MAAJLS Telegram 121
.
تفسير البقرة من آية ١٤٢ إلى آية ١٤٣

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لما ذكر الله من أخبار اليهود مع أنبيائهم، في رغبتهم عن الامتثال، وتوليهم وتثاقلهم عن الشريعة، فذمهم الله باتخاذهم العجل، وقولهم: أرنا الله جهرة، وتحريفهم كلام الله، واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، وبتباطئهم عن ذبح البقرة، ونقضهم الميثاق بسفك دمائهم وإخراج فريق منهم من ديارهم، واتباعهم ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وجاء الحديث عن حسد اليهود أن ينزل بالمؤمنين خير، وجاء حديث عن النسخ ووجوده في الشرائع، وجاء بعده تفخيم شأن إبراهيم وبناء الكعبة، وتعظيم ملته، ناسب أن يأتي الحديث عن تحويل القبلة، فقال سبحانه:
{سَیَقُولُ ٱلسُّفَهَاۤءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ﴾
والسفهاء هنا هم اليهود، كما جاء عن ابن عباس والبراء ومجاهد وغيرهم.
والسفيه من ﺻﺎﺭ اﻟﺴﻔﻪ ﻟﻪ ﺳﺠﻴﺔ، وهو ﻣﻦ ﻻ ﻳﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻟﻪ ﻭﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﻌﺪﻝ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻨﺎﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻀﺮﻩ، وﻳﻌﻤﻞ ﺑﻐﻴﺮ ﺩﻟﻴﻞ، ﺇﻣﺎ ﺑﺄﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻰ الدليل ويعرض، ﺃﻭ ﻳﺮﻯ ﻏﻴﺮ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﺩﻟﻴﻼ.
هذا في الدنيا فكيف بأمر الدين، ولذا فما من كافر إلا وهو سفيه.

ولم تكن حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حادثة عابرة في سيرة الدعوة المحمدية، ولم تكن ككثير من الشرائع التي كانت تنزل فيمتثلها الصحابة دون ضجيج من الباطل وتشويش، بل كانت واقعة تزلزلت لها قلوب كثير، وارتد بسببها عدد، وجعل منها اليهود والمنافقون مثابة مغمز في الشريعة، وسبب تشكيك وإرجاف، وقال ﷲ عنها في كتابه: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى ﷲ}، وجعل اليهود يقولون: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وطفق المنافقون يرددون: ما بال هذا الرجل يوجّهنا كل يوم إلى قبلة؟!
فكيف عالج القرآن آثار هذه الحادثة التي سيتكرر في واقع الدعوة مثالها، وكيف ربّى الوحي القلوب على مواجهة أهل الزيغ الغامزين في الشريعة، وكيف علم أهل الدعوة والإيمان والعلم مواجهة المتخذين دين ﷲ هزءا وسخرية.
لقد جاء صريح الحديث عن هذه الواقعة على رأس المائة والأربعين من آيات سورة البقرة، فقال ﷻ: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}.
ولكن التوطئة الإيمانية القرآنية جاءت سابقة على هذه الآية، ثم جاء التعقيب عليها، في سياق قرآني عظيم، يقوي القلب المؤمن على مواجهة الباطل، ويربي فيه الاستعلاء على الموشوشين المعترضين على شرائع الدين، ويعلمه كيف يقف في دفع تهويشات المنحرفين شبهاتهم.
فجاء الحديث مطولا عن تولّي اليهود عن الامتثال، وتثاقلهم عن الاستجابة لأمر ﷲ، ومعاندتهم لأنبيائهم، فجاء توبيخهم باتخاذهم العجل، وبتباطئهم عن ذبح البقرة، وتحريفهم كلام الله من بعد ما سمعوه، ونقضهم الميثاق بسفك دمائهم وإخراج فريق منهم من ديارهم، واتباعهم لما تتلوه الشياطين على ملك سليمان، ليعلم من يسمع تشويش اليهود على هذه الشريعة أنهم حقيق بكل سوء، فهم المذمومون حقا، التاركون للشريعة.
جاء الحديث عن نفاسة اليهود أن ينزل بالمؤمنين خير، وضنانة نفوسهم أن ينال المؤمنين هدى، فقال ﷻ: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}، فإن تحويل القبلة للكعبة كرامة حسدتنا عليه اليهود، كما جاء في المسند عن عائشة قال النبي ﷺ: ( ﺇﻧﻬﻢ ﻻ يحسدونا ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻛﻤﺎ يحسدونا ﻋﻠﻰ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﺪاﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﻟﻬﺎ ﻭﺿﻠﻮا ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻰ القبلة اﻟﺘﻲ ﻫﺪاﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﻟﻬﺎ ﻭﺿﻠﻮا ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻨﺎ ﺧﻠﻒ اﻹﻣﺎﻡ: ﺁﻣﻴﻦ)!
جاءت الدلالة على وقوع النسخ في الديانة، فقال ﷻ: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}.
جاء التفخيم لشأن إبراهيم ﷺ، واتباع ملته، وذكر قصة بناء الكعبة، توطئة لما سيأتي من حديث عن تحويل القبلة.

ثم أتى الحديث بأسلوب استعلائي يواجه المشوشين على الشريعة، فقال ﷻ: {سيقول السفهاء}، فوصمهم بالسفه، ووصفهم بقبيح الوصف، وحطّ عليهم.

وحين حولت القبلة وجد اليهود ومن شايعهم من المنافقين في ذلك مغمزا، على عادة أهل الباطل إذا رأوا في أهل الدعوة والحق ما يمكنهم من تشكيك الناس فيهم نفذوا فيهم بذلك.
ولذا فإن النبي ﷺ وصحابته لما كانوا يستقبلون ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪﺱ، كان اﻟﻴﻬﻮﺩ يقولون: اتبع قبلتنا ويوشك أن يتبع ديننا، وكانوا يفرحون بذلك، وكانوا قد جعلوا من استقبال النبي ﷺ لبيت المقدس ﺫﺭﻳﻌﺔ لعدم دخول الإسلام، ويجعلون استقبال المسلمين للقبلة ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ دين اليهود ﻫﻮ اﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻗﺒﻠﺘﻬﻢ ﻫﻲ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﻭﺃﻧﻬﻢ ﻫﻢ اﻷﺻﻞ.



tgoop.com/maajls/121
Create:
Last Update:

.
تفسير البقرة من آية ١٤٢ إلى آية ١٤٣

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
لما ذكر الله من أخبار اليهود مع أنبيائهم، في رغبتهم عن الامتثال، وتوليهم وتثاقلهم عن الشريعة، فذمهم الله باتخاذهم العجل، وقولهم: أرنا الله جهرة، وتحريفهم كلام الله، واستبدالهم الذي هو أدنى بالذي هو خير، وبتباطئهم عن ذبح البقرة، ونقضهم الميثاق بسفك دمائهم وإخراج فريق منهم من ديارهم، واتباعهم ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وجاء الحديث عن حسد اليهود أن ينزل بالمؤمنين خير، وجاء حديث عن النسخ ووجوده في الشرائع، وجاء بعده تفخيم شأن إبراهيم وبناء الكعبة، وتعظيم ملته، ناسب أن يأتي الحديث عن تحويل القبلة، فقال سبحانه:
{سَیَقُولُ ٱلسُّفَهَاۤءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمۡ عَن قِبۡلَتِهِمُ ٱلَّتِی كَانُوا۟ عَلَیۡهَاۚ قُل لِّلَّهِ ٱلۡمَشۡرِقُ وَٱلۡمَغۡرِبُۚ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ﴾
والسفهاء هنا هم اليهود، كما جاء عن ابن عباس والبراء ومجاهد وغيرهم.
والسفيه من ﺻﺎﺭ اﻟﺴﻔﻪ ﻟﻪ ﺳﺠﻴﺔ، وهو ﻣﻦ ﻻ ﻳﻤﻴﺰ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻟﻪ ﻭﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﻌﺪﻝ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻨﺎﻓﻌﻪ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﻀﺮﻩ، وﻳﻌﻤﻞ ﺑﻐﻴﺮ ﺩﻟﻴﻞ، ﺇﻣﺎ ﺑﺄﻻ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻰ الدليل ويعرض، ﺃﻭ ﻳﺮﻯ ﻏﻴﺮ اﻟﺪﻟﻴﻞ ﺩﻟﻴﻼ.
هذا في الدنيا فكيف بأمر الدين، ولذا فما من كافر إلا وهو سفيه.

ولم تكن حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة حادثة عابرة في سيرة الدعوة المحمدية، ولم تكن ككثير من الشرائع التي كانت تنزل فيمتثلها الصحابة دون ضجيج من الباطل وتشويش، بل كانت واقعة تزلزلت لها قلوب كثير، وارتد بسببها عدد، وجعل منها اليهود والمنافقون مثابة مغمز في الشريعة، وسبب تشكيك وإرجاف، وقال ﷲ عنها في كتابه: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى ﷲ}، وجعل اليهود يقولون: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، وطفق المنافقون يرددون: ما بال هذا الرجل يوجّهنا كل يوم إلى قبلة؟!
فكيف عالج القرآن آثار هذه الحادثة التي سيتكرر في واقع الدعوة مثالها، وكيف ربّى الوحي القلوب على مواجهة أهل الزيغ الغامزين في الشريعة، وكيف علم أهل الدعوة والإيمان والعلم مواجهة المتخذين دين ﷲ هزءا وسخرية.
لقد جاء صريح الحديث عن هذه الواقعة على رأس المائة والأربعين من آيات سورة البقرة، فقال ﷻ: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}.
ولكن التوطئة الإيمانية القرآنية جاءت سابقة على هذه الآية، ثم جاء التعقيب عليها، في سياق قرآني عظيم، يقوي القلب المؤمن على مواجهة الباطل، ويربي فيه الاستعلاء على الموشوشين المعترضين على شرائع الدين، ويعلمه كيف يقف في دفع تهويشات المنحرفين شبهاتهم.
فجاء الحديث مطولا عن تولّي اليهود عن الامتثال، وتثاقلهم عن الاستجابة لأمر ﷲ، ومعاندتهم لأنبيائهم، فجاء توبيخهم باتخاذهم العجل، وبتباطئهم عن ذبح البقرة، وتحريفهم كلام الله من بعد ما سمعوه، ونقضهم الميثاق بسفك دمائهم وإخراج فريق منهم من ديارهم، واتباعهم لما تتلوه الشياطين على ملك سليمان، ليعلم من يسمع تشويش اليهود على هذه الشريعة أنهم حقيق بكل سوء، فهم المذمومون حقا، التاركون للشريعة.
جاء الحديث عن نفاسة اليهود أن ينزل بالمؤمنين خير، وضنانة نفوسهم أن ينال المؤمنين هدى، فقال ﷻ: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}، فإن تحويل القبلة للكعبة كرامة حسدتنا عليه اليهود، كما جاء في المسند عن عائشة قال النبي ﷺ: ( ﺇﻧﻬﻢ ﻻ يحسدونا ﻋﻠﻰ ﺷﻲء ﻛﻤﺎ يحسدونا ﻋﻠﻰ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﻫﺪاﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﻟﻬﺎ ﻭﺿﻠﻮا ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻰ القبلة اﻟﺘﻲ ﻫﺪاﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﻟﻬﺎ ﻭﺿﻠﻮا ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻰ ﻗﻮﻟﻨﺎ ﺧﻠﻒ اﻹﻣﺎﻡ: ﺁﻣﻴﻦ)!
جاءت الدلالة على وقوع النسخ في الديانة، فقال ﷻ: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}.
جاء التفخيم لشأن إبراهيم ﷺ، واتباع ملته، وذكر قصة بناء الكعبة، توطئة لما سيأتي من حديث عن تحويل القبلة.

ثم أتى الحديث بأسلوب استعلائي يواجه المشوشين على الشريعة، فقال ﷻ: {سيقول السفهاء}، فوصمهم بالسفه، ووصفهم بقبيح الوصف، وحطّ عليهم.

وحين حولت القبلة وجد اليهود ومن شايعهم من المنافقين في ذلك مغمزا، على عادة أهل الباطل إذا رأوا في أهل الدعوة والحق ما يمكنهم من تشكيك الناس فيهم نفذوا فيهم بذلك.
ولذا فإن النبي ﷺ وصحابته لما كانوا يستقبلون ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪﺱ، كان اﻟﻴﻬﻮﺩ يقولون: اتبع قبلتنا ويوشك أن يتبع ديننا، وكانوا يفرحون بذلك، وكانوا قد جعلوا من استقبال النبي ﷺ لبيت المقدس ﺫﺭﻳﻌﺔ لعدم دخول الإسلام، ويجعلون استقبال المسلمين للقبلة ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ دين اليهود ﻫﻮ اﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻗﺒﻠﺘﻬﻢ ﻫﻲ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﻭﺃﻧﻬﻢ ﻫﻢ اﻷﺻﻞ.

BY رياض الصالحين القرآنيـة


Share with your friend now:
tgoop.com/maajls/121

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Avoid compound hashtags that consist of several words. If you have a hashtag like #marketingnewsinusa, split it into smaller hashtags: “#marketing, #news, #usa. How to build a private or public channel on Telegram? Telegram Channels requirements & features Polls 5Telegram Channel avatar size/dimensions
from us


Telegram رياض الصالحين القرآنيـة
FROM American