ما كان لله يبقى

اشتهرت قصة هذا الكلمة عن الإمام مالك لما قيل له ألفت موطآت فقالها..

وأصبح بعضهم يرددها في هذا السياق، كأنها آية محكمة، وقضية مسلمة! وأن ما كان لله لا بد أن يبقى وما ليس له لن يبقى!

والحق أن بقاء التأليف وانتشاره له حِكم متعددة، لا يعلمها إلا الله.. الإخلاص أحدها.

وقد اندثرت آلاف الكتب لأهل العلم والإيمان منذ بدأ التصنيف إلى اليوم، ولا يمكن أن يدعى عدم إخلاص أصحابها!

وبقيت كتب كثيرة لأهل الشرك والبدع والفسوق من قبل الإسلام إلى اليوم..

فمن كتب لله؛ فأجره على الله، وحسبه ذلك، أما انتشار ذلك وبقاؤه؛ فتدبيره لمن بيده الأمر كله، وليس للكاتب فيه حول ولا قوة.

ورب كتاب انتشر وبقي، وليس لصاحبه منه إلا زيادة الإثم، توقفت حياته واستمرت سيئاته.

الجليسَ المفيدَ

قال الخطيب البغدادي: حدثنا الحسين بن محمد بن طاهر، قال: سمعت أبا بكر البرقاني يقول: «ما اجتمعت قط مع أبي طاهر حمزة؛ ففارقته إلا بفائدة علم».

قال الحسين: وسمعت محمد بن أبي الفوارس يقول مثل ذلك».

«تاريخ بغداد» ٦٢/٩.

(ويشف صدور قوم مؤمنين)
(قوم مؤمنين)

دليل على أنهم قوم غير المخاطبين المقاتلين
إذ لو كانوا هم لكان الخطاب:
ويشف صدوركم
ويدل عليه تفسير،السلف بأن المقصود بهم خزاعة.

وفيه بيان لعظم تطييب خواطر المؤمنين وجبر قلوبهم وأنه مقام يحبه الله ويرضى عن أهله.
إذ جعل الله ذلك من غايات الجهاد الذي فيه ذهاب المهج وإزهاق النفوس.
فكيف يبخل المؤمن بالكلمة الطيبة والفعل اليسير الحسن الذي يحصل به هذا المقصود.

بمناسبة ما ذكر الشيخ عبدالله 👆 تذكرت هذا الحدث

قال الذهبي:
«ومن مفاخر المنصور [بن أبي عامر]: أنه قدم من غزوة، فتعرضت له امرأة عند القصر، 
فقالت: يا منصور! يفرح الناس وأبكي؟!
إن ابني أسير في بلاد الروم.
فثنى عنانه وأمر الناس بغزو الجهة التي فيها ابنها».
«سير أعلام النبلاء» ١٢٥/١٧.

نعمة الوحي

{أفمن كان ميتا فأحييناه وجعل له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها}.

فيا أهل الأنوار أشعلوها في الظلمات..

.
‏الله سبحانه يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه والشكوى إليه..

قال ابن القيم: «الله سبحانه أثنى على يونس وغيره من أنبيائه بسؤالهم إياه كشف ما بهم من الضر.

وقد أثنى عليه سبحانه بذلك في قوله: ﴿وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين﴾
وكذلك أثنى على أيوب بقوله: ﴿مسني الضر وأنت أرحم الراحمين﴾،
وعلى يعقوب بقوله: ﴿قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله﴾،
وعلى موسى بقوله: ﴿رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير﴾،
وقد شكا إليه خاتم أنبيائه ورسله بقوله: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي». الحديث.

فالشكوى إليه سبحانه لا تنافي الصبر الجميل؛ بل إعراض عبده عن الشكوى إلى غيره جملة وجعل الشكوى إليه وحده؛ هو الصبر.
والله سبحانه يبتلي عبده ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه.
وقد ذم سبحانه من لم يتضرع إليه ولم يستكن له وقت البلاء، كما قال تعالى: ﴿ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون﴾.

والعبد أضعف من أن يتجلد على ربه، والرب تعالى لم يرد من عبده أن يتجلد عليه، بل أراد منه أن يستكين له ويتضرع إليه، وهو تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه، ويحب من يشكو ما به إليه».

«عدة الصابرين» ص٦٢.

وقال أيضا: «والشكوى إلى الله عز وجل لا تنافي الصبر، فإن يعقوب عليه السلام وعد بالصبر الجميل، والنبي إذا وعد لا يخلِف، ثم قال: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله}.
وكذلك أيوب أخبر الله عنه أنه وجده صابرا مع قوله: {مسني الضر وأنت أرحم الراحمين}.
وإنما ينافي الصبر شكوى الله، لا الشكوى إليه».

«مدارج السالكين» ٢/ ٤٦١.

وقال أيضا: «المنافي للصبر شكواه، لا الشكوى إليه. فالله يبتلي عبده ليسمع تضرعه ودعاءه والشكوى إليه، ولا يحب التجلد عليه.
وأحب ما إليه انكسار قلب عبده بين يديه، وتذلله له، وإظهار ضعفه وفاقته وعجزه وقلة صبره. فاحذر كل الحذر من إظهار التجلد عليه، وعليك بالتضرع والتمسكن، وإبداء العجز والفاقة والذل والضعف؛ فرحمته أقرب إلى هذا القلب من اليد للفم».

«الروح» ٧٢٣.

وينظر: «زاد المسير» عند قوله تعالى: ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾.
«جامع المسائل» ٧٣/٤.

.
وقال ابن الجوزي في «صيد الخاطر» ص٣٦:
«وكم قد خطر لي شيء فأتشاغل عن إثباته فيذهب، فأتأسف عليه..».

فألف هذا الكتاب حفظا لهذه الخواطر كي لا تضيع، فحفظت وصار هذا الكتاب من أحسن كتبه!

ومن فضل الله علينا وجود هذه الوسائل، التي تحفظ الخواطر والفوائد، ونشاركها مع الناس غضة طرية..

فتحفظ الفائدة وينتفع بها من شاء الله.

‏أحق الأشياء بالضبط

وقال ابن الجوزي :«رب نظرة لم تناظر، 
وأحق الأشياء بالضبط والقهر: اللسان والعين.
فإياك إياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى، مع مقاربة الفتنة، فإن الهوى مُكايد!

وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل! فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه، واذكر حمزة مع وحشي».

«صيد الخاطر» ص٤١.

تأمل كلام ابن الجوزي هذا👆


كنت قرأت «صيد الخاطر» عام ١٤٢٩، وأذكر أن فيه كلمة أعجبتني، فبحثت عنها سريعا فلم أجدها..
ثم انشغلت مدة، ثم عدت وقلت سأتصفح الكتاب حتى أجدها، فلم بدأت به، قلت: الحمد لله أنها لم تخرج في البحث، ولعلها لا تكون إلا في آخر صفحة :)

فقد وجدت الكتاب أجود وأحسن وأنفع مما علق في ذهني عنه قديما !

وقال ابن الجوزي أيضا: «من تأمل أفعال البارئ سبحانه، رآها على قانون العدل، وشاهد الجزاء مرصدا للمجازى -ولو بعد حين- فلا ينبغي أن يغتر مسامَح، فالجزاء قد يتأخر...

وبالضد من هذا، كل من عمل خيرا، أو صحح نية، فلينتظر جزاءها الحسن، وإن امتدت المدة».

«صيد الخاطر» ص٥٩.

الغفلة عن عواقب الأمور!

قال ابن الجوزي في «صيد الخاطر» ٣٩:

المهيجات

الإنسان الطبيعي يهيجه ويثيره ما يرى ويسمع إن كان فيه قابلية واستعداد..

وطالب العلم المحب له قد يتبلد إحساسه العلمي إذا غفل عن مهيجات العلم!

فما مهيجاته؟
أكثر مهيجات العلم القراءة والبحث والتقليب.. فكل مكان يدعو لآخر، وكل مسألة تنادي أختها..

وكذلك متابعة طلاب العالم في وسائل التواصل الذين يطرحون المسائل والفوائد، فتذكرك وتحركك وتحثك..

وكذلك الجلساء الموافقون المحبون للعلم..

فإن كنت محبا للعلم فلا تبعد عن مهيجاته، وفر من مبلداته من القيل والقال، والأخبار التي لا تنفع..

اذا لم تستطع شيئا فدعه

قد يمر عليك في بعض الكتب عبارات مشكلة أو مسائل مشتبهة أو قصص لا تفهمها..
فإن فهمت المعنى الإجمالي من السياق فيكفي.
وإن لم تكن من اهتمامك؛ فدعها ولا تقف عندها ولا تهتم..
فالعلم واسع والمفيد منه كثير جدا ولم تقف عليه بعد.
وقد يكون جملة مما يشكل من ذلك لا كبير فائدة وراءه، وبعضه ستقف عليه لاحقا واضحا بدون تعب..

ولو ذهبت تتقصى كل عارض وإشكال؛ ذهب وقتك على أشياء قليلة النفع..

وهنا فائدة أخرى: لو أشكلت عليك مسألة في مختصر في الفقه أو الأصول أو النحو ونحوها، واستغلقت عليك وراجعت شرحا أو أكثر؛ فلم تجده أوضحها، فماذا تفعل؟

اذهب للكتب الموسعة في نفس الموضع -مثلا: الفقه: باب الآنية- غالبا ستجدها بسطت بطريقة أوضح وعبارات أسهل.
أو أشكل عليك مصطلح إعراب في كتاب تفسير، فراجع كتب التفسير الأخرى وإعراب القرآن؛ فسترى من عبر عنها بعبارة أخرى تعرفها، وبها تفهم التي لم تفهم.

.
من آفات اللسان

«منهاج القاصدين»

مزلق الخطأ في النقول المطولة

ومن هذا المقطع هذه النصيحة 👇

قال ابن عقيل: «أنا أنصح بحكم العلم والتجارب: 
إياك أن تتبع شيخا يقتدي بنفسه، ولا يكون له إمام يُعزى إليه ما يدعوك إليه، ويتصل ذلك بشيخ إلى شيخ إلى السفير ﷺ.
الله الله، الثقة بالأشخاص ضلال، والركون إلى الآراء ابتداع».

«درء تعارض العقل» ٦٧/٨.

الفوائد غير المفيدة وأوهام الحسد

قد يحضر مجالسا، فيثير مسألة أويذكر فائدة، أو خبرا، ويظن أنه أفاد وأمتع، وأجاد وأبدع!

لكنه يفجأ بعدم تفاعل الحاضرين أو جملة منهم!

لماذا؟ لأنهم يعرفونها من قبل، أو ليست من اهتمامهم، أو يرونها لا تستحق، أو تكون عقوبة من ربه لأنه أراد التعالم والمدح.

فيقُرُّ الشيطان في أذنه أنهم حسدوه وغمطوه حقه!
وغاية الأمر ما ذُكِر أو نحوه..

فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم.

قال ابن الجوزي في «صيد الخاطر» ص٢٢٧: 👆 في تأخر إجابة الدعاء