tgoop.com/adeem8795/377
Last Update:
حول معنى الاتساع..
________
عندما كنت طفلة صغيرة، كنت أفضّل السير في المساء وحدي ناظرة إلى السماء.. أتأمل سحابها، وأستمتع بالعجز عن عدّ نجومها، وأتخيل نفسي في مركبة سماوية عجيبة، تحلق بي بعيدا عن تفاهات الأرض إلى عالم آخر كبير.. ملؤه الدهشة، والتسبيح..
إن أعظم ما يبهرني في السماء هو ذلك المعنى الجليل الذي يحركني دوما نحو الأمل، والعمل.. ألا وهو معنى الاتساع.
فإنني أفرّ من الضيق حسًّا ومعنى فرار غزالة ينتظرها صغارها من أسد جائع، وأرى الرحابة ركنا عظيما من أركان الجمال. ولا تزيدني الأيام في هذه النظرة إلا يقينا كلما رأيت الضجر الذي يخلفه الانحصار في معان محددة، أو أحداث محددة، يجد المرء نفسه على أثرها سجينا خلف قضبان النظرة القاصرة. بينما المعاني أعمق والأحداث أوسع دوما مما نفكر فيه..
إذا عرجنا على مفهوم محبوب للجميع كالسعادة مثلا، سنجد أن الناس يقيدونها كثيرا بقيود لا تلزم ويشترطون لها شروطا باطلة.. بينما لو تأملنا لوجدنا أنها ليست (وضعا) له شروط يضعها الناس للفرد، بل ولا حتى يضعها الفرد لنفسه.. فكثير من الناس كانوا يظنون أنهم سيكونون سعداء بحدث ما أو مكانة ما، ولما نالوا ما كانوا يرجون لم يشعروا بالسعادة تغمرهم..
إنما السعادة لحظات كوميض الكاميرا نقتنصها من الوجود.. نسعى لها لعلها تنفذ إلى أرواحنا فتستوطنها كصور عتيقة تستوطن الذاكرة..
ويمكن القول أن أي شروط بشرية تقيَّد بها السعادة ليست لازمة لأحد على الإطلاق.. فمعناها دوما أوسع مما نعرفها به أو نحصرها فيه فيحجبنا عن جوانب منها ويحرمنا من تذوق المزيد ونحن على أحر شوق..
أعتقد أن الإنسان إذا فقد ما يظن فيه سعادته مهما كثر، فهو لم يفقد السعادة؛ فإن بين أكدار الدنيا التي لا تنتهي، تكمن دوما ألوان من السعد لا تنفد.. لا تكفي لإدراكها العينُ الباصرة، وإنما تحتاج عينا بصيرة تريد حقا أن تراها، وحين تراها لا تتغشى فرارا من الشعور الحميد بها..
في بسمة يتيم، في مداعبة نسمة، في وجه محبوب، في تفتُّح زهرة، في إضاءة معرفة، في إطعام جائع، في نجاح بسيط، أو في اكتشاف جديد.. وفي أمور تتكشف للمرء تباعا ما دام حيا، ولهذا لا يمكنه حصرها..
تماما كما كانت ماجي ماكيلوب تفعل، حين تتحدث عن الموت والنارجيلة بنفس الحماس! (*)
فدنياها لم تنتهِ بتكرار التهديدات.. وشيء مبهج بوجه ما على أدنى من مرمى حجر.. لماذا لا تحاول اكتشافه؟
كان الأمر سيكون مخزيا حقا إذا كانت فرص السعادة يقتلها الفناء في كل مرة، لأن ألوان السعادة المفقودة منها ما لا يمكن استبداله حقا، حتى وإن بقيت ألوان سَعدٍ أخرى.. لكن من مباعث اللطف أن هذه الفرص تتعلق بما لا يفنى، وهو الله سبحانه وتعالى.
فأنت لا تفقد شيئا إلا ورغبتك فيما يخلفه تتعلق بالله، وما دامت رغبتك إلى الله فأنت تستقي من معين لا يمكن أن ينضب.. فإذا فقدتَ شيئا ولجأت إليه عوضك مثله أو خيرا منه، في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معا..
فإذا حال التجافي بينك وبين الأسباب، وغُلقت في وجهك الأبواب، وجدت بابا للسعادة مفتوحا لا يُغلق أبدا، وهو باب صلتك به سبحانه.. فتسعد بحبه، وتسعد بقربه، وتسعد برضاه وبعبادته..
وهكذا يضفي الاتساع جماله على مفهوم السعادة.. لا باتساع ألوانها فحسب، وإنما باتساع مداها ودوامه..
تلك السعادة بمفهومها الواسع.. يمدك بها رب واسع 💗
_____
(*) لا تدخنوا النارجيلة فإن هذا لا يجوز :)
وماجي كما لا يخفى على عموم قراء د. أحمد خالد توفيق رحمه الله وأسكنه الجنة، هي محبوبة د. رفعت إسماعيل وبطلة ما وراء الطبيعة..
BY أَدِيـمْ ..
Share with your friend now:
tgoop.com/adeem8795/377