Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
- Telegram Web
Telegram Web
وجود دولة ذات طابع ديني جليّ، متمسكة بعقيدتها ومذهبها بقوة، ولو في الظاهر، تملك تأثيراً على ملايين المؤمنين بها، وتعلو فيها سلطة دينية يتوجه لها الناس في كل أرجاء العالم، هو أمر يحمل في طياته هيبة وجلالا.
لا أمتدح الفرس ولا الشيعة هنا، ولكنني، كعربي سني، أجد نفسي مملوءاً غيرة وألما، إذ لا أرى بيننا كيانا سياسيا أو عسكريا يقف بصلابة ليمثلني على الساحة العالمية، وما نرى من تشظي أهل السنة، ومن شتات مزق العرب، مردّه تقسيم الأوطان وحكومات أعلت الوطنية على الأمة، وحكام قادوا شعوبهم إلى الضعف والهوان.
ما حلّ بالعرب والسنة من انكسار وتفرق في ظل الحدود القطرية، وما نشهده من سياسات حكام عزلتهم عن الأمة وعن القضايا الكبرى، هو في الحقيقة عارٌ وذل، وهكذا، ليس من المستغرب أن تظهر حركات منشقة، بعضها يميل نحو إيران، وبعضها ينحو نحو العلمانية، وبعضها الآخر يجترح سبيل الجهاد، وهذه ليست مجرد خلافات سياسية، بل إفرازاتٌ لانهيار بنية اجتماعية وثقافية كانت يوماً ما حاملةً لرسالة الأمة، فما الذي يجعل أمة بحجم الأمة السنية العربية، تظل على هامش التاريخ، بينما تصعد قوى أخرى لتتبوأ المشهد وتستثمر في عقائدها لتصنع مجداً سياسياً وعسكرياً؟
Groundless Ground
Photo
لطالما كنت أترفع عن مخالطة العامة، وأتحاشى الانغماس في مجالسهم، لا لأنني أستصغرهم، ولكن خشية أن أكتسب منهم ما لا أراه حميدا من الصفات، فتسري في نفسي على حين غفلة مني، فإني رجل أولي المبادئ عناية عظيمة، تلك المبادئ التي تربيت عليها، وتشربت معانيها في صغري، لا أستطيع أن أحيد عنها.
منذ طفولتي، كنت دائما على وعي كبير بمخاطر مخالطة الناس على غير حاجة، وكنت أراها تجلب من الصفات الرديئة ما يعسر التخلص منه، نشأت على مبدأ أن المرء يتأثر بصفات جلسائه دون أن يدري، وأن الاختلاط بالآخرين يجب أن يكون مدروسا بعناية، هذه القناعة ليست وليدة ظرف عابر، بل متجذرة في تربيتي، التي تلقيتها عن والدي، الذي أحاول أن أحذو خطاه حذو النعل بالنعل.
والدي، الذي قلما يخالط الناس إلا عند الضرورة، كان غالبًا ما يختار الجلوس مع الكتب أو القرآن الكريم، وكان يحرص على انتقاء جلسائه بعناية فائقة، وحين سألته عن السبب في قلة مخالطته للناس، أجابني بما مفاده: مخالطة الناس من غير حاجة تجلب ما هو أدنى من الصفات، فالمرء لا يسلم من الغيبة والنميمة والكلام عن عيوب الآخرين، وهو ما تأباه النفس الكريمة والدين السليم.
وهكذا، ورثتُ عن والدي هذه الصفات، تربيتُ عليها، ونشأتُ في ظلها، الصفات الرديئة التي تجلبها المعاملات العامة، وإن لم تتأصل في النفس، تبقى تزاحم الفضائل، وتجعل منها عبئًا تتجشمه النفس بدلًا من أن تنساب كما كانت تفعل في أول عهدها.
الحكمة التي ورثناها عن الأقدمين، في شتى الحضارات، احتوت على تحذيرهم من مخالطة العامة، خصوصًا في ما يتعلق بالتربية، إذ كان المربون القدامى يحرصون على انتقاء من يحيطون بالشاب أثناء تربيته، حكمة اعتبرت أن الباطن يتأثر بأبسط المؤثرات الخارجية، تعاليمهم كانت تنبع من إدراك عميق لطبيعة النفس البشرية وحساسيتها للمؤثرات الخارجية، كانوا يحذرون من تعويد الفتيان على مخالطة من لا تتحقق فيهم الصفات المرجوة.
كانت العرب تزدري من يلفظ أنفاسه على الوسائد، وتحتقر من تفارق روحه جسده بين الملاحف والمواقد، وكانت القبيلة تفخر بأبنائها الذين يسقطون في ميادين الحروب، بين طعنات الرماح وقرع السيوف، وها هو ذا السموأل يقول:

وَإِنّا لَقَومٌ لا نَرى القَتلَ سُبَّةً
إِذا ما رَأَتهُ عامِرٌ وَسَلولُ
يُقَرِّبُ حُبُّ المَوتِ آجالَنا لَنا
وَتَكرَهُهُ آجالُهُم فَتَطولُ
وَما ماتَ مِنّا سَيِّدٌ حَتفَ أَنفِهِ
وَلا طُلَّ مِنّا حَيثُ كانَ قَتيلُ
تَسيلُ عَلى حَدِّ الظُباتِ نُفوسُنا
وَلَيسَ عَلى غَيرِ الظُباتِ تَسيلُ
التقى رجلٌ بامرأة على جسرِ بغداد؛ فقال الرجل: رحم الله عليَّ بنَ الجهم، وقالت المرأة: رحمَ الله أبا العلاء، وانصرفا، فتبعها رجلٌ وقال لها: أقسمتُ عليكِ إلا أخبرتِني بما أرادَ وأردتِ.

فقالت: أراد بقولهِ علي قوله:
عيونُ المها بين الرصافة والجسرِ
جلبنَ الهوى من حيثُ أدري ولا أدري

وأردتُ بقولي قول أبي العلاء:
فيا دارها بالخيف إن مَزارها
قريب ولكن دون ذلك أهوالُ


- تزيين الأسواق في أخبار العُشاق
بدأ الأنطاكي كتابه هذا أي تزيين الأسواق في أخبار العشاق بمقدمة يشكر الله فيها على جمال الغيد الحسان، فقال:

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْلَعَ فِي بُرُوجِ اعْتِدَالِ الْقُدُودِ شُمُوسَ الْمَحَاسِنِ وَالْجَمَالِ، وَأَهَلَّ فِي مَنَازِلِ السُّعُودِ بُدُورَ اللَّطَائِفِ وَالْكَمَالِ، وَزَيَّنَ أَغْصَانَ الْقُدُودِ بِرُمَّانِ النُّهُودِ وَرِيَاضِ الْوُجُوهِ بِنَرْجِسِ اللِّحَاظِ وَوَرْدِ الْخُدُودِ، وَأَلَّفَ بَيْنَ مَا نُظِمَ فِي الثُّغُورِ وَقَلَائِدِ النُّحُورِ، وَجَعَلَ تَسْرِيحَ الْأَبْصَارِ لِذَوِي الْبَصَائِرِ وَلَطَافَةَ الْأَفْكَارِ مِنْ أَسْبَابِ الِافْتِتَانِ بِتَأَمُّلِ الْحِسَانِ، فَنَزَلُهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَغْرَاضُهُمْ مَنْزِلَةَ الْأَغْرَاضِ الرَّشْقِ قِسِيَّ الْحَوَاجِبِ بِسِهَامِ الْأَلْحَاظِ.
نَحْمَدُهُ عَلَى تَعْدِيلِ أَمْزِجَةٍ فَرْعُهَا صِحَّةُ التَّأَمُّلِ فِي حُسْنِ التَّجَمُّلِ، وَتَصْفِيَةِ نَفْسٍ لَازِمَهَا الِاسْتِبْصَارُ وَالتَّبَصُّرُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَهْلِ وَالتَّعَقُّلِ.
بالنسبة لي، إذا قالت المرأة جملة منطقية ومتماسكة وهي على دراية بذلك، أفقد الأمل في أنوثتها.
Groundless Ground
بالنسبة لي، إذا قالت المرأة جملة منطقية ومتماسكة وهي على دراية بذلك، أفقد الأمل في أنوثتها.
الأنوثة تتطلب التوازن بين العفوية والغموض، وهما عنصران جوهريين في خلق جاذبية خاصة تتناسب مع الطبيعة الأنثوية، هذه الجاذبية، تقف على النقيض من العقلانية الصارمة التي غالبا ما ترتبط بالذكورة وبمجالات تتطلب تحليلا علميا دقيقا ومنطقيا، في هذا السياق، الرجل والمرأة يتعاملان مع الواقع والذات والعالم المحيط بطرق مختلفة تماما، بسبب طبيعة كل منهما.
بالنسبة للرجل، تُعد العقلانية والصرامة الفكرية أمورا لا تنفصل عن مسار تحقيق ذاته، حياة الرجل تُجبره على تجاوز الذات الفردية والانطلاق نحو ما هو موضوعي وشمولي، أي أن تفكيره يتطلب الانتقال من الذاتية المحدودة إلى اللاشخصية الأوسع، وهي عملية ضرورية لتحقيقه الفردي وتواصله مع العالم، والتاريخ يظهر أن الرجال طوروا أدوات عقلانية تساعدهم في تنظيم العالم وفهمه بطريقة شمولية، وهذا جزء من سعيهم الدائم للتغلب على ذاتهم الفردية والانخراط في شيء أكبر وأكثر شمولية.
أما المرأة، فتعيش في حالة من التصاق الذات بالعالم، وهذا الالتصاق هو جزء من طبيعتها، المرأة تميل إلى التفاعل مع العالم من خلال ذاتها وتجربتها الشخصية، وهي أكثر ارتباطا بعالمها الداخلي ومواردها المباشرة، سواء كانت مادية أو معنوية، هذا الارتباط لا يعني أنه سلبي بالضرورة، بل يعكس قدرتها على التركيز على ما يخصها مباشرة، وعلى تعزيز مواردها وحمايتها، بالنسبة للمرأة، الأنوثة تتجسد في الحفاظ على الذات والاهتمام بما يتعلق بها بشكل مباشر، مما يجعلها أكثر تركيزا على الذات وأقل اهتماما بالخروج عن هذه الدائرة الضيقة نحو ما هو عام وشمولي، بالغالب.
هذا التوجه الأنثوي نحو الذات يُفسر بعض سلوكيات المرأة، حيث تميل إلى أن ترى نصرها الشخصي كجزء لا يتجزأ من تجربتها الذاتية.
نيتشه، في "ما وراء الخير والشر"، يشير إلى هذا المعنى عندما يقول إن المرأة تتلذذ بنصرها ولا تشعر بالحرج من ذلك، على عكس الرجل الذي قد يخجل من نجاحه الشخصي لأنه يراه جزءا من تجربة أكبر وأكثر شمولية.
المرأة تربط النصر بذاتها بشكل أكبر مما يفعله الرجل، الذي يميل إلى رؤية الانتصار في سياق أوسع وأكثر لا شخصي.
من هذا المنطلق، العقلانية جزء لا يتجزأ من نفسية الرجل بسبب الضرورة التي تفرضها عليه الحياة، وليس لأنها تفضيل طبيعي لديه، فالحياة تدفعه إلى استخدام العقلانية كوسيلة للبقاء والتفوق، عندما تتبنى المرأة صفات عقلانية صارمة، تفقد جزءاً من جاذبيتها الطبيعية.
السبب في ذلك هو أن العقلانية الصارمة، تخرجها عن طبيعتها التي تعتمد على العفوية والحدس، وهي العناصر التي تجعل الأنوثة مميزة.
هذا لا يعني تفضيل المرأة الجاهلة أو الغبية، على العكس، هناك ذكاء عفوي وطبيعي يتناغم مع الأنوثة، المرأة يمكن أن تكون ذكية جدا جدا ولكن بأسلوب يعكس طبيعتها الأنثوية التي تتسم بالعفوية والحدس، لا بالصرامة العقلية التي قد تفقد معها بعضاً من سحرها الخاص.
لو رُمنا وصف الظاهرة العربية بما تحويه من سحر البيان وفصاحة اللسان، لعجز الكلام عن الإحاطة بكنهها، فلا تسعف الكلمات، مهما أوتيت من قوة وبراعة، في الإحاطة بسرّ الظاهرة العربية بما تكتنزه من سحر البيان وجزالة اللسان.
فلئن كانت الأمم قد تباهت بما أوتيت من فنون وعلوم، وتفاخرت بما حازت من معارف ورسوم، فإن العرب قد اختصهم الله بلسان ذي بيان، وكلام ذي سلطان، يفتح مغاليق القلوب، ويكشف خبايا الغيوب.
لكل أمةٍ من الأمم شأنٌ تتميز به، وخصلةٌ تُعرف بها، أما العرب وإن اشتملت على باقي الصفات وإن شاركوا الأمم في بعضها، لكنها أمة تميزت عن سائر الأمم بلسانٍ أودع الله فيه سرًّا لا يدرك كنهه إلا بشق الأنفس، فاختصها بملكة فريدة، نافذة إلى سويداء القلوب، وعقول البشر، أمة خُلقت لها الكلمة وخلقت هي لها، قد حازوا ما هو أرقى وأدوم، وهو البيان، فصنعوا بالكلمة ما عجزت عنه السيوف، وفتحوا بحروفهم ما استعصى على الجيوش.
فليقولوا أن العرب هم أهل الحرب، أو أهل الأخلاق والعزة، أو أهل العلم والحكمة، لكن الحقيقة الناصعة تبقى أنك إن أردت أن تسبر غور العرب وتدرك مكنونهم، فعليك أن تتأمل في لغتهم، فهي مرآة نفوسهم ومكمن وجودهم.
أدرك البلاغيون العرب القدامى، أنَّ البلاغة ليست في مجرد تركيب الاستعارة والتشبيه، بل في كيفية نظمها في سياقٍ ينسجم مع المعنى ويخدم الغرض الكلي، فعندما يقول الله تعالى: "واشتعل الرأس شيبًا"، فإن روعة التعبير لا تنبثق من مجرد استعارة الاشتعال للشيب، بل من النظم البديع الذي يوحي بشمول الشيب وانتشاره في الرأس، مثيراً في النفس إحساساً عميقاً بصورة حية لمرور الزمن وتقدم العمر.
كذلك، الشاعر العربي كان بارعًا في أن يجعل من الشعر تجربة شعورية متكاملة، يلتقط عبرها أدق التفاصيل النفسية والوجودية، ويُبرزها في صورة لغوية لا تضاهى، كما في قول الشارع:

وَباتَ بارِقُ ذاكَ الثَغرِ يوضِحُ لي
مَواقِعَ اللَثمِ في داجٍ مِنَ الظُلَمِ

هنا لا يكتفي الشاعر بتشبيه ثغر المحبوبة بالبرق، بل يدمج بين جمال الطبيعة وجمال المحبوبة في لحظة واحدة، مستفيدًا من قدرة اللغة العربية على التكثيف والإيجاز، لخلق صورة تتناغم فيها الأضداد وتُظهر التمازج بين الظلمة والنور.
الشاعر العربي لا يضطر لخلق أساطير أو أوهام لتجسيد أفكاره، بل يجد في لغته ما يمكنه من التعبير عن كل ما يجول في خواطره بأدق التفاصيل وأعذب الألفاظ.
وهذا ما يميز العرب عن غيرهم؛ فحين احتاج اليونانيون إلى اختراع الآلهة والأساطير لتفسير الظواهر الجمالية والفكرية، كان العرب يعلقون تخيلاتهم على واقع موجود، ويستخدمون لغتهم البليغة لتشكيل مشاهد شعرية تخاطب الحس والعقل معًا، كما في قول الشاعر مثلا:

وَاِستَقبَلَت قَمَرَ السَماءِ بِوَجهِها
فَأَرَتنِيَ القَمَرَينِ في وَقتٍ مَعا

بينما احتاج اليونانيون إلى خلق ديانا آلهة القمر لتمثيل المشابهة التي أرادوها، فاللغة العربية بما تمتاز به من قدرة بيان وتكثيف تغني عن اختراع الأساطير، إذ تحتوي في ذاتها على جميع الأدوات اللازمة للتعبير عن أدق المعاني وأعمق الأفكار.
البيان العربي يغدق على أهله بكل التعابير التي تصلح للتغزل بجمال المحبوبة، بينما احتاج اليوناني لاختراع أسطورة إيكو إلهة الجمال ليؤدي المشهد الذي يريده ولا تسعفه عليه لغته، وقل مثل ذلك عن الفروسية والأخلاق والشهوة وكل ما له معادلات أسطورية عند غيرنا، وهو مما تتكفل به اللغة العربية بذاتها.
‏قال عمر بن أبي ربيعة:
لَقَد دَبَّ الهَوى لَك في فُؤادي
دَبيبَ دَمِ الحَياةِ إِلى العُروقِ

وقال صريع الغواني:
تَجري مَحَبَّتُها في قَلبِ عاشِقِها
جَريَ السَلامَةِ في أَعضاءِ مُنتَكِسِ

وقال آخر:
يَدِبُّ هَواها في عِظامي وَحُبُّها
كَما دَبَّ في المَلدُوغِ سَمُّ العَقارِبِ


هذه الصور الثلاث تعبّر بطرق مختلفة عن نفس الفكرة: الحب كقوة حية وسارية في الجسد، لكن يختلف تأثيرها بحسب تجربة الشاعر؛ فهي حياة عند عمر بن أبي ربيعة، شفاء عند صريع الغواني، وسم زعاف عند الثالث.
لم يحتاجوا إلى إلهة للحب أو رموز أسطورية لتصوير مدى تأثير العشق في النفس؛ بل كانت اللغة وحدها كافية لخلق هذه الصور المجازية دون الحاجة للخروج عن الواقع المحسوس.
في حين أن بعض الحضارات الأخرى لجأوا إلى الأساطير لتعويض القيود التي تفرضها لغاتهم، فاللغة العربية بذاتها هي وسيلة لاستحضار السحر والعمق دون الحاجة لصياغات خيالية معقدة.
مضى عامٌ على ذلك الطوفان، طوفان الأقصى الذي حمل معه أوجاعًا لا تحصى، وذكرياتٍ من بيوتٍ هُدّمت، وأطفالٍ شُردت، ونساءٍ بكين حتى جفّت المآقي، كل لحظة تمر كأنها سياط على أجسادٍ هزيلة، وكل يوم ينقضي كأنه عام من العذاب، كيف لفرحة يومٍ أن تخفي خلفها تلك الحقيقة المؤلمة؟ كيف لها أن تلبس ثوب البهجة، والجرح ما زال ينزف؟
وهل تذكرون ليلة مستشفى المعمداني؟ تلك الليلة التي ساد فيها الظلام وعمّ اليأس، قبل أن تمطر السماء بألم لا يوصف، كان المستشفى ملاذًا للضعفاء، بيتًا لمن لم يجد ملجأً غيره، ولكنه في تلك الليلة أصبح قبرًا مفتوحًا، يبتلع الأرواح بلا رحمة، ويغمر المكان برائحة الدم والدمار.
ولسان حال الكل: أبي إبني أين أمي؟ أخي أخي أين أختي؟ الكل سائل والكل مسؤول، وفجع الكل سائل ومسؤول.
في تلك الليلة كلنا نقول كمن قال: فاجع فاجع ورُزْء مهول وأسًى مُطبقٌ عريضٌ طويل، صدمةٌ رجَّت الوجودَ فلم يبقَ -لدى مَن لهم عقول- عقول، كلُّ عينٍ تزُوغُ في الأفقِ حيرى فترى الروح -في الدموع- تسيل، كلُّ قلبٍ يمور بالفجع مورا فترى ذبذباتِ حزنٍ تجولُ، في وجوهٍ تُذيبها حسراتٌ وانصهارٌ توتُّرٌ.. وذهول، بالدُّعاء غَصَّت الحناجر حتى ذابَ فيها الدُّعاء، وماتَ العويل، والكلُّ يرنو لا مطاف إلا الدموعُ السيول.
هلكوا والأحضانُ تهفو إليهم أينَ -لا أين– للنجاةِ سبيل؟
كم جمالٍ وكم شباب وأحلامٍ ومجدٍ أحرقتِ يا إسرائيل!
ليتَ شعري مَن كان يحسب هذي ليلة العمر ما وراها قفول؟
كيف لم تُحرزوا دقيقةَ صمتٍ؟ إنَّ عامًا مِنَ الحداد قليل!
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
كم هي غبية وطائشة حجج أصدقاء اليهود المتخلفين في مواجهة مشكلة شغلت البشرية لآلاف السنين! كيف سيشعرون بالفجوات إذا استطاعوا أن يروا يهودهم الأعزاء في السلطة! ولكن ذلك سيكون متأخرا جدا. ولهذا السبب من واجب القيادة الوطنية أن تتخذ جميع التدابير اللازمة لمنع حدوث مثل هذا الشيء. هناك اختلافات بين الناس تماما كما توجد اختلافات بين الحيوانات.
بعض الناس جيدون ، والبعض الآخر سيء. وينطبق الشيء نفسه على الحيوانات. حقيقة أن اليهودي لا يزال يعيش بيننا ليست دليلا على أنه ينتمي بيننا ، تماما كما أن البرغوث ليس حيوانا أليفا منزليا لمجرد أنه يعيش في منزل.

- غوبلز
يجب أن يأتي اليوم الذي يتعين علينا فيه الرحيل، وإذا اضطررنا يومًا ما إلى مغادرة مشهد التاريخ، فسوف نغلق الباب بقوة حتى يهتز الكون وتقف البشرية في حالة ذهول.
- غوبلز

آخر صورة لجوزيف غوبلز عام 1945.5.2 في ساحة مستشارية الرايخ.
يمتلك الإنسان انجذابا فطريا نحو القوة العارية الساحقة التي تجسد هيمنة قاهرة على الأعداء، قوة لا تتوقف عند أي حدود وتفرض إرادتها دون مراعاة للمثالية أو الأخلاق، وهذا الانجذاب تعبير عن رغبة في رؤية طموح القوة وهو يتحقق على أرض الواقع، بشكل يتجاوز مجرد البقاء إلى السيطرة الكاملة على المصائر، وإذا نظرنا تاريخنا العربي، فالدولة الأموية كمثال، نرى كيف أنها لم تقتصر على إخضاع العرب، بل امتدت لتغزو الفرس، والروم، والفرنجة، والأيبيريين، والترك، وصولا إلى حدود الصين، وهذا التوسع كان تجسيدا لرغبة جماعة معينة في قهر من حولهم وتوحيدهم تحت رايتهم، وهي رغبة انبثقت من طموحات أشخاص بعينهم، مثل معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان، الذين لم يروا في الحياة السياسية مجرد إدارة للشؤون اليومية، بل مسرحا لتحقيق السيادة المطلقة، وهذا الانجذاب للقوة العارية لا يقتصر على الماضي، بل يستمر حتى اليوم، حيث ينجذب كثيرون إلى الشخصيات التي تمتلك القوة القاسية والتي تمثل القدرة على إخضاع الأعداء وتحقيق النصر بلا رحمة، هذه الظاهرة ليست غريبة في تاريخ البشرية، هي متجذرة في الطبيعة البشرية التي تتوق لرؤية القوة في أبسط صورها وأكثرها مباشرة؛ القوة التي لا تعترف بالعوائق ولا تخضع لاعتبارات أخلاقية أو عاطفية.
القوة الساحقة تُلهب الخيال لأنها تمثل الحرية الكاملة، الحرية من القيود التي تفرضها الأنظمة والمعايير الاجتماعية، وتمثل استجابة حقيقية لرغبات مكبوتة في قهر الآخرين وتحقيق الهيمنة، وهو ما يجعل دولا مثل الدولة الأموية تحظى بإعجاب الكثيرين من شباب اليوم، فالبشر على مر العصور كانوا وما زالوا يميلون إلى تمجيد القادة الذين يحققون إرادتهم بالحديد والنار، الذين يقهرون الأعداء وينتصرون، لأن هذا الانتصار يعكس جزءا من التوق البشري القديم للسيادة المطلقة.
حتى في العصر الحديث، وفي ظل هيمنة الأفكار الديمقراطية وحقوق الإنسان الانجذاب إلى القوة العارية لا يزال حاضرًا، حيث يميل الناس إلى الإعجاب بالشخصيات والأنظمة التي تستطيع أن تفرض إرادتها بقوة على العالم، متجاوزة التحديات ومعاندة الأعداء.
إيران، على سبيل المثال، تجذب الكثيرين اليوم بسبب ما يرونه فيها من تجسيد لقوة مناهضة لإسرائيل والغرب، وهي قوة تعمل على قهر العوائق العالمية وفرض إرادتها على الساحة الدولية، رغم الضغوط والعقوبات. إيران، في عيون كثيرين رمز لقوة تصمد أمام الهيمنة الغربية، وتعيد إحياء صورة المقاومة القوية التي لا ترضخ ولا تستسلم، وهذا الإعجاب بالقوة لا يتعلق فقط بالسياسة الخارجية لإيران، بل يمتد إلى شكل النظام الذي يظهر صلابة داخلية وقدرة على السيطرة وتوجيه الأمور رغم كل الصعوبات.
هناك توق عميق في النفس البشرية لرؤية قوة تتحدى وتغلب، وتنتصر على ما يبدو مستحيلا وتسحق كل أعدائها.
سأل أحد الجنود نابليون قبيل اندلاع معركة واترلو: هل الله معنا نحن الكاثوليك، أم مع الانجليز البروتستانت؟
فأجاب نابليون: الله مع صاحب المدفع الأكبر.
طُبع ابن آدم على اللؤم: فمِن شأنه أن يتقرب ممن يتباعد عنه، ويتباعد ممن يتقرب منه.
- الشافعي

طبيعة النفس أنها تتوق دائمًا إلى ما هو بعيد عنها، وتزهد في ما هو قريب منها، وكأنها تبحث عن العسير والمحال، مغفلة عن فضل القريب وسهل المنال.
وكأن في هذه النفس شهوةً خفية للمعاناة، بحثًا عن لذة لا تتأتى إلا من المشقة، فإذا كان الأمر قريبًا ميسورًا، استرخصته وملّته، وإذا كان بعيدًا شاقًا، استشعرته نفيسًا، وسعت إليه بكل ما تملك من جهد. تجري وراء السراب، تُمني نفسها بمجهولٍ لا تدري ما يحمل لها، سرور أم خيبة، بينما تترك خلفها النعمة القريبة، تلك التي ما إن أدركت فقدها حتى ناحت عليها، ندمًا على ما فرطت في جنبها.
الحقيقة المرة تكمن في أن النفس، حينما تنال ما سعت إليه، ينطفئ بريقه في عينيها شيئًا فشيئًا، فالضمان الذي تظن أنه نهاية الصراع ليس إلا بداية انحلال ما نالته إلى حالة باهتة، لا تثير في النفس إلا النفور والإشمئزاز، وكأن الفوز المطلق يحمل في طياته بذور الخيبة، فكلما استقر الشيء في يد صاحبه وفقد جاذبية الصراع، انكشف زيفه وزالت عنه الهالة التي كانت تحيطه، فما إن تضمنه بين يديها حتى تكتشف أن ما كان يوماً مرادها الأسمى قد بات عبئاً ثقيلًا لا يثير إلا مشاعر الأسف على الجهد المبذول في سبيله.
وهنا يتجلى الفارق بين اللئيم والكريم، فاللئيم بطبعه ينقلب على كل نعمة أدركها، ويبخس كل فضل ناله، يرى فيما بين يديه قليلاً تافهاً، وفيما بعد عنه غايةً تستحق السعي، أما الكريم، فهو من يدرك حقًا قيمة ما فاته، فيظل طوال حياته مدينًا لكل رغبة تحققت أو لم تتحقق، ولكل حوجاء ولوجاء نالها أو حالت الظروف بينه وبين نيلها، ولا ينسى ما اشتهاه ولم يدركه، ولا يُعرض عن ما أحبه وكَلِف به، وإن حال القدر بينه وبين تملكه، يُقدِّر ما كان يتوق إليه، لا ينقص من قدره ولو حصل عليه، يعلم أن النفس إذا ضمنت شيئًا، غلب عليها طبع الاستكبار والطمع، فتقلل من قيمة ما بين يديها، غير أنه يعاكس هذا الطبع، فيظل مدينًا شاكراً لكل ما ناله ولكل ما منعه، مقدرًا لكل لحظة لم يعشها مع ما كان يتوق إليه.
عكس اللئيم، الذي ما إن يُدرك شيئًا حتى يزدريه، ويظل ينظر إلى ما لم ينله بعين الطمع، جاحدا لكل نعمة ومُعرِضًا عن كل فضل.
الكرم والعزة والنبل لا يُنالها المرء إلا بمجاهدة النفس ومغالبة طباعها اللئيمة، فالنفس بطبعها تميل إلى الشح والبخل، وتستكين إلى الدعة والذل، وتميل إلى اللؤم وجحد الود والخل، وإنما تسمو النفوس بمجاهدة الطباع.
ولستُ أولُّ من قد ردَّه كلِفا...

- شاعر شنقيطي قديم ملقب بالذئب الكبير
استُنزف الكلام في هذا العصر عن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة حتى أصبح موضوعًا مُملًّا يصلح فقط للثرثرة على منصات التواصل الإجتماعي، ولكن الكل يهمل حقيقة جلية هي لب المسألة، ولأنني بحمد الله لا أرى نفسي من الذين يظنون أن بإمكانهم كتابة مجلدات حول هذا الموضوع المبتذل، فإنني سأكتفي بتقديم خلاصة بسيطة استقيتها من قراءات وكتابات بعض الأصدقاء، والمسألة في جوهرها بسيطة جدًا، لكنها معقدة على عقول البشر المعاصرين الذين أغرقوا أنفسهم في أوهام المساواة والعقلانية.
المسألة أن الإنسان الحديث يرفض الاعتراف بأن للرجل عضوًا معينا، لا يخضع لقوانين المنطق، ولا يعترف بثنائية العقل والجسد، ولا يعترف سوى بإرادة القوة، ويُعيد صياغة الكوجيتو الديكارتي من جديد، ليكون (أكرمكم الله وأعزكم): "أنا منتصب، إذًا أنا موجود".
هذه هي الحقيقة الجلية التي لا يريد الإنسان المعاصر الاعتراف بها لأننا نعيش في عصر يحكمه الوهم الطوباوي.
وعليه يصبح من حق أي رجل، أن يعترض على كل ما يجعل زوجته أو بناته أو أخواته في محيط رجال آخرين.
الطبيعة البشرية لا تخضع غالبا لضميرك الأخلاقي، ولا تهتم لمفاهيمك الليبرالية عن الحرية والمساواة، والنزعات البشرية لا تهتم بمبادئ المساواة الكاذبة التي تُروج لها الحضارة الحديثة، ولا تعترف بتلك الخدع التي تحاول أن تسوّق أن الإنسان يمكن أن يُصاغ كعجينة في أيدي المهندسين الاجتماعيين.
2024/10/09 23:28:03
Back to Top
HTML Embed Code: