tgoop.com/alhashemi00/131
Last Update:
للبوصيري ميمية ذائعة في مدح النبي ﷺ ، اعتنى الناس بها كثيرا ، وفيها أبيات بديعة حسنة ، غير أنه شانها بمواضع غلا فيها على طريقة جهلة الشعراء.
وأشنع ما فيها وأبعده عن التوجيه الممكن ، لاشتمال معناه على الكفر الذي لا يجدي فيه التأويل = قوله :
٤٦- لو ناسبت قدرَه آياتُه عظما ..
أحيا اسمه حين يتلى دارس الرمم
٨٠- ما سامني الدهر ضيمًا واستجرت به ..
إلا ونلت جوارًا منه لم يُضَم
ففي الأول امتناع مناسبة آيات النبي ﷺ لقدره ، وهذا إزراء بالقرآن أكبر الآيات ، وهو صفة الله الفائقة لأقدار الخلق جميعًا.
وقد ذكر الشراح في توجيه ذلك أن القرآن مخلوق ، وليس في ذلك ما يخرج معنى البيت من الكفر ، (فيتهاونون ويظنون أنه هين ، ولا يدرون ما فيه من الكفر) كما يقول الإمام أحمد.
على أن البوصيري ليس متكلما فيضبط القول ، ففي كلامه زيادة على القول بخلق القرآن ، إذ يقول :
آياتُ حق من الرحمن مُحدثةٌ
قديمةٌ صفة الموصوف بالقدمِ
فالآيات التي عناها تشمل ما يقوم بذات الرب سبحانه ، وهذا من أشد الكفر الذي لا يقوله أشعري ولا معتزلي !
وأما البيت الثاني فيقول فيه إنه لم يظلمه الدهر بمصيبة فطلب جوار رسول الله = إلا وأجاره ﷺ ، فهذا دعاء لغير الله ونسبة التصرف له ، وذلك إشراك في الإلهية والربوبية معا ، تنزه ربنا وتقدس ، فهو المستحق للاستجارة المطلقة ، المختص بالإجارة التامة ، والمنفرد بهذا الثناء الفخم وحده جل جلاله.
وقد احتمل بعض الشراح حمل البيت على توسل الدعاء ، وأن الباء فيه للسببية ، فمفعول الاستجارة هو الله ، أي استجرت الله بالنبي ﷺ ، وهذا التوجيه مخالف لمراد الناظم ، والكلام يفسر على مراد قائله ، لا على ما يذهب الشناعة عنه ، فالباء هنا زائدة للتعدية ، والمفعول هو النبي ﷺ ، وذلك من وجوه :
- ما يفيده السياق من مدح النبي ﷺ بكونه لا يضام جواره ، فذكر الجوار دليل على أن الجوار مطلوب منه ، فهو المطلوب الفاعل للإجارة ، وليس السبب المتوسل به ، فإن ذلك أقصر في المدح ، وإن كان أحسن في الدين.
- أن الحمل على الطلب نظير ما جاء بعده في البيت التالي : "ولا التمست غنى الدارين من يده" ، وما له نظير من الكلام أولى بالحمل من غيره.
- أن هذا المعنى كرره البوصيري في غير البردة ، ففي الهمزية :
وأبى الله أن يمسني السو ..
ء بحال ولي إليك التجاءُ
فأغثنا يا من هو الغوث والغيـ ..
ـث إذا أجهد الورى اللأواءُ
فكلام الرجل يفسر بعضه بعضًا ، وعلى ذلك أكثر الشراح كالجاديري وزكريا والهيتمي.
ومنه تعلم حرمة إذاعة هذه الميمية بين العامة ، والتعبد بما فيها من الباطل ، لا سيما في الموالد المحدثة لمحبة رسول الله ﷺ ، ففيها من الكفر المعارض لملته ما يوجب الارتداد عن دينه ، وعداوته ﷺ لصاحبه ، وكيف تقر شريعته هذا الغلو وقد خطب رجل عنده ، فقال : "من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى ، فقال رسول الله ﷺ : بئس الخطيب أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله" ، فما حال من ينشد مثل هذه الأبيات ؟!
وفي الشعر تجوز واتساع تعرفه العرب ، ولا يحل للفقيه أن يقول فيه شيئا حتى يحصل معرفة ذلك ويعرف وجوهه ، لكن هذا لا يلقي حبل الباطل على غاربه ، فيصير حجة لكل مبطل يقول الباطل الذي تشهد طرائق الكلام بإرادته له ، ثم يرمي أهل الحق بالعجمة والجهل بالعربية ، ويجعل نكيرهم من جنس الغفلة عن مخصصات العام وأضراب هذا مما لا يغفل عنه الطلبة.
BY تقييدات أبي الحسن
Share with your friend now:
tgoop.com/alhashemi00/131