Telegram Web
أخبرتني رئتاي أنهما قد تعبتا، وأن علي الحد من هذا القلق كله، ومثلما يشير الدواء إلى احتمال الخفقان و"الخوف" كما ذكرت نصًا الوصفة المرفقة، فإنهما بتعبهما قد قررتا.. تحمل أعباء أثقل.
وتبعتني حبًا.. لما نويتُ الهرب، ودرتَ معي مرحا، وأنا أسمح للنسيم أن يحملني، وقرأتَ رسائلي المُرة وكذلك.. غنيتَ معي، وقطعتُ الطريق طولها وأنا في ظلك، ولما اخترتُ مواجهة الشمس لم توار عينيك عنها.. من أجلي، وأنا بين هذا وذاك كنتَ أنت "أنت"، ولما ترددتُ بين هنا وهناك، ظللتَ دائما.. "هنا".
غنينا معا والسرب يعد الرحيل
وغفوت في صدرك،
يرسل القرب منك غماما
باردا،
والوقت من حولنا هجير،
علمتني حب الشدائد إذ جمّعتنا،
وكنت ناظري لما احتد الظلام
وقاربي والبحر يجذبني
وجناحي إذا نويت المسير،
وأخذت من بين يديك
عمري تالفا
غيٌرته لأيام من أنس
وربيع.
ولو سئلت عن سر الندب فيه
أجيبهم،
حادث في الحديقة،
وشوك ورد صغير.
بعد الصمت الطويل، أشعر بقيمة الأنس، ولما غص جوفي بالشكوى، أشعر أن بداخلي نهر من كلام، لكنني أخشى أن يوقظ هديره قصصا أظنها غافية.

في المساء، أتلمس جدران قلبي تحت مصباح صغير، هذا الصدع كله، يزينه طوق من الفراش المضيء كلما عبر اسمك مكانه لوهلة ثم يطفئه تيار من الحزن.

تقول لي طفلة تجلس إلى طاولة صغيرة في حفلة دمى، لقد علمتني الخوف.. وأنا أقول لأصدقائي الآن.. الخوف ليس خيالات في الظلام، ولكنه ما نراه في الحقيقة.

أعد العشاء، لو يمنحني تقدير الملح المطلوب واختيار المقبلات هدنة توقف هذا العصف في ذهني، أسمع صوت أمي مدافعا بشراسة، بعد أن هددا آخر حصن في البيت، حطما طبقين على الأرض، منذ ذلك الحين، لا أغسل الأطباق كلها، ففي الحوض القذر.. لا تكون جديرة بالكشف عن ثورة غضب.

كسرت البيض بشكل مثالي، دون أن يصيب جزء منه أصابعي أو يعلق بالقشر، وترك ذلك شعورا بالراحة لا معنى له، تظاهرت وأنا أرش الملح أنني لا أتعمد زيادته، فالبيض دون خفق، يحب الملح أكثر.

تخاصمني، لماذا تحبين الملح؟ أقول أنه يذرو الدمع إليه، يحيطه فلا ينهمر، ويدفع القلب ليدق أكثر، صارفا النظر عن فكرة الراحة الملحة.
وتذكرني بكوب الماء على الرف، أشغلني الري في حديثك عن ظمأي، وأنت تحكي.. قبل أن ينقطع الكلام، أشعر بصوتك يغمر جسدي، ببريق مترف في عينيك لما تدمعان حبورا، أعلم أنك تحبني، وأنني.. أحبك أكثر.

يبقي التوتر السطحي قطرة الماء على ورقة الجرجير، مثل لؤلؤة ضلت الصدف، أنثرها، كما أفعل دائما بعد تذكر لحظة حميمية كهذه.. كلما طرقت دون لباقة فكري، وأنا التي أبعد الحمى، لا أدري كيف تقترب بهذه السرعة، دون جهد.

وكيفما اتفق، ينتهي إعداد وجبة نجحت بجدارة في بث ما كنت قد أهلت عليه النسيان، خرج من قلب الغياب، حاضرا.. أكثر من أي وقت آخر.
وحدي، أغادر هذا الذهن، أغرق في الفنجان، وأنثر نفسي على سبحة خشبية، ووحدي، أعود إلي، لأمشي الطريق مع الجمع، لكنني في الزحام، دائما.. أكون وحدي.
هنا عشت الحياة التي لم أحظ بها، وهنا قابلت الذين لم يجمعني بهم مكان، وهنا كتبت أجمل قصصي، وسعيت هنا مرات كثيرة وأنا أستعد لتقديم محاضرة أو حفل مهم.
تعلمت هنا الغناء والقراءة وانتظار القمر، آثرته بحكايا لم أخبر بها أحدا وبكيت عنده مرارا وسجدت كذلك شكرا، تعلمت هنا كيف أجمع الكون عندي، عندما يرفض أن يتلقاني.. فآتي به عنوة ومحبة.
بينما تكبر، يصبح رصدك لاكتئابك أقل جودة، فبعد ثورة ضحك، يغدر بك، ويكشف عن ذلك عبوس غريب على وجهك يتساءل عنه الحاضرون، وبينما تهم لمغادرة المنزل إلى موعد منتظر، تخون رفاقك وتخلد إلى النوم، وبعد قصة طويلة عن صبرك وكفاحك.. تراودك فكرة ملحة بتوقف عاجل، بينما أنت "عادي"، تصبح "حزينا".. فجأة، دون مقدمات.
تنتهي هذه الليلة دون أن نتكلم، والتعب يأكل جسدي.. أبدو كمن يبحث عن ظلك في الظلام.
حاولت أن أخبرك عن قلقي، لكنك لم تكن هنا، وأبت الرسائل أن تطير إليك، تقول لي: لا ندري إن كان يتلقى الرسائل، وأنت في بعدك.. يطيل قلبي الحديث معك، طول بقدر المسافة، الغريب أنك وبالقرب مني، لا تسمع.

تفر يدي المجروحة ممن يداويها، ولا تقبل الري ما زالت السقيا من غيرك، وبينما تستمر في عنادها، يقطر جرحها لوقت أطول، وتتخذ أنت.. ركنا قصيا أكثر، حتى يفقد جزء منها حظه في العلاج، ولا تعود أنت.
هل كان للهالة أن تتسع.. لولا الضباب؟
أظن أن المساء حين يحلو، تأخذ الأطياف أهبتها، ليسافر كل طيف إلى محب غلبه البعد، فيواسيه، ويحنو عليه، ويحقق له أمنية الحديث الطويل، والنسائم تجري..

في ذلك الوقت، يشعر صاحب الطيف في وحدته بأنس غريب، ونبض متسق.. وقد يتسرب إليه حظ من الكلام، حتى يلملم القمر نوره، ويعود كل خيال أدراجه، تاركا للبعد جولة أخرى يحظى بها، وللوحشة قلوبا تنهشها من جديد..

لو يحلو المساء أكثر، أطوي البعد وأخرق حاجز السفر، لنشاهد القمر تحت قطعة واحدة من السماء.
هذه الليلة، توقفت عن البحث عنك، ولم أنتظرها مواعيد البر بعد مسافات من الإهمال، آثرت المغادرة أنفة على أن ألقاك رغما، إذ لم تشفع لي الكتابة في استعارة انتباهتك لساعة من الزمان، رفعت يدي عنها، تاركة لسيل من الذكريات حرية الجري بعيدا.. وبذلك رضيت أن تعود حياتي واديا غير ذي زرع، وقد كانت بك من قبل.. رياضا من البهجة والصفاء.
الليلة أجمل منازل القمر
أعلم أنني أجمل وأنا أداري هذا الخوف كله، وأعلم أن الكتابة أرق لو تخفي الحزن.. وأشعر بدفء يدي إذا تذكرت لوهلة أن تطمئن، أنا كذلك أحب أن أتخفف من القلق، لكنني أخشى أن تصدقني، وتنسى بذلك.. أن تبقى معي.
في غياب القمر، تأملوا النجوم إذ اجتمعت هذا المساء.
2025/07/08 02:10:08
Back to Top
HTML Embed Code: