tgoop.com/alkellawy/494
Last Update:
"علمتُ أن آصرة الأمور ورابطتها تكمن في اثنين لا تنفكان غُرَّتهُما: أولهما الرفق، وثاني الاثنين الصدق". هكذا قالت، وهكذا لم يتبدد الظن يومًا مهما تغيرت الخطوب. بين تعاقب ليلٍ ونهارٍ أجدنا صغيرين، نرى الدنيا من زاويةٍ حرجةٍ رؤية القلب قبل العين، وكبيرين ظلَّ يتملَّكنا -على اختلاف الأبعاد وانحراف الزوايا- ذات الاعتقاد.
في فسحة العقل بين حلمٍ وعلمٍ، أخالني رجلًا عاقلًا ليِّنًا على غير ضعفٍ، حازمًا على غير قسوةٍ، لا ركبَ على نفسه العنف، ولا حمَّل غيره ما لا يطيق. وأخالها امرأةً ذكيةً حكيمةً تستولد الرحمة من رحم الحياة. فإذا ما تحدَّثا انفرجت الكبرياء على محاسن الكلم، وإذا كتبا انفرجت الحروف بالجمال السرمدي الذي لا يزول، فقال وقالت، وكتبَ وكتبت، وتسعَّر الحبُّ بينهما مع كل كلمةٍ تسعُّرَ النار في الهشيم.
وكانت -أعزَّها الله- طيبةً تجود بالطيب، لكنها حزينةٌ كل الحزن، مؤنسة الطلَّة تكاد تشرق الشمس في وجهها، لا تجلس في مجلسٍ إلا وأكسبته وقارًا ملائكيًّا ليس من أهل الأرض، وكانت على ذلك هينةً لينةً تحمل في قلبها الودَّ وتهبه جملةً للحاضرين. ثم تراها إذ تكلمَّت بالشيء يظهر ذاك الجمال البائس في صوتها، فكأنما يُخفي صخبًا داخليًّا يؤرق محياها المتفرد، فيحيل كلامها حزنًا ليس بالحزن العابر المعهود؛ إنما حزنٌ أبديٌّ يرافقها كظلِّها الطويل.
أما هو فقد وجد فيها سراجه الذي افتقد بريقه تحت مطاحن الحياة، فكان حديثها كالسهم الزابل إلى قلبه لا يقوى على إخراجه، وأما هي فقد رأت فيه الفارس التليد الذي رأى أسوار قلعتها فتجاوزها راغبًا عازمًا، فكان لها الرفيق والمُحِب، وكانت له الرفيقة والمُحِبة، ووجدت فيه الصدق والمروءة، ووجد فيها الطهر والأدب، فكأنما الأرواح كالسحر؛ تنطوي على بعضها البعض لتستولد حياةً كاملةً بين اثنين: زوجٍ وزوجةٍ.
قائمة أمور الخلق خاصة ما يتعلق باقتران اثنين على الود، والرحمة فرضٌ اقتضته طبيعة الحياة، لتكمل مسيرتها على غير ذي عِوجٍ، إن أردت الأخذ فأعطِ؛ الرفق يُلين، والتقوى زاد. من هذا المنطلق الرحب، ومن تلك الزاوية تحديدًا، صُبغت اختياراتٌ واهتماماتٌ: ما حُسبَ خيرًا اُرتُضي، وما يغايره مآله الفناد.
BY عبد الرحمن القلاوي
Share with your friend now:
tgoop.com/alkellawy/494