EETAAT Telegram 80392
آداب الخلوة في طريقتنا القادرية:
بقلم مخلف العلي القادري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أحبتي في الله،
إن لكل عبادة جوهرها وروحها، ولا يكتمل جمالها إلا بأدبها، كما أن لكل بناء أساساً وقواعد لا يستقيم بدونها. والخلوة، باعتبارها تجربة روحية عظيمة، لا تثمر ثمارها إلا إذا التزم السالك بآدابها وشرائطها، حتى ينال الفتح والصفاء القلبي الذي يطلبه. وقد تحدثنا في الدروس السابقة عن الآداب التي تسبق الدخول في الخلوة، واليوم نقف معكم عند "آداب الخلوة أثناء ممارستها"، وهي أسرار رفيعة لا يستقيم سير المريد في طريق الله إلا بها.

الآداب التي تسبق الخلوة

قبل الشروع في الخلوة، لا بد من تهيئة النفس واستكمال بعض الشروط الضرورية التي تعين المريد على تحقيق الغاية من خلوده إلى الله، ومن هذه الآداب:

1. الإخلاص لله تعالى: ينبغي أن تكون الخلوة خالصة لوجه الله، لا يشوبها طلب كرامة أو رياء أو منفعة دنيوية.

2. الالتزام بإشراف الشيخ: فالمريد لا يسير إلا بنور من سبقه في الطريق، وهو أعلم بأحواله وما يناسبه من أوراد وأذكار.

3. اختيار المكان المناسب: ينبغي أن يكون المكان هادئًا، بعيدًا عن الضوضاء، وأن تتوفر فيه الطهارة الجسدية والمعنوية.

4. التوبة ورد الحقوق: قبل الدخول في الخلوة، لا بد من تصفية القلب من الأوزار، وإرجاع الحقوق لأهلها، فإن التوبة باب الفتح.

5. الاغتسال كغسل الميت: وهو رمز لوداع الدنيا والارتباط الكامل بعالم الروح، وهو تطهير ظاهري وباطني في آن واحد.

---

الآداب أثناء الخلوة

بعد دخول المريد إلى خلوته، ينبغي عليه أن يلتزم بجملة من الآداب التي تحافظ على روحانيته وتفتح له أبواب النور:

1- التجرد الكامل لله

ينبغي على المريد أن يعتبر نفسه منفصلاً عن الدنيا، خالعًا لكل ارتباطاته المادية، فلا يكون في قلبه سوى الله، ولا على لسانه سوى ذكره.

2- المحافظة على النوافل والسنن

العبادات ليست مجرد فروض، بل فيها نوافل وسنن تزيد القلب صفاءً، ومن أهمها:

سنة الفجر، والإشراق، والضحى، والرواتب المرتبطة بالصلوات المفروضة.

قيام الليل، وصلاة التهجد، والوتر، وصلاة التسابيح، وكلها تمنح القلب قوةً ونورًا.

ركعتا التوبة وركعتا قضاء الحاجة، فالأولى لمحو الذنوب، والثانية لطلب الفتح الإلهي.

3- الحذر من العجب والانشغال بالمكاشفات

قد يحدث للمريد أثناء خلوته رؤى أو مكاشفات أو منامات، ولكن الأدب أن لا ينشغل بها، بل يمضي في سيره دون التفات، لأنها قد تكون اختبارًا من الله.

4- تقليل الكلام

الكلام الكثير يذهب البهجة ويضعف التركيز الروحي، وقد قيل: "من كثر كلامه كثر خطؤه"، ولهذا كان الصمت ركنًا من أركان التصوف. ومن فوائد الصمت:

حفظ الوقت وعدم تضييع الطاقات فيما لا ينفع.

تجنب الوقوع في الذنوب والخوض في أمور تفسد الصفاء القلبي.

تعميق التفكر والتأمل، إذ لا حكمة مع كثرة اللغو.

5- ملازمة الذكر والمراقبة

ينبغي أن لا يخرج من المريد نفس إلا ومعه ذكر، سواء كان "لا إله إلا الله"، أو "الله الله"، أو غيرها من صيغ الذكر. فالذكر هو وقود الروح، والمراقبة هي الشعور الدائم بحضور الله، وهما مفتاحا التزكية القلبية.

6- التقليل من الطعام

يقال إن الشبع يورث الكسل، والجوع يورث الصفاء، ولهذا أوصى السادة الصوفية بالإقلال من الطعام أثناء الخلوة، لأن كثرة الأكل تؤدي إلى النوم والخمول. وقد قيل: "ثلاثة تهلك المريد: كثرة الطعام، كثرة الكلام، وكثرة المنام". ومن فوائد الجوع:

تقليل النوم، مما يمنح المريد وقتًا أطول للذكر والصلاة.

تهذيب النفس وكسر شهواتها.

تقوية الروح وزيادة صفائها.

7- الالتزام بآداب الذكر

الذكر له آداب، منها الجلوس بخشوع، والوضوء، والتركيز على الأذكار المأثورة، والاستفادة من كتب مثل "الأنوار القدسية" للإمام الشعراني لمن أراد التوسع في هذا الباب.

---

الرابطة الروحية والاستمداد

من المهم جدًا أن يكون للمريد صلة قلبية بشيخه وأهل الله، فإن هذه الرابطة تعينه على الثبات وتمنحه قوة روحية تدفعه إلى الأمام.

أسباب ضعف المريدين في عصرنا

يلاحظ أن المريدين اليوم يواجهون تحديات كبيرة تمنعهم من الاستفادة الكاملة من خلواتهم، وأهم هذه العقبات:

1. عدم الاستمرار: فالمريد لا يداوم على الخلوة أو الورد، مما يجعله يتراجع في سيره.

2. الطمع في النتائج: إذ ينشغل المريد بما سيجنيه من ثمار الخلوة بدل أن يركز على السير نفسه.

3. التنقل بين الأوراد دون ثبات: وهذا يضعف الروح ولا يمكنه من تحقيق الفائدة الكاملة.

---

الخاتمة

أحبتي في الله، إن طريق الخلوة طريق الأنبياء والصديقين، وهو مسلك جليل يحتاج إلى صبر ومجاهدة. من أراد النور فليحافظ على آدابها، ومن أراد الفتح فليخلص نيته لله. أسأل الله أن يرزقنا جميعًا الإخلاص والقبول، وأن يجعل خلواتنا منازل للأنوار والأسر



tgoop.com/eetaat/80392
Create:
Last Update:

آداب الخلوة في طريقتنا القادرية:
بقلم مخلف العلي القادري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أحبتي في الله،
إن لكل عبادة جوهرها وروحها، ولا يكتمل جمالها إلا بأدبها، كما أن لكل بناء أساساً وقواعد لا يستقيم بدونها. والخلوة، باعتبارها تجربة روحية عظيمة، لا تثمر ثمارها إلا إذا التزم السالك بآدابها وشرائطها، حتى ينال الفتح والصفاء القلبي الذي يطلبه. وقد تحدثنا في الدروس السابقة عن الآداب التي تسبق الدخول في الخلوة، واليوم نقف معكم عند "آداب الخلوة أثناء ممارستها"، وهي أسرار رفيعة لا يستقيم سير المريد في طريق الله إلا بها.

الآداب التي تسبق الخلوة

قبل الشروع في الخلوة، لا بد من تهيئة النفس واستكمال بعض الشروط الضرورية التي تعين المريد على تحقيق الغاية من خلوده إلى الله، ومن هذه الآداب:

1. الإخلاص لله تعالى: ينبغي أن تكون الخلوة خالصة لوجه الله، لا يشوبها طلب كرامة أو رياء أو منفعة دنيوية.

2. الالتزام بإشراف الشيخ: فالمريد لا يسير إلا بنور من سبقه في الطريق، وهو أعلم بأحواله وما يناسبه من أوراد وأذكار.

3. اختيار المكان المناسب: ينبغي أن يكون المكان هادئًا، بعيدًا عن الضوضاء، وأن تتوفر فيه الطهارة الجسدية والمعنوية.

4. التوبة ورد الحقوق: قبل الدخول في الخلوة، لا بد من تصفية القلب من الأوزار، وإرجاع الحقوق لأهلها، فإن التوبة باب الفتح.

5. الاغتسال كغسل الميت: وهو رمز لوداع الدنيا والارتباط الكامل بعالم الروح، وهو تطهير ظاهري وباطني في آن واحد.

---

الآداب أثناء الخلوة

بعد دخول المريد إلى خلوته، ينبغي عليه أن يلتزم بجملة من الآداب التي تحافظ على روحانيته وتفتح له أبواب النور:

1- التجرد الكامل لله

ينبغي على المريد أن يعتبر نفسه منفصلاً عن الدنيا، خالعًا لكل ارتباطاته المادية، فلا يكون في قلبه سوى الله، ولا على لسانه سوى ذكره.

2- المحافظة على النوافل والسنن

العبادات ليست مجرد فروض، بل فيها نوافل وسنن تزيد القلب صفاءً، ومن أهمها:

سنة الفجر، والإشراق، والضحى، والرواتب المرتبطة بالصلوات المفروضة.

قيام الليل، وصلاة التهجد، والوتر، وصلاة التسابيح، وكلها تمنح القلب قوةً ونورًا.

ركعتا التوبة وركعتا قضاء الحاجة، فالأولى لمحو الذنوب، والثانية لطلب الفتح الإلهي.

3- الحذر من العجب والانشغال بالمكاشفات

قد يحدث للمريد أثناء خلوته رؤى أو مكاشفات أو منامات، ولكن الأدب أن لا ينشغل بها، بل يمضي في سيره دون التفات، لأنها قد تكون اختبارًا من الله.

4- تقليل الكلام

الكلام الكثير يذهب البهجة ويضعف التركيز الروحي، وقد قيل: "من كثر كلامه كثر خطؤه"، ولهذا كان الصمت ركنًا من أركان التصوف. ومن فوائد الصمت:

حفظ الوقت وعدم تضييع الطاقات فيما لا ينفع.

تجنب الوقوع في الذنوب والخوض في أمور تفسد الصفاء القلبي.

تعميق التفكر والتأمل، إذ لا حكمة مع كثرة اللغو.

5- ملازمة الذكر والمراقبة

ينبغي أن لا يخرج من المريد نفس إلا ومعه ذكر، سواء كان "لا إله إلا الله"، أو "الله الله"، أو غيرها من صيغ الذكر. فالذكر هو وقود الروح، والمراقبة هي الشعور الدائم بحضور الله، وهما مفتاحا التزكية القلبية.

6- التقليل من الطعام

يقال إن الشبع يورث الكسل، والجوع يورث الصفاء، ولهذا أوصى السادة الصوفية بالإقلال من الطعام أثناء الخلوة، لأن كثرة الأكل تؤدي إلى النوم والخمول. وقد قيل: "ثلاثة تهلك المريد: كثرة الطعام، كثرة الكلام، وكثرة المنام". ومن فوائد الجوع:

تقليل النوم، مما يمنح المريد وقتًا أطول للذكر والصلاة.

تهذيب النفس وكسر شهواتها.

تقوية الروح وزيادة صفائها.

7- الالتزام بآداب الذكر

الذكر له آداب، منها الجلوس بخشوع، والوضوء، والتركيز على الأذكار المأثورة، والاستفادة من كتب مثل "الأنوار القدسية" للإمام الشعراني لمن أراد التوسع في هذا الباب.

---

الرابطة الروحية والاستمداد

من المهم جدًا أن يكون للمريد صلة قلبية بشيخه وأهل الله، فإن هذه الرابطة تعينه على الثبات وتمنحه قوة روحية تدفعه إلى الأمام.

أسباب ضعف المريدين في عصرنا

يلاحظ أن المريدين اليوم يواجهون تحديات كبيرة تمنعهم من الاستفادة الكاملة من خلواتهم، وأهم هذه العقبات:

1. عدم الاستمرار: فالمريد لا يداوم على الخلوة أو الورد، مما يجعله يتراجع في سيره.

2. الطمع في النتائج: إذ ينشغل المريد بما سيجنيه من ثمار الخلوة بدل أن يركز على السير نفسه.

3. التنقل بين الأوراد دون ثبات: وهذا يضعف الروح ولا يمكنه من تحقيق الفائدة الكاملة.

---

الخاتمة

أحبتي في الله، إن طريق الخلوة طريق الأنبياء والصديقين، وهو مسلك جليل يحتاج إلى صبر ومجاهدة. من أراد النور فليحافظ على آدابها، ومن أراد الفتح فليخلص نيته لله. أسأل الله أن يرزقنا جميعًا الإخلاص والقبول، وأن يجعل خلواتنا منازل للأنوار والأسر

BY رسَائٌلْ إليكَ💙📮✨


Share with your friend now:
tgoop.com/eetaat/80392

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

A vandalised bank during the 2019 protest. File photo: May James/HKFP. Administrators Some Telegram Channels content management tips The best encrypted messaging apps Matt Hussey, editorial director of NEAR Protocol (and former editor-in-chief of Decrypt) responded to the news of the Telegram group with “#meIRL.”
from us


Telegram رسَائٌلْ إليكَ💙📮✨
FROM American