tgoop.com/ayman_otoom/2960
Last Update:
الفرحةُ على قَدْر الظُّلم
كيفَ يُمكنُ أنْ يفرحَ النّاسُ؟! إنّ مساحة الأكوان كلّها لا يُمكن أن تتّسع لفرحةٍ كهذه، إنّ فرحة المظلوم -بعدَ أنْ يرى تحطُّمَ كيان الظّلمِ أمامه- لا تعدِلها فرحة، إنّها أبلغُ من أنْ تُحيطَ بها الكلماتُ، وأعلى من أنْ تقولها الحروف، وأعظم من أنْ تُقال من الأساس.
إنَّ عروش الظُّلم لا تدوم، على الظّلم أنْ يكونَ جديرًا بإسقاط أعتى الأنظمة طُغيانًا وأشدّها قسوةً، على العدل قامَ الكونُ، ولو أنّ الكواكبَ نالَها مَسٌّ من الظُّلم لاختلّ توازُنُها، ولانفطرتِ السّماوات، ولانكدرتِ النّجوم؛ فما بال هذه الكيانات الهجينة تُمعِنُ في الظُّلم وهي تعرفُ أنّ العاقبة وخيمة، وأنَّ الله يُمهلُ ولا يُهمِل، وأنّ ساعة النّهاية آتِيةٌ مهما طال انتِظارُها: «وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ» .
نعم، نفرحُ لانجِلاء اللّيل، ولانكِسار القيد، ولا بُدّ أنَّ شروقَ الشّمسَ البَيِّن لا يكونُ إلاّ بعدَ اللّيل الحالِك، وأنّ أشدّ ساعاتِ اللّيل ظُلمةً هي تلك الّتي تسبق الفجرَ السّافرَ، وقد صبرتُم صبرًا جميلًا، وانتظرتم زمنًا طويلًا، وها هي سوريّة اليوم تستعدّ لاستقبال الصّباح في الصّباح الحقيقيّ؛ الصّباح الّذي ولَّى فيه الطُّغيان هارِبًا.
أينَ يهربُ الطّاغية وهو يعرفُ أنّ جيشَ الحقّ به مُحِيق؟ وأينَ يُولِّي وجهه وهو يدُركُ أنّ العقاب قادِم:
فإنَّكَ كاللّيلِ الّذي هُوَ مُدْرِكِي
وإنْ خِلْتُ أنّ المُنتأى عنكَ واسِعُ
إنّها عِظةٌ وعبرة، فأمَّا العِظة فليسَ لِمَنْ سقَطَ من الطُّغاة، بل لِمَنْ بقي! وإنَّ العبرةَ ليسَتْ بما فاتَ فحسب، بل بِما هو آت. أفلا تتّعظون يا مَنْ سرقتُم قُوتَ الشّعوب، وأهدرتُم دماءَهم، وقَصَمتُم رقابَهم: أنّ عدلَ الله لا مهربَ منه ولا مَنْجى؟! وأنَّ ربّ البشر يسمع ويرى، فلا فوتَ ولا مناصَ؟! وأنّ أعوانَ الظّالم هم أوّل مَنْ يتخلَّى عنه إذا حانَ الحين، وأنَّ بيتًا بُنِيَ على الطّغيان هو بيتُ عنكبوت؟! ألمْ يقلْ فرعون: «أَنَا رَبُّكُمُ ٱلْأَعْلَى؟» فهل نَفَعه ذلك؟! ابتلعه البحرُ في لَحَظاتٍ ونَجَّى اللهُ جسده لنرى فيه آيةَ الله وسُنّته في ممالك البَطْش! ألمْ يقلِ النّمرود: «أنا أُحيي وأُميت» فما فعلَ الله به؟ جعلَه يضربُ بأذلّ الأشياء رأسَه حتّى قتلَ نفسَه! أيّها المتجبّرون القَتَلَةُ المُجرِمون: أليسَ في أضرابكم من كان أشدّ منكم قُوّة فأخذهم اللهُ أَخْذَ عزيزٍ مُقتدِر:
أينَ الأكاسرةُ الجَبَابرة الألى
كَنَزُوا الكُنُوزَ فَمَا بَقِيْنَ ولا بَقُوا
مِنْ كلّ مَنْ ضاقَ الفَضاءُ بجيشِهِ
حَتَّى ثَوَى فَحَواهُ لَحْدٌ ضيّقُ
شمسُك أشرقتْ أيّتها البلد العظيمة، وليلُك ولّى أيّتها الشقيقة الشَّفُوقة، وإنَّ الغَدَ إذا حَمَلُه الأوفياء المُخلِصون فسيكونُ غدًا حقيقيًّا، يكونُ فيه الخير، وتنتشر فيه الطّمأنينة، وتنهضُ الأرجاء على قَدَمَين من حقٍّ ونُور، وتصنعَ لها ولأبنائِها مجدًا حقيقيًّا يَلِيقُ بتاريِخها وبتضحيات أبنائِها، وإنّ الله على كلّ شيءٍ قدير.
أيمن العتوم / الراية القطرية
BY أيمن العتوم
Share with your friend now:
tgoop.com/ayman_otoom/2960