Telegram Web
لا يزيد من وَطأة الحزن إلا أنه يستدعي أحزان الإنسان السابقة جملةً، كما لو أنها قد تجددت جميعها في نفسه بعد زوال.
السوشل ميديا صنعت حالة من سيولة المشاعر، كل لحظةٍ وكل دقيقةٍ يمر على عينك خبرٌ مختلفٌ بشعورٍ مختلفٍ: خيمة تحترق بنازحيها، وطلبة في مثل عمرك تختلط دماؤهم بأحلامهم في طريقهم لطلب علم شريف، ثم خطوبة فلان وفستان فلانة وحفلات وخروجات وتصوير، ألف شعور مُطالب أن تتفاعل معهم، ثم تتساءل آخر اليوم متعجبًا: لماذا تبعثر قلبي؟!

هذه الأخبار والمشاعر كلها لم تأخذ حقها المطلوب في المعايشة، لأن عينك تتنقل بين خبرٍ وآخر بضغطة زرٍ لعينةٍ في فضاءٍ شاسعٍ يحوي ملايين القصص والأخبار، وعقلك البشري المحدود لا يستطيع ببساطة أن يحلل كل هذه المدخلات، فما بال قلبك المسكين الذي يُجبر أن يتألم ويفرح ويبكي ويغضب في آنٍ واحدٍ.

هذه التكنولوجيا الخبيثة صُنعت لتأسرك داخلها وتصنع منك دُميةً تحركها كيفما تشاء، تبعثر إنسانيتك رويدًا مع كل خبرٍ وحادثةٍ و"تريند" يُفرض عليك، ناهيك عن تتبع حيوات الناس وتجاربهم والنعم التي رزقهم الله وربما حرمت أنت منها، وتغفل أن هذه هي الصورة المثالية الكاذبة التي يصدرونها عن أنفسهم وتستقبلها أنت بكل رضا.
لو خُلق الجمال على صورةٍ واحدةٍ، لتنافس على شَطرَيها: الخيلُ والنِّساء.
‏لا هزيمة لمن يقاتل في سبيل الله، بل إحدى حسنيَين: مُنتصرٌ، أو حيٌّ يُرزق في عِلِّيين.
أقسم بالله ما شهدتُ قول عنترة يصدق في أحد إلا فيك قبل اليوم يا أبا إبراهيم:

‏فَتىً يَخوضُ غِمارَ الحَربِ مُبتَسِمًا
‏وَيَنثَني وَسِنانُ الرُمحِ مُختَضِبُ
أشعر أن الوقت قد توقف بي عند ارتقاء "السنوار" وكأني لا أجد سبيلًا للتخطي والتجاوز والنسيان، كان رحيله قاسيًا ومدميًا ومفاجئًا.

بعد انتهاء الدوام ركب إلى جانبي زميل بنغالي طيب القلب كغالب شعبهم، كنا نقلِّب في بعض الصور الشخصية لكلينا، ثم ظهرت هذه فجأة بين الصور فانتبه لها وأشار بإصبعه وقال: "2 نفر موت"، سألته بتعجب: تعرفه؟ فرد: "سنوار غزة"، بلهجة عربية متكسرة.

تجمد الدم في عروقي لوهله، ثم أشحت بناظري ناحية الغروب، وتفلت الدمع من عيني.
يا رب يا واسع، تعلم أن رأسي يدور كطواحين هواءٍ كأنما يحمل داخله نصف قلق العالم، أفكر في صحوي ونومي ولا أرى إلا الظلمةَ في النفق، لكني لا أملُّ رجاءك: أن تلهمني حسن التوكل كما تتوكل الطير، فأغدو بيقين الظافر وأعود برضا القنوع، وألا تشغل عقلي بما تكفلت لي به حتى يقتنص بعض الهدوء بين فواصل الزمن، وأن تأخذ بيدي حين يفلت عبدك الضال قبضته على جهلٍ منه، وأن تكفني يا إلهي بما شئت حين تنقصني الحكمة في مَصارع التجارب.
طرأ على خاطري رغبةٌ ما لأول مرةٍ إثر ضيقٍ أمرُّ به، دامت ثوانٍ ثم اختفت، لكنها حطِّمت إيماني كله وزعزعت ثباتي الذي أدَّعيه وقد كنت أنكر مثلها على غيري من الناس، ولا أعرف أيهما أجدر بالأسى: الأمر الذي يؤرقني أم الهشاشة التي انفجرت من العدم حين استسلمت للعجز وغفلت عن الآخرة!
أدرب نفسي على حمد الله على صغير نعمه قبل كبيرها، وعلى الضراء قبل السراء، وعلى الجرح الذي آلمني فخفف به ألمًا آخر لم أكن لأطيقه، وعلى ليلةٍ نمت فيها بغير قلق بين ليالٍ طوالٍ يقضم مني كوحش غابٍ، وأحمده حمدًا يليق به على نعمة هذا الدين ويوم ولدت مسلمًا على الفطرة؛ ولو حمدته أبد الدهر ما وفيت؛ "وكان الإنسان كفورًا".
أحِنُّ إلى تِلكَ المنازل كلَّما
‏غَدا طائِرٌ في أَيكَةٍ يترنَّمُ
أنا سعيد وفرحان لسوريا وأهلها لدرجة عايز أروح أخطب مشان تتزامن ذكرى الخطوبة مع هذي الأيام المجيدة؛ بس في مُشكل واحد (كما ينطقها صاحبي البنغالي): خايف أأجل يوم الزفاف للفرحة الثانية ياللي كلنا منتظرنها؛ أستنى أعزب!
من القصائد المؤلمة العالقة في رأسي بسقوط الأندلس نونية ”أبو البقاء الرندي“، خاصة البيت القائل:

هي الأمور كما شاهَدتُها دُولٌ
من سرَّه زمنٌ ساءته أزمانُ

هذا يوم يربت هذا البيت فيه على قلبي، أدندنه بفرحٍ وتعجبٍ وتدبرٍ لفتح دمشق وحلب بعد أن كان رثاء لزوال قرطبة وغرناطة.

يا الله.
اجتمعت علي فرحتان في وقتٍ يضيق صدري بأشياء عدة:
تحرير سوريا، ورؤية ”لين“ بعد غياب 7 أشهر؛ ولا تزال جميلة بريئة وخجولة على غير عادتها.
من نعم الإسلام التي يستشعرها المؤمن في مثل هذه الأحداث؛ أنه يفرح لفرح أخيه ويحزن لمصاب الآخر في الوقت نفسه، والثلاثة من دول وجنسيات مختلفة قسمتها الحدود الوضعية لكن عجزت عن تقسيم صلة الرحم والحب والاهتمام لأمر المسلمين في السراء والضراء، فنحن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو.

فنفرح لسورية ونحزن لغزة ونبكي السودان ونتألم للإيغور وشرق آسيا وقلب إفريقيا، وكل مسلم يؤذَى أو يُضطهد في هذا العالم. وفي المساء نضمّد بصمتٍ جراحنا نحن على استحياء، ثم تخرج من أفواهنا دعوةٌ واحدةٌ بألسنة مختلفة إلى الله لعلها تؤتي أكلها في ميقاتها المعلوم تحت مشيئته؛ ويومئذٍ يفرح المؤمنون!

‏بنصر الله.
لا تنفك تدهشني قصة سيدنا موسى في خوفه المتكرر كإنسان طيلة حياته؛ "خائفًا يترقب، فأخاف أن يقتلون، وأخاف أن يكذبون، فأوجس في نفسه خيفة"، والله يطمأن نبيه كل مرة: "قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجۡعَلُ لَكُمَا سُلۡطَٰنٗا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيۡكُمَا"، حتى وصل إلى يقينه الأخير رغم استحالة الأسباب لما قال أصحابه: "إنا لمدركون"، ليجيبهم مؤمنًا متيقنًا من معية الله: "كلا إن معي ربي سيهدين".

من معه الله نجا!
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
من أمنياتي الحقيقية البسيطة على وجه البسيطة، أن يوفقي الله بكل جوارحي وطاقتي وبذلي يومًا ما لأقول في حق زوجتي وصاحبتي ما يتلفظ به هاهُنا شيخ العربية محمود شاكر في حق زوجته: "أكرمتني وحفظتني"، وأن ترى هي انعكاس ذلك عيانًا بيانًا في تعاملنا وكلامنا ومعاشنا قبل أن أنطق به ويشهده المقربون.
الكريمة بنت الكريمة بنت الكريمة بنت الكريم: هدى عابدين، جدها عصام العطار وجدتها بنان علي الطنطاوي، فقيهة القانون واللغة والأدب والشعر، بنت العائلة التي شردها المنفى أو القتل ولم يكتب لهم أن يشهدوا تحرير دمشق وعواصم سوريا الحبيبة. لما قرأت قصتها على لسان جدها بكيت.

يقول جدها عصام:
" كانت في طفولتِها وصِباها وشبابها مُرْهَفَةَ الْحِسّ، مَشْبُوبَةَ العاطفة، إنسانيَّةَ الشعور، صادقةَ الطبع، قويمَةَ السُّلوك، عظيمةَ الطّموح، تَوّاقةً على الدوام إلى الأفضَلِ والأقومِ والأكمل

وكانت تأبَى إلاّ أن تكونَ سابقةً في مختلفِ المَجالاتِ التي دخلتْها مَهْما كَلَّفَها ذلك مِنْ جُهْد، وحَرَمَها مِنْ راحَة، وأرهقَها مِنْ تَعَب".
لي فترة لم ألتقط صورةً لي، بالكاد أنظر في المرآة لأرى شبحًا يملؤه القلق وفرط التفكير. مساء خميس ذهبت من الخبر إلى الدمام لزيارة أخي وتغيير الأجواء وتصفية ذهني قليلًا، وما أن دخلت حجرتي الخاصة حتى صفعتني ذكريات عامٍ كاملٍ. صبيحة عودتي إلى العمل، أهداني خوذته وشد من أزري، فأردت توثيق هذه اللحظة العشوائية لأتذكر لطف الله في السراء والضراء.
على بساط العمر تتفلَّت مني أشياء لم أكن لأعيش بدونها، تسقط من يدي تباعًا بعد أن أحكمت عليها قبضتي بقوةٍ فيما مضى أو سعيت جاهدًا لنيلها، كأنما نضجت فجأة، هكذا دون سابق ترتيب، وبغير عدةٍ منطقيةٍ لما يحدث، فقط ألتفت ورائي لأجد بعضًا مني قد ذهب وحل مكانه البعض الآخر، نُسخ يجدد بعضها بعضًا، وكلهم أنا.
2024/12/22 12:00:55
Back to Top
HTML Embed Code: