Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
5629 - Telegram Web
Telegram Web
ابن النفيس وخرافة التطور!

أصل العلوم التجريبية كلها: مشاهدة بعض الحكمة فيما خلق الله عز وجل في الإنسان والحيوان والنبات والجماد، ثم استنباط القواعد والفوائد وتطبيقها بحسب الإمكان

وإذا تدبر الإنسان -كل بحسب علمه- ما في بدنه من عجائب الحكمة الإلهية وبديع الإحسان لم يتمالك نفسه أن ينطق بما نطق به الفاروق عمر رضي الله موافقا به كلام الله عز وجل: "فتبارك الله أحسن الخالقين"

ثم بالنظر في الوراثة وقانونها وبالاستفادة من حكمة الأقدمين تعلم أن البشر كلهم من أصل واحد، يشتركون في الأوليات البديهية التي تقودهم للتعاون وحفظ الأنفس والأموال واعتناق الدين ومعرفة أصول الخيرات والشرور في هذا العالم وتكوين الأسرة بما فيها من تراتبية الرجل والمرأة وكل ذلك مشترك بين عامة الأمم يجزم الناظر فيه أنه من الفطرة البشرية.

إذا تبين ذلك، وتعزز بما في أدلة الوحي الصادق من إثبات خلق الإنسان في أحسن تقويم، وتصويره على هيئة البشر، وإنزال أنواع الحيوان بأسمائها، بطل حينئذ أصل ما بنيت عليه خرافة التطور (الطفرات العشوائية التي يبقى منها الأصلح للتكيف)

وإذا ثبت صنع الحكيم العليم الذي أتقن كل شيء، بطلت دعاوى التطور الموجه فالله عز وجل قد أخبرنا عن خلقه للإنسان في مواضع لا تحصى من الكتاب والسنة وما ورثه الصحابة والتابعون من العلم عن الأنبياء.

وقد يظن بعض الناس أن اعتقاد التطور طارئ على البشرية لم يعرف من قبل داروين ومن تابعهم من القائلين بالصدف والانتقاء؛ والحق أنه قد ظهر ذلك في قديم الزمان عند من أصم آذانه وأغشى بصره عن الاهتداء بالوحي والبراهين اليقينية الصادقة

فقد حكى ابن أبي حديد عن الهنود اعتقادا يدخل في مذاهب التطوريين

[https://www.tgoop.com/alkulife/3542]

ثم وقفت على كلام لابن النفيس المتطبب الفاضل في شرح التشريح يحكي مذهبا من مذاهب القائلين بالصدفية العشوائية (التي هي أصل التطور) وينقضه جملة،

قال ابن النفيس:

"قد منع قوم من الأولين منافع الأعضاء، وقالوا إنها لم تخلق لمنفعة بعينها وأنها هي وغيرها إنما وجدت بالاتفاق، وذلك لأن الفضاء عند هؤلاء فيه أجزاء لحمية، وأجزاء عظمية، وأجزاء أرضية، وأجزاء سماوية وغير ذلك. وإن هذه الأجزاء دائمة الحركة، فإذا اتفق منها أجزاء اجتمعت فصارت مثلا أرضا أو سماء أو فرسا ونحو ذلك. فإن صلح ذلك للبقاء بقي، فإن صلح مع ذلك للنسل نسل، واستمر نوعه بالتواليد وما لم يصلح لذلك فتي وفسد.

ولا امتنع عند هؤلاء في أن يوجد ما نصفه إنسان ونصفه سمكة أو بغل ونحو ذلك، وليس شيء من ذلك مقصودا بحكمة أو غرض ولعل في ذلك الفضاء عوالم لا نهاية لها، ونباتات، وحيوانات على هيئات غير معهودة عندنا.

والحق أن هذا باطل، وأن الله تعالى، وإن كان لا يفعل لغرض، فأفعاله لا تخلو عن الحكم، ولولا ذلك لكان هذا الوجود عبثا وهو محال، وتحقيق هذا إلى علم آخر.

والذي ينبغي أن نقوله الآن: أن الخالق تعالى وحده لعنايته بهذا العالم يعطي كل متكون ما هو له أفضل من الجوهر والكم والكيف وغير ذلك. فأي شيء من ذلك علم وجوده لعضو علم كذلك ظن أنها هي الغاية، وإن كان يجوز أن تكون خلقته لذلك لسبب آخر خفي عنا لا لما ظنناه منفعة."

أقول: وهذا الكلام في جملته حسن جدا، ففيه إثبات الحكمة، وفيه إثبات الغاية في إتقان الصنع، وفيه الاعتراف بتطرق الجهالة إلى علوم الأطباء والتجريبيين عامة، وأنه يجوز أن تستبين للعضو منفعة أخرى غير المظنونة، فقارن هذا بمن يزعم أن بعض ما في أعضاء الإنسان مخلفات تطورية وزوائد من العيوب التي لا معنى لها بجهله!

وينبغي عليك أن تفهم حدود المعارف التجريبية وأنها لا تعارض القطعيات الثابتة في الشرع والعقل بوجه من الوجوه، وقد جمعت في ذلك كلاما حسنا فراجعه هاهنا

بين العلم الشرعي والعلم الطبيعي ~ نقد دعاوى الطبائعيين وتقويم مسالك البحث العلمي 👇

[https://www.tgoop.com/ibntaymiyyah728/5550]

مناقشة شيخ الإسلام لقول الغزالي: "ليس في الإمكان أبدع مما كان" وبيان وجوهه

[https://www.tgoop.com/ibntaymiyyah728/4381]


والله أعلم
.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
خطورة الفردانية تتجلى في تجربة تربوية!

د. عبدالرحمن ذاكر الهاشمي

[https://youtu.be/yuyHCqspbeQ?feature=shared]

.
عطفا على مقال: الشهادات التاريخية في الكتب الفقهية

[https://www.tgoop.com/ibntaymiyyah728/2794]

قال الوزير أبو المظفر يحيى ابن هبيرة الحنبلي في [الإفصاح عن معاني الصحاح _ قسم شرح الفقه على المذاهب الأربعة (١ / ٢٥٨) ]:

"وقال الشافعي في الجديد وأحمد: إن الإحصار بمكة والإحصار قبل الوقوف بعرفة وبعد الوقوف بها كله سواء في إثبات حكم الإحصار وأن المحصر في حالة من هذه الأحوال كمن لم يقدر عليها كلها.

قال الوزير يحيى بن محمد: والصحيح عندي في هذه المسألة، ما ذهب إليه الشافعي في قوله الجديد وأحمد؛ فإن قوله تعالى: "فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" محمول على العموم في حق كل من أحصر سواء كان قبل الوقوف أو بعده وبمكة أو بغيرها وسواء كان طاف بالبيت أو لم يطف.

وأن له أن يتحلل كما قال الله تعالى؛ لأنه سبحانه وتعالى أطلق ذلك في قوله ولم يخصصه.

وعلى ذلك فيما جرى للحاج في سنة سبع وخمسين وخمسمائة؛ فإن الذين صُدّوا عن المسجد الحرام وخاف كل واحد منهم الهلاك والقتل ليس على أحدهم إلا ما استيسر من الهدي والله أعلم."


قال الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام (١٢ / ٢١):

"سنة سبع وخمسين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها أن الحاج العراقي وصلوا مكة، فلم يدخل أكثرهم لفتن جرت، وإنما دخلت شرذمة، ورجع أكثر الناس بلا حج.

إلى أن قال: جاءت الأخبار بما تم على الحجيج، عاث عبيد مكة في الركب، فثار عليهم أصحاب أمير الحاج، فقتلوا منهم جماعة، فردوا إلى مكة وتجمعوا، ثم أغاروا على جمال الحاج، فانتهبوا نحوا من ألف جمل، فركب أمير الحاج وجنده بالسلاح، ووقع القتال وقتل طائفة. ثم جمع الأمير الناس، ورجع بهم ولم يطوفوا." انتهى كلامه رحمه الله

قال ابن الأثير في كامله (٩/ ٢٨٨ - ٢٨٩):

"كان أمير مكة، هذه السنة، قاسم بن فليتة بن قاسم بن أبي هاشم العلوي الحسني، فلما سمع بقرب الحجاج من مكة صادر المجاورين وأعيان أهل مكة، وأخذ كثيرا من أموالهم، وهرب من مكة خوفا من أمير الحاج أرغش.

وكان قد حج هذه السنة زين الدين علي بن بكتكين، صاحب جيش الموصل، ومعه طائفة صالحة من العسكر، فلما وصل أمير الحاج إلى مكة رتب مكان قاسم بن فليتة عمه عيسى بن قاسم بن أبي هاشم، فبقي كذلك إلى شهر رمضان، ثم إن قاسم بن فليتة جمع جمعا كثيرا من العرب أطمعهم في مال له بمكة، فاتبعوه، فسار بهم إليها، فلما سمع عمه عيسى فارقها، ودخلها قاسم فأقام بها أميرا أياما، ولم يكن له مال يوصله إلى العرب، ثم إنه قتل قائدا كان معه أحسن سيرة، فتغيرت نيات أصحابه عليه، وكاتبوا عمه عيسى، فقدم عليهم، فهرب وصعد جبل أبي قبيس، فسقط عن فرسه، فأخذه أصحاب عيسى، وقتلوه، فعظم عليه قتله، فأخذه وغسله ودفنه بالمعلى عند أبيه فليتة، واستقر الأمر لعيسى، والله أعلم."

أقول: تأمل تفاعل الفقهاء وحرصهم على إصلاح أمر الناس وتضمينهم "أحكام النوازل" في شرح الفقه، وهذا باب ينتفع به المفتون أشد الانتفاع؛ فالفتوى في النازلة في الأعم الأغلب تكون بعد تشبيهها بما ذكره العلماء في كتبهم مما وجدوه.

ومن تدبر كتب المفتين المطلعين في ذلك الزمان وفي زماننا وجد من ذلك شيئا كثيرا، واعتبر بمسائل الإمام أحمد، وما صنفه شيخ الإسلام وابن القيم، وكتب علماء الدعوة السلفية وشروحهم وحواشيهم.

وأصل ذلك أن القرآن والسنة فيهما أحكام كل حدث حتى تقوم الساعة، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، ومن صرف همته وتجرد إلى معرفة مراد الله عز وجل من النصوص، حصل له ذلك بحسب توفيق الله عز وجل وتبصيره لعبده.

فماذا عسى العلماء يكتبون في مصنفات الفقه في هذا الزمان والأمر على ما ترى؟!

انظر: كتب الفقه والأدب شاهدة على معاملة جميلة ما زال بعض الناس يتعامل بها اليوم:

[https://www.tgoop.com/ibntaymiyyah728/5572]

.
معضلة المصلح المفسد (مفاتيح الإصلاح في كتاب الله عز وجل)

أخبر الله عز وجل في غير موضع من كتابه العزيز أن طائفة من الناس (يفسدون) وهم يظنون أنهم (مصلحون)، وحذرنا سبحانه وتعالى من صفاتهم وعرفنا سبيل الذين أنعم عليهم سبحانه حتى نقتدي بهم

فلم يقتصر ذكر المفسدين على ذكر فاسدي النيات، بل شمل صنفا آخر، هم الذين ذكرهم الله عز وجل في سورة الكهف: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يحسبون أنهم يحسنون صنعًا﴾

قال الإمام الطبري رحمه الله: "وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم. ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة. "

وقد جاء تقرير هذا المعنى في آيات وأحاديث كثيرة،

فمن ذلك قول الله عز وجل: "عاملة ناصبة"

روى الحاكم بسنده: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدير راهب فناداه: يا راهب يا راهب. قال: فأشرف عليه فجعل عمر ينظر إليه ويبكي، قال: فقيل له: يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا؟ قال: "ذكرت قول الله عز وجل في كتابه: ﴿عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية﴾ فذلك الذي أبكاني".

ومن ذلك قول الله عز وجل: ﴿إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة».

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ."

ولذلك كانت البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها والبدعة يتقرب إلى الله عز وجل بها، وتقرير هذا الأصل في كلام أهل العلم كثير جدا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"وسبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء - مع وجود الاختلاف في قول كل منهما: - أن العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد والاجتهاد، وهو مأمور في الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله، وإن لم يكن مطابقا، لكن اعتقادا ليس بيقيني، كما يؤمر الحاكم بتصديق الشاهدين ذوي العدل، وإن كانا في الباطن قد أخطآ أو كذبا، وكما يؤمر المفتي بتصديق المخبر العدل الضابط، أو باتباع الظاهر، فيعتقد ما دل عليه ذلك، وإن لم يكن ذلك الاعتقاد مطابقا، فالاعتقاد المطلوب هو الذي يغلب على الظن مما يؤمر به العباد، وإن كان قد يكون غير مطابق، وإن لم يكونوا مأمورين في الباطن باعتقاد غير مطابق قط.

فإذا اعتقد العالم اعتقادين متناقضين في قضية أو قضيتين مع قصده للحق واتباعه لما أمر باتباعه من الكتاب والحكمة: عذر بما لم يعلمه وهو الخطأ المرفوع عنا،

بخلاف أصحاب الأهواء، فإنهم ﴿إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس﴾ ويجزمون بما يقولونه بالظن والهوى جزما لا يقبل النقيض، مع عدم العلم بجزمه، فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده، لا باطنا ولا ظاهرا، ويقصدون ما لم يؤمروا بقصده، ويجتهدون اجتهادا لم يؤمروا به، فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه، فكانوا ظالمين، شبيها بالمغضوب عليهم، أو جاهلين، شبيها بالضالين.

فالمجتهد الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق، وقد سلك طريقه، وأما متبع الهوى المحض: فهو من يعلم الحق ويعاند عنه.

وثم قسم آخر - وهم غالب الناس - وهو أن يكون له هوى، وله في الأمر الذي قصد إليه شبهة، فتجتمع الشهوة والشبهة، ولهذا جاء في حديث مرسل عن النبي - ﷺ - أنه قال: «إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات».

فالمجتهد المحض مغفور له أو مأجور، وصاحب الهوى المحض مستوجب للعذاب، وأما المجتهد الاجتهاد المركب على شبهة وهوى: فهو مسيء، وهم في ذلك درجات بحسب ما يغلب، وبحسب الحسنات الماحية.

وأكثر المتأخرين من المنتسبين إلى فقه أو تصوف مبتلون بذلك."

أقول: تأمل كلام هذا الخبير بأحوال السلف وأحوال المتأخرين، واعجب بعد ذلك لمن يزكي المتأخرين ويرفع قدرهم ويجعل السلف بمنزلة صالحي العوام ممن لم يحقق دقيق العلم، وإن أنكر ذلك بلسانه!

فكيف إذا تعدى حاله إلى تزكية نفسه وأصحابه بالإصلاح ووصف منازعيه بالمفسدين!

===
===

إذا تبين لك أن عامة أحوال المتأخرين فيها نقص، زاد تمسكك بما عليه السلف،

وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: " ألا فلا يقلدن رجل منكم دينه رجلا إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإن كنتم لابد فاعلين فببعض من قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة!".

وهذه قاعدة نفيسة قالها ابن مسعود رضي الله عنه لأصحابه وهم من ذراري الصحابة!

وإذا تتبعت ما وصف الله عز وجل به المصلحين في كتابه العظيم وجدت صفات المصلحين تدور على أشياء أذكر ما حضرني منها:

1. في قوله سبحانه: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ"
ففي هذه الآيات: ملازمة العبد سؤال مولاه الكريم الهداية والثبات عليها، ثم الاستهداء بسبيل الذين هدى الله وأنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، والذين زكاهم الله عز وجل في كتابه وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهم أهل السنة والحديث في كل عصر ومصر.

ومن أحب هؤلاء السادات الأخيار لهج بذكرهم، وتطبع بطباعهم، ووالى من يواليهم وعادى من يعاديهم ويطعن في طريقتهم، وكان من محبته لهم حريصا على دلالة الناس عليهم لا يستبدل كلامهم بكلام من قل علمه وكثر جهله ممن غير وبدل من أهل الكلام والرأي والتصوف المحدث والسياسة المحدثة.

2. في قوله سبحانه: "فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى"
ففي هذه الآية: بيان أن من شأن المؤمنين وصفاتهم وجود الإيمان فيهم، ودوام الإشفاق على إيمانهم، وشدة الحذر على أديانهم، فقلوبهم وجلة من خوف السلب، قد أحاط بهم الوجل، لا يدرون ما الله صانع بهم في بقية أعمارهم.
فلذا تجد أتباع الأنبياء أبعد الناس عن تفخيم أنفسهم بالألقاب، وتجد شأن الألقاب إنما شاع واشتهر فيمن بعدهم، وقد قال الصدّيق رضي الله عنه: "وَلِيتُكُمْ وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ" فكيف يصنع من بعده؟!

فكثير من الناس يخبر عن هذه الفرق بحكم الظن والهوى فيجعل طائفته والمنتسبة إلى متبوعه الموالية له هم أهل السنة والجماعة؛ ويجعل من خالفها أهل البدع وهذا ضلال مبين. فإن أهل الحق والسنة لا يكون متبوعهم إلا رسول الله ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى فهو الذي يجب تصديقه في كل ما أخبر؛ وطاعته في كل ما أمر وليست هذه المنزلة لغيره من الأئمة بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ. فمن جعل شخصا من الأشخاص غير رسول الله ﷺ من أحبه ووافقه كان من أهل السنة والجماعة ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة - كما يوجد ذلك في الطوائف من اتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك - كان من أهل البدع والضلال والتفرق.

3. في قوله سبحانه: "وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ".

وإذا تذكر الإنسان نعمة الله عز وجل عليه، وأن الله عز وجل هداه بعد ضلالة، وكساه بعد عري، وأطعمه بعد جوع، وآمنه بعد خوف، وعلمه ما لم يكن يعلم؛ فإنه حينها يتبرأ من حوله وقوته ويلتجئ لحول الله عز وجل وقوته، ويعلم أن حقيقة الهلكة: أن يكله الله عز وجل إلى نفسه طرفه عين.

وأثر ذلك عليه: أنه يحرص على بث العلم والخير بغير أجر، بل يعلِّم مجانا كما عُلِّم مجانا، ويفرح بتعلم الناس الخير ولو لم ينسب إليه، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله قولا جليلا لم يزل الناس بعده يذكرونه في آداب التعليم: "وما في قلبي من علم، إلا وددت أنه عند كل أحد، ولا ينسب إلي".

ومن كان هذا حاله، لم يبق في نفسه مثقال ذرة من كبر، بل لقي الله عز وجل بقلب سليم، ولم يرج من الناس جزاء ولا شكورا، فطوبى له!

===
===

4. في قوله سبحانه: " وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ"

فبين سبحانه حال أصفيائه من خلقه، وذكر جل وعلا أنهم دائمو الاستغفار، كاظمون للغيظ عافون عن الناس، محسنون صابرون محتسبون، ثابتون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم، ولم يكن فعل الذنب منهم إلا طائف من الشيطان فلما تذكروا أبصروا، وقد أخبر الله عز وجل أن عاقبتهم نزع ما في صدورهم من غل، وأنهم إخوان على سرر متقابلين، وهذه النفوس الزكية لا تحتمل تضييع الأعمار في توافه المنازعات، وليس عمل الواحد فيهم إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى!

5. في قوله سبحانه: "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"

فلا يستطيع مبتدع أن يسكن بين أظهرهم، بل حيثما وجدوا انتفى الخبث، وزالت الشرور، وعم الأمن، وحكّم شرع الله عز وجل في النفوس وظهر ذلك على أحوالهم، وعرفوا بثمارهم وآثارهم، فهم أنشط الناس في الذب عن السنة وأهلها، والدعوة إلى التوحيد والصبر على الأذى فيه، ونصروا المظلوم فيهم فأخذوا حقه، ونصروا الظالم فيهم فأخذوا على يديه، وهم أبعد الناس عن المحدثات صغارها وكبارها، وإذا اختلفوا ردوا الأمر إلى علمائهم وأهل الذكر منهم، ولم يستقلوا بفهومهم.

فلم يكن فيهم الظلم العظيم بالشرك وشعبه والتعطيل ومذاهبه، ولم يكن فيهم الظلم المتعدي إلا والحق قد بلغ صاحبه وانتصر له من المظلوم بالدلائل والبينات وشهادة العدول الثقات.

بل يتمثلون قول الله عز وجل: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" فهم يحيون بالله ولله متوكلين على الله يدفعون أقدار الله بأحكام الله!

بل إنك لو طالعت جميع كتبهم المصنفة من أولهم إلى آخرهم قديمهم و حديثهم مع اختلاف بلدانهم و زمانهم و تباعد ما بينهم و سكون كل واحد منهم قطرا من الأمصار وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة و نمط واحد يجرون فيه على طريقة لا يحيدون عنها ولا يميلون فيها، قولهم في ذلك واحد و نقلهم واحد لا ترى بينهم اختلافا و تفرقا في شيء ما و إن قل، بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم و نقلوه عن سلفهم وجدته كأنه جاء من قلب واحد و جرى على لسان واحد.

و هل على الحق دليل أبين من هذا؟

6. في قوله سبحانه: "يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا"

فالمصلحون على ضد ذلك؛ فدينهم ظاهر ليس فيه تقية وخفاء وباطنية، ولم يكونوا من السفهاء الذين استنكفوا أن يؤمنوا كما آمن الناس، ولم يكتموا أمرهم يستخفون بدين عن المسلمين، ولم يوالوا ويعادوا على عقائد في السر وأنكروا ذلك في العلانية، ولم يخترعوا دينا ينسب إليهم، بل إذا تتبعت كلامهم وجدته بحروفه ومعانيه عمن سبق من سلفهم الصالحين الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه.

اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون. اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

.
Forwarded from عبادٌ لله
اخوكم يا اخوه بحاجة دعائكم، اخر ساعة من الجمعة لا تنسوني، والله اني في هم وغم لا يعلم به الا رب العالمين.
Forwarded from سالم من شئت
السلام عليكم
دعواتكم لوالدي بالشفاء العاجل
من نفائس السبكي في ترجمته لشيخ الإسلام

قال علي بن عبدالكافي السبكي في آخر ترجمته لشيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه (ص ٢٧ - ٣١):

"ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ، قلنا: راح إلى الله تعالى، وهو أعلم به، عسى أن لا نَذْكُرَه، "تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ".

فَحَدَثَ من أتباعه قوم لا خَلَاقَ لهم ، جُهّال -قد ضَلُّوا به تقليدًا يُضِلُّون الناس بما كان يقولُه- من غير علم ويتسلطون على الناس به، فيؤذونهم.

وهذا لو لم يكن يعرفُ شيئًا من حاله إلّا أنّ قضاةً الشريعة حكموا بحبسه وحبسوه حتى مات، فينبغي لمن لا يَعرِفُ حاله اتباع حكم قضاة الشرع وما تَقَلَّدُوه من أمره، ومنعوه من الفتوى في حياته، فكيف يعمل بقوله بعد وفاته؟!

وله من الأتباع عَوَامَ يُعَلِّمُونَه تقليدًا ، ويُطْرُونَه. فإذا عارضهم عامي آخَرُ قد عَصَمَهُ اللهُ مِن مِثل حالهم -بما يعتقده فيه من الفقهاء السالمين- تَسَلَّطُوا عليه، وحملوه إلى من ينتقم منه؛ لاعتقاده أنه تَكَلَّمَ في عالم، وليس ما قاله فيه إلّا بعض ما قاله قضاة الشريعة فيه، وحكموا فيه لسببه.

وإن كان الشخص عارفًا فينظر في كتبه، وما شحنها به، نسأل الله العافية.

فالكلام فيه -بما فيه- نصيحة في الدين، يُثاب المرء عليها ، ويجب التحذيرُ منه ، ومن أتباعه كفا الله المسلمين شرهم.

وأرجو -إن شاء الله- أن لا يكون الحامل لي على كتابة هذه الأحرف إلا النصيحة؛ فإنّي خَشِيتُ الاغترار بأتباعه، وبعد العهد بمعرفته، فقلتُ بعض ما أعرفه بطريق العدل والإنصاف مِن غَيْرِ إطراء ولا إجحاف ومَن يُنكر السفر لزيارة المصطفى كيف تكون حاله؟! ومن أعجب الأشياء وقوفي له على رد على الحكم بحبسه يَتَكَلَّمُ فيه على لفظة في فتواه.

وهذا الرجل عجيب ، يَتَكَلَّمُ للعامة الذين يُفتيهم ، ويَعِظُهم ، بكلامٍ لا يفهمون منه -ولا غَيْرُهم مِن أكثر الناس- إلا معنى، فإذا حُوقِقَ عليه أَخَذَ يَتَأَوَّلُه، ويكون قد أَدْرَجَ في كلامه شيئًا ليبقى له طريقا إلى التأويل.

وهذا ليس بيانا وهدى، بل تلبيسا وإضلالا؛ فإنَّ العوام إِنَّما يفهمون من المفتي والواعظ ظاهر قولهم ، وما نُصب المفتي والواعظ والمعلم إلا للبيان، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلّم: "لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ".

فمطلوبُ الشرع البيان والعلماء ورثة للأنبياء المطلوب منهم، وهذا الرجل بالضّد من هذا عند إحجامه عن ظاهر كلامه، ونُزُوعِهِ إلى تأويله. فإن كان هذا مرادَه مِن الأوَّل، فلِمَ أَطْلَقَ كلامَهُ وحَمَلَ الناس على ظاهره؟

وإنْ لَمْ يَكُن مرادَه مِن الأَوَّل، وإِنَّما جَنَّحَ إليه عند المحاققة، فما هكذا كان شأن العلماء!

فالسلامة من هذا الرجل تركه بالكلية، وترك كلامه مهما أمكن.

ومَن عُلِمَ منه الفتوى بشيء مما انفرد به يُؤَدَّب ، ويُؤْخَذ على يديه، لِيَسْلَمَ الناسُ منه.

والله تعالى يحفظ دينه، وينصر مُعِينَهُ، بِمَنْهِ وَكَرَمِه."

أقول: انظر إلى ما في هذا النقل من النفائس:

فأولها: حسن احتجاج السبكي بأغلوطة علماء العصر وقضاة الشرع، ولو عرض هذا الاحتجاج على من يلهج بذكر المتأخرين لبهت وما عرف جوابا إلا الإحالة على متأخر يعظم الشاهدين للسبكي بالإمامة والتجديد.

وقس عليه فعل المعارضين للسنن والآثار الثابتة في ذم الرأي المحدث وأهله بأفعال المتأخرين وأحكامهم، أفكان كل أعداء عبدالغني المقدسي وابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب على ضلال وهم القضاة والعلماء والمفتون؟!

وثانيها: الشهادة لشيخ الإسلام بأنه عالم أمة حريص على نفع المسلمين وهدايتهم المتفقه والعامي.

وثالثها وهو أظرفها: طعن السبكي على الشيخ بالتأويل المزعوم، والشيخ دقيق وكلامه يجمع النظير إلى نظيره فيفهم مراده بما لا يعلمه السبكي البليد، والعجيب أن ينكر السبكي التأويل من الشيخ لكلامه ويستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم يبين للناس ما نزل إليهم، ثم السبكي وأشياخه يذهبون إلى تأويل آلاف الأدلة في علو الرب على عرشه، وأمثلهم طريقة من يجعل هذه النصوص على جهة التخييل!

ورابعها: ضرورة ترك ما اشتبه عليه العلماء والفقهاء و"الأجلة" المتأخرون، -وقد عزلوا ابن تيمية وحبسوه- والتمسك بما عليه المذاهب الأربعة (اقرأها بلكنة أزهري متقعر) وما ورثه الطرقية عن مشايخهم!

وخامسها: تنبيه السبكي على سلامة قصده، وأنه يخاف من ضلال المسلمين؛ ولم يسب ابن تيمية هاهنا خلافا لما صور جهال أصحابنا، فالسبكي على التحقيق منصف يتحرى ما عليه جماهير علماء السنة من الأشعرية والماتردية في ردودهم على النابتة الحشوية المجسمة!

وسادسها: تنبيه السبكي على تعصب العوام للشيخ، فإن كان باطلا فهو تكذيب للسبكي وقد أعاد ذكر ذلك مرارا وتكرارا، وعامة المتكلمين بأهوائهم في مسألة الأشعرية يجعلون السبكي مثالا على المعذور بحسن قصده وسعة علمه، وإن كان حقا فليس ذلك طعنا على الشيخ إذ لا يتحمل وزر المتعصبين، فعلام يطعن على المشايخ بأتباعهم؟!

فما أنتم فاعلون يا عبيد المتأخرين؟!

.
﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾

عَنْ قَتَادَةَ: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا﴾ فَعَادُوا، فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا ﷺ: «فَهُمْ يُعْطُون الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ»

وقال الطبري: "وإن عدتم يا معشر بني إسرائيل لمعصيتي وخلاف أمري، وقتل رسلي، عدنا عليكم بالقتل والسباء، وإحلال الذل والصغار بكم، فعادوا، فعاد الله عليهم بعقابه وإحلال سخطه بهم."

وقال شيخ الإسلام: "فكان ظهور بني إسرائيل على عدوهم تارة، وظهور عدوهم تارة من دلائل نبوة موسى ﷺ، وكذلك ظهور أمة محمد ﷺ على عدوهم تارة، وظهور عدوهم عليهم تارة هو من دلائل رسالة محمد وأعلام نبوته، وكان نصر الله لموسى وقومه على عدوهم في حياته وبعد موته، كما جرى لهم مع يوشع وغيره من دلائل نبوة موسى، وكذلك انتصار المؤمنين مع محمد ﷺ في حياته وبعد مماته مع خلفائه من أعلام نبوته ودلائلها، وهذا بخلاف الكفار الذين ينتصرون على أهل الكتاب أحيانا، فإن أولئك لا يقول مطاعهم: إني نبي، ولا يقاتلون أتباع الأنبياء على دين، ولا يطلبون من أولئك أن يتبعوهم على دينهم، بل قد يصرحون بأنا إنما نصرنا عليكم بذنوبكم، وأن لو اتبعتم دينكم لم ننصر عليكم، وأيضا فلا عاقبة لهم، بل الله يهلك الظالم بالظالم ثم يهلك الظالمين جميعا، ولا قتيلهم يطلب بقتله سعادة بعد الموت، ولا يختارون القتل ليسعدوا بعد الموت، فهذا وأمثاله مما يظهر به الفرق بين انتصار الأنبياء وأتباعهم، وبين ظهور بعض الكفار على المؤمنين أو ظهور بعضهم على بعض."

وقال ابن كثير: "مَتَى عُدْتُمْ إِلَى الْإِفْسَادِ عُدْنَا إِلَى الْإِدَالَةِ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا نَدَّخِرُهُ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ".

وقال الشنقيطي: "ثم بين أنهم إن عادوا إلى الإفساد عاد إلى الانتقام منهم بقوله: وإن عدتم عدنا، فعادوا إلى الإفساد بتكذيبه ﷺ وكتم صفاته التي في التوراة، فعاد الله إلى الانتقام منهم، فسلط عليهم نبيه ﷺ فذبح مقاتلة بني قريظة، وسبى نساءهم، وذراريهم، وأجلى بني قينقاع، وبني النضير، كما ذكر تعالى طرفا من ذلك في سورة الحشر، وهذا البيان الذي ذكرنا في هذه الآية ذكره بعض المفسرين، وكثير منهم لم يذكره، ولكن ظاهر القرآن يقتضيه؛ لأن السياق في ذكر أفعالهم القبيحة الماضية".

قال الشيخ أبو جعفر الخليفي حفظه الله في مقال له: "فالسلف لم يفهموا الحصر بمرتين حتى تجعلوا إفسادهم المعاصر ناقضاً لما ذكره السلف من تنزيل الآية على حادثة سابقة بل سياق الآيات ظاهر في أن الإفسادين قد مضيا بدليل قوله تعالى : ( وإن عدتم عدنا )
فالتفسير المعاصر محض قرمطة".


أقول: وبهذا البيان تعلم صحة ما فسر به السلف الصالح كتاب الله عز وجل، وأن تفاسيرهم لم تكن عن جهل بكتاب الله عز وجل حاشاهم من ذلك، وإنما تكلف بعض المتأخرين من الحزبيين وغيرهم الرد على السلف الكرام لما ضاق عقله عن فهم اتساع لسان العرب وعظمة بيان القرآن، وانضاف إلى ذلك تأويل قوله سبحانه (عبادا لنا) بالمؤمنين خاصة جهلا بما أنزل الله وتخرصا بغير علم.

فويل لمن قال في القرآن برأيه!

.
السلام عليكم ورحمة اللّٰه وبركاته..

دعواتكم لجدتي فهي في حالة حرجة، وفي أمسِّ الحاجة لدعواتكم بالشفاء والتخفيف، جزاكم اللّٰه خيرا!
بدأ أخونا الشيخ الأنصاري بن إبراهيم -رحمه الله- هذا المجلس بأخبار في شفاعة الشهيد وفضل الشهادة.

اليوم جاءني خبر وفاته في غزة على إثر غارات العدو الصهيوني اللعين.

الأخ عرفته قريباً من مقطع له كان يحمل اسمي، وظننته نقدياً ولكنني فوجئت بأن الأمر ليس كذلك.

حتى كنت أقول لبعض الأخوة: هذا الأخ مشفق علي أكثر مني على نفسي.

طوبى لمن جُمعت له أسباب الخير من سنَّة (اعتقاد صحيح)؛ وعلم؛ وإنصاف؛ ورجاء شهادة.

قد كنت أتمنى لو أن حديث قتيل أهل الكتاب له أجر شهيدين كان صحيحاً.

غير أن فضل الله واسع جم، فقد ورد عن مطرف ابن الشخير قوله: «فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة» (وروي مرفوعا ولا يصح).

وصح عن النبي ﷺ قوله: «العبادة في الهرج كهجرة إلي»، وقد كان يقيم مجالس العلم والسنة في الهرج.

اللهم أجر شهيد ومهاجر للأنصاري، يا حي يا قيوم.
حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حدثنا سيار حدثنا جَعْفَرٌ قَالَ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ يَقُولُ :

«كَمْ مِنْ أَخٍ يُحِبُّ أَنْ يَلْقَى أَخَاهُ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ شُغُلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي دَارٍ لَا فِرْقَةُ فِيهَا» .

ثُمَّ يَقُولُ مَالِكٌ: «وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ يَا إِخْوَتَاهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِي دَارٍ لَا فرقة فِيهَا فِي ظِلِّ طُوبَى وَمُسْتَرَاحِ الْعَابِدِينَ».
"إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله

بعد رؤية حال بعض الناس وجهلهم  بمكانة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلو ذكر النواصب الجدد بعد كلام ذاك الرويبضة عن الحجاج بن يوسف الثقفي

رأيت أن الناس يحتاجون إلى بيان معتقد أهل السنة والجماعة، أهل الحديث في هذه المسائل بيانا تفصيليا 

فقد قصصت الأبواب المعنية من كتاب السنة للخلال الذي فيه ذكر معتقد إمام الدنيا في وقته، إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن محمد بن حنبل

وذكر معتقد أهل الحديث في الخلفاء الأربعة، وآل البيت وصفين والجمل وبني أمية ومكانة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكم الرافضة وكفرهم

فانشروا هذا العلم النافع الذي قد ينقذ الناس من الزلل والمغبة"

https://www.tgoop.com/Salem_3aa/1461
لماذا الكلام في عمر بن عبدالعزيز؟

روى أبو نعيم في الحلية (5 / 271) بإسناده عن إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني قال: حدثني أبي، عن جدي قال: "لما ولاني عمر بن عبد العزيز الموصل قدمتها فوجدتها من أكبر البلاد سرقا ونقبا، فكتبت إلى عمر أعلمه حال البلاد، وأسأله آخذ من الناس بالمظنة وأضربهم على التهمة؟ أو آخذهم بالبينة، وما جرت عليه عادة الناس؟ فكتب إلي أن آخذ الناس بالبينة وما جرت عليه السنة، فإن لم يصلحهم الحق فلا أصلحهم الله، قال يحيى: ففعلت ذلك، فما خرجت من الموصل حتى كانت من أصلح البلاد وأقله سرقا ونقبا."

قلت: وسيرة هذا الإمام السلفي الزاهد في الحكم والعلم والديانة مما كان الناس يغتبطون بها قديما ويفاخرون أقوامهم بها، حتى أن الملوك كانوا يودون لو أن فيهم عمر بن عبدالعزيز؛

قال الخطيب في تاريخه في سيرة المهتدي العباسي (4 / 553): أَخْبَرَنِي عبيد الله بن أبي الفتح، قَالَ: أخبرنا أحمد بن إبراهيم البزاز، قَالَ: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن عرفة، وذكر المهتدي فقال حَدَّثَنِي بعض الهاشميين: أنه وجد له سفط فيه جبة صوف وكساء وبرنس كان يلبسه بالليل ويصلى فيه، وكان يقول: أما يستحيي بنو العباس أن لا يكون فيهم مثل عمر بن عبد العزيز؟! وكان قد اطرح الملاهي، وحرم الغناء، والشراب، وحسم أصحاب السلطان عن الظلم، وضرب جماعة من الرؤساء، وكان مع حسن مذهبه وإيثار العدل شديد الإشراف على أمر الدواوين والخراج، يجلس بنفسه في الحسبانات ولا يخل بالجلوس يوم الاثنين والخميس والكتاب بين يديه.

وروى الخطيب عن المهتدي قوله: "ولكنني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز، وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك، فغرت على بني هاشم أن لا يكون في خلفائهم مثله، فأخذت نفسي بما رأيت".

قلت: وذلك أن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله اجتمعت فيه أمور قلما اجتمعت لغيره:

فأولها: أنه سليل أسرة الملك، وصهر مجدد ملك بني أمية عبقري زمانه عبدالملك بن مروان، فلو أراد عمر بحسن سيرته التقرب لعبدالملك لنال أمورا عظيمة

وثانيها: أنه تسلم الخلافة وقد ثبتت أركانها، ولو رضي بما أحدثه الخلفاء قبله من تقديم بني أمية في الولايات والجرايات لكان عذره قائما بدعوى تثبيت ملكه وإقرار آبائه.

وثالثها: أنه كان قبل خلافته في غاية الترف والشرف حتى أن رائحه عطره كانت معروفة عند الناس ثم آل به الحال إلى أن لم يكن يأكل إلا العدس والخبز القاسي، فقد انخلع من ماله بإرادته ولم يحبس في (الريتز) !

ورابعها: أنه كان صاحب سنة وتعظيم للسلف الصالح ومحبة لعلماء زمانه وإنكار للبدع والمحدثات، وله مناظرات محفوظة للخوارج والقدرية، وأحكامه فيهم معروفة.

والمقصود بيانه:

أن سيرة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ورضي عنه محل غيرة الملوك بعده إلى قيام الساعة، فقد جمع بين خيري الدنيا والآخرة، وسار بالعدل حتى كانت الذئاب ترعى إلى جانب الغنم، وفاضت الأموال حتى لم تجد مسلكا،

وتشبه الملوك بهذه السيرة يصعب عليهم؛ لقصور عقولهم عن مدارك السياسة السلفية التي سلكها الخلفاء الراشدون وعمر بن عبدالعزيز بعدهم، ولهوى أبهة الملك في أنفسهم وسيرة عمر تفسده.

فكثير من الملوك وأتباعهم لشبهة أو شهوة أو كليهما يظنون أن سياسة العدل لا تصلح للناس، وأنه ينبغي إحداث أقضية وقوانين وضعية تحكمهم، خاصة إذا وجد في البلد عدد من "الطوائف" وكان صاحب الملك يخشى أن تقريبه أهل السنة والحديث يفسد عليه ما يظنه مصلحة.

وينضاف إلى ذلك: جهل كثير من الحركيين الإسلاميين بحقيقة السياسة الشرعية وميزان المصالح والمفاسد وعقليتهم "الصفرية الحدية" التي لا ترضى إلا بخيالات مثالية إن لم يتحصلوها سعوا في الخروج على سلاطين زمانهم ولو أفضى ذلك إلى سفك الدماء وانعدام الأمن وهدم الدولة.

قال شيخ الإسلام -والنقل مستفاد- : "فلما صارت الخلافة في ولد العباس واحتاجوا إلى سياسة الناس وتقلد لهم القضاء من تقلده من فقهاء العراق ولم يكن ما معهم من العلم كافيا في السياسة العادلة .
احتاجوا حينئذ إلى وضع ولاية المظالم وجعلوا ولاية حرب ! غير ولاية الشرع
وتعاظم الأمر في كثير من أمصار المسلمين حتى صار يقال : الشرع والسياسة !
وهذا يدعو خصمه إلى الشرع وهذا يدعو إلى السياسة
سوغ ( هذا للحكام ) أن يحكم بالشرع والآخر بالسياسة .
والسبب في ذلك أن الذين انتسبوا إلى الشرع قصروا في معرفة السنة فصارت أمور كثيرة إذا حكموا
ضيعوا الحقوق وعطلوا الحدود حتى تسفك الدماء وتؤخذ الأموال وتستباح المحرمات ؟
والذين انتسبوا إلى السياسة صاروا يسوسون بنوع من الرأي من غير اعتصام بالكتاب والسنة
وخيرهم الذي يحكم بلا هوى وتحرى العدل
وكثير منهم يحكمون بالهوى ويحابون القوي ومن يرشوهم ونحو ذلك".


===
===

إلى أن قال:

"ودين الإسلام : أن يكون السيف تابعا للكتاب . فإذا ظهر العلم بالكتاب والسنة وكان السيف تابعا لذلك كان أمر الإسلام قائما، وأما إذا كان العلم بالكتاب فيه تقصير وكان السيف تارة يوافق الكتاب وتارة يخالفه : كان دين من هو كذلك بحسب ذلك." انتهى كلامه رحمه الله

قلت: وطائفة من الملوك يظنون أن إعمال السياسة الشرعية يفضي إلى سذاجة في التدبير، ويغفلون عن بطلان ذلك، وعن كون ما يزعمونه من الدهاء والحنكة مفضيا إلى غيظ الرعية ومعاداتهم لهم.

بوب الإمام القاضي أحمد بن شعيب النسائي رحمه الله في سننه: «التوسعة للحاكم في أن يقول للشيء الذي لا يفعله: أفعل كذا، ليستبين به الحق». وقال: «الحكم بخلاف ما يعترف به المحكوم عليه، إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به» ثم أورد خبر سليمان عليه السلام مع المرأتين والطفل الذي اختصمتا فيه

قال ابن القيم رحمه الله في الطرق الحكمية وقد ذكر من أخبار الخلفاء الراشدين ما يشفي ويكفي: "وهذه السياسة التي ساسوا بها الأمة وأضعافها هي من تأويل القرآن والسنة. ولكن: هل هي من الشرائع الكلية التي لا تتغير بتغير الأزمنة، أم من السياسات الجزئية التابعة للمصالح، فيتقيد بها زمانا ومكانا؟".

قلت: وذلك عندهم بضوابط وموازين شرعية وليس بحسب الأهواء فلم يكن صنيعهم من حيل أصحاب السبت كما بينته في هذا المقال فراجعه:

[https://www.tgoop.com/ibntaymiyyah728/5038]

والحجاج عند هؤلاء خير من باع دينه بدنياه وخسر الآخرة وقتل خيرة عباد الله لتثبيت ملك زال في أقل من خمسين عاما بعده.

فلم يعتبروا بما ذكر أهل السنة في مفسدة الخروج على الحجاج رغم كفره، ولكن جعلوا نفس فعل الحجاج محمودا، ونظير ذلك ما تراه اليوم من تمجيد البعث ورئيسه الكافر المقتول تحت عناوين ملبسة: الطائفية، محاربة الفساد، استتباب الأمن.

مع أن هؤلاء المحتفين بسيرة البعث هم أول من حرض عليه وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها حتى أسقطوه وتركوا البلاد والعباد فريسة لأعدائهم الفرس.

وأصل هذا البلاء:

هو سوء الظن بالله عز وجل، ودليله أن يظن العباد ملوكهم ورعيتهم أن السياسة التي شرعها الله عز وجل وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم وقضى بها أئمة الهدى قاصرة عن الإحاطة بالمطالب العالية التي فيها صلاح العباد والبلاد، وفعل هؤلاء مناقض من كل وجه لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".

فكان خير الخلق يستعيذ بالله من أن يكله الله إلى نفسه، وهؤلاء بنوا أمرهم على سوء الظن بالله عز وجل وإنفاذ شرعه حتى ظنوا أن إنفاذ ذلك مدعاة زوال الملك.

ولو غرس التوحيد في النفوس حقا، وكان قول الله عز وجل: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" هو الأصل والميزان،

وكان قوله سبحانه: "فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"

واعظا عن السوء، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

انظر:

بين الحجاج والحسن البصري وابن أبي دؤاد وأحمد ابن حنبل...
[https://www.tgoop.com/ibntaymiyyah728/4881]

ما قال الصحابة في عمر بن عبد العزيز والحجاج بن يوسف الثقفي
[https://www.tgoop.com/alkulife/13153]

.
قراءة كتاب أخبار عمر بن عبدالعزيز رحمه الله

تصنيف الإمام أبي بكر الآجري رحمه الله

الساعة ٨:٤٠ مساءا بتوقيت مكة المكرمة إن شاء الله

(https://x.com/i/spaces/1YqKDgbzzOOxV)

.
شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم بين السلف الصالح وبين عامر بهجت

في درس الفقه المقارن لعامر بهجت في كلية الحرم بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم بتاريخ ٦ فبراير ٢٠٢٤ _ ٢٥ رجب ١٤٤٥

وقد قرر في الدرس عدم رجوع المقلد عن مذهبه إذا استبانت أدلة خلاف من قلده -لظنه أن إمامه يجيب عنها لو بعث من قبره-

سئل عن مسألة شد الرحل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأجاب بأنها مسألة اجتهاد، وأن لا قول له فيها

فلما روجع في أنها مسألة عقدية، أجاب بنفي التلازم بين كونها مسألة عقدية وبين كونها من أصول الدين، وأحال على منهاج السنة، وانتهى الدرس على ذلك.

وهذا التلبيس الشديد من أعجب ما ابتلي به المسلمون، نسأل الله السلامة من الإحداث في الأصول والفروع.

فإن القائل بأن شد الرحل مسألة خلاف معتبر وليست من أصول الدين، قد جهل حد الخلاف المعتبر، وجهل حق تفاوت الظهور والخفاء مع اختلاف الأزمنة، وجهل قول العلماء في مسألة شد الرحل أصلا وعدهم لها من المحدثات المخالفة لما عليه السلف.

فإن الخلاف المعتبر هو ما لم يخالف كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولا إجماع أهل العلم وإقرارهم لقول دون قول؛ وقد اجتمع السلف على ترك شد الرحل ابتداء، كما ذكروا هذه المسألة في البدع والمحدثات لما ظهرت في أزمنتهم.

روى الإمام مالك في الموطأ بإسناده: قال أبو هريرة فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال: من أين أقبلت؟ فقلت: من الطور فقال: لو أدركتك قبل أن تخرج إليه، ما خرجت، سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد: إلى المسجد الحرام، وإلى مسجدي هذا، وإلى مسجد إيلياء أو بيت المقدس»

أقول: والطور من آثار الأنبياء، والمراد أن السفر لتعظيم المكان لا يجوز إلا للمساجد الثلاثة، وهؤلاء الصحابة يحتجون بهذا ولا ينكر أحدهم على الآخر احتجاجه ولا يخصصه.

وذكر الإمام أبو عبد الله ابن بطة في كتاب الإبانة الصغرى في البدع التي لا يعرفها المسلمون عن السلف الصالح:

"ومن البدع: البناء على القبور وتجصيصها، وشد الرحال إلى زيارتها".

[الإبانة الصغرى | (صـ٢٩٢)]

أقول: وكفى به إماما عالما بما كان عليه أئمة الإسلام ممن مضى، وهذا النقل عمدة شيخ الإسلام ومن وافقه في النقل عن السلف.

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن العلماء مقرا -في مختصر الفتاوى المصرية-:

"شدّ الرحل وَالسّفر لزيارة قُبُور الْأَنْبِيَاء وَالصَّالِحِينَ بِدعَة لم يَفْعَلهَا أحد من الصَّحَابَة وَلَا التَّابِعين وَلَا اسْتحبَّ ذَلِك أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين فَمن اعْتقد ذَلِك عبَادَة وفعلها فَهُوَ مُخَالف للسّنة ولإجماع الْمُسلمين".

وقال ابن الكتبي الشافعي فيما نقله ابن عبدالهادي في العقود الدرية: "فمن اعتقد جواز الشدّ إلى غير ما ذُكِرَ أو وجوبه، أو ندبيَّته= كان مخالفًا لصريح النهي، ومخالفة النهي معصية".

وبنحوه نقل ابن عبدالهادي عن جمع من العلماء.

وحق تفاوت الزمان نبه عليه شيخ الإسلام في الرد على السبكي فقال:

"وهب أنك وافقت كثيرا من أعيان العلماء في حكم مسألة، لكن أولئك لم يذكر لهم من النقول والبحوث المخالفة لقولهم ما قيل لك، ثم تكلفوا من رد الحق وإبطاله ما تكلفته".

أقول: ففي ذلك تقرير ما ذكره الإمام أحمد وقد سئل: فمن قال: أبو بكر وعمر وعلي؟ فقال: «هذا الآن شديد، هذا الآن شديد»

فمن العجائب بعد ذلك، أن ينكر كل ما فات، بدعوى مخالفة فلان وفلان من المتأخرين، الذين لو فتش المرء عن عقائدهم وسلوكهم لوجد فيهم البدعة والجهل واتباع الهوى، كما شهد بذلك عليهم أهل السنة في زمانهم.

فتأمل ما ذكرت لك يتبين لك أن مسألة شد الرحل قد ذكرها الأئمة في البدع الواجب إنكارها والتحذير منها، واقرأ الصارم المنكي لتعلم ما الذي يقصده عامر بالمسألة الخلافية!

وحكاية شيخ الإسلام للخلاف في كتبه لا يراد به لزوما ذكر الخلاف المعتبر، ومن له أدنى اطلاع على كتب الشيخ يعلم علم اليقين أنه يذكر اختلاف الناس في مسائل السنة والبدعة، كما يذكره في مسائل الاجتهاد.

والشيخ رحمه الله صرح في شأن مسألة الزيارة فقال: "ولكن «هذه المسألة» و «مسألة الزيارة» وغيرهما حدث من المتأخرين فيها شبه. وأنا وغيري كنا على «مذهب الآباء» في ذلك نقول في «الأصلين» بقول أهل البدع".

===
2024/10/07 07:25:17
Back to Top
HTML Embed Code: