ABUELFAWZAN3 Telegram 24308
السؤال:

ما الحكمة في إكثاره صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ صوم شعبان، وكيف يُدْفَعُ التعارضُ مع ما جاء مِنَ النهي عن صوم النصف الثاني مِنْ شهر شعبان؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فقَدْ ثَبَتَ مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها قالَتْ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ»(١)، وعن أُمِّ سَلَمة رضي الله عنها قالَتْ: «لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلَّا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ»(٢).

ويُحْمَلُ صيامُ الشهرِ كُلِّه على معظمه؛ لأنَّ «الأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الكُلِّ»، وإِنْ كان اللفظُ مجازًا قليلَ الاستعمالِ والأصلُ الحقيقة، إلَّا أنَّ الصارف عنها إلى المعنى المجازيِّ هو ما ثَبَتَ عن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ»(٣)، وعنها رضي الله عنها قالَتْ: «وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ»(٤)، ويُؤيِّدُه حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ»(٥).

وأمَّا الحكمة مِنْ إكثاره صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ صوم شعبان؛ فلأنه شهرٌ تُرْفَعُ فيه الأعمالُ إلى الله تعالى، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملُه وهو صائمٌ، كما ثَبَتَ مِنْ حديثِ أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما قال: قلتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟» قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»(٦).

ولا يَمتنِع أَنْ تكون أيَّامُ التطوُّع التي اشتغل عن صيامها لسفرٍ أو لعارضٍ أو لمانعٍ اجتمعَتْ عليه، فيقضي صومَها في شعبانَ رجاءَ رفعِ عملِه وهو صائمٌ، وقد يَجِدُ الصائمُ في شعبان ـ بعد اعتياده ـ حلاوةَ الصيام ولذَّتَه؛ فيدخل في صيامِ رمضانَ بقوَّةٍ ونشاطٍ، وتكون النفسُ قد ارتاضَتْ على طاعة الرحمن(٧).

هذا، وينتفي التعارضُ بالجمع بين الأحاديث الدالَّة على مشروعيةِ صومِ معظمِ شعبانَ واستحبابِه وما جاء مِنَ النهي عن صومِ نصفِ شعبانَ الثاني في حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا»(٨)، وكذلك النهي عن تقدُّمِ رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومين في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلكَ اليَوْمَ»(٩)؛ فيُدْفَعُ التعارضُ بما وَرَدَ مِنَ الاستثناء في حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلكَ اليَوْمَ»، أي: إلَّا أَنْ يُوافِقَ صومًا معتادًا(١٠)، كمَنِ اعتاد صومَ التطوُّع: كصوم الإثنين والخميس، أو صيامِ داود: يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو صومِ ثلاثةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شهرٍ؛ وعليه فإنَّ النهي يُحْمَلُ على مَنْ لم يُدْخِلْ تلك الأيَّامَ في صيامٍ اعتاده(١١)، أي: مِنْ صيام التطوُّع.

ويُلْحَق بهذا المعنى: القضاءُ والكفَّارة والنذر، سواءٌ كان مطلقًا أو مقيَّدًا، إلحاقًا أولويًّا لوجوبها؛ ذلك لأنَّ الأدلَّة قطعيةٌ على وجوب القضاء والكفَّارة والوفاءِ بالنذر، وقد تَقرَّرَ ـ أصوليًّا ـ أنَّ العامَّ القطعيَّ لا يُبْطِلُ الخاصَّ الظنِّيَّ ولا يُعارِضه(١٢).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٠ رجب ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ١٢ يوليو ٢٠٠٩م



tgoop.com/abuelfawzan3/24308
Create:
Last Update:

السؤال:

ما الحكمة في إكثاره صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ صوم شعبان، وكيف يُدْفَعُ التعارضُ مع ما جاء مِنَ النهي عن صوم النصف الثاني مِنْ شهر شعبان؟ وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على مَنْ أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فقَدْ ثَبَتَ مِنْ حديثِ عائشة رضي الله عنها قالَتْ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثرَ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ»(١)، وعن أُمِّ سَلَمة رضي الله عنها قالَتْ: «لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلَّا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ»(٢).

ويُحْمَلُ صيامُ الشهرِ كُلِّه على معظمه؛ لأنَّ «الأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الكُلِّ»، وإِنْ كان اللفظُ مجازًا قليلَ الاستعمالِ والأصلُ الحقيقة، إلَّا أنَّ الصارف عنها إلى المعنى المجازيِّ هو ما ثَبَتَ عن عائشة رضي الله عنها قالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ»(٣)، وعنها رضي الله عنها قالَتْ: «وَمَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا مُنْذُ قَدِمَ المَدِينَةَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَمَضَانَ»(٤)، ويُؤيِّدُه حديثُ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «مَا صَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ»(٥).

وأمَّا الحكمة مِنْ إكثاره صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ صوم شعبان؛ فلأنه شهرٌ تُرْفَعُ فيه الأعمالُ إلى الله تعالى، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عملُه وهو صائمٌ، كما ثَبَتَ مِنْ حديثِ أسامةَ بنِ زيدٍ رضي الله عنهما قال: قلتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ؟» قَالَ: «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ العَالَمِينَ؛ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»(٦).

ولا يَمتنِع أَنْ تكون أيَّامُ التطوُّع التي اشتغل عن صيامها لسفرٍ أو لعارضٍ أو لمانعٍ اجتمعَتْ عليه، فيقضي صومَها في شعبانَ رجاءَ رفعِ عملِه وهو صائمٌ، وقد يَجِدُ الصائمُ في شعبان ـ بعد اعتياده ـ حلاوةَ الصيام ولذَّتَه؛ فيدخل في صيامِ رمضانَ بقوَّةٍ ونشاطٍ، وتكون النفسُ قد ارتاضَتْ على طاعة الرحمن(٧).

هذا، وينتفي التعارضُ بالجمع بين الأحاديث الدالَّة على مشروعيةِ صومِ معظمِ شعبانَ واستحبابِه وما جاء مِنَ النهي عن صومِ نصفِ شعبانَ الثاني في حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا»(٨)، وكذلك النهي عن تقدُّمِ رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومين في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلكَ اليَوْمَ»(٩)؛ فيُدْفَعُ التعارضُ بما وَرَدَ مِنَ الاستثناء في حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلكَ اليَوْمَ»، أي: إلَّا أَنْ يُوافِقَ صومًا معتادًا(١٠)، كمَنِ اعتاد صومَ التطوُّع: كصوم الإثنين والخميس، أو صيامِ داود: يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو صومِ ثلاثةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شهرٍ؛ وعليه فإنَّ النهي يُحْمَلُ على مَنْ لم يُدْخِلْ تلك الأيَّامَ في صيامٍ اعتاده(١١)، أي: مِنْ صيام التطوُّع.

ويُلْحَق بهذا المعنى: القضاءُ والكفَّارة والنذر، سواءٌ كان مطلقًا أو مقيَّدًا، إلحاقًا أولويًّا لوجوبها؛ ذلك لأنَّ الأدلَّة قطعيةٌ على وجوب القضاء والكفَّارة والوفاءِ بالنذر، وقد تَقرَّرَ ـ أصوليًّا ـ أنَّ العامَّ القطعيَّ لا يُبْطِلُ الخاصَّ الظنِّيَّ ولا يُعارِضه(١٢).

والعلم عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبِه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: ٢٠ رجب ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ: ١٢ يوليو ٢٠٠٩م

BY مرحباً ياطالب العلم


Share with your friend now:
tgoop.com/abuelfawzan3/24308

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Telegram has announced a number of measures aiming to tackle the spread of disinformation through its platform in Brazil. These features are part of an agreement between the platform and the country's authorities ahead of the elections in October. So far, more than a dozen different members have contributed to the group, posting voice notes of themselves screaming, yelling, groaning, and wailing in various pitches and rhythms. How to create a business channel on Telegram? (Tutorial) Private channels are only accessible to subscribers and don’t appear in public searches. To join a private channel, you need to receive a link from the owner (administrator). A private channel is an excellent solution for companies and teams. You can also use this type of channel to write down personal notes, reflections, etc. By the way, you can make your private channel public at any moment. 6How to manage your Telegram channel?
from us


Telegram مرحباً ياطالب العلم
FROM American