AALQARNI1 Telegram 69
سبق الكلام على سبيل الإجمال والإيجاز عن موقف الإمام ابن تيمية فيما يتعلق بتكفير المعين ، وأنه أكد على ضرورة التحري والتثبت والتورع في هذا الباب ، وأن الحكم بالكفر لا ينطبق على المعين لمجرد تلبسه بما هو كفر ، بل لابد عنده مع ثبوت أن الفعل كفر ، بدلالة نصوص الكتاب والسنة وإلإجماع المعتبر من مراعاة ضوابط تكفير المعين ، والتحقق في حق المعين من ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه .

وإذا كان هذا هو موقفه فيما يتعلق بحكم من وقع في الكفر الصريح من المسلمين فإن موقفه ممن وقع من مخالفيه في بدعة ليست مكفره مما لا يتصور معه أن يحكم بكفرهم ، فإنه إذا احتاط في تكفير من وقع في الكفر فلابد أن يكون أشد احتياطا فيما دون ذلك ، وهذه بعض المعالم المجملة في موقفه من حكم من وقع في شيء من البدع .

وابتداء فقد كان الإمام ابن تيمية حريصا على بيان أن ما يقرره في هذا الباب من إعذار الجاهل والمتأول هو مجرد إيضاح لمنهج أهل السنة ، وفي ذلك يقول :( أئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة ، فيعلمون الحق الذين يكونون به موافقين موافقين للسنة ، سالمين من البدعة ، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم ... ويرحمون الخلق ، فيريدون لهم الخير والهدى والعلم ، لا يقصدون الشر ابتداء ، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ).

ومما اهتم الإمام ابن تيمية على بيانه التفريق بين الحكم على الفعل بأنه بدعة وبين أن فاعله يكون معذورا إذا لم يعلم حكمه في الشرع ، بل قد يثاب على حسن قصده ، وفي ذلك يقول :( قد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحا ، ولا يكون عالما أنه منهي عنه ، فيثاب على حسن قصده ، ويعفى عنه لعدم علمه ، وهذا باب واسع )، ولذلك فإنه مع إنكاره لما أحدثه الناس من المولد النبوي إلا أنه نص على أن : ( تعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم ، لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ).

ومما يبين عدل الإمام ابن تيمية مع المخالفين لأهل السنة أنه مع اهتمامه بالرد عليهم وإبطال ما وقعوا فيه من مخالفات عقدية إلا أنه إذا وجد ما يستدعي بيان فضلهم وما عندهم من الحق فإنه يبين ذلك ، لأن مقصوده إظهار الحق حسب طاقته بعلم وعدل ، ومثال ذلك ذلك أنه لما رد على بعض طوائف المتكلمين أضاف إلى الرد عليهم بيان ما لهم من الجهود المشكورة في الدفاع عن الدين ، وفي ذلك يقول :( إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة ، وحسنات مبرورة ، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع ، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم ، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف ).

وليس المقصود ببيان موقف الإمام ابن تيمية ممن وقع في كفر مخرج من الملة ، أو وقع فيما دون ذلك من البدع التي لا توصل إلى الكفر = هو مجرد الرد على من جازف وأطلق القول في اتهامه له بأنه يكفر مخالفيه من المسلمين ، وإن كان ذلك مما ينبغي بيانه وكشف بطلان قول المخالف فيه ، وإنما الهدف الأساس من بيان موقفه التأكيد على منهج أهل السنة في هذا الباب الذي قد حصلت فيه إشكالات حتى على بعض من يظن أنه على ما قرره ابن تيمية في هذه المسائل ، حماية لمنهج أهل السنة من اللبس والاشتباه ، فإن ما ذكره ابن تيمية من التأصيل لإعذار الواقع في كفر أو مادونه من البدع المحدثة، وضرورة التحقق من الشروط والموانع عند الحكم على المعين، هو حاصل ما أثر عن الصحابة والتابعين والإئمة المحققين من أهل السنة والجماعة .

وبه يتبين أن ما يدعيه البعض من أن من وقع في الشرك وقع الشرك عليه مناقض تمام المناقضة لما عليه المحققون من أهل السنة ، وأنه لا يصح ما يبنى على ذلك من دعوى أن قيام الحجة يتحقق بمجرد بلوغها ، دون مراعاة لاشتراط فهم الحجة لمن بلغته ، ولا لما يمكن من حصول الشبهة المعتبرة لمن فهم الحجة .

كما يتبين من وجه آخر بطلان ما يجازف فيه البعض من المسارعة في تبديع المسلمين لمجرد وقوعهم فيما هو بدعة ، وأن الحق هو اعتبار أن الأصل في المسلم أن يكون مخطئا فيما يحصل له من ذلك حتى تتحقق فيه الشروط التي يصح معها إلحاقه بالمبتدعة ، ومما يبين شناعة موقف هؤلاء أنهم قد يختلفون فيما بينهم في بعض المسائل فلا يكتفي أحدهم بتخطئة مخالفه ، بل يطبق عليه قاعدتهم في التبديع ، فينقلب حكم من كان سلفيا إلى مبتدع خارج عن منهج أهل السنة لمجرد خلاف معتبر .

والجامع لهذين الاتجاهين هو الظن بأن من وقع في كفر أو بدعة غير مكفرة فقد لزمه حكمهما ، فلم يتحروا ما تجب مراعاته في التمييز بين حكم الفعل وحكم من وقع منه الفعل ، وأنه كما ينبغي التمييز بين التوحيد والشرك ، والسنة والبدعة ، فإنه ينبغي التمييز بين من تلحق به أحكام المتلبس بشيء منها ممن لا تلحقه .

وللكلام بقية ...



tgoop.com/aalqarni1/69
Create:
Last Update:

سبق الكلام على سبيل الإجمال والإيجاز عن موقف الإمام ابن تيمية فيما يتعلق بتكفير المعين ، وأنه أكد على ضرورة التحري والتثبت والتورع في هذا الباب ، وأن الحكم بالكفر لا ينطبق على المعين لمجرد تلبسه بما هو كفر ، بل لابد عنده مع ثبوت أن الفعل كفر ، بدلالة نصوص الكتاب والسنة وإلإجماع المعتبر من مراعاة ضوابط تكفير المعين ، والتحقق في حق المعين من ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه .

وإذا كان هذا هو موقفه فيما يتعلق بحكم من وقع في الكفر الصريح من المسلمين فإن موقفه ممن وقع من مخالفيه في بدعة ليست مكفره مما لا يتصور معه أن يحكم بكفرهم ، فإنه إذا احتاط في تكفير من وقع في الكفر فلابد أن يكون أشد احتياطا فيما دون ذلك ، وهذه بعض المعالم المجملة في موقفه من حكم من وقع في شيء من البدع .

وابتداء فقد كان الإمام ابن تيمية حريصا على بيان أن ما يقرره في هذا الباب من إعذار الجاهل والمتأول هو مجرد إيضاح لمنهج أهل السنة ، وفي ذلك يقول :( أئمة السنة والجماعة وأهل العلم والإيمان فيهم العلم والعدل والرحمة ، فيعلمون الحق الذين يكونون به موافقين موافقين للسنة ، سالمين من البدعة ، ويعدلون على من خرج منها ولو ظلمهم ... ويرحمون الخلق ، فيريدون لهم الخير والهدى والعلم ، لا يقصدون الشر ابتداء ، بل إذا عاقبوهم وبينوا خطأهم وجهلهم وظلمهم كان قصدهم بذلك بيان الحق ورحمة الخلق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأن يكون الدين كله لله ، وأن تكون كلمة الله هي العليا ).

ومما اهتم الإمام ابن تيمية على بيانه التفريق بين الحكم على الفعل بأنه بدعة وبين أن فاعله يكون معذورا إذا لم يعلم حكمه في الشرع ، بل قد يثاب على حسن قصده ، وفي ذلك يقول :( قد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحا ، ولا يكون عالما أنه منهي عنه ، فيثاب على حسن قصده ، ويعفى عنه لعدم علمه ، وهذا باب واسع )، ولذلك فإنه مع إنكاره لما أحدثه الناس من المولد النبوي إلا أنه نص على أن : ( تعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم ، لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ).

ومما يبين عدل الإمام ابن تيمية مع المخالفين لأهل السنة أنه مع اهتمامه بالرد عليهم وإبطال ما وقعوا فيه من مخالفات عقدية إلا أنه إذا وجد ما يستدعي بيان فضلهم وما عندهم من الحق فإنه يبين ذلك ، لأن مقصوده إظهار الحق حسب طاقته بعلم وعدل ، ومثال ذلك ذلك أنه لما رد على بعض طوائف المتكلمين أضاف إلى الرد عليهم بيان ما لهم من الجهود المشكورة في الدفاع عن الدين ، وفي ذلك يقول :( إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة ، وحسنات مبرورة ، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع ، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ما لا يخفى على من عرف أحوالهم ، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف ).

وليس المقصود ببيان موقف الإمام ابن تيمية ممن وقع في كفر مخرج من الملة ، أو وقع فيما دون ذلك من البدع التي لا توصل إلى الكفر = هو مجرد الرد على من جازف وأطلق القول في اتهامه له بأنه يكفر مخالفيه من المسلمين ، وإن كان ذلك مما ينبغي بيانه وكشف بطلان قول المخالف فيه ، وإنما الهدف الأساس من بيان موقفه التأكيد على منهج أهل السنة في هذا الباب الذي قد حصلت فيه إشكالات حتى على بعض من يظن أنه على ما قرره ابن تيمية في هذه المسائل ، حماية لمنهج أهل السنة من اللبس والاشتباه ، فإن ما ذكره ابن تيمية من التأصيل لإعذار الواقع في كفر أو مادونه من البدع المحدثة، وضرورة التحقق من الشروط والموانع عند الحكم على المعين، هو حاصل ما أثر عن الصحابة والتابعين والإئمة المحققين من أهل السنة والجماعة .

وبه يتبين أن ما يدعيه البعض من أن من وقع في الشرك وقع الشرك عليه مناقض تمام المناقضة لما عليه المحققون من أهل السنة ، وأنه لا يصح ما يبنى على ذلك من دعوى أن قيام الحجة يتحقق بمجرد بلوغها ، دون مراعاة لاشتراط فهم الحجة لمن بلغته ، ولا لما يمكن من حصول الشبهة المعتبرة لمن فهم الحجة .

كما يتبين من وجه آخر بطلان ما يجازف فيه البعض من المسارعة في تبديع المسلمين لمجرد وقوعهم فيما هو بدعة ، وأن الحق هو اعتبار أن الأصل في المسلم أن يكون مخطئا فيما يحصل له من ذلك حتى تتحقق فيه الشروط التي يصح معها إلحاقه بالمبتدعة ، ومما يبين شناعة موقف هؤلاء أنهم قد يختلفون فيما بينهم في بعض المسائل فلا يكتفي أحدهم بتخطئة مخالفه ، بل يطبق عليه قاعدتهم في التبديع ، فينقلب حكم من كان سلفيا إلى مبتدع خارج عن منهج أهل السنة لمجرد خلاف معتبر .

والجامع لهذين الاتجاهين هو الظن بأن من وقع في كفر أو بدعة غير مكفرة فقد لزمه حكمهما ، فلم يتحروا ما تجب مراعاته في التمييز بين حكم الفعل وحكم من وقع منه الفعل ، وأنه كما ينبغي التمييز بين التوحيد والشرك ، والسنة والبدعة ، فإنه ينبغي التمييز بين من تلحق به أحكام المتلبس بشيء منها ممن لا تلحقه .

وللكلام بقية ...

BY قناة / عبدالله القرني


Share with your friend now:
tgoop.com/aalqarni1/69

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

How to build a private or public channel on Telegram? How to create a business channel on Telegram? (Tutorial) Each account can create up to 10 public channels Activate up to 20 bots Just at this time, Bitcoin and the broader crypto market have dropped to new 2022 lows. The Bitcoin price has tanked 10 percent dropping to $20,000. On the other hand, the altcoin space is witnessing even more brutal correction. Bitcoin has dropped nearly 60 percent year-to-date and more than 70 percent since its all-time high in November 2021.
from us


Telegram قناة / عبدالله القرني
FROM American