Forwarded from قناة مشاري بن سعد الشثري
العلامة عبدالرحمن السعدي رحمه الله من حذاق الفقهاء المتأخرين، وقد خصَّه الله بامتيازات عزيزة الوجود في أهل زمانه .. فهو فقيهٌ بالطبع، ومؤلفٌ ذو أسلوب عالٍ، ومعلِّمٌ حاذق، ومتفنِّنٌ مشاركٌ في جمهور علوم الشريعة -وسائلِها وغاياتِها- وهو ممن حباه الله وصلًا بديعًا بين تراث السابقين ونتاج اللاحقين المعاصرين، ومَن طاف ببصره في المحيط الزماني والمكاني الذي عاش فيه الشيخ علم امتيازه بين علماء زمانه
ومؤلفاته رحمه الله بديعةٌ نافعةٌ، فيها نَفَسُ المحقِّق، ويراعةُ الأديب .. وليس رحمه الله من أولئك الذين يجترُّون كتابات من سبق بلا إضافة ولا تحرير، بل هو نسيج وحده، يجمع في وجيز الألفاظ غزيرَ المعاني، وغالب كتاباته لطيفة الحجم، لكنها جليلة المعارف
من تلك الكتب كتابه الفذّ: (إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب) .. هذا الكتاب من بديع ما كتبه الشيخ، فعلى اتساعِ الفقه وتشعُّبِ مباحثه ومسائله إلا أن الشيخ استطاع تطويقه في كتابه هذا بما وهبه الله من بسطةٍ في العلم وتمكّنٍ من صنعة التأليف، وبحقٍّ قال الشيخ في صدر كتابه: (هذا تأليفٌ بديعُ المنزع، سهل الألفاظ والمعاني، حسن الترتيب، يحتوي على مهمات مسائل الأحكام).
وقد كان الشيخ حفيًّا بكتابه هذا، حتى عدَّه أحسنَ تصنيفٍ وضعه في الفقه، حيث جرت بينه وبين تلميذه الشيخ عبدالله بن عقيل رحمه الله مراسلاتٌ جمعها الشيخ ابن عقيل في كتاب سماه "الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة"، وفيها من الفوائد واللطائف ما يبهج المطالع .. ومنها خبرُ تأليف الشيخ السعدي للإرشاد، حيث قال ضمن رسالة بعثها الشيخ لتلميذه بتاريخ ١٥ شوال ١٣٥٨ هـ:
(في رمضان كتبتُ كتابًا مختصرًا جعلته سؤالًا وجوابًا، حرصت فيه على أن يكون السؤالُ جامعًا، لأجل أن يكون الجوابُ مطابقًا له في تعميمه، وأن يشتمل على تفصيلات ونظائر نافعة، ونبهتُ فيه على أصول الحِكَم الشرعية، وعلى أصول مآخذها، وذلك من أول الفقه إلى آخره، فصار مئة سؤال بأجوبتها، واحتوى على المهم من أحكام الفقه، ويسَّره الله غاية التيسير، فبلغ مئة صحيفة نحو خمسين ورقة بخطِّي، بدفتر قطع النصف .. وصار أحسنَ تصنيف وضعته في هذا الباب، فيه الأحكام والحِكَم، والمسائل مع الدلائل).
ومن مزايا هذا الكتاب إضافةً لما تقدم: تقسيماته الجامعة التي تقرِّب الفقه لطالبه، وعناية الشيخ ببيان مذهب الحنابلة وجعله أصلا في وضعه كتابه هذا مع تذييله كلَّ مسألة بما صحَّ لديه، فيستفيد الطالب من هذا الكتاب تحقيق مذهب الحنابلة، وما ترجَّح للشيخ .. والعلَّامة السعدي من خبراء مذهب الحنابلة، وممن شغل نفسه به تعلمًا وتعليمًا وتصنيفًا.
ومؤلفاته رحمه الله بديعةٌ نافعةٌ، فيها نَفَسُ المحقِّق، ويراعةُ الأديب .. وليس رحمه الله من أولئك الذين يجترُّون كتابات من سبق بلا إضافة ولا تحرير، بل هو نسيج وحده، يجمع في وجيز الألفاظ غزيرَ المعاني، وغالب كتاباته لطيفة الحجم، لكنها جليلة المعارف
من تلك الكتب كتابه الفذّ: (إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب) .. هذا الكتاب من بديع ما كتبه الشيخ، فعلى اتساعِ الفقه وتشعُّبِ مباحثه ومسائله إلا أن الشيخ استطاع تطويقه في كتابه هذا بما وهبه الله من بسطةٍ في العلم وتمكّنٍ من صنعة التأليف، وبحقٍّ قال الشيخ في صدر كتابه: (هذا تأليفٌ بديعُ المنزع، سهل الألفاظ والمعاني، حسن الترتيب، يحتوي على مهمات مسائل الأحكام).
وقد كان الشيخ حفيًّا بكتابه هذا، حتى عدَّه أحسنَ تصنيفٍ وضعه في الفقه، حيث جرت بينه وبين تلميذه الشيخ عبدالله بن عقيل رحمه الله مراسلاتٌ جمعها الشيخ ابن عقيل في كتاب سماه "الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة"، وفيها من الفوائد واللطائف ما يبهج المطالع .. ومنها خبرُ تأليف الشيخ السعدي للإرشاد، حيث قال ضمن رسالة بعثها الشيخ لتلميذه بتاريخ ١٥ شوال ١٣٥٨ هـ:
(في رمضان كتبتُ كتابًا مختصرًا جعلته سؤالًا وجوابًا، حرصت فيه على أن يكون السؤالُ جامعًا، لأجل أن يكون الجوابُ مطابقًا له في تعميمه، وأن يشتمل على تفصيلات ونظائر نافعة، ونبهتُ فيه على أصول الحِكَم الشرعية، وعلى أصول مآخذها، وذلك من أول الفقه إلى آخره، فصار مئة سؤال بأجوبتها، واحتوى على المهم من أحكام الفقه، ويسَّره الله غاية التيسير، فبلغ مئة صحيفة نحو خمسين ورقة بخطِّي، بدفتر قطع النصف .. وصار أحسنَ تصنيف وضعته في هذا الباب، فيه الأحكام والحِكَم، والمسائل مع الدلائل).
ومن مزايا هذا الكتاب إضافةً لما تقدم: تقسيماته الجامعة التي تقرِّب الفقه لطالبه، وعناية الشيخ ببيان مذهب الحنابلة وجعله أصلا في وضعه كتابه هذا مع تذييله كلَّ مسألة بما صحَّ لديه، فيستفيد الطالب من هذا الكتاب تحقيق مذهب الحنابلة، وما ترجَّح للشيخ .. والعلَّامة السعدي من خبراء مذهب الحنابلة، وممن شغل نفسه به تعلمًا وتعليمًا وتصنيفًا.
Forwarded from حسن (بضم الحاء)! :)
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
YouTube
تاريخ أصول الفقه | أ.د. سعيد القحطاني | #بودكاست_ملهم
في حلقة جديدة من #بودكاست_ملهم، نسلط الضوء على أصول الفقه، العلم الذي يشكل قاعدة لفهم الأحكام الشرعية وتفسير النصوص الدينية ✨
كيف تعمل قواعد أصول الفقه على توجيه الفقهاء في فهم النصوص؟ وما هي التحديات التي يواجهها علماء الشريعة في تطبيق هذه القواعد؟
تابعوا…
كيف تعمل قواعد أصول الفقه على توجيه الفقهاء في فهم النصوص؟ وما هي التحديات التي يواجهها علماء الشريعة في تطبيق هذه القواعد؟
تابعوا…
Forwarded from سلم "تصوير الكتب"
الكتاب: الطريق إلى تفهيم أصول الفقه دروس في علم أصول الفقه
المؤلف: #محمود_عبد_الرحمن_عبد_المؤمن
الناشر: #دار_المرقاة
سنة الطباعة: 2023 الطبعة الأولى
المؤلف: #محمود_عبد_الرحمن_عبد_المؤمن
الناشر: #دار_المرقاة
سنة الطباعة: 2023 الطبعة الأولى
Forwarded from سلم "تصوير الكتب"
الطريق إلى تفهيم أصول الفقه.pdf
10 MB
Forwarded from أحمد التيمي القرشي
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
Forwarded from قناة | مِهاد الأُصُول (زياد خياط)
قد نقل العلامة ابن المبرد رحمه الله ( ت ٩٠٩ هـ) في "بحر الدم" (ص١٦١) قول الإمام أحمد: "اُترُكْ رأيَ أبي حنيفةَ وأصحابِه".
وأورد هذا المعنى أيضا في "تنوير الصحيفة" (ص ١٠٥-١٠٧) بسنده إلى ابن هانئ أنه سأل الإمام أحمد:
ما وجه التوبة والإنابة؟
فقال له ذلك في كلام كثير، منه:
"وتركُ الأهواءِ والجدالاتِ والخصوماتِ في الدين، وتركُ رأيِ أبي حنيفةَ وأصحابِه".
ثم إن ابن المبرد رحمه الله؛ تأوَّل قولَ الإمام أحمد هذا من عشرة أوجه، وإنَّني وإنْ كنتُ لا أرتضي كثيرا منها -من جهة النَّظر والتَّحقيق- إلا أنَّني أجد من المناسب أنْ أسوقها هنا؛ ليعتبر النّاظر بمسالك العلماء، ويهتدي بطريقتهم، في الحرص على الذبِّ عن الأئمة بتوجيه مشكل هذه المقالات، حتّى لا يظنَّه مسلكًا شاذًّا انفرد به أهل العصر، مفارقين به سبيل أهل العلم من قبل.
وستجد في هذه الأجوبة: الوجه القريبَ، والأقربَ، والبعيد والأبعد، والمحتمل السائغ، وللمجموع من القوَّة ما ليس للآحاد.
قال ابن المبرد رحمه الله في "تنوير الصحيفة" (ص٩١ - ٩٣):
"ولا يغترَّنَّ مغترٌّ بقول الإمام أحمد: (وترْكُ رأيِ أبي حنيفة وأصحابه)؛ فإنَّ الجواب عن هذا من عشرة أوجه:
فلا يغترَّنَّ أحدٌ بذلك؛ فإنّ الإمام أحمدَ كان يثني على أبي حنيفة، ويترحَّم عليه" انتهى.
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
Forwarded from محمد
JLR_Volume 47_Issue 47_Pages 2131-2222.pdf
2.2 MB
Forwarded from محمد
هذه حاشية جلال الدين المحلي على جواهر الاسنوي ..
كنت أقرأ عنها في سيرة المحلي ولم أقف عليها إلا هذه السنة ..
ولعلها لم تحقق إلا قريباً ..
كنت أقرأ عنها في سيرة المحلي ولم أقف عليها إلا هذه السنة ..
ولعلها لم تحقق إلا قريباً ..
Forwarded from بلال
المسائل_التي_خالف_فيها_الفتوحيُّ_في_مختصر_التحرير_وشرحه_المرداويَّ.pdf
821.5 KB
Forwarded from قناة منصور الثبيتي ✨
خلاصة_كتاب_اراء_المعتزلة_في_أصول_الفقه.pdf
491.5 KB
من الكتب التي اعتنت ببيان الآراء الأصولية مع بيان جذورها وأثرها:
كتاب: (آراء المعتزلة في أصول الفقه) للدكتور/ علي الضويحي.
فقد تميّز الكتاب بذكر الآراء الأصولية عند المعتزلة، مُستندًا على المصادر الاعتزالية، بالإضافة إلى العناية بذكر الأصل الذي بُني عليه القول، وبيان أثره الفقهي والأصولي.
فهذه الخلاصة تضمّنت ذكر الآراء الواردة في الكتاب، مع بيان الأصل الذي بُني عليه، والثمرة الحاصلة من الخلاف بين المعتزلة وغيرهم.
كتاب: (آراء المعتزلة في أصول الفقه) للدكتور/ علي الضويحي.
فقد تميّز الكتاب بذكر الآراء الأصولية عند المعتزلة، مُستندًا على المصادر الاعتزالية، بالإضافة إلى العناية بذكر الأصل الذي بُني عليه القول، وبيان أثره الفقهي والأصولي.
فهذه الخلاصة تضمّنت ذكر الآراء الواردة في الكتاب، مع بيان الأصل الذي بُني عليه، والثمرة الحاصلة من الخلاف بين المعتزلة وغيرهم.
Forwarded from قناة | مِهاد الأُصُول (زياد خياط)
Forwarded from قناة | مِهاد الأُصُول (زياد خياط)
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
Forwarded from قناة | مِهاد الأُصُول (زياد خياط)
الحمد لله الذي أتحفنا به.
فقد كان الكتاب حبيس تحقيق سقيم؛ ليس له من التَّحقيق اسمٌ ولا رسمٌ!
فقد كان الكتاب حبيس تحقيق سقيم؛ ليس له من التَّحقيق اسمٌ ولا رسمٌ!
Forwarded from اقرأ
📝هل تسخين الماء للوضوء يذهب بفضيلة (إسباغ الوضوء على المكاره)؟
الحمد لله:
تعمد جلب المشقة تكثيرا للثواب والأجر ليس مقصدا شرعيا.
وإنما التقوى على قدر الاستطاعة ،والتكليف لا يكون إلا بما وسع العبد فعله.
قال ابن تيمية في الفتاوى :
"وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوبًا مقربًا إلى الله؛ لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا وانقطاع القلب عن علاقة الجسد، وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم.
ولهذا تجد هؤلاء مع من شابههم من الرهبان يعالجون الأعمال الشاقة الشديدة المتعبة من أنواع العبادات والزهادات، مع أنه لا فائدة فيها ولا ثمرة لها، ولا منفعة إلا أن يكون شيئًا يسيرًا لا يقاوم العذاب الأليم الذي يجدونه.انتهى
فالمشقة المطلوبة شرعا هو ما كان مصاحبا لما أمره الله سبحانه (فكثيرًا ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل، لكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب) مجموع الفتاوى.
فعلى هذا فإن تعمد جلب المشقة ليس شرعا.
وقد أتت الرخص لدفع المشقات وجلب الميسرات في كل العبادات البدنية العملية كالصلاة والصيام والحج.
لقد رخص الشارع للذي لم يقدر على الوضوء خوف حصول الضرر ببدنه التيمم جاء في "الموسوعة الفقهية" (14/258) :
"ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ( خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْحَضَرِ ) لِمَنْ خَافَ مِنِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ هَلاَكًا ، أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ ، أَوْ زِيَادَتَهُ ، أَوْ بُطْءَ بُرْءٍ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ ، أَوْ لَمْ يَجِدْ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ ، أَوْ مَا يُدْفِئُهُ ، سَوَاءٌ فِي الْحَدَثِ الأْكْبَرِ أَوِ الأْصْغَرِ ؛ لإِقْرَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى تَيَمُّمِهِ خَوْفَ الْبَرْدِ وَصَلاَتِهِ بِالنَّاسِ إِمَامًا وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإْعَادَةِ" انتهى
فعلى هذا فإن تسخين الماء لاستعماله دافئا عند الوضوء لا ينافي أفضلية إسباغ الوضوء عند المكاره.
فإن المكاره المرادة في الحديث: هي ما لم يُتعمد إيجادها ولم تحصل بالبدن ضررا.
وللعلماء من أقوالهم على ما تقرر شواهد :
قال الأُبّي المالكي:
تسخين الماء لدفع برده ليتقوى على العبادة لا يمنع من حصول الثواب المذكور. (إكمال إكمال المعلم 54/2)
قال ابن عثيمين :
(أن يشق الإنسان على نفسه ويذهب يتوضأ بالماء البارد ويترك الساخن، أو يكون عنده ما يسخن به الماء، ويقول: أريد أن أتوضأ بالماء البارد؛ لأنال هذا الأجر، فهذا غير مشروع؛ لأن الله يقول: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾ [النساء: 147]، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا واقفًا في الشمس، قال: ((ما هذا؟))، قالوا: نذر أن يقف في الشمس، فنهاه عن ذلك، وأمره أن يستظل؛ فالإنسان ليس مأمورًا ولا مندوبًا إلى أن يفعل ما يشق عليه ويضره، بل كلما سهلت عليه العبادة فهو أفضل، لكن إذا كان لا بد من الأذى والكره فإنه يؤجر على ذلك؛ لأنه بغير اختياره)"شرح رياض الصالحين" (3/137)
قال ابن باز:
(فإسباغ الوضوء في المكاره في حال شدة البرد عند الحاجة إليه؛ هذا يدل على قوة الإيمان، ويكون الأجر أعظم، لكن إذا تيسر له الماء الدافئ يكون أفضل؛ لأن هذا الماء الدافئ يكون أعون له على الإسباغ، وإكمال الوضوء، كما شرع الله ، وأبلغ أيضًا في إزالة الأوساخ والنظافة، نعم.)موقع الشيخ على الشبكة.
ونختم بقول الشاطبي :
«ليس للمكلف أن يقصد المشقة في التكليف نظـراً إلى عظـم أجـــرها فإن المقاصــد معتبرة في التصــرفات فلا يصلح منها إلا ما وافق الشارع. فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة فقد خالف قصد الشارع من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل، فالقصد إلى المشـــقة باطل، فهـو إذن مــن قبيل ما ينهـى عنــه، وما ينهـى عنه لا ثواب فيه بل فيه الإثم إن ارتفع النهي عنه إلى درجة التحريم، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة: قصد مناقض»
الموافقات (2/ 225 ـ 229)
📝والله أعلم
الحمد لله:
تعمد جلب المشقة تكثيرا للثواب والأجر ليس مقصدا شرعيا.
وإنما التقوى على قدر الاستطاعة ،والتكليف لا يكون إلا بما وسع العبد فعله.
قال ابن تيمية في الفتاوى :
"وكثير من العباد يرى جنس المشقة والألم والتعب مطلوبًا مقربًا إلى الله؛ لما فيه من نفرة النفس عن اللذات والركون إلى الدنيا وانقطاع القلب عن علاقة الجسد، وهذا من جنس زهد الصابئة والهند وغيرهم.
ولهذا تجد هؤلاء مع من شابههم من الرهبان يعالجون الأعمال الشاقة الشديدة المتعبة من أنواع العبادات والزهادات، مع أنه لا فائدة فيها ولا ثمرة لها، ولا منفعة إلا أن يكون شيئًا يسيرًا لا يقاوم العذاب الأليم الذي يجدونه.انتهى
فالمشقة المطلوبة شرعا هو ما كان مصاحبا لما أمره الله سبحانه (فكثيرًا ما يكثر الثواب على قدر المشقة والتعب، لا لأن التعب والمشقة مقصود من العمل، لكن لأن العمل مستلزم للمشقة والتعب) مجموع الفتاوى.
فعلى هذا فإن تعمد جلب المشقة ليس شرعا.
وقد أتت الرخص لدفع المشقات وجلب الميسرات في كل العبادات البدنية العملية كالصلاة والصيام والحج.
لقد رخص الشارع للذي لم يقدر على الوضوء خوف حصول الضرر ببدنه التيمم جاء في "الموسوعة الفقهية" (14/258) :
"ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ( خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْحَضَرِ ) لِمَنْ خَافَ مِنِ اسْتِعْمَال الْمَاءِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ هَلاَكًا ، أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ ، أَوْ زِيَادَتَهُ ، أَوْ بُطْءَ بُرْءٍ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ ، أَوْ لَمْ يَجِدْ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ ، أَوْ مَا يُدْفِئُهُ ، سَوَاءٌ فِي الْحَدَثِ الأْكْبَرِ أَوِ الأْصْغَرِ ؛ لإِقْرَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى تَيَمُّمِهِ خَوْفَ الْبَرْدِ وَصَلاَتِهِ بِالنَّاسِ إِمَامًا وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإْعَادَةِ" انتهى
فعلى هذا فإن تسخين الماء لاستعماله دافئا عند الوضوء لا ينافي أفضلية إسباغ الوضوء عند المكاره.
فإن المكاره المرادة في الحديث: هي ما لم يُتعمد إيجادها ولم تحصل بالبدن ضررا.
وللعلماء من أقوالهم على ما تقرر شواهد :
قال الأُبّي المالكي:
تسخين الماء لدفع برده ليتقوى على العبادة لا يمنع من حصول الثواب المذكور. (إكمال إكمال المعلم 54/2)
قال ابن عثيمين :
(أن يشق الإنسان على نفسه ويذهب يتوضأ بالماء البارد ويترك الساخن، أو يكون عنده ما يسخن به الماء، ويقول: أريد أن أتوضأ بالماء البارد؛ لأنال هذا الأجر، فهذا غير مشروع؛ لأن الله يقول: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾ [النساء: 147]، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا واقفًا في الشمس، قال: ((ما هذا؟))، قالوا: نذر أن يقف في الشمس، فنهاه عن ذلك، وأمره أن يستظل؛ فالإنسان ليس مأمورًا ولا مندوبًا إلى أن يفعل ما يشق عليه ويضره، بل كلما سهلت عليه العبادة فهو أفضل، لكن إذا كان لا بد من الأذى والكره فإنه يؤجر على ذلك؛ لأنه بغير اختياره)"شرح رياض الصالحين" (3/137)
قال ابن باز:
(فإسباغ الوضوء في المكاره في حال شدة البرد عند الحاجة إليه؛ هذا يدل على قوة الإيمان، ويكون الأجر أعظم، لكن إذا تيسر له الماء الدافئ يكون أفضل؛ لأن هذا الماء الدافئ يكون أعون له على الإسباغ، وإكمال الوضوء، كما شرع الله ، وأبلغ أيضًا في إزالة الأوساخ والنظافة، نعم.)موقع الشيخ على الشبكة.
ونختم بقول الشاطبي :
«ليس للمكلف أن يقصد المشقة في التكليف نظـراً إلى عظـم أجـــرها فإن المقاصــد معتبرة في التصــرفات فلا يصلح منها إلا ما وافق الشارع. فإذا كان قصد المكلف إيقاع المشقة فقد خالف قصد الشارع من حيث إن الشارع لا يقصد بالتكليف نفس المشقة، وكل قصد يخالف قصد الشارع باطل، فالقصد إلى المشـــقة باطل، فهـو إذن مــن قبيل ما ينهـى عنــه، وما ينهـى عنه لا ثواب فيه بل فيه الإثم إن ارتفع النهي عنه إلى درجة التحريم، فطلب الأجر بقصد الدخول في المشقة: قصد مناقض»
الموافقات (2/ 225 ـ 229)
📝والله أعلم
Forwarded from قناة أ.د. غازي بن مرشد العتيبي