Telegram Web
في عام 1908 جاء الإفراج عن مجموعة من السجناء، فكتبَ إسماعيل صبري قصيدةً في هذه المناسبة، حرّكت الشعراء فساجلوا هذه القصيدة وجاروها بقصائدهم.
مطالع هذه القصائد هي من الجمال بمكان ساروا على نمط القدامى في البداية بالغزل، يقول إسماعيل صبري:

لو أنَّ أطلالَ المَنازلِ تَنطِقُ
ما ارتَّدَّ حرَّانَ الجوانِحِ شَيِّقُ

هل عندَ ذاك السِربِ أنَّا بعدَهُ
في الحَيِّ مِن آماقِنا نَتَدَفَّقُ

أو أنَّ أضلُعنا على ما استُودِعتْ
يومَ الفراقِ من الجَوى تتحَرَّقُ

أمَنازِلَ الأقمارِ أهلُكِ أسرَفوا
في النَّايِ إسرافَ الغَنيِّ وَأغرَقوا

لو أنَّهم قد أنصَفوكِ منازِلًا
ما حازَهُم في الكَونِ بعدَكِ مَشرِقُ

فقال احمد شوقي:

أمَّا العِتابُ فَبِالأحِبَّةِ أخلَقُ
وَالحُبُّ يَصلُحُ بِالعِتابِ وَيَصدُقُ

يا مَن أُحِبُّ وَمَن أُجِلُّ وَحَسبُهُ
في الغِيدِ مَنزِلَةً يُجَلُّ وَيُعشَقُ

البُعدُ أدناني إليكَ فَهَل تُرى
تَقسو وَتَنفُرُ أم تَلينُ وَتَرفُقُ

في جاهِ حُسنِكَ ذِلَّتي وَضَراعَتي
فَاِعطِف فَذاكَ بِجاهِ حُسنِكَ أليَقُ

فلما سمعَ حافظ إبراهيم أكملَ هذا العِقد الجميل بقصيدةٍ أخرى جميلة على نفس القافية والوزن يجاري فيها إسماعيل صبري واحمد شوقي، يقول حافظ:

سَكَنَ الظَلامُ وَباتَ قَلبُكَ يَخفِقُ
وَسَطا على جَنبَيكَ هَمٌّ مُقلِقُ

حارَ الفِراشُ وَحُرتَ فيهِ فَأنتُما
تَحتَ الظَلامِ مُعَذَّبٌ وَمُؤَرَّقُ

دَرَجَ الزَمانُ وأنتَ مَفتونُ المُنى
وَمَضى الشَبابُ وأنتَ ساهٍ مُطرِقُ

عَجَبًا يَلَذُّ لكَ السُكوتُ مَعَ الهَوى
وَسِواكَ يَبعَثُهُ الغَرامُ فَيَنطِقُ

وَرَمَوكَ بِالسَلوى ولو شَهِدوا الَّذي
تَطويهِ في تِلكَ الضُلوعِ لأشفَقوا

أخفَيتَ أسرارَ الفُؤادِ وَإنَّما
سِرُّ الفُؤادِ مِنَ النَواظِرِ يُسرَقُ
لها في لحظها لحظاتُ حَتفٍ
تُميتُ بها وتُحيي مَن تُريدُ

فإن غضبت رأيتَ الناس قتلى
وإن ضحكت فأرواحٌ تعودُ

وتَسبي العالمينَ بمُقلَتَيها
كأنَّ العالَمين لها عبيد!

- الأمين العباسي
وحينما قدم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الكريم الموصلي الأطرابلسي إلى دمشق سنة ٧٣٤ هـ ودرس على الذهبي في تلك السنة قال فيه:
ما زلتُ بالسماع أهواكم وما ذُكِرت
أخباركم قط إلا ملتُ من طربِ

وليس من عجبٍ أن ملتُ نحوكم
فالناس بالطبعِ قد مالوا إلى الذهبِ!
‏وحُبُّ الفتى طولَ الحياةِ يُذِلّه
وإنْ كان فيه نَخْوَةٌ وعُرامُ

وكُلٌّ يُريدُ العيشَ والعيشُ حَتفُه
ويَستَعذِبُ اللذّاتِ وهيَ سِمامُ

- أبو العلاء المعرّي
عرَّفَ أحدهم الشعر فقال:

"هو ريحانة النفوس ومزيل الهموم وديوان الحكمة ومصدر الخير والشعاع الساطع الذي يجذب الأنظار وتحوم حوله النفوس، بل هو عنوان المجد الخالد ورائد البلاغة وحجة اللغوي ومالك القلوب والدافع إلى جلائل الأعمال والمحرك للعزائم والرسول الذي يحمل أدق الرسائل وأرق العبارات".
وَدَعجاءِ المَحاجِرِ مِن مَعَدٍّ
‏كَأَنَّ حَديثَها ثَمَرُ الجِنانِ

إذا قامَت لِمَشيَتِها تَثَنَّت
كَأَنَّ عِظامَها مِن خَيزُرانِ

يُنَسِّيكَ المُنى نَظَرٌ إِلَيها
‏وَيَصرِفُ وَجهُها وَجهَ الزَّمانِ

- بشّار بن برد
«والحب -أعزك اللّٰه- داء عَيَاء، وفيه الدواء منه على قدر المعاملة، ومقامٌ مستلذ، وعلة مشتهاة، لا يودُّ سليمُها البرءَ، ولا يتمنَّى عليلُها الإفاقة، يُزيِّن للمرء ما كان يأنف منه، ويُسهِّل عليه ما كان يصعُب عنده، حتى يُحيل الطبائع المركبة والجِبِلَّة المخلوقة!
ولقد علمتُ فتًى من بعض معارفي قد وَحِل في الحب وتورَّط في حبائله، وأضر به الوجد، وأنضحه الدنف، وما كان دعاؤه إلا بالوصل والتمكُّن ممن يُحب، على عظيم بلائه وطويل همه، فما الظنُّ بسقيمٍ لا يريد فقْد سقمه!
ولقد جالستُه يومًا فرأيت من إكبابه وسوء حاله وإطراقه ما ساءني، فقلت له في بعض قولي: "فرَّج الله عنك" فلقد رأيتُ أثر الكراهية في وجهه؛ وفي مثله أقول:

وَأسْتَلِذُّ بلائي فِيكَ يا أمَلِي
ولستُ عنكَ مدى الأيَّامِ أنْصَرِفُ

إنْ قيلَ لي تَتَسَلَّى عَن مَوَدَّتِهِ
فما جوابي إلَّا اللَّامُ وَالألِفُ»
‏«وقد تلتقي الأشتاتُ بعدَ تفرُّقٍ
‏وقد تُدرَكُ الحاجاتُ وهي بعِيدُ»
استخدم الشعراء "الضحك" كنايةً عن المشيب، فكأن الضحك يكشف عن بياض الأسنان كالنهار الذي يكشف الليل، قال دعبل الخزاعي:

أينَ الشبابُ، وأيّة سَلَكا؟
أم أينَ يُطلبُ، ضلَّ أم هَلَكا

لا تعجبي يا سَلمَ من رجلٍ
ضحكَ المشيبُ برأسهِ فبكى!
نسبهما أبو تمام في الحماسة إلى الطرماح بن حكيم الطائيّ:

لقد زادني حبّاً لنفسيَ أنني
بغيضٌ إلى كلّ امرىءٍ غيرِ طائلٍ

وإنّي شقيٌّ باللئامِ، ولاترى
شقيّاً بهم إلا كريمَ الشمائلِ!
قيل عن الأحنف بن قيس: لو علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه!
كَأَنَّ الحُزنَ مَشغوفٌ بِقَلبي
فَساعَةَ هَجرِها يَجِدُ الوِصالا

كَذا الدُنيا عَلى مَن كانَ قَبلي
صُروفٌ لَم يُدِمنَ عَلَيهِ حالا

أَشَدُّ الغَمِّ عِندي في سُرورٍ
تَيَقَّنَ عَنهُ صاحِبُهُ اِنتِقالا

أَلِفتُ تَرَحُّلي وَجَعَلتُ أَرضي
قُتودي وَالغُرَيرِيَّ الجُلالا

فَما حاوَلتُ في أَرضٍ مُقاماً
وَلا أَزمَعتُ عَن أَرضٍ زَوالا

عَلى قَلَقٍ كَأَنَّ الريحَ تَحتي
أُوَجِّهُها جَنوباً أَو شَمالا

- المتنبي
لستُ أعرفُ فيمن قرأت لهم من مشارقةٍ أو مغاربة، أو يونان أقدمين وأوروبيين محدثين، شاعرًا واحدًا له من الملَكة المطبوعة في التصوير مثلما كان لابن الرومي

- العقاد
‏«ألا إنّما الإنسانُ ضيفٌ لأهلهِ
يُقيمُ قليلاً بينَهُم ثمّ يرحلُ»
أبا الزهراءِ قد جاوزتُ قدري
بمدحِكَ بَيْدَ أنَّ ليَ انتسابا

فما عَرَفَ البلاغةَ ذو بَيانٍ
إذا لم يتَّخِذكَ له كِتابا

مَدحتُ المالكين فزِدتُ قدرًا
فحين مَدحتُكَ اقتدتُ السَّحَابا

- اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.
لو كان لي السلطان المطلق في الأرض، لأمرتُ بيومٍ واحدٍ في الأقلّ من كلّ سنة، يكرّسه كلّ شعوب الأرض للسكوتِ والتأمّل.
- مذكرات الأرقش
يقول قدامة بن جعفر في "نعت الهجاء": ومن الهجاء ما يُجمّل المعاني كما يفعل في المدح، فيكون ذلك حسناً إذا أُصيبَ به الغرض المقصود مع الإيجاز باللفظ، ومثال ذلك حين قال جرير:
إذا غضبت عليكَ بنو تميم
حسبتَ الناسَ كلَّهُمُ غِضابا

فرد عليه العبّاس يزيد الكنديّ بقوله:
لو اطلع الغرابُ على تميمٍ
وما فيها من السوءاتِ شابا
فيا فالقَ الإصباحِ والحبِّ والنَّوى
ويا قاسمَ الأرزاقِ بينَ العوالمِ

‏و يا كافلَ الحيتانِ في لجِّ بحرها
‏ويا مؤنسًا في الأفقِ وحشَ البهائمِ

ويا مُحصيَ الأوراقِ والنَّبتِ والحَصى
ورملَ الفلَا عدا وقطرَ الغمائمِ

إليكَ توسَّلنا بكَ، اغفرْ ذنوبنا
وخَفِّفْ عنِ العاصينَ ثقلَ المَظالمِ

- البرعي
‏إن الشِّعر لمعةٌ خياليةٌ يتألق وميضها في سماوة الفكر، فتنبعث أشعتها إلى صحيفة القلب، فيفيض بلألائها نورًا يتصل خيطه بأسلّة اللِّسان فينفث بألوان من الحكمة ينبلج بها الحَالِك ويهتدي بدليلها السَّالِك.
-البارودي، في مقدمة ديوانه..
2025/07/12 10:08:29
Back to Top
HTML Embed Code: