Telegram Web
مرعاة المستفتي بعد الفعل

قال الشاطبي: «كنت يوما سائرا مع بعض الأصحاب إذ لقينا شيخنا الأستاذ المشاور أبا سعيد بن لب -أكرمه الله- بقرب المدرسة، فسرنا معه إلى بابها، ثم أردنا الانصراف، فدعانا إلى الدخول معه إلى المدرسة، وقال: «أردت أن أطلعكم على بعض مستنداتي في الفتوى الفلانية وما شاكلها، وأبين لكم وجه قصدي إلى التخفيف فيها» -وكان قد أطلعنا على مكتوب بخطه جوابا عن سؤال في يمين أفتى فيها بمراعاة اللفظ والميل إلى جانبه فنازعناه فيه في ذلك اليوم، وانفصل المجلس على منازعته-
فأرانا مسائل في «النهاية» و«أحكام ابن الفرس» وغيرهما، وبسط لنا فيها
بما يقتضي: الاعتماد على لفظ الحالف، وإن كان فيه خلاف ما لِنيته؛ بناء على قول من قال بذلك من أهل المذهب وغيرهم.
وقال: «أردت أن أنبهكم على قاعدة في الفتوى -وهي نافعة جدا، ومعلومة من سنن العملاء، وهي-
أنهم ما كانوا يشددون على السائل في الواقع إذا جاء مستفتيا».

وكنت قبل هذا المجلس تترادف علي وجوه الإشكالات في أقوال مالك وأصحابه، فلما كان بعد ذلك المجلس؛ شرح الله بنور ذلك الكلام صدري، فارتفعت ظلمات تلك الإشكالات دفعة واحدة، فلله الحمد على ذلك، ونسأله تعالى أن يجزيه عنا خيرا، وجميع معلمينا بفضله».

«الإفادات والإنشادات» ص١٥٣.
ماذا تطلب؟

قال ابن تيمية: «العامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن.
والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب».

قال ابن القيم: «يريد: أن قيمة المرء؛ همته ومطلبه».

«مدارج السالكين» ٣٦٠/٣.
مختصرات أحسن من أصولها

قال السيوطي: «فائدة: قال أبو الحسن الشاري في «فهرسته»: كان شيخنا أبو ذر يقول: المختصرات التي فضلت على الأمهات أربعة:
«مختصر العين» للزبيدي،
و«مختصر الزاهر» للزجاجي،
و«مختصر سيرة ابن إسحاق» لابن هشام،
و«مختصر الواضحة» للفضل بن سلمة».

«المزهر في علوم اللغة» ٨٧/١.

وكم بعد هذا من مختصر فاق أصله!
الغفلة عن مرعاة الحال!

في ترجمة أحمد بن محمد بن عثمان: «أنه دخل إلى المدرسة؛ فرأى الشيخ نجم الدين القحفازي خارجا من الطهارة، فقال: يا مولانا آنستم محلكم!
فقال له الشيخ نجم الدين: قبحك الله!».

«الدرر الكامنة» ٣٣٢/١.
وفيما أنفقه؟

المال نعمة، ويهبها الله لمن يشاء، وهي ابتلاء.. كغيرها من النعم؛
{هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر}.

وقال الله تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم}،
وقال تعالى: {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه}.

وقال النبي ﷺ: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا، في غير إسراف ولا مخيلة».
رواه البخاري -تعليقا مجزوما به- وأحمد والنسائي.

وقال النبي ﷺ: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل.. وعن ماله ‌من ‌أين ‌اكتسبه، وفيما أنفقه».
رواه الترمذي وصححه.

فينتظرك سؤالان:
من أين اكتسبته؟
وفيما أنفقته؟
وما أكثر الغفلة عن جواب السؤال الثاني!

وما يقوله بعض الناس مسوغا لبذخ أصحاب الأموال وإسرافهم، وتباهيهم في تبديدها في التفاهات: (من أبسط حقوقه!) خطأ؛ بل قد تكون من أشنع ذنوبه!
مكر المنافقين

صح عن عمر رضي الله عنه: «يهدم الإسلام: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن..».

قال ابن تيمية: «المنافق لا يعتقد وجوب اتباع الكتاب والسنة واتباع الإجماع؛ إذ ليس في باطن الأمر متدين باتباع النص والإجماع، بل يأخذ من النص والإجماع ما يحتج به على المؤمنين في تنفيق نفاقه، وترويج غشه وتدليسه».

«بيان تلبيس الجهمية» ٤/ ١٩٠-١٩٤.
نعمة المأوى

عن أنس أن رسول الله ﷺ كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا مئوي».
رواه مسلم.

هذه نعمة من أكبر النعم، وكثيرا ما نغفل عن شكرها !
يدهش طالب العلم من تعجب أهله
من سنة تبلغهم لأول مرة
من طريق موقع من مواقع التواصل
فيعجب من عجبهم
وكيف أنهم لا يعرفون هذه السنة وهي (عنده) معروفة ظاهرة.

نعم يا صاحبي
هي معروفة عندك
لكنك لم تبلغها أهل بيتك
فلا تعجب؟
الاعتراض

قال الشاطبي: «لما توفي شيخنا الأستاذ الكبير العلم الخطير أبو عبد الله محمد بن الفخار، سألت الله عز وجل أن يرينيه في النوم؛ فيوصيني بوصية أنتفع بها في الحالة التي أنا عليها من طلب العلم، فلما نمت تلك الليلة رأيت كأني داخل عليه في داره التي كان يسكن بها، فقلت له يا سيدي أوصني، فقال لي: لا تعترض على أحد!».

«الإفادات والإنشادات» ص٩٨.

هذه وصية لطيفة.

وطالب العلم ينبغي أن يتوجه بكليته لتحصيل العلم وضبطه.
ولو اتجه للاعتراض على أهل العلم؛ لذهب عمره ولم ينته من بعضهم!

وكذلك لا يكون من همه إقناع شيخه ولا صاحبه ولا طالبه، بل يعرض ما عنده، ثم يقبل على شأنه.

فإن من أسوء الخطط أن تنجر لمحاولة إقناعه وكثرة ملاحاته لذلك، فجنى ذلك غالبا؛ ضياع الوقت، وكدر الخاطر.

وسترى من يعارض في أمور لا تتوقع أن يخالفها مثله، ولا يقتنع مع وضوحها وكثرة حججها.
ولله في ذلك حكم لا تعلم.
كثير من الناس يرتكبون العظائم ويتقحمون المهالك، في الدين والدنيا.
ويلجونها من باب التأويل الباطل.
ولن يغني عنهم من الله شيئا

قال ابن القيم في «الصواعق المرسلة» ١:

طُلب قتل ابن تيمية أكثر من ٢٠ مرة! 👆
من فضل الله

قال ابن أبي الدنيا: حدثني أبو حاتم الرازي، حدثني القاسم بن عثمان الدمشقي، قال: قلت ليمان بن معاوية الأسود العابد: رأيت إبراهيم بن أدهم؟
فضحك، وقال: وأكبر من إبراهيم!
قلت: من؟
قال: سفيان الثوري، 
ثم قال: سمعت أخي سفيان بن سعيد الثوري يقول: «ما كان الله لينعم على عبد في الدنيا؛ فيفضحه في الآخرة، وحق على المنعم أن يتم على من أنعم عليه».

«الشكر» (١٤٢).

أبو حاتم الرازي الإمام المحدث المشهور.
والقاسم ويمان من كبار الأئمة العباد الزهاد في زمانهم.
والثوري إمام الأئمة.
رحمهم الله جميعا.
منهج

من أفضل ما تقدم لمحاورك -ولو كان طفلا- أوجه خلل استدلاله واعتراضه.

فإنه سينتفع به لاحقا -ولو لم يسلم لك في تلك اللحظة- إن كان له عقل وفيه بقية.
احرس كنزك

قال النبي ﷺ: «تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها». متفق عليه.

فالحفظ مكسب يسهل تحصيله، والمحافظة عليه هو الأهم، فليكن اهتمامك به أكبر، ولا شيء في العلم إلا وهو دونه، فلا تُغرَّن عنه.

تذييل:
«القرآن عزيز، ومن عزته أنه لا يبقى في صدر من لا يراجعه». هكذا قال بعضهم.

وفي هذا التعليل نظر، فتفلت الحفظ؛ طبيعي، وغيره أسرع ذهابا وأشد تفلتا،
وهو أسهل حفظا وأكثر بقاء،
{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}
{فينظر كيف تعملون}

{الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر}

ونحو هذا، التمكين في وسائل الإعلام ومواقع التواصل وغيرها من المنابر؛
قد مكننا الله من القول، ويسر لنا أمما تسمع ما نقول..

فماذا قدمنا لدين الله وعباده؟!

فهذا ابتلاء؛ نسأل الله السلامة، والعفو والمغفرة!
«بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه»

قاله النبي ﷺ، رواه أحمد والترمذي وصححه.

فلو تعامل الناس مع الطعام على أنه لإقامة البدن -فتناولوا ما يتيسر- لأراحوا أنفسهم، ووفروا كثيرا من أموالهم، وأوقاتهم، ولصحت أبدانهم..

لكن واقع أكثر الناس معاملة الطعام على أنه من أهم متع الحياة، والعناية بمتع الأجسام من أهم المطالب!

و{ذلك مبلغهم من العلم}.
لطيفة

خلا لك الجو، ما المراد بـالجو؟

قال الأزهري في «تهذيب اللغة»:
«جو: قال الليث: الجو الهواء، وكانت اليمامة تسمى جوا..
قلت: الجو ما اتسع من الأرض واطمأن وبرز، وفي بلاد العرب أجوية كثيرة يعرف كل جو منها بما نسب إليه..
وقال طرفة: خلا لك الجو ‌فبيضي واصفري».

وفي «الصحاح»: «‌قال ‌أبو ‌عمرو ‌في ‌قول ‌طرفة: خلا لك الجَوّ فبيضي واصفِري؛ هو ما اتسع من الاودية»، وعنه «التاج».

وفي «لسان العرب»: «قال أبو عبيد: الجو في بيت طرفة..».
أنفع وصية من شيخ الإسلام ابن تيمية لابن القيم في دفع الشبهات

قال ابن القيم: «وقوله: «ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة».
هذا لضعف علمه وقلة بصيرته، إذا وردت على قلبه أدنى شبهة قدحت فيه الشك والريب، بخلاف الراسخ في العلم، لو وردت عليه من الشبه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه، ولا قدحت فيه شكا؛ لأنه قد رسخ في العلم فلا تستفزه الشبهات، بل إذا وردت عليه ردها حرس العلم وجيشه مغلولة مغلوبة.

والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له، فمتى باشر القلب حقيقة العلم لم تؤثر تلك الشبهة فيه، بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه قدحت فيه الشك بأول وهلة، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها، حتى يصير شاكا مرتابا.

والقلب يتوارده جيشان من الباطل: جيش شهوات الغي، وجيش شبهات الباطل.

فأيما قلب صغا إليها وركن إليها تشربها وامتلأ بها، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها، فإن أشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه!

وقال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه -وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد-: 

«لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليك صار مقرا للشبهات».أو كما قال.

فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك.

وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها؛ فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل، وأكثر الناس أصحاب حسن ظاهر، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس فيعتقد صحتها.

وأما صاحب العلم واليقين فإنه لا يغتر بذلك، بل يجاوز نظره إلى باطنها وما تحت لباسها، فينكشف له حقيقتها.

ومثال هذا: الدرهم الزائف؛ فإنه يغتر به الجاهل بالنقد، نظرا إلى ما عليه من لباس الفضة، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك؛ فيطلع على زيفه.

فاللفظ الحسن الفصيح هو للشبهة بمنزلة اللباس من الفضة على الدرهم الزائف، والمعنى كالنحاس الذي تحته.

وكم قد قتل هذا الاغترار من خلق لا يحصيهم إلا الله!

وإذا تأمل العاقل الفطن هذا القدر وتدبره رأى أكثر الناس يقبل المذهب والمقالة بلفظ، ويردها بعينها بلفظ آخر.

وقد رأيت أنا من هذا في كتب الناس ما شاء الله.
وكم قد رد من الحق بتشنيعه بلباس من اللفظ قبيح!».

«مفتاح دار السعادة» ٣٩٤/١.
الهدى التام لا يحصل إلا

قال ابن تيمية: «وقال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان}.
فأنزله هاديا للناس، وبينات من الهدى والفرقان؛ فهو يهدي الناس إلى صراط مستقيم؛ يهديهم إلى صراط العزيز الحميد الذي له ما في السموات وما في الأرض، بما فيه من الخبر والأمر.

وهو بينات دلالات، وبراهين من الهدى؛ من الأدلة الهادية المبينة للحق، ومن الفرقان المفرق بين الحق والباطل، والخير والشر، والصدق والكذب، والمأمور والمحظور، والحلال والحرام.

وذلك أن الدليل لا يتم إلا بالجواب عن المعارض؛ فالأدلة تشتبه كثيرا بما يعارضها، فلا بد من الفرق بين الدليل الدال على الحق، وبين ما عارضه؛ ليتبين أن الذي عارضه باطل.

فالدليل يحصل به الهدى وبيان الحق، لكن لا بد مع ذلك من الفرقان؛ وهو الفرق بين ذلك الدليل، وبين ما عارضه، والفرق بين خبر الرب، والخبر الذي يخالفه.
فالفرقان يحصل به التمييز بين المشتبهات.
ومن لم يحصل له الفرقان كان في اشتباه، وحيرة.

والهدى التام لا يكون إلا مع الفرقان؛ فلهذا قال أولا: {هدى للناس}، ثم قال: {وبينات من الهدى والفرقان}؛ فالبينات: الأدلة على ما تقدم من الهدى؛ وهي بينات من الهدى، الذي هو دليل على أن الأول هدى.
ومن الفرقان الذي يفرق بين البينات والشبهات، والحجج الصحيحة والفاسدة.

فالهدى: مثل أن يؤمر بسلوك الطريق إلى الله؛ كما يؤمر قاصد الحج بسلوك طريق مكة مع دليل يوصله. 
والبينات: ما يدل، ويبين أن ذلك هو الطريق، وأن سالكه سالك للطريق لا ضال. 
والفرقان: أن يفرق بين ذاك الطريق وغيره، وبين الدليل الذي يسلكه ويدل الناس عليه، وبين غيرهم ممن يدعي الدلالة، وهو جاهل مضل.
وهذا، وأمثاله مما يبين أن في القرآن الأدلة الدالة للناس على تحقيق ما فيه من الأخبار، والأوامر كثير».

«النبوات» ٦٤١/٢.
2025/01/11 14:13:32
Back to Top
HTML Embed Code: