tgoop.com/ktbibnalqaim/1654
Last Update:
قراءةُ القرآن أفضلُ من الذِّكْر، والذِّكْرُ أفضلُ من الدعاء، هذا مِنْ حيث النظر إلى كُلٍّ منهما مُجَرَّدًا.
وقد يَعْرِضُ للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل، بل يُعَيِّنُه، فلا يجوز أَنْ يُعْدَلَ عنه إلى الفاضل، وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود؛ فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما، بل القراءةُ فيهما مَنْهِيٌّ عنها نَهْيَ تحريم أو كراهة، وكذلك التسميع والتحميد في مَحَلِّهما أفضل من القراءة ، وكذلك التشهد، وكذلك "رب اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني" بين السَّجدتين أفضل من القراءة، وكذلك الذكر عَقِيب السلام من الصلاة -ذكرُ التهليل، والتسبيح، والتكبير، والتحميد- أفضلُ من الاشتغال عنه بالقراءة، وكذلك إجابةُ المؤذن والقولُ كما يقول أفضل من القراءة، وإن كان فضل القرآن على كلِّ كلامٍ كفضل الله تعالى على خلقه، لكنْ لكلِّ مقامٍ مقالٌ، متى فات مقالُه فيه وعُدِلَ عنه إلى غيره اخْتَلَّتْ الحكمة، وفاتت المصلحة المطلوبة منه.
وهكذا الأذكار المُقَيَّدَةُ بِمَحَالَّ مخصوصةٍ أفضلُ من القراءة المطلقة، والقراءةُ المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة، اللَّهُمَّ إلا أن يَعْرِضَ للعبدِ ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القرآن.
مثالُه: أن يتفكر في ذنوبه، فَيُحْدِثُ ذلك له توبة واستغفارًا، أو يَعْرِضَ له ما يَخافُ أذاه من شياطين الإنس والجن، فيَعْدِلَ إلى الأذكار والدَّعواتِ التي تُحَصِّنُه وَتَحُوطُه.
وكذلك أيضًا قد يَعْرِضُ للعبد حاجةٌ ضرورية إذا اشتغل عن سؤالها بقراءةٍ أو ذِكْرٍ لم يَحْضُرْ قلبُه فيها، وإذا أقبل على سؤالها والدعاء لها اجتمع قلبه كله على الله تعالى، وأحدث له تضرُّعًا وخشوعًا وابتهالًا، فهذا قد يكون اشتغاله بالدعاء -والحالة هذه- أنفعُ، وإن كان كلٌّ من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجرًا .
وهذا بابٌ نافعٌ يحتاج إلى فِقْه نَفْسٍ، وفُرْقانٍ بين فضيلة الشيء في نفسه وبين فضيلته العارضة، فَيُعْطَى كلُّ ذي حقٍّ حقَّه، ويُوضَعُ كلُّ شيءٍ مَوْضِعَه .
ابن القيم | الوابل الصيب
BY كتب الإمام ابن القيم
Share with your friend now:
tgoop.com/ktbibnalqaim/1654