ALHASHEMI00 Telegram 149
حكى الشافعي مناظرته لبعض العراقيين في مسألة بيع المدبر ، وكان من ذلك قوله :

"قال : فهو قول أكثر الفقهاء.

قلتُ : بل قول أكثر الفقهاء أن يباع.

قال : لسنا نقوله ولا أهل المدينة.

قلت : جابر بن عبد الله وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن المنكدر وغيرهم يبيعه بالمدينة ، وعطاء وطاوس ومجاهد وغيرهم من المكيين ، وعندك بالعراق من يبيعه ، وقول أكثر التابعين ببيعه ، فكيف ادعيتَ فيه الأكثر ، والأكثر ممن¹ مضى عليك ؟!

مع أنه لا حجة لأحد مع السنة ، وإن كنت محجوجًا بكل ما ادعيت ، وبقول نفسك".

[الأم (٩/ ٣٣٧)]

وفي كلام الشافعي تنبيه لنوعين من الغلط الشائع في المتفقهة ، أما الأول فالغلط في تمييز قول الأكثر ، فإن كثيرا من الناظرين يعتبر قول بعض الأئمة المتبوعين = قولَ الأكثر ، وقد رأيتَ في حكاية الشافعي كيف غلط العراقي فجعل قول أصحابه (الحنفية) مع أهل المدينة (المالكية) قول أكثر الناس ، ومنه في الأزمنة المتأخرة اعتبارُ اتفاق المذاهب الأربعة أو أكثرها قولَ جمهور العلماء ، وليس ذلك بلازم ، فقد يكون ذلك قولَ جمهور العلماء من أئمة الأمصار من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على الحقيقة - كما هو الغالب أو الكثير جدا - ، وقد لا يكون.

فإذا أطلق المرء على اتفاق أكثر الأربعة (قول الجمهور) فإما :

- أن يقصد أكثر العلماء من أئمة الأمصار - الصحابةِ فمن بعدهم - ، فلا يسوغ له ذلك بمجرد الوقوف على قول أكثر الأربعة.

- أو يقصد الأكثر بالنظر إلى المذاهب المتبوعة المستمرة ، فهذا اصطلاح تواضع عليه الناس بأخرة ، ولا مشاحة فيه إذا فهمه مطلقه ، وذلك مثل إطلاق أن كذا مذهب الحنابلة بالنظر إلى اتفاق الإقناع والمنتهى - وإن لم يكن ذلك قول الحنابلة جميعًا ، بل ولا قول أحمد نفسه - ، فهو سائغ بفهم ذلك.

وفائدة التنبه إلى هذا ضبط المنزلة التي ينالها القول في نفس المتفقه ، بحيث يتصور الأمر على ما هو عليه ، وإن كان ذلك ليس مؤثرًا في الاحتجاج وتمييز الحق كما هو معلوم.

وأما الغلط الثاني فمقابلة الحجة بأعداد الرجال ، وهو معنى كثر تنبيه الأئمة له لكثرة زلل الناس فيه قديما وحديثًا.

وفي النظر لكثرة الرجال معنى صحيح ، وهو أن يتحرى الناظر في السنة فلا يشهر سيفها بخديج الفهوم وبدوات النقد ، فإن العاقل يعرف أن لغيره عقولا تصيب كما يخطئ ، وأن من العلم ما يفوته ويدركه الأكثر دونه ، كما يفوتهم ويدركه دونهم ، ثم هذا المعنى الصحيح تبالغ فيه طائفة فيُخرج به عن القصد ، وبعد كونه معتبرًا لئلا يتعجل في ادعاء السنة يصير حجة تُخالَف به السنة نفسها !

وقد كان الشافعي حفيا بالتنبيه على هذا الغلط وخطره ، وبالرد على من وقع فيه من الفقهاء ، فرحمه الله ما أجود كلامه وأدق نظره وأحسن نصحه للمسلمين.

___
¹ في المطبوع : "من" ، وله وجه ، والمثبت من بعض النسخ والمعرفة للبيهقي ، وهو الأشبه بكلام الشافعي.

#أنظار_في_الفقه_ومآخذه



tgoop.com/alhashemi00/149
Create:
Last Update:

حكى الشافعي مناظرته لبعض العراقيين في مسألة بيع المدبر ، وكان من ذلك قوله :

"قال : فهو قول أكثر الفقهاء.

قلتُ : بل قول أكثر الفقهاء أن يباع.

قال : لسنا نقوله ولا أهل المدينة.

قلت : جابر بن عبد الله وعائشة وعمر بن عبد العزيز وابن المنكدر وغيرهم يبيعه بالمدينة ، وعطاء وطاوس ومجاهد وغيرهم من المكيين ، وعندك بالعراق من يبيعه ، وقول أكثر التابعين ببيعه ، فكيف ادعيتَ فيه الأكثر ، والأكثر ممن¹ مضى عليك ؟!

مع أنه لا حجة لأحد مع السنة ، وإن كنت محجوجًا بكل ما ادعيت ، وبقول نفسك".

[الأم (٩/ ٣٣٧)]

وفي كلام الشافعي تنبيه لنوعين من الغلط الشائع في المتفقهة ، أما الأول فالغلط في تمييز قول الأكثر ، فإن كثيرا من الناظرين يعتبر قول بعض الأئمة المتبوعين = قولَ الأكثر ، وقد رأيتَ في حكاية الشافعي كيف غلط العراقي فجعل قول أصحابه (الحنفية) مع أهل المدينة (المالكية) قول أكثر الناس ، ومنه في الأزمنة المتأخرة اعتبارُ اتفاق المذاهب الأربعة أو أكثرها قولَ جمهور العلماء ، وليس ذلك بلازم ، فقد يكون ذلك قولَ جمهور العلماء من أئمة الأمصار من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على الحقيقة - كما هو الغالب أو الكثير جدا - ، وقد لا يكون.

فإذا أطلق المرء على اتفاق أكثر الأربعة (قول الجمهور) فإما :

- أن يقصد أكثر العلماء من أئمة الأمصار - الصحابةِ فمن بعدهم - ، فلا يسوغ له ذلك بمجرد الوقوف على قول أكثر الأربعة.

- أو يقصد الأكثر بالنظر إلى المذاهب المتبوعة المستمرة ، فهذا اصطلاح تواضع عليه الناس بأخرة ، ولا مشاحة فيه إذا فهمه مطلقه ، وذلك مثل إطلاق أن كذا مذهب الحنابلة بالنظر إلى اتفاق الإقناع والمنتهى - وإن لم يكن ذلك قول الحنابلة جميعًا ، بل ولا قول أحمد نفسه - ، فهو سائغ بفهم ذلك.

وفائدة التنبه إلى هذا ضبط المنزلة التي ينالها القول في نفس المتفقه ، بحيث يتصور الأمر على ما هو عليه ، وإن كان ذلك ليس مؤثرًا في الاحتجاج وتمييز الحق كما هو معلوم.

وأما الغلط الثاني فمقابلة الحجة بأعداد الرجال ، وهو معنى كثر تنبيه الأئمة له لكثرة زلل الناس فيه قديما وحديثًا.

وفي النظر لكثرة الرجال معنى صحيح ، وهو أن يتحرى الناظر في السنة فلا يشهر سيفها بخديج الفهوم وبدوات النقد ، فإن العاقل يعرف أن لغيره عقولا تصيب كما يخطئ ، وأن من العلم ما يفوته ويدركه الأكثر دونه ، كما يفوتهم ويدركه دونهم ، ثم هذا المعنى الصحيح تبالغ فيه طائفة فيُخرج به عن القصد ، وبعد كونه معتبرًا لئلا يتعجل في ادعاء السنة يصير حجة تُخالَف به السنة نفسها !

وقد كان الشافعي حفيا بالتنبيه على هذا الغلط وخطره ، وبالرد على من وقع فيه من الفقهاء ، فرحمه الله ما أجود كلامه وأدق نظره وأحسن نصحه للمسلمين.

___
¹ في المطبوع : "من" ، وله وجه ، والمثبت من بعض النسخ والمعرفة للبيهقي ، وهو الأشبه بكلام الشافعي.

#أنظار_في_الفقه_ومآخذه

BY تقييدات أبي الحسن


Share with your friend now:
tgoop.com/alhashemi00/149

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

How to Create a Private or Public Channel on Telegram? Today, we will address Telegram channels and how to use them for maximum benefit. bank east asia october 20 kowloon Find your optimal posting schedule and stick to it. The peak posting times include 8 am, 6 pm, and 8 pm on social media. Try to publish serious stuff in the morning and leave less demanding content later in the day. 1What is Telegram Channels?
from us


Telegram تقييدات أبي الحسن
FROM American