Telegram Web
Audio
المجلس الحادي والستون من مجالس التعليق على إحكام الأحكام / تتمة شرح الحديث الثاني من أحاديث باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)
أبو عاصم، والغرس الباقي


يؤمِّلُ دنيًا لتبقى له ... فوافى المنية قبل الأمل
حثيثًا يُروّي أصول الفسيل ... فعاش الفسيل ومات الرجل.!

لما بلغني نعي أستاذنا المربي أبي عاصم الفايز تذكرت هذين البيتين اللَّذَيْنِ كان يتمثّلهما سيبويه لمّا حضرته الوفاة؛ ذلك أن الشيخ أبا عاصم كان مذ عرفته قبل نحو ٣٠ عاما -بل وقبل ذلك- مهموما ببذر الأعمال الصالحة، وغرس المشاريع الباقية، وكأنه كان يُبادر المنية بالعمل، ويعمل لآخرته كأنه سيموت غدا، على نحو ما وصّى به ابن عمر رضي الله عنهما.
وهو في هذا السبيل -أعني سبيل ملء صحيفته بالأعمال الصالحة والآثار الباقية- يُجاهد نفسه، ويحملها على المشاقّ؛ طمعًا في نيل الأجر العظيم والثواب الجزيل من الكريم الوهاب.
وأذكر في هذا أن الشيخ -رحمه الله- كان يلقي بعض الكلمات والدروس في المسجد الذي كنت أتولى إمامته، وكانت بعض تلك الكلمات في عصر رمضان، فربما عرض له شيء من التعب والإرهاق -لاجتماع الصيام والمرض-، فكان لا يعتذر عن شيء من ذلك إلا إذا كان طريح الفراش.
ومما يستوقفك في حياة أبي عاصم: التنويع في أبواب البر التي يطرقها، ومجالات الخير التي يُساهم فيها؛ فأنت تراه في وسط الأسبوع أستاذا ومربيا، ومعالجا لأدواء الشباب في المدارس وغيرها، وفي يوم الأربعاء أو الخميس تراه واعظا ومزكّيًا في المجامع الشبابية، وفي يوم الجمعة أو السبت تراه يخرج لبعض قرى المحتاجين البعيدة يحمل لهم الأطعمة والألبسة في شاحنة يقودها بنفسه .. هذا ديدنه على مدى سنوات، حتى حال المرض بينه وبين بعض ذلك.
ثم هو مع ذلك مفتوح الباب، موطّأ الأكناف، لين الجانب، دمث الخلق، طيّب المعشر.
تراه إذا ما جئته متهللًا .. كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وكم مرةً أرهقته الأمراض التي ألمّت به، وأقعدته في المشفى أو البيت أياما، فإذا جئته وجدت أبا عاصم هو أبو عاصم، لا تفارقه الابتسامة، ولا ينفكّ عنه اللطف، ولا يبرح عنه الكرم.
وإن وافقتَ عنده والده -متّع الله به على الطاعة- أو أحدا من إخوته الكرام فأنت على موعد مع مجلس زاخر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فتعامله مع والده وإخوته، وتعامل إخوته وأولادهم معه؛ كل ذلك على الوجه الأتم والمسلك الأقوم.

وهكذا الموفقون من عباد الله؛ كلما اقتربت منهم تكشّفت لك جوانب التوفيق والتيسير في حياتهم، والتي يجمعها: العبودية لله في سائر الأحوال، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الباذل في سبيل الله (إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان ‌في ‌الساقة ‌كان ‌في ‌الساقة) .. فهو في أهله وداره الكريمُ البشوش المعطاء، وفي مدرسته المربي الباذل الناصح، وفي مسجده العابدُ المخبت المتبتّل، وفي درسه الواعظ المزكّي المؤثر، وفي ميدانه الإداري النزيهُ الأمين، وذلك أنه -كما يقول الحافظ ابن حجر- "لا يزهد فى قليل ‌من ‌الخير ‌يأتيه، ولا يستقل قليلا من الشر يجتنبه .. فإن المؤمن لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا يعلم السيئة التى يسخط الله عليه بها".!
وفقيدنا -يرحمه الله- وإن لم يُرزق الأبوّة "الطينية" فقد رُزق الأبوّة "الدينية"، فكم من فتى كانت هدايته على يديه، وكم من شاب كان صلاحه وسلامته من آفات الشباب ببركة صحبة أبي عاصم ومجالسته.
ومن حضر جنازته رأى أثر ذلك جليًّا في أعداد كبيرة من الشباب والكهول قد أثّرت فيهم المصيبة ودَهَشتهم الفاجعة، حتى إنك لا تدري من المعزِّي من المعزَّى. والحمد لله الذي جعل عامتهم ممن عليهم سيماء الصلاح، فالناس شهود الله في أرضه.

وإنّ في مكث أولئك الشباب عند قبره طويلا داعين له ومستغفرين -مع أن عامتهم ليسوا من أقاربه وذوي رحمه- لعبرةً وأي عبرة، فيا لهناء من رحل وخلّف وراءه غرسا باقيا، وأثرا ممتدا.

هذا، ولو قُدّر لسيرة أبي عاصم أن تتكلم لقالت:
قد عرفتم الطريق فاسلكوه، وأبصرتم الجادة فالْزموها، حتى تلقوا ربكم غير مغيّرين ولا مبدلين، فتفوزوا برضوانه وجناته.
وإني لأرجو أن يكون لشيخنا نصيب من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ‌لا ‌يزال ‌البلاء بالمؤمن أو المؤمنة، في جسده، وماله، وولده، حتى يلقى الله عز وجل وما عليه من خطيئة ".
اللهم اغفر لعبدك أبي عاصم، وارحمه، وأدخله مدخلا كريما .. اللهم إنه كان مكرما لعبادك فأكرمه، حريصا على بلوغهم معرفتك ورضوانك فأحلِلْ عليه مغفرتك ورضوانك وسوابغ رحماتك، واجعله من أهل الفردوس الأعلى، هو وزوجه وأهله ووالديه. اللهم آمين.


كتبها
أبو خلاد، يونس بن عبدالله السلامة
عصر الجمعة عاشر ربيع الأول ١٤٤٦
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يوجد درس هذه الليلة في التعليق على إحكام الأحكام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يوجد درس هذه الليلة في التعليق على إحكام الأحكام
الاستشكالات الفقهية

ختم الشيخ ابنُ منقور كتابَه الفواكه العديدة ب (١٥٨) مسألة مشكلة لم يتبين له حلها مع شيخه ابن ذهلان أثناء قراءة الإقناع، فقال :

(هذه مسائل وقع علينا فيها إشكال وقت قراءتي على الشيخ عبد الله أردت ضبطها لئلا أتوهم في شيء أنه واضح، أو يقيض الله من يجليها، أو يعثر على صريح فيها:

ثم ذكرها
) .

وهذا منه يدل على أنه لا يشترط أن تصل إلى حل كل مسألة مشكلة تبحثها، وهذان عالمان كبيران نجديان تفرغوا للعلم فقط ومع ذلك استشكلوا مسائل لم يتبين لهما حلها حتى ماتا رحمهما الله تعالى.

وتوفي الشيخ العلامة صاحب الفواكه أحمد بن محمد المنقور (١١٢٦) وله من العمر (٥٨) سنة رحمه الله

وتوفي الشيخ العلامة شيخ المنقور المقروء عليه كتاب الإقناع عبدالله بن محمد بن ذهلان سنة (١٠٩٩) وله من العمر (٥٩) سنة رحمه الله

والشيخ المنقور هو الذي قدم في مقدمة كتابه المذكور: (فأحببت أن أضبط كلامه، بعضه بالحرف وبعضه بالمعنى، تذكرة لنفسي، وتبصرة لأبناء جنسي عن الاختلاف عندي، وطلبا للانتفاع بعدي، وبيان مسائل فيها اشكال عليه، أو بها ثقل لديه، لئلا يتوهم فيها من يظنها واضحة ظاهرة، أو يقيض الله لها من يكشف عنها حجبها الساترة، لحديث: «قيدوا العلم بالكتابة») .

وكما قيل : الوقوف على الإشكال علم .

فطالب العلم لابد أن يستشكل مع كثرة البحث والتحري ولا يصل لحل الإشكال، لكن قد يكون وطأ حله وفهمه لمن بعده فيكون الكل شركاء في الأجر والثواب، فبيانك لغيرك أن هذه مشكلة تعليم وإرشاد.

وإذا استشكل طالب العلم مسألة ووجد من قبله استشكلها أيضا فإن هذا علامة على أنه في الطريق الصحيح إن شاء الله.

وكما قيل: من لا يستشكل لا يعقل.

وقد يُفتح على المتأخر ما لا يفتح على المتقدم، وقد إذا دخلت على الفعل المضارع فإنها تفيد التقليل . والله أعلم .




قناة أحمد بن ناصر القعيمي 📚 https://www.tgoop.com/Algoayme
طلاب العلم

بادر شبابك وقلة أشغالك بقراءة المطولات، وجرد كتب الأئمة (كابن تيمية ابن القيم) كاملة.
وتجنب ملاحقة جديد الكتب وجمعها، فهي من جملة المشغلات.
وسترى بعد حين خروج تحقيقات أفضل منها وأكمل.
فاقتنِ الآن ما ستقرأ وتحتاج فقط.
فقد بلغ قوم أشدهم سوفوا، ولم يقرؤا، ولن يقدروا !
👆هذه نصيحة من عالم مشفق
فاحرصوا يا طلاب العلم على استغلال زهرة الشباب بجرد أمات الكتب بعد التأصيل بمختصرات الفنون.
وإياكم والمبالغة في متابعة الجديد التي تعيقكم عن التأصيل.
والقصد القصد تبلغوا
وعند الصباح يحمد القوم السرى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يوجد درس هذه الليلة في التعليق على إحكام الأحكام
تأن ولا تستعجل في رد ما لم يبلغك علمه خاصة إن كان الناقل له ثقة أمينا في النقل..

أورد المرداوي رحمه الله في الإنصاف نقلا عن الحارثي رحمه الله في شرح المقنع يتضمن توهيم القاضي أبي يعلى رحمه الله في حكايته رواية عن الإمام أحمد رحمه الله
ثم تعقب المرداويُّ الحارثيَّ رحمهما الله بقوله : ( وفيه نظر؛ لأن ناقل هذه الرواية هو القاضي، وهو الثقة الأمين في النقل، بل هو ناقل غالب روايات المذهب، ولا يلزم من عدم اطلاع الحارثي على هذه الرواية أن لا تكون نقلت عن أحمد، خصوصا وقد تابعه عليها الأعلام المحققون) (١٧٩/١٦)

فتريث يا طالب العلم، ولا تبادر إلى إنكار ما لم يبلغك علمه، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيتم عقد المجلس الثاني والستين من مجالس التعليق على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد رحمه الله
في تمام الساعة الثامنة بإذن الله تعالى
Audio
المجلس الثاني والستون من مجالس التعليق على إحكام الأحكام / شرح الحديث الثالث من أحاديث باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم)
2024/11/26 17:17:48
Back to Top
HTML Embed Code: