ALSSADA_ALOUQALAE Telegram 740
غالبًا ما يُساء فهم أو استخدام مسلّمات الديناميكا الحرارية بسبب الجهل بمفهوم “العلم الأكسيوماتي”، وهو نوع من العلوم الذي يُبنى على مسلّمات تُستخدم كمنطلقات للاستدلال، لا كحقائق مُثبَتة بذاتها. بمعنى أن صحة هذا العلم تعتمد على صحة المسلّمات التي يقوم عليها. وبالتالي، فإن أي نتائج تُستخلص منه تظل صحيحة طالما افترضنا صحة تلك المسلّمات. على عكس ما يتصوره البعض، فإن المسلّمات ليست صحيحة بسبب صحة هذا العلم، بل إن هذا العلم نفسه يفتقر إلى تأكيد صحة مسلّماته، ولا يُثبتها بشكل قاطع.

الديناميكا الحرارية، تلك النظرية التي تمثل إحدى أعمدة الفيزياء الحديثة، ترتكز على مسلّمات تبدو وكأنها حقائق مطلقة، لكنها في جوهرها تحمل طابعًا ميتافيزيقيًا. فهي تفترض، على سبيل المثال، أن الأنظمة المعزولة تصل إلى حالة من التوازن الحراري مع مرور الوقت، وأن الإنتروبيا – رمز الفوضى الكونية – تزداد دائمًا في العمليات الطبيعية. هذه المسلّمات ليست حقائق مُثبَتة داخل إطار النظرية نفسها، بل هي بديهيات مستقاة من ملاحظات تجريبية، مما يجعلها أقرب إلى قواعد فلسفية تُؤخذ على سبيل الإيمان العلمي.

لكن حدود هذه النظرية تتجلى عندما نحاول تطبيقها على الأنظمة الصغيرة جدًا (كالأنظمة الكمومية) أو الكبيرة جدًا (كالكون بأكمله). ففي العالم الكمومي، حيث تتحكم قوانين الاحتمال بدلاً من الحتمية، تظهر انحرافات عن القوانين التقليدية، مما يفرض علينا إعادة التفكير في مسلّماتنا. كذلك، على نطاق الكون، حيث تصبح الجاذبية والزمكان لاعبَين رئيسيين، تضع الديناميكا الحرارية نفسها أمام أسئلة تتجاوز قدرتها على الإجابة.

وكما أشار عالم الرياضيات كورت غودل في مبرهنته الشهيرة، فإن أي نظرية منطقية، مهما كانت قوتها، تعتمد على مسلّمات لا يمكن إثباتها من داخل إطارها. فالديناميكا الحرارية، مثل غيرها من النظريات، ليست اكتفاءً ذاتيًا، بل تتطلب استدلالًا خارجيًا لتبرير أساساتها. إنها كصرح جميل من المعرفة، لكنه قائم على أعمدة خفية لا يمكن رؤيتها من الداخل.

وهكذا، تظل الديناميكا الحرارية أداةً قوية لفهم العالم، لكنها في الوقت ذاته تذكرنا بحدود العلم، وبأن المسافة بين الفهم المطلق والبحث المستمر هي ما يجعل العلم مغامرة إنسانية لا تنتهي.
#فيزيائيات #ايوب #السادة_العقلاء



tgoop.com/alssada_alouqalae/740
Create:
Last Update:

غالبًا ما يُساء فهم أو استخدام مسلّمات الديناميكا الحرارية بسبب الجهل بمفهوم “العلم الأكسيوماتي”، وهو نوع من العلوم الذي يُبنى على مسلّمات تُستخدم كمنطلقات للاستدلال، لا كحقائق مُثبَتة بذاتها. بمعنى أن صحة هذا العلم تعتمد على صحة المسلّمات التي يقوم عليها. وبالتالي، فإن أي نتائج تُستخلص منه تظل صحيحة طالما افترضنا صحة تلك المسلّمات. على عكس ما يتصوره البعض، فإن المسلّمات ليست صحيحة بسبب صحة هذا العلم، بل إن هذا العلم نفسه يفتقر إلى تأكيد صحة مسلّماته، ولا يُثبتها بشكل قاطع.

الديناميكا الحرارية، تلك النظرية التي تمثل إحدى أعمدة الفيزياء الحديثة، ترتكز على مسلّمات تبدو وكأنها حقائق مطلقة، لكنها في جوهرها تحمل طابعًا ميتافيزيقيًا. فهي تفترض، على سبيل المثال، أن الأنظمة المعزولة تصل إلى حالة من التوازن الحراري مع مرور الوقت، وأن الإنتروبيا – رمز الفوضى الكونية – تزداد دائمًا في العمليات الطبيعية. هذه المسلّمات ليست حقائق مُثبَتة داخل إطار النظرية نفسها، بل هي بديهيات مستقاة من ملاحظات تجريبية، مما يجعلها أقرب إلى قواعد فلسفية تُؤخذ على سبيل الإيمان العلمي.

لكن حدود هذه النظرية تتجلى عندما نحاول تطبيقها على الأنظمة الصغيرة جدًا (كالأنظمة الكمومية) أو الكبيرة جدًا (كالكون بأكمله). ففي العالم الكمومي، حيث تتحكم قوانين الاحتمال بدلاً من الحتمية، تظهر انحرافات عن القوانين التقليدية، مما يفرض علينا إعادة التفكير في مسلّماتنا. كذلك، على نطاق الكون، حيث تصبح الجاذبية والزمكان لاعبَين رئيسيين، تضع الديناميكا الحرارية نفسها أمام أسئلة تتجاوز قدرتها على الإجابة.

وكما أشار عالم الرياضيات كورت غودل في مبرهنته الشهيرة، فإن أي نظرية منطقية، مهما كانت قوتها، تعتمد على مسلّمات لا يمكن إثباتها من داخل إطارها. فالديناميكا الحرارية، مثل غيرها من النظريات، ليست اكتفاءً ذاتيًا، بل تتطلب استدلالًا خارجيًا لتبرير أساساتها. إنها كصرح جميل من المعرفة، لكنه قائم على أعمدة خفية لا يمكن رؤيتها من الداخل.

وهكذا، تظل الديناميكا الحرارية أداةً قوية لفهم العالم، لكنها في الوقت ذاته تذكرنا بحدود العلم، وبأن المسافة بين الفهم المطلق والبحث المستمر هي ما يجعل العلم مغامرة إنسانية لا تنتهي.
#فيزيائيات #ايوب #السادة_العقلاء

BY قناة || السادة العقلاء




Share with your friend now:
tgoop.com/alssada_alouqalae/740

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Developing social channels based on exchanging a single message isn’t exactly new, of course. Back in 2014, the “Yo” app was launched with the sole purpose of enabling users to send each other the greeting “Yo.” It’s easy to create a Telegram channel via desktop app or mobile app (for Android and iOS): How to build a private or public channel on Telegram? The group also hosted discussions on committing arson, Judge Hui said, including setting roadblocks on fire, hurling petrol bombs at police stations and teaching people to make such weapons. The conversation linked to arson went on for two to three months, Hui said. During a meeting with the president of the Supreme Electoral Court (TSE) on June 6, Telegram's Vice President Ilya Perekopsky announced the initiatives. According to the executive, Brazil is the first country in the world where Telegram is introducing the features, which could be expanded to other countries facing threats to democracy through the dissemination of false content.
from us


Telegram قناة || السادة العقلاء
FROM American