tgoop.com/aalqarni1/68
Last Update:
ما يثيره البعض من اتهام لابن تيمية بالغلو في التكفير وإطلاق القول بأنه رائد العنف في الفكر الإسلامي المعاصر فهو لا يعبر في حقيقة الأمر عن موقف علمي مدروس قائم على مقدمات مسلمة ، وإنما هو لمن تأمل حال من يطلق هذه الأحكام مجرد نتيجة لخلل في المرجعية عند هؤلاء .
وهذا الخلل في المرجعية إما أن يكون عند أصحاب هذه الإطلاقات ناتجا عن خلل في فهمهم للإسلام أساسا ، وفي حقيقة العلاقة بين المسلمين وغيرهم ، كما عند أصحاب التوجه العلماني ، لكونهم لا يعترفون بالمرجعية الدينية .
كما أن الخلل في الموقف من هذه المسألة قد يكون ضمن الطوائف الإسلامية المخالفة لأهل السنة ، نتيجة انحراف في مفاهيم أساسية كمفهوم التوحيد والشرك ترتب عليها بالضرورة إشكالات في أحكام التكفير ، وهذا هو حاصل الموقف الكلامي والصوفي والشيعي قديما وحديثا .
وبهذا يتبين أن هذه الاتهامات ليست في حقيقتها موجهة لشخص ابن تيمية ، وإنما هي في الأساس إما أن تكون موجهة للموقف الديني من حكم التكفير من حيث هو حكم ديني يستند إلى نصوص شرعية ، وإما أن تكون موجهة لموقف أهل السنة من قضية التكفير ، ولهذا نجد التطابق التام بين الموقف العلماني من التكفير من حيث المبدأ وبين موقفهم من ابن تيمية خصوصا ومن جميع العلماء والطوائف الإسلامية عموما ، كما نجد من جهة أخرى التطابق التام بين موقف الاتجاهات البدعية من ابن تيمية خصوصا وبين موقفهم من منهج أهل السنة عموما .
وإنما شاع اتهام ابن تيمية بالغلو في التكفير عند هؤلاء وأولئك لكونه قد أشتهر بتفصيل ما هو مقرر عند العلماء المعتبرين في هذا الباب ، وأما هو فلا يمكن لأحد أن يذكر شيئا تفرد به حتى يقال إنه قد أسس للغلو في التكفير .
وبناء على هذا فإنه لا جدوى من النقاش مع هؤلاء بمختلف اتجاهاتهم في نفس الموقف من التكفير ، وإنما لابد أن يؤسس النقاش معهم على المقدمات التي بنوا عليها مواقفهم ، إذ لا يصح من الناحية المنهجية النقاش حول نتائج لم يحصل الاتفاق على مقدماتها .
والحقيقة أن من يطلع على تراث ابن تيمية ويكون مقصوده التحري والإنصاف يجزم أنه من أوسع الناس إعذارا في باب التكفير ، وأنه كان شديد الورع عن إطلاق حكم التكفير على من لا يستحقه ، وأنه قد أفاض في تقرير الأصول التي تتبين بها شروط التكفير وموانعه ، وأنه اعتمد في ذلك كله على دلالات النصوص الشرعية وما أثر عن الصحابة والتابعين والإئمة المتبوعين ، فلا يصح بأي وجه أن يقال إنه تفرد عنهم بشيء في ذلك ، وكان يشدد على التمييز بين حكم المقالة الكفرية وبين حكم الواقع في الكفر ، ويراعي في ذلك ما قد يحصل للمعين من موانع التكفير ، ويعتبر الجهل عذرا في كل ما هو كفر حتى تقوم الحجة الرسالية على المعين ، ويعذر حتى من بلغته الحجة لكن قامت عنده شبهة معتبرة منعت من تكفيره ، حتى إنه كان يقول لبعض معاصريه ممن وقعوا في بعض ما هو كفر بأنه لو قال بقولهم لكفر ، لكنه مع ذلك لا يكفرهم ، وكان هذا الخطاب لطائفة من العلماء والقضاة الذين ربما حصلت لهم شبهات في دلالات النصوص بعد معرفتهم بها وفهمهم لدلالتها ، فضلا عن العامة الذين ربما يقعون في الكفر لكون الحجة الرسالية لم تبلغهم ، أو لكونهم ربما لم يفهموا الحجة وإن بلغتهم ،.
ومن مجمل تقريراته التي يتبين بها موقفه في هذا الباب قوله : ( الأقوال التي يكفر قائلها قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده ، أو لم يتمكن من فهمها ، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها ، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان ، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية ، هذا الذي كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام ).
ولأجل شهرة موقفه في اعتبار موانع التكفير وعدم التسرع فيه والتورع عن تكفير المعينين ما أمكن ذكر الذهبي في ترجمته له أن :( مذهبه توسعة العذر للخلق ، ولا يكفر أحدا إلا بعد قيام الدليل والحجة عليه ، ويقول : هذه المقالة كفر وضلال ، وصاحبها مجتهد لم تقم عليه حجة الله ، ولعله رجع عنها أو تاب إلى الله ، ويقول : إيمانه ثبت له بيقين فلا نخرجه منه إلا بيقين ، أما من عرف الحق وعانده وحاد عنه فكافر ملعون كإبليس ، وإلا من الذي يسلم من الخطأ في الأصول والفروع) .
فإذا كان هذا موقفه قد بينه بنفسه ، وعلم عنه واشتهر حتى كان يستدعي النص عليه في ترجمته ، فكيف يقال مع ذلك كله بأنه يرى أن كل المسلمين كفرة لأنهم يختلفون معه ؟! وهل هذا إلا من الزور والبهتان ، وعدم الشعور بمسؤولية الكلمة ، ومن تشبع بما يعط ، وتكلم في مسائل لا يعرف مداخلها ومخارجها ، ولا كان من أهل التحري والإنصاف ، فلا يكون منه إلا أن يهرف بما لا يعرف ، والبلاء بمثل هؤلاء الجهلة المتعالمين من أعظم البلاء على الأمة .
وللكلام بقية ...
BY قناة / عبدالله القرني
Share with your friend now:
tgoop.com/aalqarni1/68