد له الخطة المُسبقة، ولا تلحظه برهافة إلا في موضع الإختبار.

قالت جولييت للمُخرج : دع تلك المعجزات تتنفس.

وإتفقا في كل مشهد على ثلاثة مُحاولات تستسلم فيها جولييت لحدسها قبل أن تلتزم بما يُمليه المشهد، وفي كل مشهد منحت جولييت لمخرجها مُعجزة لم يتضمنها النص.
___
أتذكر أن أجمل تجارب حياتي، لم تحدث إلا بعد الخروج عن الخطة الموضوعة، أجمل عامين في دراستي الجامعية حدثا بعد رسوب تعرضت فيه لظلم فادح، قادني للقسم الوحيد الذي يقبل الراسبين في كُليتي، وبعده لمشروع تخرج بمركز أول أبرزت فيه مواهب كتابة ورسم سأعتمد عليها للأبد، وأجمل سنوات عملي كانت في مدينة أطفال صاخبة ذهبت لها وأنا موقن أن إنطوائيتي لن تجعلني أتخطى المقابلة الأولى، وبعد مقابلة متعثرة وتدريب تخطيته بأعجوبة، منحتني التجربة أضعاف ما تمنيت.
__
أمتلك إنطوائية حادة تجعلني مُثقل بالتخطيط الحرفي للتعامل مع الناس، لأن العفوية تُربكني، العفوية فقدان للتحكم، وإنكشاف مُفلت لكل الأوراق.

ذات مرة جهزت حقيبة رحلة مدرسية بكل شيء، الطعام، الشراب، أرقام الهاتف، أموال إحتياطية، عصائر، أدوية للغثيان، كانت حقيبتي أثقل من كل من حولي، لكنني كُنت مُطمئنًا وأنا أنظر للأطفال الغافلين في متعة ما يفعلونه عن التحضيرات وهم يحملون حقائب خفيفة لا تليق بمغامرة، مُطمئنًا لدرجة أنني بنزولي من الحافلة كنت الطفل الوحيد الذي نسي حقيبته، في حافلة أكملت طريقها حتى غابت عن الأفق.

كان على الطفل وقتها الذي كُنته أن يخرج من شرنقته ويبدأ وصالًا مع كل من حوله، يُشارك أحدهم طعامه، يتحرك مع مجموعة، يطلب بلطف الإنضمام لصُحبة، كان الأمر شاقًا، لكنه ساحرًا، كل لحظة تالية سر يُفصح عن ممكناته، قابل الطفل خبرات مثل الرفض والنبذ والقبول والإنتماء والمشاركة والتحدي والمُغالبة في ساعات بسيطة، خبرات عاش عمره يتجنبها، كان علي أن أكون مُخرجًا إرتجاليًا لمشاهد لم أكتبها، وفي تلك الأحداث إلتفتت لأول مرة لمُعجبتي الأولى وشعرت بالفراشات تجتاح دواخلي.
عندما عادت الحافلة، وجدت حقيبتي على ثُقلها، وإحتفظت بالأموال الإحتياطية لأشتري لحبيبتي هديتي الأولى.
___

تختتم جولييت بينوش كلامها عن الحادثة وتقول:
” An actor can really use his power in the moment of acting, but the director can really use his power in the moment of editing.

تقسم جولييت فنها لنصفين، قوة يمتلكها الممثل في لحظة التمثيل، وقوة يمتلكها المُخرج في لحظة التعديل والمونتاج. في العيش يمتلك المرء الخبرتان معًا، يحيا خبرة العيش بخططه وبالممكنات والهدايا الساحرة التي تنفلت من مساحة العفوية والإرتجال خارج الخبرة الموضوعة، ويمتلك خبرة التعديل والمونتاج بالذاكرة.
___

لا أتذكر شيء من ذعر فقدان الحقيبة والتحكم وجوع اليوم كله، أتذكر فقط لحظات المُخاطرة، والسير مع تيار لا أعرفه، ورؤيتي لحبيبتي الأولى بينما أتقاسم شطيرة مع ولد لا أعرفه.
___

لازلت أضع خططًا أضعاف ما يضع الرجل العادي، ولازلت أحتاج للطمأنينة أربعة أو خمسة أمثال الرجل العادي، ولازالت حقيبتي في كل مغامرة هي الأثقل، لكنني صرت مُتسامحًا مع ثلاثة مُحاولات على الأقل كل مرة للخروج المتعمد عن الخطة ولو إنش، صرت متسامحًا مع المفاجآت الكاسحة التي تفسد خططي وتهدمها كقصر من ورق، أتسامح مع كل ذلك طمعًا في الجمال الكامن على جانب الطريق الذي لا تحتويه الخريطة، المُمكنات التي لا يهمس بها الحدث إلا بعد الوقوع في التجربة، والحب الذي لا نراه إلا عندما نشيح بنظرنا عن السيناريو المكتوب. أنقذتني الخطط مرارًا لكن حُبي وأصدقائي وأوقاتي السعيدة كلها خرجت من رحم تجارب لم تتضمنها الخطط أبدًا، الحياة المثالية التي ظننت أنني سأعيشها فرت مع حقيبتي الطفولية في حافلة غابت عن الأفق وعشت مكانها حياة، أجمل كثيرًا، أصعب كثيرًا، لكنها جعلتني أشيح بسلام عن النظر للأفق متمنيًا عودة حقيبتي."🖤
حسام الدين



tgoop.com/aLonging/5053
Create:
Last Update:

"أمتلك قاعدة لطيفة للعيش عندما تفسد خططي وترتبك تحضيراتي لأي حدث
أسميها
«قاعدة جولييت بينوشيه»
نسبة لحادثة روتها المُمثلة الفرنسية عن مرة تصوير خالفت فيها سيناريو المشهد ووضعت يدها على مقبض الباب، لم يفترض بها أن تفعل ذلك، عندها نهرها المُخرج وأخبرها أن تلتزم بالنص.
___
واجهت جولييت المخرج وأخبرته ما تعلمته من مُعلميها كياروستامي وكيشلوفسكي:
«السير الصارم وفق الخطة الموضوعة مسبقًا، يقتل مُعجزات صغيرة، مُمكنات صغيرة، لا يراها المرء إلا في موضع الإختبار ولحظة التمثيل ذاتها»

لم يفهم المخرج أبدًا ما تعنيه جولييت بتلك الفلسفة والشعرية المُفرطة حول مشهد خالفت فيه سيناريو مكتوب
___
أحيانًا عليك أن تدع خارج مُربع الإستعداد والتحكم في أي شيء، مساحة صغيرة من العفوية والحدس، مساحة تُفصح عبرها الحياة عن هداياها، عن مكنون لا تستعد له الخطة المُسبقة، ولا تلحظه برهافة إلا في موضع الإختبار.

قالت جولييت للمُخرج : دع تلك المعجزات تتنفس.

وإتفقا في كل مشهد على ثلاثة مُحاولات تستسلم فيها جولييت لحدسها قبل أن تلتزم بما يُمليه المشهد، وفي كل مشهد منحت جولييت لمخرجها مُعجزة لم يتضمنها النص.
___
أتذكر أن أجمل تجارب حياتي، لم تحدث إلا بعد الخروج عن الخطة الموضوعة، أجمل عامين في دراستي الجامعية حدثا بعد رسوب تعرضت فيه لظلم فادح، قادني للقسم الوحيد الذي يقبل الراسبين في كُليتي، وبعده لمشروع تخرج بمركز أول أبرزت فيه مواهب كتابة ورسم سأعتمد عليها للأبد، وأجمل سنوات عملي كانت في مدينة أطفال صاخبة ذهبت لها وأنا موقن أن إنطوائيتي لن تجعلني أتخطى المقابلة الأولى، وبعد مقابلة متعثرة وتدريب تخطيته بأعجوبة، منحتني التجربة أضعاف ما تمنيت.
__
أمتلك إنطوائية حادة تجعلني مُثقل بالتخطيط الحرفي للتعامل مع الناس، لأن العفوية تُربكني، العفوية فقدان للتحكم، وإنكشاف مُفلت لكل الأوراق.

ذات مرة جهزت حقيبة رحلة مدرسية بكل شيء، الطعام، الشراب، أرقام الهاتف، أموال إحتياطية، عصائر، أدوية للغثيان، كانت حقيبتي أثقل من كل من حولي، لكنني كُنت مُطمئنًا وأنا أنظر للأطفال الغافلين في متعة ما يفعلونه عن التحضيرات وهم يحملون حقائب خفيفة لا تليق بمغامرة، مُطمئنًا لدرجة أنني بنزولي من الحافلة كنت الطفل الوحيد الذي نسي حقيبته، في حافلة أكملت طريقها حتى غابت عن الأفق.

كان على الطفل وقتها الذي كُنته أن يخرج من شرنقته ويبدأ وصالًا مع كل من حوله، يُشارك أحدهم طعامه، يتحرك مع مجموعة، يطلب بلطف الإنضمام لصُحبة، كان الأمر شاقًا، لكنه ساحرًا، كل لحظة تالية سر يُفصح عن ممكناته، قابل الطفل خبرات مثل الرفض والنبذ والقبول والإنتماء والمشاركة والتحدي والمُغالبة في ساعات بسيطة، خبرات عاش عمره يتجنبها، كان علي أن أكون مُخرجًا إرتجاليًا لمشاهد لم أكتبها، وفي تلك الأحداث إلتفتت لأول مرة لمُعجبتي الأولى وشعرت بالفراشات تجتاح دواخلي.
عندما عادت الحافلة، وجدت حقيبتي على ثُقلها، وإحتفظت بالأموال الإحتياطية لأشتري لحبيبتي هديتي الأولى.
___

تختتم جولييت بينوش كلامها عن الحادثة وتقول:
” An actor can really use his power in the moment of acting, but the director can really use his power in the moment of editing.

تقسم جولييت فنها لنصفين، قوة يمتلكها الممثل في لحظة التمثيل، وقوة يمتلكها المُخرج في لحظة التعديل والمونتاج. في العيش يمتلك المرء الخبرتان معًا، يحيا خبرة العيش بخططه وبالممكنات والهدايا الساحرة التي تنفلت من مساحة العفوية والإرتجال خارج الخبرة الموضوعة، ويمتلك خبرة التعديل والمونتاج بالذاكرة.
___

لا أتذكر شيء من ذعر فقدان الحقيبة والتحكم وجوع اليوم كله، أتذكر فقط لحظات المُخاطرة، والسير مع تيار لا أعرفه، ورؤيتي لحبيبتي الأولى بينما أتقاسم شطيرة مع ولد لا أعرفه.
___

لازلت أضع خططًا أضعاف ما يضع الرجل العادي، ولازلت أحتاج للطمأنينة أربعة أو خمسة أمثال الرجل العادي، ولازالت حقيبتي في كل مغامرة هي الأثقل، لكنني صرت مُتسامحًا مع ثلاثة مُحاولات على الأقل كل مرة للخروج المتعمد عن الخطة ولو إنش، صرت متسامحًا مع المفاجآت الكاسحة التي تفسد خططي وتهدمها كقصر من ورق، أتسامح مع كل ذلك طمعًا في الجمال الكامن على جانب الطريق الذي لا تحتويه الخريطة، المُمكنات التي لا يهمس بها الحدث إلا بعد الوقوع في التجربة، والحب الذي لا نراه إلا عندما نشيح بنظرنا عن السيناريو المكتوب. أنقذتني الخطط مرارًا لكن حُبي وأصدقائي وأوقاتي السعيدة كلها خرجت من رحم تجارب لم تتضمنها الخطط أبدًا، الحياة المثالية التي ظننت أنني سأعيشها فرت مع حقيبتي الطفولية في حافلة غابت عن الأفق وعشت مكانها حياة، أجمل كثيرًا، أصعب كثيرًا، لكنها جعلتني أشيح بسلام عن النظر للأفق متمنيًا عودة حقيبتي."🖤
حسام الدين

BY حنين الشوق❤


Share with your friend now:
tgoop.com/aLonging/5053

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

How to create a business channel on Telegram? (Tutorial) Each account can create up to 10 public channels Select: Settings – Manage Channel – Administrators – Add administrator. From your list of subscribers, select the correct user. A new window will appear on the screen. Check the rights you’re willing to give to your administrator. To upload a logo, click the Menu icon and select “Manage Channel.” In a new window, hit the Camera icon. In handing down the sentence yesterday, deputy judge Peter Hui Shiu-keung of the district court said that even if Ng did not post the messages, he cannot shirk responsibility as the owner and administrator of such a big group for allowing these messages that incite illegal behaviors to exist.
from us


Telegram حنين الشوق❤
FROM American