tgoop.com/dorrar_salafiya/54183
Last Update:
شرح نفيس بديع من ابن تيمية لدعاء النبي ﷺ: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال».
قال «جامع المسائل» 209/9 : «الحمد لله، النبي ﷺ جمع في هذا الحديث بين أصناف الشر التي يستعاذ منها في أحوال العبد، كل اثنين من صنف؛
❁ فالهم والحزن من صنف،
❁ والعجز والكسل من صنف،
❁ والجبن والبخل من صنف،
❁ وضلع الدين وغلبة الرجال من صنف.
❁ فأول ذلك: «الهم والحزن»، فالهم يتعلق بالمستقبل، مثل أمور يحذر من وقوعها، فيهتم لأجلها، أو يرجو حصولها، فيهتم أن لا تحصل.
والحزن يتعلق بالماضي والحاضر، مثل أمور كان يكرهها، فيحزن لحصولها، أو كان يطلبها، ففاتت، فيحزن لفواتها، كما قال تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم}.
❁ و«العجز والكسل» يتعلقان بالفعل الذي ينبغي له فعله، فتارة يعجز عنه، وتارة لا يكون عاجزا، لكن يحصل له كسل وفتور في همته.
❁ و«البخل والجبن» قرينان، فالبخيل الذي منع معروفه خوفا على ماله،
والجبان الذي لا يدفع الشر خوفا على نفسه من عدوه.
فالأول يخاف زوال النافع، والثاني يخاف حصول الضار.
قال النبي ﷺ: «شر ما في المرء شح هالع، وجبن خالع»، وكلاهما يكون من ضعف النفس وهلعها.
❁ و«ضلع الدين وغلبة الرجال» من جنس واحد؛ فإن المقهور تارة يقهر بحق، وهو المغلوب، وهو الذي ضلعه الدين، وتارة بباطل، كرجال اجتمعوا عليه فغلبوه.
وهذان كلاهما عاجز مقهور، الأول عاجز مقهور بحق غلبه، عليه أن يؤديه، وهو لا يقدر، والثاني هو عاجز مقهور برجال يعارضونه ويغلبونه حتى يمنعوه من مصالحه وأشغاله.
وقد رتبه النبي ﷺ ترتيبا محكما:
❁ فالهم والحزن متعلقان بالمصائب، مثل فوات مطلوب وحصول مكروه.
❁ والعجز والكسل متعلقان بالأفعال التي يؤثرها، وهي نافعة له، فإذا لم يفعلها حصل له الضرر، ويكون تركها لعجز أو كسل.
وهذه الأربعة تتعلق به في نفسه، فمحلها نفس الإنسان.
❁ وأما البخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال، فإنها تتعلق بأمور منفصلة عنه،
الأولان يتعلقان بإرادته للأمور المتصلة، والآخران يتعلقان بقدرته على الأمور المنفصلة.
كما أن الأربعة الأول: الأولان يتعلقان بالمحبوب والمكروه، والآخران يتعلقان بالمقدور عليه والمعجوز عنه.
فالبخيل الذي لا يريد أن يبذل ما ينفع الناس؛ لعدم إرادته الإحسان إليهم، أو لخوفه من إخراج النافع منه، أو لبغضه للخير وحسده للناس.
والجبان الذي لا يريد دفع المضرة؛ خوفا من حصول ما يضره، وزوال ما ينفعه، فيقع في أعظم الضررين خوفا من أدناهما، إما جهلا بحقيقة ما ينفعه ويضره، وإما ضعف نفس بهلع يخلع قلبه.
والجبن والبخل متعلقان بما في النفس من إرادة وكراهة، وقوة وضعف.
وأما ضلع الدين وغلبة الرجال فكلاهما هو مما يكون في المرء مقهورا بغيره، قد عجزته الأمور المنفصلة عنه، ليس من عجز حصل في نفسه ابتداء، فالدين: مطالبة الغرماء به مع عجزه عن الوفاء له، وقهره: الرجال الغالبون يعجزون القادر ويمنعونه ويقهرونه.
فهذه الأمور التي استعاذ منها النبي ﷺ فيها من الحكم الجوامع التي تجمع أنواع الشر المستعاذ منه، المتعلقة بنفس الإنسان، وأعماله الباطنة والظاهرة= ما هو مصدق لقوله ﷺ: «أوتيت جوامع الكلم»، والله أعلم»(1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحاشية 👇من محقق الجزء د. عبدالرحمن قائد
(1) انتفع ابن القيم رحمه الله بهذا الجواب، ولخص مقاصده في كتبه «مفتاح دار السعادة» (313)، و«طريق الهجرتين» (606)، و«روضة المحبين» (61)، و«بدائع الفوائد» (714)، و«زاد المعاد» (2/ 358).
🌨️🌸
BY مررتُ وهذا الأثر
Share with your friend now:
tgoop.com/dorrar_salafiya/54183