Telegram Web
توفرت الملزمة
للطلب تواصل معنا على بوت القناة @Lan22_bot
فهرس المواضيع التي تشتمل عليها المذكره 👌🏻
#علم_البيان
#دروس_لغة_الضاد_والأضداد
#الحقيقة_والمجاز


٢- تابع علم البيان (الحقيقة والمجاز) :

تَعْريفُ الحَقيقةِ والمَجازِ
الحَقيقةُ: اللَّفظُ المُسْتعمَلُ في ما وُضِع له، والمَجازُ: اسْتِعمالُ اللَّفظِ في غيرِ ما وُضِع له في اصْطِلاحِ التَّخاطُبِ لعَلاقةٍ، معَ قَرينةٍ مانِعةٍ مِن إرادةِ المَعْنى الوَضْعيِّ، والعَلاقةُ: هي المُناسَبةُ بَيْنَ المَعْنى الحَقيقيِّ والمَعْنى المَجازيِّ، قد تكونُ المُشابَهةَ بَيْنَ المَعْنيَينِ، وقد تكونُ غيرَها.
والمَجازُ مُشتَقٌّ مِن: جاز الشَّيءَ يَجوزُه: إذا تَعدَّاه، سُمِّي بذلك لأنَّه يَنقُلُ اللَّفظَ مِنَ المَعْنى الأصْليِّ إلى مَعْنًى آخَرَ.
فاسْتِعمالُ اللَّفظِ فيما وُضِع له كإطْلاقِ لفْظِ "غُراب، أسَد، غَزال" على الحَيواناتِ المَعْروفةِ، فهذه الإطْلاقاتُ حَقيقةٌ، أمَّا إنْ أطْلقتَها على غيرِ ذلك؛ كأنْ تُطلِقَ لفظَ الأسدِ على الرَّجلِ الشُّجاعِ، والغَزالِ على الفَتاةِ المُعْتدِلةِ القَوامِ، والغُرابِ على مَنْ يَتشاءَمُ النَّاسُ منه- كان مَجازًا؛ لعَلاقةِ المُشابَهةِ في الكلِّ .
وتَنقسِمُ الحقيقةُ إلى أقسامٍ مُختلِفةٍ بحسَبِ أصلِ ما وُضِعَ له اللَّفظُ، ويُقابِلُها في كلِّ قِسمٍ منها مَجازٌ:
- الحقيقةُ اللُّغويَّةُ: وهي استعمالُ اللَّفظِ في مَجالاتِ الاستعمالِ اللُّغويةِ العامَّةِ بمعناه الَّذي وُضِعَ له في اللُّغةِ؛ كإطلاقِ اليَدِ على العُضوِ المعروفِ مِن الإنسانِ، والأسدِ على الحيوانِ المعروفِ، ونحْوِ ذلك. ويُقابِلُه المجازُ اللُّغويُّ، وهو إطلاقُ اللَّفظِ على غيرِ ما وُضِع له في أصْلِ اللُّغةِ؛ كإطلاقِ اليدِ على النِّعمةِ والقُدرةِ، وتَسميةِ الشُّجاعِ أسَدًا.
- الحقيقةُ الشَّرعيَّةُ: وهي استعمالُ اللَّفظِ في مَجالاتِ استعمالِ الألفاظِ الشَّرعيَّةِ بمعناه الاصطلاحيِّ الشَّرعيِّ؛ كإطلاقِ الصَّلاةِ على الرُّكنِ الثَّاني مِن أركانِ الإسلامِ، وهي أفعالٌ مَخصوصةٌ تَبدَأُ بالتَّكبيرِ وتَنْتهي بالتَّسليمِ، وكذا إطلاقُ الزَّكاةِ على الرُّكنِ الثَّالثِ الَّذي هو بَذْلُ جُزءٍ مِن المالِ تَقرُّبًا إلى اللهِ بكَيفيَّةٍ مَخصوصةٍ لِمَصارفَ مَخصوصةٍ، وهكذا الصِّيامُ والحجُّ والتيمم ونحوُها. ويُقابِلُها المجازُ الشَّرعيُّ، وهو استعمالُ اللَّفظِ الشَّرعيِّ في مَجالِ الاستعمالِ الشَّرعيِّ بمعناها اللُّغويِّ غيرِ الشَّرعيِّ؛ كإطلاقِ الصَّلاةِ على الدُّعاءِ والزَّكاةِ على الطَّهارةِ، والصَّومِ على الامتناعِ، والحجِّ والتيمم على القصْدِ. فهذه الألفاظُ تُعَدُّ مَجازًا شَرعيًّا وإنْ كان حَقيقةً لُغويةً.
- الحقيقةُ في العُرفِ العامِّ: وهي استعمالُ اللَّفظِ في الكلامِ الجاري على ألْسِنةِ النَّاسِ بما اصطَلَحَ النَّاسُ عليه وإنْ خالَفَ المعنى اللُّغويَّ؛ كإطلاقِ لفظِ "الدَّابَّةِ" على الحيوانِ الَّذي يَمْشي على أربعٍ. ويُقابِلُها المجازُ العُرفيُّ العامُّ، وهو استعمالُ اللَّفظِ في الكلامِ الجاري على ألْسِنةِ النَّاسِ بما لم يَصطَلِحوا عليه، وإنْ وافقَ المعنى اللُّغويَّ، كإطلاقِ الدَّابَّةِ على كلِّ ما يَدِبُّ على الأرضِ مِن الإنسانِ والحيوانِ.
- الحقيقةُ في العُرفِ الخاصِّ: وهي استعمالُ اللَّفظِ في كَلامِ طائفةٍ مُعيَّنةٍ وَفْقَ استعمالِهم واصطلاحِهم؛ ففي عِلمِ النَّحوِ مثلًا ألْفاظُ: "الفاعلُ، المفعولُ، الرَّفعُ، النَّصبُ، الجرُّ" لها اصطلاحاتٌ وتَعريفاتٌ مُحدَّدةٌ، فإذا استَعمَلَها النَّحْويُّ وَفْقَ تلك الاصطلاحاتِ كانت حَقيقةً عُرفيَّةً خاصَّةً، وإنْ خالَفَ فيها إلى معنًى آخَرَ وإنْ كان مُوافِقًا للمعنى اللُّغويِّ كان مَجازًا عُرْفيًّا خاصًّا
للمَجازِ طرائِقُ عديدةٌ يأتي بها؛ أشْهَرُها:
1- إطْلاقُ اسمِ السَّببِ على المُسبَّبِ، نحْوُ قولِهم: سالَ الوادي، والماءُ هو الَّذي سالَ، ومِثلُ تَسْميةِ المَطرِ بالسَّماءِ، أو تَسْميةِ العِنَبِ بالخَمْرِ.
2- إطْلاقُ المُسبَّبِ على السَّببِ، كتَسْميةِ المَرضِ الشَّديدِ بالموْتِ.
3- المُشابَهةُ: كتَسْميةِ الشُّجاعِ أسَدًا.
4- تَسْميةُ الشَّيءِ باسمِ ضدِّه، كقَولِه تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فسمَّى القِصاصَ عُدوانًا تَسْميةً له باسمِ ضدِّه.
5- تَسْميةُ الجزءِ باسمِ الكلِّ، كما في قولِه تعالى: يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ فالَّذي يُجعَلُ في الآذانِ إنَّما هو الأنامِلُ لا الأصابِعُ كلُّها.
6- تَسْميةُ الكلِّ باسمِ الجزءِ، كما يُقالُ للزَّنْجيِّ: أسْوَدُ.
7- تَسْميةُ إمْكانِ الشَّيءِ باسمِ وُجودِه، كما يُقالُ للخمْرِ في الدَّنِّ: مُسْكِرَةٌ.
8- إطْلاقُ اللَّفظِ المُشتَقِّ بعدَ زَوالِ المُشتقِّ منه، كقولِك للإنْسانِ بعد فَراغِه مِنَ الضَّربِ: ضارِبٌ.
9- المُجاوَرةُ، مِثلُ نقْلِ اسمِ "الرَّاويةِ" مِنَ الجَمَلِ الَّذي يَروي إلى الحِمْلِ الَّذي عليه فيه الماءُ.
10- تَرْكُ الاسْتِعمالِ: وهُو أنْ يكونَ اللَّفظُ حَقيقةً ثمَّ يُهجَرَ، فإذا قُلتَ للحِمارِ: دابَّةً، صار ذلك مَجازًا، معَ أنَّ الدَّابةَ أصْلًا تَشمَلُ كلَّ ما يَدِبُّ على الأرْضِ.
11- تَسْميةُ المُتعلِّقِ باسم المُتعلَّقِ، (والمُرادُ التَّعلُّقُ الحاصِلُ بَيْنَ المَصْدرِ واسمِ الفاعِلِ واسمِ المَفْعولِ، كإطْلاقِ المَصْدَرِ على اسمِ الفاعِلِ، نحْوُ: رجُلٌ عَدْلٌ، أيْ: عادِلٌ، وعكْسُه، نحْوُ: قُمْ قائِمًا، أيْ: قِيامًا، والمَصْدرِ على اسمِ المَفْعولِ، نحْوُ: هَذَا خَلْقُ الله أيْ: مَخْلوقُه، وعكْسُه نحْوُ: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أيْ: الفِتنةُ، واسمِ الفاعِل على المَفْعولِ، نحْوُ: مَاءٍ دَافِقٍ أيْ: مَدْفوقٍ، وعكْسُه نحْوُ: حِجَابًا مَسْتُورًا أيْ: ساتِرًا) .
12- المَجازُ بالزِّيادةِ والنُّقصانِ، كقَولِه تعالى: وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتي كُنَّا فِيهَا وقَولِه تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ
أنواع المجاز:
يَنْقسِمُ المَجازُ بحسَبِ العَلاقةِ بَيْنَ المَعْنى الحَقيقيِّ والمَعْنى الجَديدِ إلى: المَجازِ المُرسَلِ والاسْتِعارةِ؛ فإنْ كانتِ العَلاقةُ بينَهما عَلاقةَ تَشْبيهٍ فهُو اسْتعارَةٌ، وإنْ كانتِ العَلاقةُ شيئًا آخَرَ كان مَجازًا مُرسَلًا.
فإذا قلتَ: رأيتُ أسدًا في المَعْركةِ، كان المَجازُ الواقِعُ في تَشْبيهِك البطَلَ بالأسدِ اسْتِعارةً؛ لأنَّ العَلاقةَ بَيْنَ الأسدِ الحَقيقيِّ والأسدِ المَقْصودِ هنا (وهُو الجُنديُّ البطَلُ) هي عَلاقةُ التَّشْبيهِ؛ فالأسدُ والبَطلُ يَتَشابهانِ في صِفاتِ الجُرأةِ والشَّجاعةِ والقوَّةِ والإقْدامِ.
أمَّا إذا قلتَ: لفُلانٍ علينا يدٌ، تُريدُ: نِعْمَة، فهذه العَلاقةُ عَلاقةُ السَّببيَّةِ؛ فإنَّ اليدَ سَببُ النِّعْمةِ، فهذا مَجازٌ مُرسَلٌ لا اسْتِعارةٌ.
ويَنقسِمُ المجازُ بحسَبِ الاستعمالِ اللُّغويِّ والإسناديِّ إلى:
1- مَجازٍ لُغويٍّ: وهو الكلمةُ المستعملةُ في غيرِ ما وُضِعَت له لعَلاقةٍ ما مع قَرينةٍ مانعةٍ مِن إرادتهِ المعنى الأصليَّ.
2- مَجازٍ عَقليٍّ: وهو إسنادُ الفعلِ أو ما في معناه إلى غيرِ ما هو له، مِثلُ: أنبَتَ الرَّبيعُ الزَّهرَ، وسار بي الشَّوقُ، ورَبِحَتْ تِجارةُ فُلانٍ.
كما يَنقسِمُ كذلك بحسَبِ الإفرادِ والتَّركيبِ إلى:
أ- مَجازٍ مُفرَدٍ: وهو الذي يَنقسِمُ إلى استعارةٍ ومَجازٍ مُرسَلٍ. وسيأتي بيانُهما.
ب- مَجازٍ مركَّبٍ: ويَنقسِمُ إلى:
* استعارةٍ تَمثيليَّةٍ، مِثلُ قولِك للإنسانِ المُتردِّدِ في أمرٍ: أراكَ تُقَدِّمُ رِجلًا وتُؤخِّرُ أخرى؛ أي: أراك في تردُّدِك كالذي يُقَدِّمُ رِجلًا ويُؤخِّرُ أُخرى.
* مَجازٍ مُركَّبٍ مُرسَلٍ: وهو الكلامُ المركَّبُ المستعمَلُ في غيرِ ما وُضع له لعَلاقةٍ غيرِ المُشابَهةِ، ويَقَعُ في المركَّباتِ الخبريَّةِ والإنشائيَّةِ، كقولِ الشَّاعرِ:
ذَهَب الصِّبا وتَوَلَّت الأيَّام
حيث يَقصِدُ التَّحسُّرَ على الشَّبابِ، ومنه قولُ يَعقوبَ عليه السَّلامُ: هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فإنَّ المقصودَ منه إظهارُ عدَمِ الاعتمادِ. وسيأتي تَفصيلُ جميعِ ذلك.
#علم_البيان
#الاستعاره
#دروس_لغة_الضاد_والأضداد

٣- الاستعارة

الاستعارةُ لُغةً: مأخوذةٌ مِن الإعارةِ، تقولُ: أَعَرْتُ صاحبي الشَّيءَ، واستَعَرْتُه منه، فأعارَنِيه.
وفي اصطلاحِ البلاغيِّينَ: استعمالُ الكلمةِ في غيرِ ما وُضِعَت له لعَلاقةِ المشابَهةِ مع قَرينةٍ مانعةٍ مِن إرادةِ المعنى الأصليِّ.
وتُعرَّفُ الاسْتِعارةُ كذلك بأنَّها: "أنْ تذكُرَ أحدَ طرفَيِ التَّشْبيهِ وتُريدَ به الطَّرفَ الآخَرَ، مُدَّعيًا دُخولَ المُشبَّهِ في جنْسِ المُشبَّهِ به، دالًّا على ذلك بإثْباتِك للمُشبَّهِ ما يَخصُّ المُشبَّهَ به".
ومَعْنى ذلك التَّعريفِ أنَّ الاسْتِعارةَ ما هي إلَّا تَشْبيهٌ مُخْتصَرٌ، حُذِف فيه أحدُ طرفَيِ التَّشْبيهِ والأداةُ ووجْهُ الشَّبهِ. فإذا قلتَ: رأيتُ أسدًا في المَعركةِ، كان أصْلُ الكَلامِ: رأيتُ جُنديًّا كالأسدِ في المَعْركةِ في شَجاعتِه، فحذَفتَ المُشبَّهَ (جندي)، والأداةَ (الكاف)، ووجْهَ الشَّبهِ (الشجاعة). وكذلك إذا قلتَ: الطِّفلةُ تُغرِّدُ في الأناشيدِ، فإنَّ الأصْلَ: الطِّفلةُ تُغنِّي غِناءً حَسَنًا كتَغْريدِ العَصافيرِ.
الاسْتِعارةُ بحسَبِ ذكْرِ المُستعارِ منه أو عدَمِ ذِكْرِه:

اصْطَلح البَلاغيُّونَ على أنَّ المُشبَّهَ به في الاسْتِعارةِ يُسمَّى "المُستعارَ منه"، في حين يُطلَقُ على المُشبَّهِ اسمُ "المُسْتعارِ له"، فإذا قُلْتَ: رأيتُ بحْرًا يَسيرُ على الأرْضِ، كان أصْلُ الكَلامِ: رأيتُ رجُلًا كالبحْرِ في سَخائِه وجُودِه؛ فالرَّجلُ هنا هو المُستعارُ له، والبحْرُ هو المُستعارُ منه.
تَنقسِمُ الاسْتعارةُ بحسَبِ ذكْرِ المُستعارِ منه إلى اسْتعارةٍ تَصريحيَّةٍ واسْتعارةٍ مَكنيَّةٍ:
الاسْتِعارةُ التَّصْريحيَّةُ:
هي الَّتي يرِدُ فيها ذِكْرُ المُستعارِ منه صَراحةً، كقَولِه تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ ففي هذه الاسْتعارةِ تَشْبيهٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّه نورٌ، وقد صَرَّح بذكْرِ المُستعارِ منه هنا، وكذلك في الآيةِ الثَّانيةِ حيثُ شبَّه الشِّرْكَ بالظُّلُماتِ، والإسلامَ بالنُّورِ، وصرَّح بذكْرِ المُستعارِ منه في المَواضعِ الثَّلاثةِ.
ومنْها قولُ زُهَيرِ بنِ أبي سُلْمى: الطويل
لدى أسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقَذَّفٍ
لهُ لِبَدٌ أظْفارُه لم تُقَلَّمِ
فالأسدُ هنا ليس الحَيوانَ المَعْروفَ، وإنَّما يُريدُ به وصْفَ رجُلٍ (الحُصَينُ بنُ ضَمْضَمٍ)، فاسْتَعار له لفْظَ الأسدِ؛ لاجْتِماعِهما في الشَّجاعةِ والجُرأةِ.
ومنه قولُ المتنبي في وصْفِ دُخولِ رَسولِ الرُّومِ لسَيفِ الدَّولةِ: الطويل
فأقْبلَ يَمشي في البِساطِ فما دَرى
إلى البَحرِ يَسْعى أم إلى البَدرِ يَرْتقي
ففي كَلمتَيِ "البَحرِ، البَدرِ" اسْتِعارتانِ تَصْريحيَّتانِ؛ حيثُ صوَّر سَيفَ الدَّولةِ بأنَّه بَحرٌ وأنَّه بَدرٌ، ولولا القَريْنةُ "فأقْبَل يَمْشي في البِسَاطِ" لَما علِمْنا أنَّه أرادَ بالبَحرِ والبدْرِ سيْفَ الدَّولةِ، ولَظَنَّنا أنَّه يُريدُ البحْرَ نفْسَه والبدْرَ عَينَه.
وقولُه أيضًا: الطويل
فلم أرَ قبْلِي مَن مَشى البَحرُ نحْوَه
ولا رجُلًا قامَتْ تُعانِقُه الأُسْدُ
فإنَّه شبَّه المَمْدوحَ بالبحْرِ، ولم يذكُرِ المُشبَّهَ وصرَّح بذكْرِ المُستعارِ منه، ثمَّ وصَفه مرَّةً أخرى بأنَّه أسدٌ، وصرَّح بذكْرِ المُستعارِ منه كذلك.
ومِن أرْوعِ أمْثِلةِ الاسْتعارةِ التَّصْريحيَّةِ قولُ الشَّاعِرِ: البسيط
فأمْطَرَتْ لُؤلؤًا مِن نَرجِسٍ وسقَتْ
ورْدًا وعضَّتْ على العُنَّابِ بالبَرَدِ
حيثُ صوَّر الدُّموعَ باللُؤلؤِ، والعُيونَ بالنَّرجِسِ، والخُدودَ بالورْدِ، والأنامِلَ بالعُنَّابِ، والأسْنانَ بالبَرَدِ، وهُو الثَّلجُ.
#الاستعارة_المكنية

الاسْتعارةُ المَكنيَّةُ:
وهِي ما حُذِف فيها المُستعارُ منه (المُشبَّهُ به)، ورُمِز إليه بشيءٍ مِن لوازِمِه، كقَولِه تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ شبَّه الذُّلَّ بطائِرٍ، بجامِعِ الخُضوعِ واللِّينِ، واسْتُعير الطَّائِرُ للذُّلِّ، ثمَّ حُذِف ورُمِز إليه بشيءٍ مِن لوازِمِه وهُو الجَناحُ- على طَريقِ الاسْتعارةِ بالكِنايةِ.
ومنه قولُ أبي ذُؤَيبٍ الهُذَليِّ: الكامل
وإذا المَنيَّةُ أنْشَبتْ أظْفارَها
ألْفَيتَ كلَّ تَميمَةٍ لا تَنفَعُ
حيثُ شبَّه المنيَّةَ بالأسَدِ الَّذي يُدخِلُ أظْفارَه في فَريسَتِه ويَعلَقُ بها، واعْتاضَ عن ذكْرِ المُستعارِ منه بذكْرِ أحدِ خَصائِصِه، وهِي إنْشابُ الأظْفارِ.
ومنه قولُ دِعْبِلٍ الخُزاعيِّ: الكامل
لا تَعْجبي يا سَلْمَ مِن رجُلٍ
ضَحِك المَشيبُ برأسِه فبَكى
حيثُ صوَّر الشَّاعرُ الشَّيبَ بالإنْسانِ، وحذَف المُشبَّه به وأتى بما يدُلُّ عليه، وهُو الضَّحِكُ.
ومنه قولُ الحجاج بن يوسف في خُطبتِه الَّتي افْتتَح بها حُكْمَه بالكُوفةِ: "إنِّي لَأرى رُؤوسًا قد أيْنعَتْ وحان قِطافُها، وإنِّي لصاحِبُها" حيثُ صوَّر رُؤوسَ النَّاسِ بالثِّمارِ، وحذَف المُستعارَ منه وأتَى بما يدُلُّ عليه، وهو نُضوجُه وحينُ القِطافِ
الاسْتعارةُ بحسَبِ ذِكْرِ المُلائِمِ لأحدِ الطَّرفَينِ:

تَنقسِمُ الاسْتعارةُ بحسَبِ ذكْرِ ما يُلائمُ أحدَ طرفَيِ الاسْتعارةِ أو عدَمِ ذكْرِه إلى:
١- الاسْتعارةِ المُرشَّحةِ:
وهِي الَّتي تُقرَنُ بما يُلائِمُ المُستعارَ منه (المُشبَّه به)، ومنه قولُ كُثَيِّر عزَّةَ: الطويل
رمَتْني بسَهْمٍ رِيشُه الكُحْلُ لم يُضِرْ
ظواهِرَ جِلْدي وهُو للقلْبِ جارِحُ
شبَّه نظْرتَها له بالسَّهمِ، بجامِعِ التَّأثيرِ والإضْرارِ في كلٍّ، وصرَّح بذكْرِ السَّهمِ، وهُو المُستعارُ منه، ثمَّ أتى بما يُؤكِّدُه، وهُو ذِكْرُ الرِّيشِ.
٢- الاسْتعارةُ المُجرَّدةُ:
وهِي الَّتي تَقترِنُ بما يُلائِمُ المُستعارَ له (المُشبَّه)، كقولِ البحتري الوافر
يُؤدُّون التَّحيَّةَ كلَّ يومٍ
إلى قمَرٍ مِنَ الإيْوانِ بادِ
فاسْتعارَ لفْظَ القمَرِ للمَمدوحِ، ثمَّ قرَن الاسْتِعارةَ بما يُلائِمُ المَمدوحَ بأنَّه مِن بَني البشَرِ، وهُو أنَّه ظاهِرٌ في الإيْوانِ
٣-الاسْتعارةُ المُطلَقةُ:
وهي الَّتي خلَتْ عمَّا يُلائمُ أحدَ طرفَيِ الاسْتعارةِ؛ لا المُستعارَ منه ولا المُستعارَ له، أو ما ذُكِر معَها ما يُلائمُ المُشبَّهَ به والمُشبَّهَ معًا.
فمِن الأوَّلِ قولُ الشَّاعِرِ: البسيط
فأمْطَرتْ لُؤلؤًا مِن نَرجِسٍ وسقَتْ
ورْدًا وعضَّتْ على العُنَّابِ بالبَرَدِ
حيثُ أتى بكلِّ تلك الاسْتعاراتِ؛ فشبَّه الدَّمعَ باللُّؤلؤِ، والعَينَ بالنَّرجِسِ، والخدَّ بالوَرْدِ، والأنامِلَ بالعُنَّابِ، والأسْنانَ بالبَرَدِ، ولم تأتِ قَرينةٌ تُلائمُ المُستعارَ منه أوِ المُستعارَ له في كلِّ تلك الاسْتعاراتِ.
ومنه قولُ الشَّاعِرِ: البسيط
قَومٌ إذا الشَّرُّ أبْدى ناجِذيْهِ لهُمْ
طارُوا إليهِ زَرافاتٍ ووُحْدانَا
حيثُ صوَّر الشَّرَّ بأنَّه حَيوانٌ مُفترِسٌ له نواجِذُ يُكشِّرُ عنها ويُبديها تَخويفًا وإرْهابًا، وهذه اسْتعارةٌ مَكنيَّةٌ مُرشَّحةٌ، ثمَّ شبَّه مشْيَ القوْمِ بالطَّيرانِ، والجامِعُ بينَهما السُّرعةُ، ثمَّ لم يأتِ بما يُلائمُ المُشبَّهَ أو المُشبَّهَ به، وهذه اسْتعارةٌ تَصريحيَّةٌ مُطلَقةٌ.
ومِن الثَّاني -ما ذُكِر معَها ما يُلائمُ المُشبَّهَ به والمُشبَّهَ معًا- قولُ الشَّاعِرِ:
لدى أسَدٍ شاكي السِّلاحِ مُقذَّفٍ
لهُ لِبَدٌ أظْفارُه لم تُقلَّمِ
فاسْتَعار الأسدَ للرَّجلِ الشُّجاعِ، وذكَر ما يُناسِبُ المُستعارَ له، وهُو قولُه: «شاكي السِّلاحِ مُقذَّفٍ»، وهذا هو التَّجريدُ، ثمَّ ذكَر ما يُناسبُ المُستعارَ منه (الأسد)، وهُو قولُه: «له لِبَدٌ أظْفارُه لم تُقلَّمِ»، وهذا هو التَّرشيحُ، واجْتِماعُ التَّجريدِ والتَّرشيحِ يؤدِّي إلى تَعارُضِهما وسُقوطِهما، فكأنَّ الاسْتعارةَ لم تَقترِنْ بشيءٍ، وتكونُ في رُتبةِ (المُطلَقةِ)
الاسْتعارةُ بحسَبِ اللَّفظِ المُستعارِ إلى أصليَّةٍ وتَبعيَّةٍ:

تَنقسِمُ الاسْتعارةُ بحسَبِ اللَّفظِ المُستعارِ إلى أصليَّةٍ وتَبعيَّةٍ:
١- فالاسْتعارةُ الأصْليَّةُ: ما كان اللَّفظُ المُستعارُ اسمًا جامِدًا، سواءٌ كان اسمَ ذاتٍ؛ كالبدْرِ والأسدِ والنَّهرِ والبحْرِ والفَرسِ والغَزالِ ...، أو اسمَ مَعْنًى؛ كالجَمالِ والكَرمِ والشَّجاعةِ والعلْمِ ونحوِ ذلك.
فمن ذلك قولُه تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ حيثُ اسْتعارَ النُّورَ في الآيةِ الأُولى للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثمَّ اسْتعارَ الظُّلُماتِ في الآيةِ الثَّانيةِ للشِّركِ والضَّلالِ والجاهِليَّةِ، والنُّورَ للإسْلامِ والهِدايةِ والحقِّ، وهذه الألْفاظُ: "النُّور، الظُّلُمات" أسماءُ مَعانٍ (مَصادِر)، ولذلك كانت الاسْتعارةُ أصْليَّةً.
ومنه قولُ البحتري الوافر
يُؤدُّونَ التَّحيَّةَ كلَّ يومٍ
إلى قمَرٍ مِنَ الإيْوانِ بادِ
حيثُ اسْتعار "القمَرَ" للمَمدوحِ؛ لتَشْبيهِه به في الحُسْنِ والضِّياءِ، والقمَرُ اسمُ ذاتٍ؛ فلهذا كانت الاسْتعارةُ أصْليَّةً.

ويَلحَقُ بها استعارةُ الأعلامِ الَّتي ارتبَطَت بأوصافٍ مُشتَهرةٍ، مِثل حاتمٍ وعَنْترةَ؛ لأنَّ الشَّخصَ المُشتَهِرَ بصِفةٍ خاصَّةٍ يَصِيرُ كأنَّه جِنسٌ صالحٌ لأنْ يُطلَقَ على كَثيرِين، نقولُ: "سلَّمْتُ على حاتمٍ" تَقصِدُ رجُلًا كَريمًا استَعرْتَ له "حاتِم" بجامعِ الكرَمِ في كلٍّ منهما، فتكون استعارةً تَصريحيَّةً أصليَّةً.


٢- أمَّا الاسْتعارةُ التَّبَعيَّةُ: فهِي ما لا يكونُ اللَّفظُ المُستعارُ اسمَ جنْسٍ؛ كأنْ يكونَ اسمًا مُشتقًّا أو فِعلًا أو حرْفًا.
فمِن ذلك قولُه تعالى: قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ فالاسْتعارةُ هنا في قولِه: مَرْقَدِنَا؛ حيثُ اسْتعارَ للقبْرِ لفْظَ المَرقَدِ، وهِي اسْتعارةٌ تَصريحيَّةٌ، حُذِف منها المُستعارُ له، وأُتِي بالمُستعارِ منه فحسْبُ، وكَلمةُ مَرْقَدِنَا اسمُ مَكانٍ؛ لذلك فهِي ليستْ مِن أسْماءِ الذَّواتِ أوِ المَعاني، فلهذا كانت الاسْتعارةُ تَبَعيَّةً.


٣- ومثلُها الاسْتعارةُ بلفْظِ الفِعلِ، كقَولِه تعالى: وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ فاسْتعارةُ السُّكوتِ للغَضبِ اسْتعارةٌ مَكنيَّةٌ؛ شُبِّه الغَضبُ بأنَّه إنْسانٌ يَسكُتُ، ولفْظُ الاسْتعارةِ: "سكَت" فعلٌ ماضٍ، ليس اسمَ ذاتٍ ولا اسمَ مَعْنًى، فكان مِن الاسْتعارةِ التَّبعيَّةِ لا الأصْليَّةِ.
ومنه قولُ ابنِ المُعتَزِّ: المديد
جُمِع الحقُّ لنا في إمامٍ
قتَلَ البُخْلَ وأحْيا السَّماحَا
فالاسْتعارةُ هنا في قولِه: "قتَلَ البُخْلَ" وفي قولِه: "أحْيا السَّماحا"؛ حيثُ جعَل مِنَ البُخلِ والسَّماحِ رجُلَينِ يُقتَلُ أحدُهما ويُستَحْيا الآخَرُ، وقد حذَف الشَّاعرُ المُستعارَ منه "الرَّجلَينِ" وأتى بخَصِيصةٍ من خَصائِصِهما، وهِي القتْلُ والاسْتحياءُ (أي: الاسْتِبقاءُ).
ولفْظا الاسْتعارةِ "قتَل، أحْيا" فِعلانِ، فخَرجا بذلك عن أنْ يكونا مِن الاسْتعارةِ الأصْليَّةِ، فكانا مِن الاسْتعارةِ التَّبَعيَّةِ.


٤- ومنها أيضًا الاسْتعارةُ في الحُروفِ، كقَولِه تعالى: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا فإنَّ اللَّامَ هنا هي لامُ التَّعليلِ في الأصْلِ، لكنَّها جاءت هنا لتدُلَّ على تَرتيبِ شيءٍ على شيءٍ؛ إذْ ليست علَّةُ الْتقاطِ آلِ فِرعونَ مُوسى أنْ يكونَ عدوًّا لهم؛ فكيف يَلتقِطُ رجُلٌ طِفلًا ليَجعلَه له عدوًّا؟! إنَّما أرادوا بالْتِقاطِه أنْ يَتَّخذوه ابنًا لهم، لكنَّ اسْتِخدامَ اللَّامِ هنا خرَج عن هذا الاسْتِعمالِ المألوفِ وجاء لإفادَةِ التَّرْتيبِ والجَزاءِ، أيْ: إنَّهم الْتقَطوه فكان أنْ صار عَدوَّهم الَّذي نقَض مُلْكَهم وهدَم زَيْفَهم وباطِلَهم
الاستعارةُ بحسَبِ الطَّرفَينِ:

تَنقسِمُ الاستعارةُ كذلك باعتبارِ حالِ الطَّرفَينِ إلى:
1- الاستعارةُ العِناديَّةُ: وهي الاستعارةُ الَّتي لا يُمكِنُ اجتماعُ طَرَفَيها في شَيءٍ واحدٍ، وإنَّما تَأْتي تلك الاستعارةُ لأحدِ غَرَضينِ:
أ- التَّهكُّمِ والسُّخريةِ، كقولِه تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ حيث استعارَ البِشارةَ للإنذارِ بالعذابِ مِن بابِ التَّهكُّمِ والسُّخريةِ، ولا يُمكِنُ اجتماعُ البِشارةِ والنِّذارةِ في شَيءٍ واحدٍ. ومنه أيضًا قولُه تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ جَعَل الإضلالَ هِدايةً سُخْريةً واستهزاءً بالكافرينَ الَّذين أشْرَكوا باللهِ سُبحانه، والهِدايةُ والإضلالُ لا يَجتمعانِ.
ومنه قولُ بَشَّارِ بنِ بُرْدٍ: الطويل
إذا المَلِكُ الجبَّارُ صَعَّر خَدَّه
أتَيْنا إليه بالسُّيوفِ نُعاتِبُه
أراد بالعِتابِ العِقابَ والقتْلَ، ولا يَجتمعانِ معًا.
ب- الملاحةُ والظَّرافةُ، كقولِ المتنبي الطويل
فلم أرَ بَدْرًا ضاحكًا قِبَلَ وَجهِها
ولم أرَ قَبْلي ميِّتًا يَتكلَّمُ
حيث استعار الموتَ للمُحِبِّ المُتَيَّمِ، ولا يَجتمِعُ الموتُ والحبُّ معًا.

2- الاستعارةُ الوفاقيَّةُ: وهي الاستعارةُ الَّتي يُمكِنُ اجتماعُ طَرَفَيها في شَيءٍ واحدٍ، كقولِ الشَّاعرِ: الكامل
ولقدْ سَموتُ بهِمَّتي وسَما بها
طَلَبُ المكارِمِ بالفِعال الأفضلِ
لأنالَ مَكرُمةَ الحياةِ وربَّما
عَثُرَ الزَّمانِ بذي الدَّهاءِ الأحولِ
استعارَ الحياةَ لبقاءِ الذِّكر والأثرِ الحسَنِ، وقد يَجتمعانِ معًا، فَيَحْيا الإنسانُ ذائعُ الصِّيتِ بالخيرِ ومَكارمِ الأخلاقِ.
وقد اجتمَعَ نَوْعا الاستعارةِ في قولهِ تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ حيث استعارَ الموتَ للضَّلالِ؛ فجَعَل الضَّالَّ ميتًا، وهي استعارةٌ عِناديَّةٌ؛ إذ الميِّتُ لا يُوصَفُ بضَلالٍ، كما استعار الإحياءَ للهِدايةِ، وهي استعارةٌ وِفاقيَّةٌ؛ حيث يَكثُرُ في الأحياءِ الهِدايةُ
الاستعارةُ بحسَبِ الجامعِ:

تَنقسِمُ الاستعارةُ بحسَبِ الجامعِ إلى:
1- استعارةٍ عامِّيَّةٍ مُبتذَلةٍ: وهي التي تَلُوكُها الألْسنةُ، واعتادَها النَّاسُ، ولا تَحتاجُ إلى إعمالِ عَقلٍ لفَهمِها؛ كقولِك: رأيتُ شَمسًا، وقابلْتُ أسدًا، وورَدْتُ بَحْرًا؛ استعَرْتَ الشَّمسَ للمرأةِ الجميلةِ، والأسدَ للرَّجلِ الشُّجاعِ، والبحرَ للجَوَادِ الكريمِ. وهذا النَّوعُ مِن الاستعارةِ لا يَهتَمُّ به البُلغاءُ، ولا يُستحسَنُ إلَّا في مَقامِ الوعظِ والإرشادِ، أو في المخاطَباتِ العامَّةِ.
2- استعارةٌ خاصِّيَّةٌ: وهي ما كان الجامعُ بيْن المستعارِ والمستعارِ له بَعيدًا، يَحتاجُ إلى إعمالِ عَقلٍ وإطالةِ نَظرٍ؛ كقولِ طُفيلٍ الغَنَويِّ: الكامل
وجَعَلْتُ كوري فَوْقَ ناجيةٍ
يَقْتاتُ شَحْمَ سنامِها الرَّحلُ
الكُورُ: الرَّحلُ، والنَّاجيةُ: الناقةُ؛ استعارَ الشَّاعرُ الاقتِياتَ -وهو الأكلُ وتَناولُ الطَّعامِ بالفمِ- لإذهابِ الرَّحلِ لشَحْمِ السَّنامِ، والجامعُ بيْنهما إزالةُ الشَّيءِ تَدْريجيًّا، فمِن كَثرةِ احتكاكِ الرَّحلِ بسِنامِ النَّاقةِ أهْزَلَها وأذْهَبَ شَحْمَ سنامِها، فكأنَّه كان يَأكُلُه.

وكقَولِ ابنِ المُعتَزِّ: الرجز
حتَّى إذا ما عَرَفَ الصَّيدُ الدَّارَ
وأَذِنَ الصُّبْحُ لنا بالإبصارِ
استعار الإذْنَ للتَّمكُّنِ مِن الرُّؤيةِ بعْدَ العجزِ عنها ليلًا، والجامعُ بيْنهما حُصولُ القدرةِ على شَيءٍ بعْدَ امتناعِها، فكما تَمتنِعُ الرُّؤيةُ ليلًا، كذا تَمتنِعُ الأشياءُ بمَنْعِ صاحبِها لها.
وتَحدُثُ الخصوصيَّةُ والغرابةُ في الاستعارةِ الخاصِّيَّةِ بأحدِ أُمورٍ:
أ- أنْ تكونَ الغرابةُ في التَّشبيهِ نفسهِ، كما في البيتينِ السَّابقينِ؛ حيث سَبَق الشاعرانِ إلى تَعبيرٍ لم يَعْتَدْه العامَّةُ.

ب- أن تَحصُلَ بتَصرُّفٍ في الاستعارةِ العامِّيَّةِ المُبتذَلةِ؛ كقولِ ابنِ المُعتَزِّ: البسيط
سالَتْ عليه شِعابُ الحيِّ حِين دَعا
أنصارَه بوُجوهٍ كالدَّنانيرِ
فاستعارةُ السَّيَلانِ للكثرةِ استعارةٌ مُبتذَلةٌ، لكنَّ الشاعرَ أزال ابتَذالَها حِين أسنَدَ السَّيَلانَ إلى الشِّعابِ، لا إلى النَّاسِ والوجوهِ؛ فكأنَّ الشِّعابَ فاضتْ بالرِّجالِ مِن كلِّ جانبٍ حتَّى لم يَجِدِ الناسُ مَكانًا للوقوفِ، وساعَدَ على ذلك قولُه: "عليه".

ومنه أيضًا قولُ الشَّاعرِ: الكامل
فَرْعاءُ إنْ نَهَضتْ لحاجتِها
عَجِلَ القضيبُ وأبْطَأَ الدِّعْصُ
استعار الشاعرُ القضيبَ للقوامِ، والدِّعْصَ -وهو القطعةُ مِن الرَّملِ المجتمعِ- للرِّدفِ، وهي استعارةٌ مُبتذَلةٌ، إلا أنَّه غايَرَ المعتادَ فوَصَف القضيبَ بالعَجَلةِ والدِّعْصَ بالإبطاءِ، وهو ما أدَّى إلى المبالَغةِ في بيانِ رَشاقتِها وضَخامةِ عَجُزِها.

ج- الجمعُ بين عِدَّةِ استعاراتٍ، كقولِ امرئِ القيسِ الطويل
فقُلتُ له لَمَّا تَمطَّى بصُلبِه
وأردَفَ أعْجازًا وناءَ بكَلْكَلِ
فقدْ أراد وَصْفَ اللَّيلِ بالطُّولِ، فاستعارَ له الصُّلبَ، وجَعَله يَتمطَّى كما يَتَمطَّى الرَّجلُ ليَزيدَ طُولُه شيئًا عندَ التَّمَطِّي، ثمَّ استعارَ له الأعجازَ لِبَيانِ ثِقلِه وبُطْءِ سَيرِه، بلْ إنَّه بالَغَ في ذلك حِين جَعَلها يُردِفُ بعضُها بعضًا، ثمَّ استعارَ له كَلْكَلًا، وهو ما يَعتمِدُ عليه البعيرُ إذا بَرَكَ، ثمَّ زاد مُبالَغةً فوَصَفه بأنَّه يَنُوءُ ويَثقُلُ؛ لِما في اللَّيلِ مِن التَّعبِ والنَّصَبِ على كلِّ ساهرٍ يَرتقِبُ النَّهارَ. فإنْ كان تَصويرُ اللَّيلِ بالبعيرِ مُبتذَلةً، إلَّا أنَّه أزال ذلك الابتذالَ بتلك الاستعاراتِ الَّتي أحكَمَتْ خُيوطَ الصُّورةِ
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
2024/11/26 19:10:01
Back to Top
HTML Embed Code: