MAAJLS Telegram 122
فلما حولت القبلة ﻋﺰ على اليهود ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ وصحابته ﻋﻦ ﻗﺒﻠﺘﻬﻢ، وفقدوا ﺣﺠﺘﻬﻢ على المسلمين، فاستخدموا طريقة أخرى في الاعتراض على الدين، قالوا: ﺇﻥ كانت القبلة ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪﺱ ﺑﺎﻃﻼ ﻓﻘﺪ ﺿﺎﻋﺖ ﺻﻼﺗﻜﻢ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻘﺎ فلم تركتم الحق!
وقالوا: ﻟﻘﺪ اﺷﺘﺎﻕ اﻟﺮﺟﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻟﺪﻩ!
وقال بعض المنافقين: ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻠﺔ ﺯﻣﺎﻧﺎ، ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻮﻫﺎ ﻭﺗﻮﺟﻬﻮا ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻫﺎ؟


وفي قوله تعالى: {سيقول السفهاء}، احتمال أن الآية ﺃﺧﺒﺮت ﻋﻨﻬﻢ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ يقولوا ﻫﺬا اﻟﻜﻼﻡ.
ﻭﻓﻴﻪ فائدة:
ﺃن المسلم ﺇﺫا ﺃُﺧﺒﺮ ﻋﻦ جواب الشبهة والتهمة ﺃﻭﻻ ﺛﻢ سمعها؛ قلّ ﺗﺄﺫﻳﻪ منها، وتوطنت نفسه لعلمه الجواب قبل الحاجة، فيكون ﺃﻗﻄﻊ ﻟﻠﺨﺼﻢ ﻭﺃﻛﺴﺮ ﻟﺸﻮﻛﺘﻪ ﻭﺃﺭﺩ ﻟﺸﻐﺒﻪ، بخلاف ﺇﺫا سمع الشبهة أولا، وجاءت على غفلة منه فربما بهت وحزن.
وﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﻋﻼﻡ اﻟﻨﺒﻮﺓ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺧﺒﺎﺭ ﻋﻤﺎ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ اﻷﻋﺪاء.

وهذا الأمر معلوم في أحوال الناس، وفي الدراسات الحديثة، في باب المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة، ولهذا يجري التدريب المعاصر على جعل المتدرب يعيش أجواء محاكية للواقع، ليكون ذا كفاءة عالية في استجابته للأمور المتوقعة، وذلك يكسبه معارف تضع في عقله عناوين ينتفع بها إذا احتاج لذلك.
وفي مباحث الاستعدادات النفسية في الأزمات والكوارث يقرر المختصون أن الذين لديهم تقييم للمخاطر المقبلة هم أكثر تقبلًا وسكينة عند وقوعها.

ﻭقوله: {من الناس} كأنهم لشدة سفههم ليس في الناس سفهاء إلا هم، والناس صنفان، سفيه وغير سفيه، كأنه ﻻ ﺳﻔﻴﻪ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ اﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ.

وقد قسم الله الناس في السياق إلى قسمين:
- السفهاء من الناس.
- والشهداء على الناس.
فالسفهاء هم المعترضون على الشرع.
والشهداء على الناس هم المسلّمون للحق، الممتثلون للشرع.

ولما ذكر الله مقالتهم، قال: {قل لله المشرق والمغرب}.
وفيه تربية للمسلم أن يكون قوي القلب في مواجهة زيغ الزائغين، فتأمل الخطاب الاستعلائي يستأنف به المسلم صراعه مع الزائغين المستشكلين للشرائع، ليقول في بدء كل رد عليهم: أنا عبد لله، يأمرني بما شاء فأطيع، علمت حكمة ذلك أم لم أعلم، اطلعت على المقصد أم لم أطلع، فأنا عبد لله وهو يحكم ما يريد.

وقد أتبعها بالجواب على رتبتين:
- ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻗﻞ ﻟﻠﻪ اﻟﻤﺸﺮﻕ ﻭاﻟﻤﻐﺮﺏ}
ووجه اﻟﺠﻮاﺏ عن اﻟﺸﺒﻬﺔ:
ﺃﻥ اﻟﺠﻬﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻠﻪ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺷﻲء ﻣﻨﻬﺎ ﻟﺬاﺗﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺒﻠﺔ، وﺇﻧﻤﺎ ﺗﺼﻴﺮ ﻗﺒﻠﺔ بأمر اﻟﻠﻪ، ﻓﻼ اﻋﺘﺮاﺽ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ.
فهذه ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻪ ﺻﺤﺔ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ
- ثم قال: {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}، وهذه ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻪ ﺗﺮﺟﻴﺢ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻫﺎ.
ومن توجه لما أمره الله به فهو مهتد.

ﻭالجواب هنا جواب فيه إعراض عنهم وتبكيت، وهذا من طرق الرد على المنحرفين والمبطلين، إذ الغرض في المجادلة ليست إزاحة الشبهات فقط، بل قد يكون من أغراضه التبكيت، والإزراء.
فمن كان اعتراضه ﻋﻦ ﻋﻨﺎﺩ، ﻻ ﻋﻦ ﻃﻠﺐ اﻟﺤﻖ فيحسن أحيانا أن يجاب بما ﻻ ﻳﺪﻓﻊ عنه اﻟﺤﻴﺮﺓ، كما تجد هنا.

ولعل من حكمة التوجه لبيت المقدس أن ينزع ما في قلوب الصحابة من كل ما يعظمه الجاهليون، للتجرد القلوب لله، فإن الحاهليين كانوا يرون في الكعبة مأثرتهم، وشرفهم، واختلط التعظيم الشرعي له بالتعظيم الحاهلي الذي جعل ذلك كأي إرث أرضي أو تاريخي، حتى إذا خلصت النفوس، وارتاضت بالحق، وسلمت لله أمره، وانتفى من قلوبهم كل تعظيم جاهلي، حول الله القبلة للكعبة.

والتحول للكعبة هو مقتضى الوراثة لملة إبراهيم، وبه كمال الاتباع لملته ﷺ.

وَكَذَ ٰ⁠لِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ}

ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ اﻟﻘﺒﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻭﺟﻬﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻋﺮﻑ ﺃن هذه الأمة ﻭﺳﻂ ﻻ ﺟﻮﺭ فقال سبحانه {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}.

وقوله: {وكذلك جعلناكم}، اﻟﻜﺎﻑ ﻓﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻑ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ، ﻭاﻟﻤﺸﺒﻪ ﺑﻪ ﺭاﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﻳﻬﺪﻱ، ﺃﻱ ﻛﻤﺎ ﻫﺪﻳﻨﺎﻛﻢ للإسلام والإيمان والقبلة، ﻛﺬﻟﻚ ﺧﺼﺼﻨﺎﻛﻢ ﻓﻔﻀﻠﻨﺎﻛﻢ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻛﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻷﺩﻳﺎﻥ ﺑﺄﻥ ﺟﻌﻠﻨﺎﻛﻢ ﺃﻣﺔ ﻭﺳﻄﺎ.
ﻭاﻟﻮﺳﻂ ﻓﻲ ﻛﻼﻡ اﻟﻌﺮﺏ: اﻟﺨﻴﺎﺭ، ﻳﻘﺎﻝ: ﻓﻼﻥ ﻭﺳﻂ اﻟﺤﺴﺐ ﻓﻲ ﻗﻮﻣﻪ: ﺃﻱ رفيع ﻓﻲ ﺣﺴﺒﻪ.

وفي البخاري عن ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪﺭﻱ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﻳﺪﻋﻰ ﻧﻮﺡ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻟﺒﻴﻚ ﻭﺳﻌﺪﻳﻚ ﻳﺎ ﺭﺏ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻫﻞ ﺑﻠﻐﺖ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻓﻴﻘﺎﻝ ﻷﻣﺘﻪ: ﻫﻞ ﺑﻠﻐﻜﻢ؟ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻣﺎ ﺃﺗﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﻧﺬﻳﺮ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﻦ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻚ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﺤﻤﺪ ﻭﺃﻣﺘﻪ، ﻓﺘﺸﻬﺪﻭﻥ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ: {ﻭﻳﻜﻮﻥ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺷﻬﻴﺪا}.
ﻓﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺟﻞ ﺫﻛﺮﻩ: {ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺟﻌﻠﻨﺎﻛﻢ ﺃﻣﺔ ﻭﺳﻄﺎ ﻟﺘﻜﻮﻧﻮا ﺷﻬﺪاء ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﻳﻜﻮﻥ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺷﻬﻴﺪا}.



tgoop.com/maajls/122
Create:
Last Update:

فلما حولت القبلة ﻋﺰ على اليهود ﺃﻥ ﻳﺘﺤﻮﻝ ﻣﺤﻤﺪ ﷺ وصحابته ﻋﻦ ﻗﺒﻠﺘﻬﻢ، وفقدوا ﺣﺠﺘﻬﻢ على المسلمين، فاستخدموا طريقة أخرى في الاعتراض على الدين، قالوا: ﺇﻥ كانت القبلة ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪﺱ ﺑﺎﻃﻼ ﻓﻘﺪ ﺿﺎﻋﺖ ﺻﻼﺗﻜﻢ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻘﺎ فلم تركتم الحق!
وقالوا: ﻟﻘﺪ اﺷﺘﺎﻕ اﻟﺮﺟﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﻟﺪﻩ!
وقال بعض المنافقين: ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻬﻢ ﻛﺎﻧﻮا ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻠﺔ ﺯﻣﺎﻧﺎ، ﺛﻢ ﺗﺮﻛﻮﻫﺎ ﻭﺗﻮﺟﻬﻮا ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻫﺎ؟


وفي قوله تعالى: {سيقول السفهاء}، احتمال أن الآية ﺃﺧﺒﺮت ﻋﻨﻬﻢ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ يقولوا ﻫﺬا اﻟﻜﻼﻡ.
ﻭﻓﻴﻪ فائدة:
ﺃن المسلم ﺇﺫا ﺃُﺧﺒﺮ ﻋﻦ جواب الشبهة والتهمة ﺃﻭﻻ ﺛﻢ سمعها؛ قلّ ﺗﺄﺫﻳﻪ منها، وتوطنت نفسه لعلمه الجواب قبل الحاجة، فيكون ﺃﻗﻄﻊ ﻟﻠﺨﺼﻢ ﻭﺃﻛﺴﺮ ﻟﺸﻮﻛﺘﻪ ﻭﺃﺭﺩ ﻟﺸﻐﺒﻪ، بخلاف ﺇﺫا سمع الشبهة أولا، وجاءت على غفلة منه فربما بهت وحزن.
وﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﻋﻼﻡ اﻟﻨﺒﻮﺓ؛ ﻓﺈﻧﻪ ﺇﺧﺒﺎﺭ ﻋﻤﺎ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﻣﻦ اﻷﻋﺪاء.

وهذا الأمر معلوم في أحوال الناس، وفي الدراسات الحديثة، في باب المخاطر المتوقعة وغير المتوقعة، ولهذا يجري التدريب المعاصر على جعل المتدرب يعيش أجواء محاكية للواقع، ليكون ذا كفاءة عالية في استجابته للأمور المتوقعة، وذلك يكسبه معارف تضع في عقله عناوين ينتفع بها إذا احتاج لذلك.
وفي مباحث الاستعدادات النفسية في الأزمات والكوارث يقرر المختصون أن الذين لديهم تقييم للمخاطر المقبلة هم أكثر تقبلًا وسكينة عند وقوعها.

ﻭقوله: {من الناس} كأنهم لشدة سفههم ليس في الناس سفهاء إلا هم، والناس صنفان، سفيه وغير سفيه، كأنه ﻻ ﺳﻔﻴﻪ ﻏﻴﺮﻫﻢ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ اﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ.

وقد قسم الله الناس في السياق إلى قسمين:
- السفهاء من الناس.
- والشهداء على الناس.
فالسفهاء هم المعترضون على الشرع.
والشهداء على الناس هم المسلّمون للحق، الممتثلون للشرع.

ولما ذكر الله مقالتهم، قال: {قل لله المشرق والمغرب}.
وفيه تربية للمسلم أن يكون قوي القلب في مواجهة زيغ الزائغين، فتأمل الخطاب الاستعلائي يستأنف به المسلم صراعه مع الزائغين المستشكلين للشرائع، ليقول في بدء كل رد عليهم: أنا عبد لله، يأمرني بما شاء فأطيع، علمت حكمة ذلك أم لم أعلم، اطلعت على المقصد أم لم أطلع، فأنا عبد لله وهو يحكم ما يريد.

وقد أتبعها بالجواب على رتبتين:
- ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: {ﻗﻞ ﻟﻠﻪ اﻟﻤﺸﺮﻕ ﻭاﻟﻤﻐﺮﺏ}
ووجه اﻟﺠﻮاﺏ عن اﻟﺸﺒﻬﺔ:
ﺃﻥ اﻟﺠﻬﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﻟﻠﻪ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﺷﻲء ﻣﻨﻬﺎ ﻟﺬاﺗﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺒﻠﺔ، وﺇﻧﻤﺎ ﺗﺼﻴﺮ ﻗﺒﻠﺔ بأمر اﻟﻠﻪ، ﻓﻼ اﻋﺘﺮاﺽ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ.
فهذه ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻪ ﺻﺤﺔ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ
- ثم قال: {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}، وهذه ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻪ ﺗﺮﺟﻴﺢ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﻜﻌﺒﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﻮﻟﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮﻫﺎ.
ومن توجه لما أمره الله به فهو مهتد.

ﻭالجواب هنا جواب فيه إعراض عنهم وتبكيت، وهذا من طرق الرد على المنحرفين والمبطلين، إذ الغرض في المجادلة ليست إزاحة الشبهات فقط، بل قد يكون من أغراضه التبكيت، والإزراء.
فمن كان اعتراضه ﻋﻦ ﻋﻨﺎﺩ، ﻻ ﻋﻦ ﻃﻠﺐ اﻟﺤﻖ فيحسن أحيانا أن يجاب بما ﻻ ﻳﺪﻓﻊ عنه اﻟﺤﻴﺮﺓ، كما تجد هنا.

ولعل من حكمة التوجه لبيت المقدس أن ينزع ما في قلوب الصحابة من كل ما يعظمه الجاهليون، للتجرد القلوب لله، فإن الحاهليين كانوا يرون في الكعبة مأثرتهم، وشرفهم، واختلط التعظيم الشرعي له بالتعظيم الحاهلي الذي جعل ذلك كأي إرث أرضي أو تاريخي، حتى إذا خلصت النفوس، وارتاضت بالحق، وسلمت لله أمره، وانتفى من قلوبهم كل تعظيم جاهلي، حول الله القبلة للكعبة.

والتحول للكعبة هو مقتضى الوراثة لملة إبراهيم، وبه كمال الاتباع لملته ﷺ.

وَكَذَ ٰ⁠لِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ إِلَّا لِنَعۡلَمَ مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیمࣱ}

ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻦ اﺳﺘﻘﺎﻣﺔ اﻟﻘﺒﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻭﺟﻬﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻋﺮﻑ ﺃن هذه الأمة ﻭﺳﻂ ﻻ ﺟﻮﺭ فقال سبحانه {وكذلك جعلناكم أمة وسطا}.

وقوله: {وكذلك جعلناكم}، اﻟﻜﺎﻑ ﻓﻲ ﻛﺬﻟﻚ ﻛﺎﻑ اﻟﺘﺸﺒﻴﻪ، ﻭاﻟﻤﺸﺒﻪ ﺑﻪ ﺭاﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﻨﻰ ﻳﻬﺪﻱ، ﺃﻱ ﻛﻤﺎ ﻫﺪﻳﻨﺎﻛﻢ للإسلام والإيمان والقبلة، ﻛﺬﻟﻚ ﺧﺼﺼﻨﺎﻛﻢ ﻓﻔﻀﻠﻨﺎﻛﻢ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻛﻢ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ اﻷﺩﻳﺎﻥ ﺑﺄﻥ ﺟﻌﻠﻨﺎﻛﻢ ﺃﻣﺔ ﻭﺳﻄﺎ.
ﻭاﻟﻮﺳﻂ ﻓﻲ ﻛﻼﻡ اﻟﻌﺮﺏ: اﻟﺨﻴﺎﺭ، ﻳﻘﺎﻝ: ﻓﻼﻥ ﻭﺳﻂ اﻟﺤﺴﺐ ﻓﻲ ﻗﻮﻣﻪ: ﺃﻱ رفيع ﻓﻲ ﺣﺴﺒﻪ.

وفي البخاري عن ﺃﺑﻲ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﺨﺪﺭﻱ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ: «ﻳﺪﻋﻰ ﻧﻮﺡ ﻳﻮﻡ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻟﺒﻴﻚ ﻭﺳﻌﺪﻳﻚ ﻳﺎ ﺭﺏ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻫﻞ ﺑﻠﻐﺖ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻧﻌﻢ، ﻓﻴﻘﺎﻝ ﻷﻣﺘﻪ: ﻫﻞ ﺑﻠﻐﻜﻢ؟ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ: ﻣﺎ ﺃﺗﺎﻧﺎ ﻣﻦ ﻧﺬﻳﺮ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﻦ ﻳﺸﻬﺪ ﻟﻚ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻣﺤﻤﺪ ﻭﺃﻣﺘﻪ، ﻓﺘﺸﻬﺪﻭﻥ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ: {ﻭﻳﻜﻮﻥ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺷﻬﻴﺪا}.
ﻓﺬﻟﻚ ﻗﻮﻟﻪ ﺟﻞ ﺫﻛﺮﻩ: {ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺟﻌﻠﻨﺎﻛﻢ ﺃﻣﺔ ﻭﺳﻄﺎ ﻟﺘﻜﻮﻧﻮا ﺷﻬﺪاء ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﻳﻜﻮﻥ اﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺷﻬﻴﺪا}.

BY رياض الصالحين القرآنيـة


Share with your friend now:
tgoop.com/maajls/122

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

How to create a business channel on Telegram? (Tutorial) Read now As of Thursday, the SUCK Channel had 34,146 subscribers, with only one message dated August 28, 2020. It was an announcement stating that police had removed all posts on the channel because its content “contravenes the laws of Hong Kong.” Informative Telegram Android app: Open the chats list, click the menu icon and select “New Channel.”
from us


Telegram رياض الصالحين القرآنيـة
FROM American