Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
124 - Telegram Web
Telegram Web
كلامٌ يُكتب بماء الذهب خطَّه ابنُ قتيبة - ت ٢٧٦- في صدر كتابه ( الشعر والشعراء ) ليوضح سبيله في اختيار من يُترجم لهم، ينبه فيه على عيب منهجي قاتل:

[ ♤ ولا نظرتُ إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه، وإلى المتأخر بعين الاحتقار لتأخره، بل نظرت بعين العدل على الفريقين، وأعطيت كلًا حظَّه، ووفرت عليه حقَّه.

♤ فإني رأيت مِن علمائنا مَن يستجيد الشعرَ السخيف لتقدُّمِ قائله، ويضعه في متخيره، ويُرذِل الشعرَ الرصين، ولا عيب له عنده إلا أنه قيل في زمانه، أو أنه رأى قائلَه!

♤ ولم يَقصُرِ اللهُ العلمَ والشعرَ والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خصَّ به قومًا دون قوم، بل جعل ذلك مشتركا مقسوما بين عباده في كل دهر، وجعل كلَّ قديم حديثًا في عصره، وكُلَّ شرفٍ خارجيةً في أوله، فقد كان جريرٌ والفرزدق والأخطل وأمثالهم يُعدُّون مُحدَثِين، وكان أبو عمرو بن العلاء يقول: لقد كثُر هذا المُحدَثُ حتى لقد هممتُ بروايته!

♤ ثم صار هؤلاء قدماءَ عندنا ببُعد العهد منهم، وكذلك يكون مَن بعدهم لمَن بعدنا، كالخريمي والعتابي والحسن بن هانئ وأشباههم.

♤ فكل مَن أتى بحسَنٍ مِن قولٍ أو فعلٍ ذكرناه له، وأثنينا به عليه، ولم يضعه عندنا تأخُّر قائله أو فاعله، ولا حداثةُ سنِّه.

كما أن الرديء إذا ورد علينا للمتقدم أو الشريف لم يرفعه عندنا شرفُ صاحبه ولا تقدُّمُه]
الله يسامحه المزني، أفلتَ مِن مذهب الشافعي رجلًا ذا ثقل ووزن! 🙂

جاء في ترجمة أبي جعفر الطحاوي أنه كان شافعيا يقرأ على أبي إبراهيم المزني، فقال له المزني يوما: واللهِ لا جاء منك شيء [ ما في منك أمل! ]

فغضب أبو جعفر من ذلك، وانتقل إلى ابن أبي عمران الحنفي، فلما صنف مختصرَه، قال: يرحم الله أبا إبراهيم، بو كان حيًّا لكفّر عن يمينه!
وقال بعضُ السلف: الله المستعان على ألسنةٍ تصف، وقلوبٍ تعرف، وأعمالٍ تُخالف!
القرآن مأدبةٌ لا يُحرمُ مَن أقبل عليها!!

مِن العجائب التي لا أكاد أجدُ لها تفسيرًا - إلا محض كرم الله وفضله- أن أناسًا يقرأون كلام الله يتأثرون به بالغَ التأثر، يُرجفُ قلوبَهم ويُنزل دموعَهم ويُسكّن جوارَحهم= ولو أقسمتُ أنَّ أحدَهم لا يعرف معنى الآية التي أبكتَه ما كنتُ حانثًا!!

سبحان الله!! يُخيّلُ لأحدنا أن القرآن لا يَلتذُّ به إلا مَن كان عالمًا بوجوه تفسيره، وأوجه بلاغته وإعرابه= غيرَ أنَّ كرمَ الله أكبرُ مِن ذلك!

لا ريب أن فهم القرآن هو الغاية الأسمى، ولا يحل لأحد أن يتكلم فيه إلا بعلمٍ فيّاضٍ واسع.. ولكني أدندن حول أمرٍ أبعد من ذلك .. حول التأثر والخشوع.. حول اللذة والسكينة.. حول الحب والشوق.. الله أكرم أن يرد قاصد القرآن خالي الوفاض صفر اليدين!

اللهم آنسنا بكتابك.
وسمعَ رجلٌ رجلًا يقول لصاحبه: لا أراك اللهُ مكروهًا، فقال: كأنَّك دعوتَ على صاحبِك بالموت، إن صاحبَك ما صاحَبَ الدنيا= فلا بدَّ أن يرى مكروهًا !
مِن المعاني الدقيقةِ التي يُنبَّه عليها في موضوعِ الرياء، غير حبوطِ الأجر= أن المرائي مفضوح برياءه أمام الناس فلا يُحمد به!

وسبحان الله! شهواتُ النفس المتعلقة بحب الجاه والرياسة والمدح والثناء.. على شدة خفائها وكمونها في النفوس= إلا أنها فواحة لا تخفى!!

ويكأن الله يُظهر للناس فرقَ ما بين المخلص والمرائي!

ولله ما أفقه علماء التزكية والسلوك حين يشددون في مسألة إخفاء العمل عن الناس، ولو كان العمل مُخلَصا أشد الإخلاص، كالذي حُكي عن أبي أمامة أنه مر بمسجد، فإذا رجل يصلي وهو يبكي، فقال:

( أنتَ أنت.. لو كان هذا في بيتك!)
مِن بدائعِ الإمامِ الماوَردي رحمه الله، قولُه: "وحَقٌ على مَن تركَ العُجبَ بما يُحسن= أن يدَعَ التكلفَ لِمَا لا يُحسن" !

وهذا والله ملمحٌ حَسَن، وربطٌ عجيب، وهل باعثُ التكلف إلا ابتغاء المدح، وإثارة الإعجاب!

فكيف برجلٍ هو لا يُعجب بما يُحسنه ويتقنه أصالةً.. أن يتكلف لشيءٍ لا يُحسنه؛ لإعجابٍ زائف، ومدح باهت!

ومَن سلم مِن هاتين الآفتين -العجب، والتكلف- فهو السالم المُسلَّم!
كان السيد الشيخ عبد الحي الكتاني يكتب في مقدمات بعض كتبه وإجازاته: " أما بعد، وفي كل قوم بنو سعد" !

وهو مثلٌ سار في الناس، قاله الأضبط بن قريع، كان يرى مِن قومه -وهو سيدهم- بغيًا عليه وتنقصًا له، فقال: والله ما في مجامعة هؤلاء مِن خير!

ففارقهم وسار بأهله حتى نزل بقوم آخرين، فإذا هم يفعلون بأشرافهم كما كان يفعل به قومُه، فارتحل عنهم وحلَّ بآخرين فإذا هم كذلك!

فلما رأى ذلك انصرف وقال: ما أرى الناس إلا قريبا بعضهم مِن بعض، وفي كل وادٍ بنو سعد!!

[ 📖 ...... ]
نقل الإمام ابن القيم في مدارجه عن شيخه أبي العباس ابن تيمية أنه قال:

[ مَن واظب على أربعين مرة كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر " يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث" حصلت له حياة القلب ولم يمت قلبه] !

وقال: ومِن تجريبات السالكين التي جربوها فألفوها صحيحة أن من أدمن " يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت " = أورثه ذلك حياة القلب والعقل!

وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه- شديدَ اللهج بها جدًا.

وقال لي يومًا: لهذين الاسمين تأثير عظيم في حياة القلب، وكان يشير إلى أنهما الأسم الأعظم.

قلتُ: رحم اللهُ الشيخين ما أبصرهما! وقد واظبتُ على ذلك زمنًا فيالله ما أُحيلاه وما أصفاه مِن زمن!

ثم ما كان مني إلا أن تركتُ تلك العادة متعللا أنها لم ترد عن سيدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه.. فليت صفاء المواظبة يعود!

غير أن الدعاء الذي نص عليه أبو العباس مقتبس مِن أدعية رسول الله، والوقت الذي دل عليه دلَّ على فضله رسول الله، والدعاء له ارتباط بالثمرة، فمن اسم الله الحي تُستمد كل حياة!

ولقد سألت شيخنا أبا عبيدة، بسام الصفدي، عن ذلك،
فقال: نعم تحديد وتخصيص لكنهم يتساهلون في مثل هذا في باب الأدعية والأذكار إن أثبتته التجربة.

وسألت شيخنا أبا عبد الله، صلاح نور، فقال: هذا الكلام استوقف كثيرا من أهل العلم لعدم وجود الدليل. ولكن لا يسعني إلا أن أقول: لعلها من مخبآت ابن تيمية!
مما يُحكى عن الخليفة العادل، عمر بن عبد العزيز، أنه قال:

( ما طاوعني الناسُ على شيءٍ أردتُه مِن الحق= حتى بسطتُ لهم طرَفًا مِن الدنيا !)

وهذا واللهِ مِن الفقه النفيس العال! فليس كلُّ الناس يصلحهم الزهد، ولا كل الناس يؤمن مع الفقر، ويالله ما أحسنَ غنى اليد إذا التأم الدينُ مع الدنيا!

فمن رامَ حُكما كحكم عمر، عليه أن يُنفق على الناس نفقاتِ عمر، وأن يمنع نفسه من فضول الحظ ونوافل الشهوات كما كان يفعل عمر!

أما مَن أراد أن يحمل الناس على الدعوة والجهاد وحسب= فما أسرع أن ينفض عنه الناس.

وقديما قيل: مَن حَفِظَ مالَه= ضيَّعَ رجالَه، وإنَّ الملك إذا كثرت أمواله مما يأخذ مِن رعيته.. كان كمن يُعمر سطح بيته بما يقتلع من قواعد بنيانه.
لو أنَّ أحدهم قصَّ عليك قصة، فمِن الأدب أن تُحسن الإصغاء.

ولو كررها عليك ونسي أنه كررها، أو كنت تعلمها مِن قبل= فمِن الأدب العالي أن تسمعها وكأنها المرة الأولى، بل تتصنع الدهشة!

ولو كان القاصُّ عالِما ذكيًا فإن الاهتمامَ بخبره يتأكد ويشتد!

فإن كرر هذا العالمُ خبرَه، وهو يعلم أنه أخبرك به مِن قبل، بل يؤكد عليك أنه يعيد الأمرَ عليك= صار مِن الحكمة - وليس مجرد الأدب- أن يزداد الاهتمام هنا ويشتد، فلا ريب أنَّ له ملمحًا جديدًا وهدفًا مغايرًا ...

أفيليق بنا بعد ذلك أن نتعامل مع قصص القرآن بهذا التعامل البارد، نعرف أخبار موسى، وقصة يوسف، وحوادث إبراهيم ... ولم يبق لنا إلا أن نقرأها لمحض أجر التلاوة!!!

للأسف، عرفنا هذه القصص مذ كنا صغارا - قبل أن نعقل- وكبرنا ونحن نعرفها، فذهبت عنا جدتُها وروعتها!

ما أحوجنا أن نتعامل مع قصصه وكأننا نسمعها الآن، فلم نسمعها مِن قبل، ما أحوجنا أن نحاول إعادة الدهشة لكل موقف ولكل حدث!

[ ياااه .. لو لم يحصل كذا لصار كذا، وسبحان الله كيف قدر ذلك لمصلحة كذا ... ] ما أجملنا لو تعاملنا هكذا بهذا الانتباه لكل جديد في كل خبر وقصة!!

ليس فقط لمجرد الأدب مع الله تعالى، بل لضرورة أن نفهم عن ربنا مراده!
للهِ هذا الطبع ما أصعبه!!

الطنطاوي متحدثًا عن الأديب أحمد تيمور باشا:

[ وكان طويل الصمت بعيدًا عن الادّعاء، كان في المطبعة يومًا جماعةٌ مِن أهل الفضل يتناظرون في أمر " الطربوش " ما أصله، ومن أين جاء؟

والباشا ساكت كأنه لا يعلم عن الموضوع شيئًا، وكانت المطبعة تدور في الداخل تطبع رسالةً له عن الطربوش، تقصّى فيها خبرَه وجمع تاريخه] !!
لو رأيتَ في نومِك مِلكَ قارونَ في يدِك ؛ ستصحو لتجدَ يدَك قابضةً على هواء ، فراغ ، لا شيء !

ولو رُسِمَ على الأرضِ ظِلُّ أزهى القصور ، ستزول الشمسُ ويحلُّ العدمُ محلَّ الظل !

إي والله ، هكذا الدنيا :

أحلامُ نومٍ أو كظلٍ زائل
إن اللبيبَ بمثلِها لا يُخدع .

يحدثني اليومَ صديق : ما عرَفتُ قيمة الدنيا مثل هذه الأيام ، التي نتجهز فيها للانتقال مِن بيت إلى بيتٍ جديد ، كلما تعطل شيءٌ في البيت القديم لا نبالي ؛ عما قريب سنتركه ، وكلما استجد لنا مالٌ أنفقناه في الجديد ، عما قريب سنسكنه !!

أنت الآن في حلم ليل ، وعند الصباح يحمد القوم السرى ، فاللهم خلصنا منها على خير !
[ لمن أحب أن يسهر على شيءٍ نافع ☺️ ]

◇ إن المهزومين في هذا الزمان أمام الواقع البائس، وأمام الهجوم الاستشراقي الماكر على أصل الجهاد في الإسلام=

يحاولون أن يجدوا في النصوص المرحلية مهربًا من الحقيقة التي يقوم عليها الانطلاق الإسلامي في الأرض؛ لتحرير الناس كافة من عبادة العباد وردهم جميعا إلى عبادة الله وحده، وتحطيم الطواغيت والأنظمة والقوى التي تقهرهم على عبادة غير الله، والخضوع لسلطانٍ غير سلطانه، والتحاكم إلى شرع غير شرعه ..

◇ ومن ثَم نراهم يقولون:

إن الله سبحانه يقول: ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) ويقول: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم ... ) ويقول: ( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) ويقول عن أهل الكتاب: ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) ...

فالإسلام إذن.. لا يقاتل إلا الذين يقاتلون أهل دار الإسلام في داخل هذه الدار، أو الذين يهددونها من الخارج!

ومعنى ذلك -في تصورهم المهزوم- أن لا علاقة للإسلام إذن بسائر البشر في أنحاء الأرض!

ولا عليه أن يعبدوا ما يعبدون من دون الله، ولا عليه أن يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله في الأرض كلها... ما دام هو آمنا داخل حدوده الإقليمية!!

◇ وهذا سوء ظن بالإسلام، وسوء ظن بالله سبحانه! تمليه الهزيمة أمام الواقع البائس النكد الذي يواجههم، وأمام القوى العالمية المعادية التي لا طاقة لهم بها في اللحظة الحاضرة!

◇ إن هذه النصوص التي يلتجئون إليها= نصوص مرحلية تواجه واقعا معينا، وهذا الواقع المعين قد يتكرر وقوعه في حياة الأمة المسلمة، وفي هذه الحالة تطبق هذه النصوص المرحلية لأن واقعها يقرر أنها في مثل تلك المرحلة التي واجهتها تلك النصوص بتلك الأحكام..

ولكن.. هذا ليس معناه أن هذه هي غاية المنى، وأن هذه هي نهاية خطوات الدين!

إنما معناه أن على الأمة المسلمة أن تمضي قدما في تحسين ظروفها، وفي إزالة العوائق من طريقها، حتى تتمكن في النهاية من تطبيق الأحكام النهائية الواردة في السورة الأخيرة..

◇ إن النصوص الأخيرة تقول في شأن المشركين:

( براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ... ) [ وسرد الصفحة كلها..]

وتقول في شأن أهل الكتاب: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )

◇ فإذا كان المسلمون اليوم لا يملكون بواقعهم تحقيق هذه الأحكام، فهم اللحظة غير مكلفين بتحقيقها، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، ولهم في الأحكام المرحلية سعة يتدرجون معها حتى ينتهوا إلى تنفيذ هذه الأحكام الأخيرة.

ولكن عليهم ألا يلووا أعناق النصوص النهائية لتوافق أحكام النصوص المرحلية!

وعليهم ألا يحملوا ضعفهم الحاضر، على دين الله القوي المتين!

وعليهم أن يتقوا الله في مسخ هذا الدين وإصابته بالهزال.. بحجة أنه دين السلم والسلام!

إنه دين السلم والسلام فعلا .. ولكن على أساس إنقاذ البشرية كلها من عبادة غير الله ..

إنه منهج الله الذي يراد البشر على الارتفاع إليه، والاستمتاع بخيره، وليس منهج عبد من العبيد، ولا مفكر من البشر حتى يخجل الداعون إليه من إعلان أن هدفهم الأخير هو تحطيم كل القوى التي تقف في سبيله، لإطلاق الحرية للناس أفرادا في اختياره!

#في_ظلال_الظلال 🌸
ولستُ أرى في أنواع الزهدِ زهدًا أعجبَ مِن زهدِ طلاب علم الشريعة في الأدب!

ويكأن الأدب عندهم ساحة مجون، وميدان خلاعة، وخارم مروءة، ومضيعة وقت.. مع أنهم أشد الناس له فاقة وحاجة!

يستهوي طالب العلم اليوم أن يطالع كتب الفقه والأصول والعلوم المجردة.. فإذا نظر في شيء من كتب الأدب استعاذ بالله منها استعاذة وجل هارب..

طلبة العلم هم حملة الحق.. وما أحوج الحق لحسنِ الكساء! قبيحٌ بالشيخ أن تكون كتابته وكلامه جافة لا روح فيها! وإن من أصعب المشاق عندي أن أقرأ لكاتب -أضطر إليه لجودة بحثه- تخلو كتابته من حياة الأدب والبيان!

وهل يحب الناس سماع دروس المشايخ إلا لحلاوة عرضها، وبلاغة أسلوبها، ومتعة أخبارها، بعيدا عن العلوم المجردة والنصائح الموجهة!

ثم إن العلم جاف محدد، وطالبه يحتاج نفسا صفية شفافة، فأنى له أن يجد هذه النفس بمحض قال وسمعتُ، وقاسَ ورأيت، ونظر وخالفتُ!

ما أحوج طالب العلم لجولات في "الإحياء" و "المدارج" و "أدب الدين والدنيا" و "الييان والتبين" و "العود الهندي" و "مقامات الحريري" وهلم طربا.. يستروح بها، يغذي بها روحه وعقله وطرافته وملاحة حديثه ومتعة أخباره!

على ألا يستغرق، وأن يحسن ضبط النفس وسياستها، فعادة هذه الكتب أنها تجتال طالب العلم عن جادة التحقيق إلى متعة البيان!

ولو رام الإنسان تعداد حاجة الطالب إلى هذا الفن لخرج بشيء حسن ذي بال، غير أنه خاطر عابر بعد جولة عابرة في كتاب أدبي ثمين سمين :)
دعوكم من المبالغات في المشايخ وأهل العلم!

(لا تسترذلوا الألقاب العلمية وتقللوا من شأنها فتهينوها).

لا شك ولا ريب أنه يوجد في بلادنا- غزة هاشم- أهل علم وطلاب علم وعدد من الباحثين والمؤلفين، ومع ذلك لا ينبغي تضخيم الأمور ووضعها في غير نصابها، فقد جعل الله تعالى لكل شيء قدرا، فالنفخ الزائد نتيجة الحب والتعلق مذموم، وقد أحسن من قال: الحب يعمي ويصم.

لهذا ينبغي أن نتورع عن الألقاب العلمية التي ننسبها للبعض دون أن يكونوا أهلا لها، العلاّمة والفقيه والمحدث والمجتهد، ويحك يا رجل ماذا تقول؟! لا تقل: فلان عالم، وقل: فلان من أهل العلم.

وأذكر أن مشايخ الدعوة الذين يخرجون في سبيل الله في المساجد قد زاروني في بيتي ضمن زياراتهم المعروفة على أهل المسجد بعد العصر، فقال أحدهم: تكلم يا شيخ، قلت: تكلموا أنتم تفضلوا، فقال أحدهم: المشايخ علمونا أن نسكت إذا زرنا العلماء! قلت لهم: وأين العالم الذي تزورونه؟! وبعدها تبين لي أن كل متخصص في العلم أو حامل شهادة عليا يعتبرونه عالما. وقد اقترحت عليهم تغيير اسم العلماء إلى أهل العلم فاستحسنوه.

يا أخي العالم كلمة كبيرة جدا، هل العالم هو الحاصل على دكتوراة في الفقه المقارن؟! ويكون هذا الدكتور الذي تقصده يقبع تحت خط الفقر في الحديث فلا يعرف شيئا عن الأسانيد ولا الرجال ولا المصطلح. ولو سألته عن معنى حديث: قال لك: ما سمعته قبل ذلك. فهذا في الحقيقة متخصص في الفقه الأكاديمي أو في فقه مذهب بعينه ليس أكثر.

وكذلك تجد شخصا يشرح للناس أحاديث كتاب من كتب السنة كالبخاري مثلا، أو صحيح مسلم او سنن أبي داود، فيقال عنه: محدث؟! ويحك يا هذا؟! هل المحدث من شرح كتابا أو علّق على بعض الأحاديث ؟! إذن إن محدثي الأمة لكثير!!

المحدث يا أخي كلمة كبيرة عظيمة؟! تورع الإمام أحمد أن يقولها في أناس لو جمع علم الأحياء جميعا إلى علمهم ما بلغوا معشار علمهم.

المحدث هو الذي إن سألته عن حديث، قال لك:رواه فلان وفلان عن فلان ومن طريق فلان،وهو ضعيف لأن فيه علة قادحة وهي كذا. المحدث يا أخي هو يحيى بن معين، الذين قيل فيه: كل حديث لا يعرفه ابن معين فليس بحديث!

المحدث يا أخي هو ابن خزيمة الذي قال: ائتوني بأي حديثين متعارضين حتى أؤلف بينهما!

أين المحدث الذي تسأله عن أحاديث متعارضة ومشكلة فيروي ظمأك ويشفي غليلك؟! محدث لا يعرف الرجال ولا العلل ولا المتعارض ولا المشكل، ولم يُعرف له ممارسة عملية للحكم على الأحاديث، وحدود بحثه وسعيه وشرحه ما تجاوزت البيقونية وينادى في الناس: المحدث؟! هذا يقال عنه: متخصص في مصطلح الحديث أو له إلمام في علوم الحديث ولا يقال عنه: محدث! لا تسترذلوا الألقاب العلمية وتقللوا من شأنها فتهينوها.

هل تعلم أيها الفاضل أن كلمة المفتي ليست على حقيقتها إنما تقال مجازا، لأن المفتي في زماننا هو ناقل فتوى ليس أكثر، وقد أشار إلى هذا الدكتور وهبة الزحيلي في مقدمة موسوعته الفقه الإسلامي وأدلته.

رويدا رويدا أيها الأفاضل، وتواضعوا في الألقاب والمسميات التي هي أكبر منا ومنكم جميعا.

العلم في هذا الزمان يرويه مقلد عن مقلد، وينقله ناقل عن ناقل، ويتداوله طالب عن طالب علم، إذا سمعت عن محدث فذاك هو الدارقطني وابن حجر، وإذا سمعت عن مجتهد فذاك هو الشافعي وابن عبد البر، وإذا سمعت عن فقيه فذاك هو الأوزاعي وأبو ثور، وإذا سمعت عن مفتي فذاك هو العز والبيهقي..

والخير موجود لا ينقطع ومن سار على الدرب وصل.

ولكل زمان أهله ورجاله وعلماؤه ويتغير ذلك بتغير الزمان والمكان. فلما ضعفت همم الناس وانتشر الجهل بينهم، صار المبتدئ بينهم عالما، والناقل مفتيا، وإن البغاث بأرضنا يستنسر . هذا وإلى الله المشتكى وهو المرتجى وعليه التكلان وبه المستعان.

كتبه: شيخنا صلاح نور " أبو عبد الله".
من استطاع أن يستمع في رمضان لسلسلة 《أنيس المتعبد》 لشيخنا أبي الأمجد محمد بن محمد الأسطل= فلا يحرم نفسه!

لا سيما وأن السلسلة احتوت على فصل اجتهد الشيخ في تجميعه دون سابقة له، وهو محاولة تقعيد القواعد والأصول التي تُرد إليها عملية التزكية والتربية.
إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكًا؛ فإما تجردٌ لها، وإما انسلاخٌ منها!

وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع واللذة، ولا أن يترهبن ويزهد في طيبات الحياة..

كلا.. إنما تريد هذه العقيدة أن يخلص لها القلب، ويخلص لها الحب، وأن تكون هي المسيطرة والحاكمة، وهي المحركة والدافعة.

فإذا تم لها هذا.. فلا حرج عندئذ أن يستمتع المسلم بكل طيبات الحياة= على أن يكون مستعدًا لنبذها كلها في اللحظة التي تتعارض مع مطالب العقيدة.

#في_ظلال_الظلال.
2024/10/21 03:36:10
Back to Top
HTML Embed Code: