tgoop.com/alhashemi00/149
Last Update:
حكى الشافعي مناظرته لبعض العراقيين في مسألة بيع المدبر ، وكان من ذلك قوله :
"قال : فهو قول أكثر الفقهاء.
قلتُ : بل قول أكثر الفقهاء أن يباع.
قال : لسنا نقوله ولا أهل المدينة.
قلت : جابر بن عبد الله وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن المنكدر وغيرهم يبيعه بالمدينة ، وعطاء وطاوس ومجاهد وغيرهم من المكيين ، وعندك بالعراق من يبيعه ، وقول أكثر التابعين ببيعه ، فكيف ادعيتَ فيه الأكثر ، والأكثر ممن¹ مضى عليك ؟!
مع أنه لا حجة لأحد مع السنة ، وإن كنت محجوجًا بكل ما ادعيت ، وبقول نفسك".
[الأم (٩/ ٣٣٧)]
وفي كلام الشافعي تنبيه لنوعين من الغلط الشائع في المتفقهة ، أما الأول فالغلط في تمييز قول الأكثر ، فإن كثيرا من الناظرين يعتبر قول بعض الأئمة المتبوعين = قولَ الأكثر ، وقد رأيتَ في حكاية الشافعي كيف غلط العراقي فجعل قول أصحابه (الحنفية) مع أهل المدينة (المالكية) قول أكثر الناس ، ومنه في الأزمنة المتأخرة اعتبارُ اتفاق المذاهب الأربعة أو أكثرها قولَ جمهور العلماء ، وليس ذلك بلازم ، فقد يكون ذلك قولَ جمهور العلماء من أئمة الأمصار من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على الحقيقة - كما هو الغالب أو الكثير جدا - ، وقد لا يكون.
فإذا أطلق المرء على اتفاق أكثر الأربعة (قول الجمهور) فإما :
- أن يقصد أكثر العلماء من أئمة الأمصار - الصحابةِ فمن بعدهم - ، فلا يسوغ له ذلك بمجرد الوقوف على قول أكثر الأربعة.
- أو يقصد الأكثر بالنظر إلى المذاهب المتبوعة المستمرة ، فهذا اصطلاح تواضع عليه الناس بأخرة ، ولا مشاحة فيه إذا فهمه مطلقه ، وذلك مثل إطلاق أن كذا مذهب الحنابلة بالنظر إلى اتفاق الإقناع والمنتهى - وإن لم يكن ذلك قول الحنابلة جميعًا ، بل ولا قول أحمد نفسه - ، فهو سائغ بفهم ذلك.
وفائدة التنبه إلى هذا ضبط المنزلة التي ينالها القول في نفس المتفقه ، بحيث يتصور الأمر على ما هو عليه ، وإن كان ذلك ليس مؤثرًا في الاحتجاج وتمييز الحق كما هو معلوم.
وأما الغلط الثاني فمقابلة الحجة بأعداد الرجال ، وهو معنى كثر تنبيه الأئمة له لكثرة زلل الناس فيه قديما وحديثًا.
وفي النظر لكثرة الرجال معنى صحيح ، وهو أن يتحرى الناظر في السنة فلا يشهر سيفها بخديج الفهوم وبدوات النقد ، فإن العاقل يعرف أن لغيره عقولا تصيب كما يخطئ ، وأن من العلم ما يفوته ويدركه الأكثر دونه ، كما يفوتهم ويدركه دونهم ، ثم هذا المعنى الصحيح تبالغ فيه طائفة فيُخرج به عن القصد ، وبعد كونه معتبرًا لئلا يتعجل في ادعاء السنة يصير حجة تُخالَف به السنة نفسها !
وقد كان الشافعي حفيا بالتنبيه على هذا الغلط وخطره ، وبالرد على من وقع فيه من الفقهاء ، فرحمه الله ما أجود كلامه وأدق نظره وأحسن نصحه للمسلمين.
___
¹ في المطبوع : "من" ، وله وجه ، والمثبت من بعض النسخ والمعرفة للبيهقي ، وهو الأشبه بكلام الشافعي.
#أنظار_في_الفقه_ومآخذه
BY تقييدات أبي الحسن
Share with your friend now:
tgoop.com/alhashemi00/149