tgoop.com/construction2018/54330
Last Update:
*تأملات هندسية في طهارة الروح والماء: رؤية معاصرة للوضوء*
في خضم تدفق الحياة المعاصرة وتسارع إيقاعها، تستوقفني مشاهد يومية في مساجدنا تستدعي التأمل العميق والتفكر الممزوج بالألم. أراقب بعين المهندس والمسلم معاً مشهداً متكرراً: أخي المسلم يفتح صنبور الماء بقوة وكأنه يريد أن يطلق العنان لنهرٍ جارٍ، متناسياً أن الماء نعمة من الله تستوجب الشكر والترشيد.
*الوضوء: بين جمال العبادة وحكمة الاقتصاد*
لنتأمل معاً في الأرقام بمنظور عالمي: حين نضع في حساباتنا أن الأمة الإسلامية تضم ما يقارب 1.7 مليار مسلم، يؤدون خمس صلوات يومياً، فإن الإسراف في الوضوء - ولو بخمسة لترات إضافية فقط - يعني هدر مليارات اللترات من المياه العذبة يومياً. هذا في وقت تعاني فيه مناطق واسعة من العالم الإسلامي من شح المياه وندرتها.
*حكمة النبوية في استخدام المياه: درس في الاستدامة*
يذهلني دائماً ذلك التناقض الصارخ بين هدينا النبوي الكريم وواقعنا المعاصر. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمُد - أي ما يعادل 625 مللي لتر فقط - وهو ما يقارب نصف عبوة ماء معدني كبيرة. وها نحن اليوم نستنزف الماء دون وعي، متناسين وصيته الكريمة: "لا تسرف في الماء ولو كنت على نهر جارٍ".
*إبداع الأجداد: الجزري ونموذج الاستدامة*
يستوقفني في تاريخنا الإسلامي نموذج مشرق للتكامل بين العلم والإيمان: الجزري، ذلك العالِم المسلم الذي ابتكر قبل ألف عام آلة للوضوء تجمع بين الكفاءة والترشيد. لم تكن آلته مجرد اختراع تقني، بل كانت تجسيداً عملياً لمفهوم الاستدامة الذي نتشدق به اليوم.
*المياه الرمادية: نحو استدامة مائية*
تشير الدراسات العلمية إلى أن مياه الوضوء تُصنف ضمن المياه الرمادية الأكثر نقاءً، مما يفتح آفاقاً واسعة لإعادة استخدامها. ولنا في تجربة "المقاشيم" اليمنية خير مثال، حيث كانت بساتين صنعاء القديمة تروى من مياه الوضوء، مجسدة نموذجاً رائعاً للتكامل بين العبادة والاستدامة البيئية.
*رؤية مستقبلية: نحو وضوء مستدام*
يمكننا اليوم أن نستثمر في تقنيات معالجة المياه الرمادية لإعادة استخدام مياه الوضوء في:
- ري الحدائق والمساحات الخضراء حول المساجد
- تنظيف المرافق العامة
- تغذية نوافير المياه التجميلية
- استخدامات منزلية متعددة بعد المعالجة المناسبة
*خاتمة: دعوة للتأمل والعمل*
إن التكامل بين الهندسة والشريعة ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة حياتية. علينا أن نستلهم من ديننا الحنيف قيم الترشيد والاعتدال، ومن علومنا الحديثة وسائل تحقيق هذه القيم. فلنجعل من وضوئنا عبادة مستدامة تجمع بين طهارة الروح وحماية الموارد، ولنكن خير خلف لخير سلف في الجمع بين العلم والإيمان.
BY ♻♻ميادين الاعمار♻♻
Share with your friend now:
tgoop.com/construction2018/54330