tgoop.com/alkellawy/1151
Last Update:
لأني امرؤٌ طُبع على الصراحة وشفافية القول، فقد كنتُ في زمنٍ ولَّى مولعًا بالسجالات الواقعية والافتراضية وحصد المعارك، أجادل وأناقش وأتصيد الزلات وأقصف الجبهات وأنتشي في كل مرةٍ أقلِّم فيها أظافر أحدهم وأُلجم لسانه وأهتكُ منطقه وأنزعُ عنه سوءة الجهل وجلد الفاجر.
في الحقيقة ومن دواعي الأسى، لم يكن هذا الدفاع أصيلًا عن الحق بل كان معظمه للأسف انتصارًا للنفس وهواها وكبريائها الجامح وغرورها المريد، حتى وإن صدق منطقي وارتفعت حجتي وظهر عوار حجة غيري للقاصي والداني والعاقل والجاهل.
لا أعرف صراحة ما الذي يهذب نفس المرء أكثر: عمره المُحمَّل بثقل التجارب وألم الصفعات، أم علمه بجهله الذي يزداد كلما قرأ حرفًا أو تعلم شيئًا فازداد ضآلة على ضآلة؟ أم هي ذنوبه التي أثقلته وضميره الذي يئنُّ كلما أدرك حقيقة الدنيا وفَطِن لخديعتها ووجهها المُتقلِب؟ أحيانًا أومن أنه خليطٌ من هذا كله.
ربما صرت إنسانًا أهدأ، أو غير مبالٍ أغلب الظن، أمضي أيامي على مهلٍ غير مسرع الخُطى، وغير ملتفتٍ إلى خطوات غيري، أفلت من يدي كل ما قد يزيد صحيفتي مثقال ذرةٍ من ذنب، لأن هذا كله إلى زوال، ولأني عبدٌ ضعيفٌ لا يقوى على حمل أوزاره فضلًا عن أوزار الناس.
ربما أيضًا صرتُ إنسانًا أكثر رأفةً بغيره لأنه في أمس الحاجة لرأفة الله، ولأن الناس مساكين والأيام دولٌ والمصيب يخطئ والمخطئ يصيب ولا يبقى حالٌ على حالٍ، وكلنا مسلمون مهما تنوعت التوجهات والقناعات والأفكار. يولد الإنسان ليعيش أيامًا قلائل ثم يموت فيُدفن ويُصلى عليه ويعود الناس أدراجهم، ويبدأ هو حياته الأخرى التي تطول بطول الزمان.
في الحقيقة، لقد صرتُ محترفًا في الانشغال بحال نفسي، أبصر القَذى في عينيَّ قبل أن أفتش في عيون الناس، وأتدرب على الإنصاف قبل إسقاط الأحكام، وعلى شراء الخاطر ولو بشق كلمةٍ قبل تلقيف النصائح وإنكار الخطأ وشيطنة المخالف.
هناك لحظةٌ بعينها يفتح الله على عبده فيرى الناس -كل الناس- لطفاء طيبين لا شرَّ فيهم، فيدعو لهم بالرضا والهناء وطيب العيش، إلا من ظلم وجَحد وتكبر.
BY عبد الرحمن القلاوي
Share with your friend now:
tgoop.com/alkellawy/1151